
الهَمُّ السياسي وحَتْمِيَّة الحفاظ على وحدة الصف الإسلامي. بقلم المفتش عبد الأحد لوح
الهَمُّ السياسي وحَتْمِيَّة الحفاظ على وحدة الصف الإسلامي.
بقلم المفتش عبد الأحد لوح
من يراقب عن كثب ووعي، منعطفات الحملة الانتخابية وما يواكبها من مد وجزر، واحتقان وتوتر ، يشعر بنوع من القلق الشديد مصدره حدة الخطاب الطائفي المتطرف الذي بات يلوث المشهد السياسي، ويهدد المكتسبات الوجيهة التي أحرزها في الآونة الأخيرة، الطوائف الإسلامية في السنغال بخصوص التعايش السلمي المبني على الإحساس بالمسؤولية المشتركة ، والاحترام المتبادل.
ويبدو من الحرب الكلامية التي يخوضها المرشحون وأنصارهم في وسائل التواصل الاجتماعي، أن الانتماء الطائفي للمرشح يشكل محور الولاء له أو البراء منه.
ولعل من المصادفات أن المتنافسين الخمسة على كرسي الرئاسة السنغالية يحملون ألوانا طائفية تختلف حدتها ودرجة تسليط الأضواء عليها.
وإذا كان من الصعب تحديد اللون الطائفي للمرشح “ماكي سال” اعتماد على خطابه وعلى أسلوبه في إدارة العلاقات مع مختلف البيوت الدينية، فصار بذلك أقل المرشحين حظا في تركيز المراقبين على خلفياته الطائفية، فإن المرشح ” عثمان سونكو” واجه في بداية عهده بالسياسة، عاصفة من ” الشيطنة” والتهويل لاحتمال انتمائه إلى التيار السلفي الذي يسعى البعض إلى ربط توجهاته بالعنف والإرهاب، وقد وصل الأمر ببعض المُغْرضين إلى محاولة ” صب الزيت على النار” عبر اختلاق أوهام وتصورات حول نية “سونكو” تقليص دور مشايخ الطرق الصوفية إن هو وصل إلى سدة الحكم. يقولون أقوالهم هذه متعمدين التجاهل بأن “التصويت الطائفي” لم يكن في تاريخنا السياسي هما حاسما لدى معظم الناخبين والقيادات الدينية .
أما المرشحان ” عيسى سال” و ” ماديكي نيانغ” وإن كانا أرسخ المرشحين أصولا وأقداما في الطوائف الصوفية، وأوفرهم حظا في مصداقية الولاء لمشايخ الطرق التي ينتميان إليها، فإن أسلوب تعبيرهما عن الانتماء لم يصل بعدُ إلى درجة تزعج المخالفين كثيرا، وبالتالي، لا يسترعيان النظر كثيرا من هذه الناحية، خلافا للمرشح “إدريس سك” الذي أعلن قبل ما يزيد على سنة انتماءه للطريقة المريدية، بعد أن كان محسوبا على أتباع الزاوية التجانية المالكية منذ نشأته إلى التاريخ المذكور آنفا. وقد دشنت “مريدية” إدريس سك مرحلة جديدة في علاقته بالأسرتين الدينيتين في كل من طوبى وتيواون؛ ففي البداية، شك جمهور المريدين في “صدق إرادة” الرجل، واعتبروا بيعته من قبيل ” البيعة السياسية” التي هدفها الاستفادة من ثقل الطريقة المريدية في الميزان الانتخابي، ولم يتمتع الرجل بلفتة انتباه لدى كثير من المريدين إلا عند ما صرح رسميا بانضمامه إلى الطريقة في خضم الجدل الذي أثاره في السنة الماضية حول ” مكة وبكة”. ولقد أصبح “إدريس سك” فيما بعد نجما متألقا في أوساط بعض المريدين، حيث يعتبرون بيعته ورقة رابحة يمكن توظيفها لضمان سرعة الوصول إلى سدة الحكم، بل إن التعويل على فوزه في الانتخابات الرئاسية، تحول لدى البعض إلى رهان يقيسون به بركة الشيخ الخديم على مريده الجديد. وبالمقابل اختلفت ردود الأفعال حول بيعة إدريس على مستوى الأسرة التجانية في تيواون؛ فبينما تجاهلها شريحة كبيرة من العقلاء والحكما، حاول بعض الشواذ مع انطلاق الحملة الانتخابية أن ينتهزوا الفرصة للنيل من “إدريس سك ” ولتوقع خطر جسيم ينزل عليه وعلى طائفته الجديدة بفعل تجرئه على التخلي عن الورد التجاني. ويتم حاليا في الشبكات الاجتماعية تداول أفلام وتسجيلات صوتية خطيرة محورها الدعوة إلى تأييد أو إلى معارضة إدريس في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومضمونها تراشق الحجارة بين عوام الطائفتين. ومن المؤسف حقا أن بعض الخواص يدلون بدلوهم في التلاعب بالنار وتأجيج العداوة والبغضاء بين المريدية والتجانية، ويتوعدون من يدعمون أو يعارضون إدريس بشقاوة الدارين. فضلا عن أوصاف منكرة، وتُهَم باطلة يتم إلصاقها بالطائفة المخالفة في نغمة استهزائية من شأنها أن تستفز لدى الأتباع مشاعر عدائية لا تنتج إلا الدمار وتفرق الكلمة.
