
مكانة الشَّباب فِي ضوء الكتاب والسنة وتعاليم العبد الخديم، بمرقم الأخ الباحث سرين امباكي جوب خضر الطوباوي خريج معهد الدروس الإسلامية ومدرس اللغة العربية والعلوم الشرعية في معهد الخليل الإسلاميالحلقة الأولى
مكانة الشَّباب فِي ضوء الكتاب والسنة وتعاليم العبد الخديم، بمرقم الأخ الباحث سرين امباكي جوب خضر الطوباوي خريج معهد الدروس الإسلامية ومدرس اللغة العربية والعلوم الشرعية في معهد الخليل الإسلامي
الحلقة الأولى
إنَّ مرحلة الشباب مَرحلةٌ ذهبية وجوهرة نَفيسةٌ في حياة المرء بل هُو أحلَى سنينَ العُمر وأقواهَا ، إن الشباب في كلِّ زمان ومكان – وفي جميع أدوار التاريخ إلى زماننا هذا – عماد أُمة الإسلام وسِرُّ نَهضتها، ومَبعث حضارتها، وحاملُ لوائها ورايتها، وقائدُ مَسيرتها إلى المجد والنصر.
إنَّ الإسلام لَم ترتفع في الإنسانية رايتُه، ولَم يمتدَّ على الأرض سُلطانه، ولَم تَنتشر في العَالمين دعوته – إلاَّ على يد هذه الطائفة المؤمنة التي تَربَّت في مدرسة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – وتخرَّجت في جامعته الشاملة، إلاَّ أنَّ الغالبية العظمى من هؤلاء أطاعوا الضالين المضلين الذين الذين يَنغمسُون فِي حَضيض الهلاك والضياع، وحمأة الرذيلة والشذوذ ويقترفُون الفَظائع ويتعاطون المُسكرات والمُخدّرات سواء كان بصُورة مباشرة أم غير مباشرة؛ فقادوهُم للشرِّ والردى لفشو الضلال فِي المُجتمع السنغالي الذي نراه بأم أعيُننا ونسمعُ عنه بآذاننا، فلما ضاعُوا أوقاتهم فِي الملاعبِ والمقَاهي وانشغالهم بالمُوسيقي واقتداهم باللاعبين واللاعبات، أو الفنانين والفنانات، والمغنيين والمغنيات، ألبسَهم اللَّه ثوبَ الذل فما بَرنامج سِينْ بَتِ كَالِّ عَنا ببَعيد؛ الأمرُ الذي لهفَ عقول الباحثين والمفكرين، تقشعر منه القلوب ، وتنفطر منه الجفُون ، وتدمي القلوب ياله من قبح وسُوء فعل وقلة حياء وأدب !!
إذ الإيمانُ ضاعَ فلا أمان = ولا دنيا لمن لم يُحي دينًا
ومن رضِي الحَياة بغير دِين = فقَد جعَل الفناء له قَرينًا
أيُّها الشبابُّ هَا نحن نُسلط الضوء عَلى هذا البحث والتنقيب الذي يتناول” مَكانة الشباب في الإسلام ” آملاً من اللَّه الجَواد أن ينفع بهذا البحث جميع الشباب وأن يُصرف هِمهم إلى اقتقاءِ نَهج الصَّفا،والاعتناء بالتعلم، والتحلي بالآداب الإسلامية والأخلاقِ الحميدة.
تولَّانا اللَّه تبارك وتعالى وإيَّاكم يا معشر الشباب بما يتولى به السُّعداء ، فإنَّ ذلك إليه وبيَده، إنَّه ولي ذلك والقادرُ عليه، وبالإجابةِ جَدير ، والله المستعان وعليه التكلان.
وإليكُم – أيُّها القُرَّاء- خُطَّة هَذا البَحث المتَواضع، وينقسم إلى مبحَثين كل مبحث يندرجُ تحته عدة موضوعات فَرعية.
المبحث الأول: ويناول هذه العناصر التالية:
العنصرُ الأول: ماذا يُقصد بمَرحلة الشباب؟
العنصر الثاني : أهمية مرحلة الشباب.
العنصر الثالث : الإسلام والشباب. العنصر الرابع: نماذج رائعة مشرقة للشباب في القُرآن الكريم.
العنصر الخامس : دور الشباب في بناء الأمة .
العنصر السادس: اهتمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشباب
المبحث الثاني: مكانة الشباب في ضوء تعاليم العبد الخديم – رضي الله عنه -، ويشمل هذه العناصر:
مكانة الشَّباب فِي الدَّعوة المُريدية :
أ) فِي التراث الشّيخ الخديم الفِكري والأدبي .
ب) دور الشباب فِي دعوته الإصلاحية.
ج) نماذج من بعض شباب المُريدية .
د) واجبَاتُ الشباب ومسئولياتهم فِي تعاليم العبد الخديم – رضي الله عنه -.
ه) عقبات وعوائق الشباب عن القيام بدورهم المنوط عَلى عاتقِهم.
العنصرُ الأول: ماذا يُقصد بمَرحلة الشباب؟
الشباب مرحلة عمرية يمر بها الإنسان، تبدأ من سن البلوغ (أي حوالي سن الخامسة عشرة من العمر) وتنتهي تقريباً في سن الأربعين، وهناك من يجعلها تنتهي قبل الأربعين، وآخرون يوصلونها إلى الخمسين، ولكن الراجح من هذا التحديد أن مرحلة الشباب تنتهي في سن الأربعين من العمر، لأن الإنسان في هذه السن يصل إلى حده في النمو. والأصل اللغوي لكلمة الشباب يدل على أمرين: النماء، والقوة. ونجد فِي القرآن الكريم أن سنّ الأربعين داخلة فِي هَذا المعنى، كما في قوله سبحانه وتعالى: {حتى إذا بلَغ أشدَّه وبلغ أربعينَ سَنة } [1]. وهَذا معناه أن الإنسان (إذا بلغ أشدَّه) أي قوي وشبَّ (وبلغ أربعينَ سنة) أي تناهى عقله وكمل فهمه[2].
العنصر الثاني: أهمية مرحلة الشباب
هَذه المرحلة من العُمر هي أهم المراحل لما تتميز به عن غيرها، ومن ذلك ما يلي:
1 – فترة القوة والإنتاج:
نستطيع أن نقُول بأوجز عبارة في السُّطور التَّالية : يا أشباهَ الرِّجال ولا رِجال، إن الإنسان يمر في مراحل حياته بمراحل تتفاوت قوة وضعفاً، فهو يخرج إلى الدنيا صغيراً ضعيفاً، لا يعلم شيئاً، ثم يكبر شيئاً فشيئاً، فيقوى جسمه وتنمو حواسه ويزداد عقلاً وعلماً، حتى يبلغ أشده.
ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الطور في حياة الإنسان، حيث يقول الله سبحانه وتعالى { واللَّه أخرجَكم من بطون أُمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السَّمع والأبصَار والأفئدةَ لعلكم تشكرون } [3]. أي أن الله أخرج عباده من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا ثم بعد هذا يرزقهم السمع الذي يدركون الأصوات والأبصار التي بها يحسون المرئيات والأفئدة وهي العقول التي يميز يها بين الأشياء ضارها ونافعها وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلا قليلا كلما كبر زيد في سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده. وإنما جعل تعالى هذه في الإنسان ليتمكن بها من عبادة ربه تعالى فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه [4].
ولكن هَذه الفترة من القوة التي تصاحب مرحلة الشباب لا تدوم، فإن الإنسان يرد مرة أخرى إلى الضعف إذا تقدم به العمر، وإلى هذا أيضاً أشار القرآن الكريم، كما في قوله سبحانه وتعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يشَاءُ وهُو العَليمُ القَدِيرُ } . [5]. أي أحدث لكم الضعف بالهرم والكبر عما كنتُم عليه أقوياء في شبَابكم.
لم يعرف إلا النزر اليَسير من الشباب بأنَّه من الثلاثيات التي تمضي سريعا خاصة أيام السَّعادة والسرور والفَرح، ولا تَرجع إذا ذهبت ولا تُعوَّضُ، كما قال الشاعر:
ثلاثةٌ ليسَ لها إيَابُ = الوقتُ والجمالُ والشبابُ
ويقول بعضهم:
شَيئان ينقَشعَان أول وهلةٍ = شرخُ الشباب وقلَّةُ الأشرارِ
ويقول أحد الشعراء:
ألا ليتَ الشبابُ يعُود يومًا = فأُخبره بما فعَل المشيبُ
ويقول جرير بن عطية :
ولَّى الشبابُ حَميدةً أيَّامُه = لو كانَ ذلك يُشترى أو يرجِعُ
ويقُول جميل بن مَعمر أحد عشاق العرب المشهورين الذي يتمى لو يعُود له الشباب والأيام الماضية التي كان يلتقِي فيها ببُثينةَ:
ألا ليتَ ريعانَ الشبابِ جديدُ = ودهرًا تولَّى يا بُثَينُ يعُودُ
وقال الدكتور غازي في ذكر أحد أصدقائه :
مرَّ لمحًا كما يمرُّ الشَّبابُ = وتَوارى كما يغِيبُ الشِّهامُ
ولعلكَ تُلاحظ أنَّ الشعراء قديما وحديثا كانوا يتغنُّون بتذكر أيام الشباب فِي قَصائدهم لكونه من أطيب مراحل الحياة كما أسلفنَا.
ولما كانت هذه المرحلة تتصف بالقوة والنشاط والحيوية، كانت تبعاً لهذا هي مرحلة البناء والإنتاج الذي تتطلبه الأمم وتقوم عليه الحضارات في كل زمان ومكان. فإن المنخرطين في سلك العمل على اختلاف أنواعه معظمهم من هذه الفئة فئة الشباب.
2 – أفضلُ مراحل العمر:
تعود الأفضلية لهذه المرحلة من العمر لما يتمتع به الإنسان فيها من القوة والنشاط، دون غيرها، ولما يتوافر لها فيها من كمال الحواس، فهو في هذه المرحلة أقدر على الانتفاع بحواسه من أي مرحلة أخرى.