والحق الذي لا ريب فيه، أن فوز “إدريس سك” ليس من شأنه أن يزيد شيئا من مآثر الشيخ الخديم رضي الله عنه، وأن خسارته لا يمكن أن تنقص شيئا من بركات الشيخ الحاج مالك سي رضي الله عنه، وأن ما بين أسرة الشيخين من وشائج القربى والمودة أكبر وأهم وأبقى من لعبة السياسة ورجالها، ومن العمليات الانتخابية وظروفها واحتمالاتها.
ومن أجل هذا كله، وأمام التصعيد الشيطاني المتنامي، يتحتم على قيادات الطائفتين وعلى عقلائها دعوة الأتباع إلى كبح جماح النفس، والتحلي بهدوء الأعصاب والأخذ بأيدي وألسنة المفسدين الذين دأبهم الاصطياد في المياه العكرة، وإشعال الفتن بين الطوائف في ظل أجندة لا يتحكم أحد في منطلقاتها وخباياها وخلفياتها ومآلاتها.
ويسعدني أن أختم مقالتي هذه بما أورده الشيخ محمد البشير مباكي رضي الله عنه في كتابه ” منن الباقي القديم ” بخصوص العلاقة المثالية بين الشيخ الخديم والسيد الحاج مالك سِهْ : “وقد جرت بينهما عُرى الأرحام المتقاربة…. وكانت هذه الرحم موصولة من الطرفين، وكانت المراسلة بينهما دائمة والبراوات، لا تحدث حادثة لها بال عند أحدهما إلا ويرسل للآخر إعلاما، وكانا مُتصافِيَيْن؛ زاره شيخنا في قرية” انجارنده” في كجور، لبث ضيفا له مدة غير طويلة، وركب الحاج مالك لتشييعه مسافة طويلة، وتهاديا مرات أذكر من بينها كتابا أهداه له الحاج مالك سِهْ مع بيتين وهما :
هدية موجبها اجتـــــــــــلاب+++++++محبة يا أيها الحباب
أدام ربنا لنا حبل الوصال+++++++ وكفنا شر الذي عادى وصال
فأجابه شيخنا ببيتين :
جزاكمُ خير الجزآ الوهاب ++++++وفي صفآ الوداد لا ترتابوا
فكيف لا والمصطفى المُجاب++++ إمامنا والقِتْل لا نهاب
وكفى بهذا الشاهد من التواصل الحميم بين الشيخين دحرا لكل من يسول له شيطانه محاولة النزغ بين أتباعهما وأنصارهما المحكوم عليهم بوحدة الصف والتحرك، وحسن التعايش والتعامل؛ وفاء بحق التاريخ، والتزاما بمقتضيات هذه التركة الثمينة التي تفوق في القيمة والأولوية كل اعتبار سياسي أو طائفي…
حرر في طوبى ليلة الجمعة 9 جمادى الآخرة 1440هـ/ 15 فبراير 2019م.