ومما يدل على كون هذه المرحلة هي أفضل مراحل العمر، هو أن الله سبحانه وتعالى عندما يجازي الناس يوم القيامة، يجعل أهل الجنة شباباً لا يهرمون أبداً. وذلك من كمال السعادة. كما أن راحة الحياة وبهجتها غالباً ما تكون في مرحلة الشباب، فهي مرحلة يتطلع إليها الصغير، ويتمناها الكبير، ولذا فقد بّكى عليها الشيوخُ وتغنَّى بها الشعراء كما أسلفنا.
3 – أطول مراحل العمر:
إن عُمر الإنسان في الغالب بين الستين والسبعين سنة، وبهذا أخبر رسول الله – صلى اللّه عليه وسلم- حين قال (( أعمار أمتي ما بين السِّتين والسَّبعين، وأقلهم من يجوز ذلك))[6]. فإن الوسط الحسابي لهذين العددين (60،70) هو 65 سنة. وإذا كان زمن سن الطفولة من الولادة حتى نهاية الرابعة عشرة، وسن الشباب من بداية الخامسة عشرة إلى نهاية الأربعين، وسن الكهولة من الحادية والأربعين حتى نهاية الخمسين. وسن الشيخوخة بعد ذلك إلى آخر العمر، نجد أن مرحلة الشباب هي أعلى نسبة في مراحل العمر، لذا فإنه يكون فيها أكثر تجارب الحياة والعمل والإنتاج.
4 – الشبابُّ عماد الأمم:
لطالما نتحدث أن الشبابَ أملُ المستقبل وقادتُه ووعدُ الخير والبناء – كما يقول محمد سعيد حوى – إنَّهم في جَميع الأطوار وفِي أي قطر من الأقطار هم عماد حضارة الأمم، وسر نهضتها؛ لأنهم في سنِّ الهمم العالية والجهود المبذولة، سن البذل والعطاء، سن التضحية والفداء. وغالباً ما يمثل الشباب النسبة العظمى من السكان في الدول النامية، الأمر الذي يقتضي مزيداً من الاهتمام به، والاستثمار فيه، حيث يعتمد نمو خيرات هذه المجتمعات، وملاحقتها لمطالب التطور وتفوق هيكل عملها وجودته على مدى جدوى عنصر الشباب فيها، ولهذا السبب نفسه نجد أنه سرعان ما ينهار أي مجتمع وتضيع قيمه إذا ما وهن شبابه، وأغلقت دونه نوافذ العلم والخبرة، بينما تتقدم المجتمعات الأخرى وتسبق غيرها معتمدة على فارق الزمن في إطلاق هذه الطاقات لأقصى ما تستطيع، وكلما اغتنمت الدول طاقات شبابها في العلم والإنتاج وبناء الحضارة زاد إنتاجها وحققت أهدافها.
يقول الشاعرُ الفلسطيني إبراهيم عبد الفتاح طوقان :
حيَّ الشبابَ وقُل سلامًا إنَّكم أملُ الغد = صحَّت عزائمكم على دَفعِ الأثيم المُعتَدي
واللّه مدَّ لكُم يدًا تعلُو على أقوى يَدِ = وطني أثرتَ لكَ الشباب كأنَّه الزهر النَّدي
يقول الإمام الحسن البنا: فمن أخصِّ خَصائص الشباب: الطاقاتُ المتقدة، والحَماسة المتفاعلة، والعاطفة الجياشة، والقلبُ النَّقي، والقوة الفتية .
[ انظر: الإمام حسن البنا مجموعة الرسائل رسالة إلى الشباب، و صناعة الشباب، محمد سعيد حوى].
العنصر الثالث: الإسلام والشبابُ
مما سبقَ علمنا أهمية هذه المرحلة من العمر، لذا فقد عني الإسلام بهذه المرحلة من العمر عناية خاصة، ووجّهها للبناء والخير، وجنَّبها الهدم والشر. فهو يهدف إلى جعل هذه المرحلة من العمر (مرحلة الشباب) مرحلة خير على مستوى الفرد والجماعة، ولكن اذاجتمع الشباب مع الفراغ والغنى من غير ضبط وتوجيه سليم ورعاية صادقة أدى كل ذلك إلى الفساد، كما قال الشاعر:
إنَّ الشبابَ والفراغَ والجِدَة = مفسِدةٌ للمرءِ أيُّ مفسَدة
وإذا تأملنا القرآن والسُّنة وهما المصدران الأساسيان في التشريع للمسلمين، لوجدنا فيهما اهتماماً خاصاً بمرحلة الشباب، سواء في الثناء وذكر الإنجازات، أو في الإرشاد والتوجيهات الخاصة بهذه المرحلة.
تعتبر أيام الشباب من أعز الأيام التي تبقى عالقة بذاكرة الإنسان، مهما عاش، لأنه كان فيها طليق الحرية.. روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما بعثَ الله نبيا إلا شابا، ولا أوتي العلم عالم إلا شابا، ثم تلا هذه الآية: (قَالوا سَمعنا فتى يذكرهُم يقال له إبراهيمُ) [الأنبياء: 60]وقد أخبر الله تعالى به ثم أتى يحيى بن زكريا الحكمة قال تعالى: ( وآتيناه الحُكـمَ صَـبيًّا) [مريم:12]. وقال تعالى: (إذ أوى الفتية إلَى الكهف) وقال جل شأنه: ( إنهم فِتية آمنوا بربهم) [الكهف: 13] وقال جل من قائل: ( وإذ قال مُوسى لفَتاه) [الكهف]
العنصر الرابع: نماذج رائعة مشرقة للشباب في القرآن الكريم
قال الله تعالى في محكم تنزيله 🙁 لقَد كان فِي قصصهم عبرةٌ لأولي الألبَاب )[يوسف:111 ]
ولقد ضربَ القُرآن الكريم المثل وقدَّم النماذج الرائعة لِلشباب المؤمن، و أثنى عَلى بعضهم أولي الألباب وأصحاب العقُول السّليمة والهمم العالية والفطنةِ الفذة في شَبابهم فِي آيات كثيرة مُستفيضة في مواضيع متفرفة، نجتزئ منها ما يلي:
* المثال الأول سيدنا إبراهيم – عليه الصلاة والسَّلام – قُدوة لكل الفتيان والشباب المُوحِّدين الشجعان الرافضين للوثنية والشرك والانحراف والضلال .
سيدنا النبي إبراهيم عليه السلام، فإنه كان يتطلّع إلى الآفاق الواسعة، ويفتش عن الحقائق الناصعة، ويملك الشجاعة العالية، فيتأمل ويفكر في ملكوت السموات والأرض ، حتى أدله الله تعالى على الحقيقة ، فآمن بالله وتبرأ من الأصنام ومن كل المشركيـن . فقال الله – تعالى – في كتابه الكريم : ( وَكَذلكَ نُري إِبرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَمَاوَاتِ وَالأرضَ وَلِيَكونَ مِنَ المُوقِنِيـنَ ) الأنعام: 78. وبهذا يصبح سيدنا إبراهيم عليه السلام القدوة لكل الفتيان والشباب الموحِّدين الشجعان الرافضين للوثنية والشرك والانحراف والضلال . هذه المواقف تصدق قَوله تعالى : { ولقَد آتينَا إبراهيمَ رُشدَه من قبل وكُنا به عالمِينَ } [ الأنبياء: 51 ] وأيُّ شابٍّ يقف متدبِّرا متأملا تصرفات هذا الشاب سيقف على منهج متكامل في تطلعات خصائص الشباب وتطلعاتهم وأهدافهم وأثرهم وحيويتهم وواجباتهم والقيم الجديرة بهم، إذ ما وجه كل ذلك التوجه الصحيح وفهمه الفهم السليم.
** والمثال الثاني سيّدنا يوسف – عليه الصلاة والسلام – الصامد أمام عواصف الشهوة ، والإغراء بالجنس ، والاغراء بالمال والجاه
يضربُ القرآن الكريم للفتيان والشباب النبي الكريم سيدنا يوسف – عليه السلام – الذي آتاه الله العلم والحكمة عندما بلغ أشده ، وأصبح الفتـى، القوي، الصابر، الصامد أمام عواصف الشهوة، والإغراء بالجنس، والاغراء بالمال والجاه، وأمام ضغوط الاضطهاد، والقمع، والمطاردة، والتهديد بالسجن، والنفي، والفتى الثائر، المكسر لكل القيود، وأغلال العبودية، وأغلال الشهوات، وكذلك أغلال المجتمع الفاسد .
قال تعالى: ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ ) يوسف : 22 . ( وَرَاوَدَتهُ التي هُوَ فِي بَيتِهَا عَن نَفسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبوَابَ وَقَالَت هَيتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحَسنَ مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظالِمُونَ ) يوسف : 23 .
لماذا لم يستجب يوسف لهوى المرأة ؟؟ وكان يُمكن أن يستجيبَ وربما عذره الكثيرون، قالوا إنه شاب والشباب شعلة من الجنون، وهو عبد والعبد يفعل ما يستحي منه الأحرار، وهو عزب ليسَ له زوجة تعفه، وهو غريب عن وطنه، والغريبُ يفعل ما لا يفعل الإنسان فِي بلده، وهو .. وهو ..، هناك أكثر من سبب كان يجعل يوسف يستجيب للمرأة ولكنه أبى كما ظهر ذلك. إنه نموذج للشاب الطاهر العفيف .
*** المثال الثالث سيدنا موسى – عليه السلام – الشجاع المغوار الذي تربى فِي محيط الطاغوت
سيدنا موسى – عليه السلام – الذي عاش في أحضان البيت الفرعوني والفرعونية، وتربى في محيط الطاغوت والجبروت والتـرف الجاه والضلال، فإن فرعون كان قد اتَّخَذَهُ ولداً له. ولكنه عليه السلام بقي متمسكاً بجذوره الرسالية ومرتبطاً بأصله الإلهي الرباني، يتجنب معونة الظالمين ، وينتصر للمظلومين ويدافع عنهم، ويَمُدُّ يَدَ العَونِ والمساعدة للضعفاء والمحتاجين، وكان يتحمل الآلام والمعاناة والمطاردة والهجرة من أجل ذلك ، ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة. قال الله – عزّ وجل -: ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاستَوَى آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ ) القصص : 14.
وعلى سبيل المثال نَجد أن القرآن الكريم يحدثنا عن الشباب بأنهم هم الذين اتبعوا الرسل وصدقوهم وآمنوا بهم، فهؤلاء أتباع موسى عليه السلام يصفهم ربهم بقوله: {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خَوف من فِرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين}[7]. يخبر تعالى أنه لم يؤمن بموسى – عليه السلام – مع ما جاء به من البينات والحُجج القاطعات، والبراهين الساطعات، إلا قليلٌ من قوم فرعون من الذرية وهم الشباب، لأن من آمن فهو معرض للإيذاء من فرعون وأعوانه، أما هؤلاء الشباب الأقوياء فقد وطنوا أنفسهم على تحمل المتاعب والمشاق في هذا السبيل، وهم يعلمون أن ما أصابهم في سبيل الله – سبحانه وتعالى- سوف يلاقون عليه أحسن الجزاء.
**** والمثال الرابع شباب أهل الكهف فِي التمسُّك بالدين القويم والفرار من الشِّرك البهيم
من هم أهل الكهفِ ؟ هم فتيةُ من الشباب الذين قد أثنى اللّه – تعالى- عليهم بالثناء العطر آمنوا بالله -سُبحانه وتعالى – وكافأهم على ذلك بزيادة الهدى حين قال سبحانه وتعالى فيهم: ( نَحنُ نقُصُّ عليكَ نَبأَهُم بالحَقّ إِنَّهُم فِتيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِم وَزِدنَاهُم هُدًى * وَرَبَطنَا عَلَى قُلُوبِهِم إِذ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ لَن نَدعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَد قُلنَا إِذاً شَطَطاً * هَؤلاء قَومُنا اتَّخذُوا من دُونهِ ءالِهةً لوْلاَ يأتُون عَليهِم بِسُلطانٍ بَيِّنٍ فمن أظلَمُ ممنْ افتَرى عَلَى الله كذِبًا * وإذِ اعتَزلتُموهُم وما يَعبُدون إلاَّ اللهَ فَأوُوا إلَى الكَهفِ ينشُر لكُم ربُّكم مِن رَحمَته ويُهيِّئ لكُم من أمرِنا مِّرفَقًا ) [8].
والفتية في اللغة العربية هم الشباب. وهؤلاء الشباب لهم قصة عجيبة ذكرها الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه، وذكر فيها من الشيء المعجز مالم يحدث لغيرهم.
إن هَذه الصور والأمثلة الواقعية الجميلة والمعبِّرة عن الأبعاد المختلفة تنطلق من مفهوم صحيح للفتوة، والشباب، والقوة، وهو التوحيد في العبودية ورفض العبوديات الأخرى، والسيطرة على الشهوات والرغبات، ونصرة المظلومين والدفاع عنهم ، ومساعدة الضعفاء والمحتاجين، والتمرد عَلى الواقع الفاسد ورفضه بشجاعة وتضحية .
إلى غير ذلك من النماذج الرائعة السَّامية للشباب الكثيرة المستفضية التي لا تُعدُّ ولا تُحصى.
** وفي المقابل نجد القرآن الكريم يضرب أمثلة أخرى للشباب المُنحرف والتائه المشاكش المعاند، والمغرور والضال والجاهل ولد نوح كنعان، الذي يحاول أبوه الصالح التقي النبي أن ينقذه من مصير مظلم ، خطير، يحاول ذلك بشتى السبل، لكنه العناد والمشاكشة وسيطرة الهوى، والسلوك الأهوج الذي لا يقبل نصحًا، ولا يتقبل توجيها ، برغم ما يراه من الخطر المحدق المحقق، فماذا حدث ؟
قال تعالى: ( وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ وَكَانَ فِي مَعزِلٍ يَا بُنَيَّ اركَب مَعَنَا وَلا تَكُن مَعَ الكَافِرِين * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللهِ إِلا مَن رَحِمَ وَحَالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكَانَ مِنَ المُغرَقِينَ ) هود : 42-43 . وبعد بضع آيات قال: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}
ومثال آخر يتحدث عنه القرآن الكريم، يعبر عن حالة الانحراف في الشباب حيث العقوق للوالدين والتمرد على الله – تعالى – والتوغل في الجهل والغي ، فقال تعالى: ( وَالذِي قَالَ لِوَالِدَيهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَن أُخرَجَ وَقَد خَلَت القُرُونُ مِن قَبلِي وَهُمَا يَستَغِيثَانِ اللهَ وَيلَكَ آمِن إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ) [الأحقاف : 17].
العنصر الخامس: دور الشباب في بناء الأمة
وحيثُ إننا نتكلم عن الشباب، فَكيف كان محَمد في شبابه عفة ومروءة وعقلا وأمانة وفصاحة وصدقا وطهرا: عذب السجايا، أزكى الأخلاق، عف الخصال واللسان، ولم يسجل أعداؤه زلة واحدة عليه في شبابه، فضلا عما وراء ذلك، فهل يكون لنا ولشبابنا وأبنائنا القدوة والأسوة ؟. [ انظر : سعيد حوى : الرسول – صلى الله عليه وسلم – وعائض القرني: محمد – صلى الله عليه وسلم وسلم- كأنك تَراه]
ويكفي شريعة الإسلام فخرا وفضلا أنَّ الخصوم بنمائها واستمرارها، واعترف الأعداء بحَيويتها وخُلودها، والفضل كل الفضل بما اعترف به المصنفون وشهد به الأعداء ، كما قال الشاعر :
شهِد الأنامُ بفضله حتَّى العدا = والفضلُ ما شَهدت به الأعداء
* يقول الدكتور(ايزكو انساباتو): ( إن الشريعة الإسلامية تفوق في كثير من بحوثها الشرائع الأوربية، بل هي التي تعطي للعالم أرسخ الشرائع ثباتا).
* ويقول العلامة (شبرل) عميد كلية الحقوق بجامعة ( فينا ) في مؤتمر الحقوق سنة 1927م: ( إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد صلى الله عليه وسلم- إليها، إذ أنه رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرنا أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون، لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة)
* ويقول الفيلسوف الإنكليزي المشهورة بِـ(برنادسُوا ) 🙁 لقد كان دين محمد موضع تقدير سَام لما ينطوي عليه من حيوية مدهشة، وإنَّه الدين الوحيد الذي له ملكة الهضم لأطوار الحياة المختلفة، وأرى واجبا أن يُدعى محمد “منقذ الإنسَانية”، وإنَّ رجلاً كشاكلته إذا تَولى زعتمة العالَم الحديث لنجحَ فِي حلِّ مشكلاتِه …).
ويقول الشاعر أحمد شَوقي :
جاء النبيونَ بالآياتِ فانصَرمت = وجئتَنا بجَديد غير مُنصرم
آياتُه كلّما طال المَدى جدد = بزينتهن جَمال العتق والقدم
لقد أشار القرآن الكريم أيضاً أن هذه المرحلة من العمر هي مرحلة القوة التي يعيشها الإنسان بين مرحلتي ضعف، كما في قوله سُبحانه وتعالى {اللَّه الذي خلقكُم من ضَعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة }[9].
لقد كان للشباب المسلم الدور الأعظم في بناء الأمم والشعوب فعلى أكتافهم قامت الحضارات، وكان لهم أثر كبير في نهضة الأمة الإسلامية على مر العصور واختلاف المجالات، فحُق لهم أن يكونوا نماذج حسنة وقدوة صالحة لشباب الأمة في كل العصور.
1ـ الشباب هُم أسبقُ الأمم إلى قبول الدعوات الإصلاحية :
الشباب قديما وحديثا هم من واجهوا الباطل وكانوا أسرع إلى قَبول الحق لأنهم أرق النّاس قلوبا وأهدأ نفسا، وليس لهم أطماع فِي الحياة كحال الكبراء والسادة كلما جاءهم رسول كذبوه قال – تعالى – في شأن المُترفين (وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ(23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) الزخرف .
أما الشباب فهُم من تصدوا للباطل بإيمان وثبات كما حدث من سيدنا إبراهيم – عليه السلام – مع قومه. وكما حدث من أصحاب الكهف مع الملك الظالم.
ونستنتج مما سبق أنَّ فئة الشباب على مدار التاريخ وفي جميع الأطوار والأقطار وعلى اختلاف الدعوات، هم أكثر الناس تأثراً وأسرعهم استجابة، بخلاف الشيوخ الذين في الغالب يتمسكون بمعتقداتهم ويؤثرون موروثاتهم، ولو تبين لهم الحق فيما يدعون إليه.
[ انظر: الشباب أمل الأمة وسر نهضتها، إعداد الشيخ : السيد طه أحمد]
وأتباع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جلُّهم من الشباب، فقد آمن به أبو بكر الصديق رضي الله عنه – وكان عمره نحوا من ثمان وثلاثين سنة، وعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أسلم ولم يبلغ الثلاثين من عمره، وكذلك علي وعبد الله بن مسعود، وسعيد بن زيد، ومصعب بن عمير، والأرقم بن أبي الأرقم، وخباب، وعشرات غيرهم، بل مئات كانوا شباباً.
2ـ أنهم عُنوان تقدم الأمة ودعامة نهضتها:
الشبابُ أغلَى ما تمتلك الأمة، الأمة تمتلك كثير من المقدرات .. مقدرات اقتصادية، ومقدرات عسكرية، ومقدرات جغرافية، ومقدرات إنسانية وأغلى ما تمتلك الأمة المقدرات الإنسانية وأغلى المقدرات الإنسانية هُم الشباب. و إذا أردت أن تعرف مستقبل أي أمة فلا تسل عن ذهبها ورصيدها المالي، فانظر إلى شبابها واهتماماته، فإذا رأيته شباباً متديناً فاعلم أنها أمة جليلة الشأن قوية البناء، وإذا رأيته شبابا هابط الخلق، منشغلاً بسفاسف الأمور، يتساقط على الرذائل فاعلم أنها أمة ضعيفة مفكّكة، سرعان ما تنهار أمام عدوها، فالشباب عنوان الأمة. كان الشباب قديمًا وحديثًا في كل أُمَّةٍ عِمَادُ نهضتها، وفي كل نهضةٍ سِرُّ قُوَّتها، وفي كل فكرة حَامِلُ رَايتها: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً) (الكهف: 13)”.
هم الذين حمَلوا راية الدعوة إلى الله، ورَفَعوا لواءَ الجهاد المقدَّس، فحقَّق الله على أيديهم النصر الأكبر ودولة الإسلام الفتيَّة. لوتصفحنا السيرة النبوية لوجَدنا كل من واجهوا جبابرة مكة وكسرى وقَيصر هُم الشباب، السابقون السابقون هُم الشباب، انظر إلى الزبير ابن العوام -رضي الله عنه – من العشرة المبشرين بالجنة كم عمره 15 سنة ، وطلحة ابن عبيد الله من العشرة المبشرين بالجنة كم عمره 16 سنة ، سعد ابن أبي وقاص 17 سنة ، الأرقم ابن أبي الأرقم 16 سنة وهو بني مخزوم يجعل بيته مقرا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يُعلّم فيه المسلمين ويربيهم على الإسلام لمدة 13 سنة رغم أن بني مخزوم كانت تنازع بني هاشم الشرف.
الدعامة الأساسية لدين الإسلام على وجه الأرض هُم الشباب أعمارهم تتراوح من 17 :30. نعم الواحد منهم صغير السن ولكنه كبير في العقل والهدف وكل شيء.
وفِي الناحية العَسكرية أيضا فقد برع عدد كبير من الصحابة الشباب – رضي الله عنهم أجمعين – أمثال : على بن أبي طالب – البطل الباسل -، وحمزة بن عبد المطلب – سيد الشهداء -، وجعفر بن أبي طالب – الطيار – ، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة – شاعر الرسُول -، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وخالد بن الوليد – سيف الله المسلول- الذي دوَّخ الروم ،وعمرو بن العاص الذي فتح مصر، وسعد بن أبي وقاص قائد القادسية، هؤلاء الأبطال الذين انتصروا على القياصرة في اليرموك ، وعلى الأكاسرة في القادسية، ونشروا الإسلام في ربوع العالم ، وما أسامة بن زيد عنا ببعيد ، هذا الشاب الذي لم يتجاوز الثمانية عشر عاما، حيث جعله – عليه الصلاة والسلام – قائداً على الجيش الإسلامي لمقاتلة الرومان، ثم أكمل أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – المهمة بعد ذلك .
لقد كان هؤلاء الشباب يعلمون أن مكانتهم عند الله بمقدار ما يضحون، وبمقدار ما يؤدون، فقاموا بواجبهم خير قيام، ونشروا الإسلام في أرجاء المعمورة، بعلمهم وأخلاقهم وصفاتهم الحميدة، فطأطأ لهم الشرق والغرب إجلالاً واحتراماً.
ويقول الدكتور عبد الله ناصح علوان ومن الأمثال الإفرنج التي سمعناها وهي حقٌّ وصدقٌ: (مَن حَفظ شبابه حُفظت له شيخُوخته).
العنصر السادس: اهتمام النبي – صلى الله عليه وسلم – بالشباب
وكان النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – يهتم بالشباب اهتماماً خاصاً، ولا عجب بذلك إذا علمنا أن الذين آمنوا معه في بداية الدعوة كلهم من الشباب فأيدوه ونصروه ونشروا دَعوته وتحملوا في سبيل ذلك المشاق طلباً لما عند الله – سبحانه وتعالى -، كما قال الشاعرُ كعب بن زهير في مَدحهم :
في عُصبة من قُريشٍ قال قائلُهم = ببَطن مكةَ لما أسلمُوا : زُولُوا
زالُوا فما زالَ أنكاسٌ ولا كُشفٌ = عند اللقَاء ولا مِيلٌ معازِيلُ
شمُّ العَرانين أبطالٌ لَبوسُهمُ = من نسجِ داودَ في الهيجَا سَرابيلُ
لا يفرحُون إذا نالت رماحُهم = قَومًا وليسُوا مجَازيعًا إذا نيلُوا
لا يقعُ الطعنُ إلاَّ فِي نُحورهم = وما لهُم عن حياضِ المَوتِ تهليلُ
وفي هذا المَعنى يقُول الشيخ الخَديم في قَصيدته “جذب القُلوب لغلام الغُيوب” مُصوّرا لنا موقفهم مع النبي – صلى اللَّه عنه – فِي غَزوة بَدر الكبرى:
سلّم على بَدر جلاَ = دُجى القُلوب وعَلا
ذوي المقاماتِ العُلى = وحزبِه وعظِّم
قَد قامَ خَيرُ البشَر = وسطَ خِيارِ الزُّمَر
إلى ذَوي التكبُّر = كالبَدر وسطَ أنجُم يومًا به اشتدَّ النّضَال = يومًا به اشتدَّ القتَال
يَومَ تعَارفِ الرِّجال = يومَ الرِّضى والوجَم
وذلكَ اليَومُ فلاَحْ = لِذي اهتدَاءٍ وَرباحْ
ْ لذِي ارتقاءٍ وصَلاَحْ = لكلِّ شَخصٍ مُسلم
يومٌ به قَد غَفرَا = ذُنوبَ منْ حضَرا
قتالَه ربُّ الوَرى = كَبيرةً كلمَم
لاقَى ذوُو الخَير الصِّحابْ = فيه ذوي الضَّير الصِّعاب
وهم معًا أُسدٌ غِضابْ = ذوُو ارتفَاع هِمم
تنازعُوا الموتَ معَا = والكلُّ منهم شَجُعا
يبغِي اللقَآ أو يُصرعَا = لحُبِّ ماحي الغُمَم
وقاتَلُوا مَن قَدْ نعَا = همُ شفيعُ الشُّفعآ
حتى الغُبارُ سطعَا = بين جبانٍ وكَم
إلى أن قال :
وسَارعُوا إلى الكِفاح = معَ السُّيوف والرِّماح
حبًّ صلاَحٍ وفلَاحْ = خلفَ الإمام الأعظَم
وقال في مَواهب النافع :
كلٌّ شُجاعُ = له اتِّباعُ = لهُ ارتفاعُ وقتَ الرفاء
نِعمَ الرجَالُ = لهُم مجَال = نِيلُو ونالُوا = وقتَ العَناء
رضَى السَّميع = عَلى الجَميع = يومَ الخُشوع = يَوم النِّداء
ومن الاهتمام بعنصر الشباب نجد ما يبينه الرسول – صلى الله عليه وسلم – من مكانة الشباب الذي ينشأ على طاعة الله سُبحانه وتعالى، فهذا الصنف من الشباب لهم مكانة عالية عند الله – سبحانه وتعالى – حيث ينجيهم من الضيق والكرب الذي يلحق الناس يوم القيامة فيظلهم الله – سُبحانه وتعالى – في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي هذا يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: (( سَبعة يُظلِّهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عَادل، وشاب نشأ في طاعة الله سبحانه وتعالى…)). متفق عليه.
أوصى بالشباب خيرا فقال – صلى الله عليه وسلم -: ( أوصيكم بالشباب خيرا فإنَّهم أرقُّ أفئدة، لقد بعثني الله بالحنفية السَّمحة فحَالفني الشباب وخَالفني الشيوخ ) رواه البخاري .
عن أنس – رضي الله عنه – أنَّه مرَّ على صِبيانٍ ، فسلَّم عليهم، وقال: كان رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – يفعله . متفق عليه.
كما أنه – صلى اللّه عليه وسلم – يدعو الشباب لاغتنام الفرص لتَكوين شخصيتهم في شتَّى المجالات، حيث يقول – عليه الصلاة والسلام -:( اغتنم خمسًا قبل خمس: “شبابَك قبل هرمَك، وصحتَك قبل سَقمك، وغناكَ قبل فَقرك، وفراغَك قبل شُغلك، وحَياتك قبل موتك”. أخرجه الحاكم فِي المستدرك .
لقد حرص نبينا الكريم – صلى اللّه عليه وسلم – على العناية بالشباب وإعدادهم إعداداً جيداً فقال – عليه الصلاة والسلام -: ( إن اللّه ليعجب من الشاب الذي ليسَت به صبوة) [ أي شذوذ وانحراف] ، وقال – صلى الله عليه وسلم -:( إن اللَّه يحبُّ الشباب الذي يفني شبابه في طاعة الله” البخاري. وقال – صلى الله عليه وسلم -: ” من يدخُل الجنة ينعم، لا ييأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبَابه “. رواه مسلم.
ومما يدل عَلى عنايته بهم أيضا هَذه الإرشادات النبوية الموجهة نجد أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – يخاطب فئة من الشباب ويُوصيهم بوصية عظيمة بقوله: (( يا معشر الشباب من استطاعَ منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء))[10]. ففي هذا التوجيه النبوي صيانة للشباب من فساد السلوك والوقوع في الإثم، الذي في الغالب يكون سببه من الدافع الجنسي، فإن الشهوة الجنسية عند الشاب قوية، وبالتالي فإنها تدفعه إلى ارتكاب المحرمات. ويفيد الحديث أن من قدر على تكاليف الزواج فعليه بالمبادرة، حتى تهدأ نفسه وتسكن شهوته. ولكن من لم يستطع تكاليف الزواج فإن النبي -صلى الله عليه وسلم – وجهه توجيهاً آخر لحفظ نفسه من عواقب هذه الشهوة، فعليه بالصوم، فإن الصائم يمتنع عن الطعام والشراب من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، وهذا مما يسبب له الإحساس بالجوع، والجوع يضعف الشهوة الجنسية عند الإنسان، والصوم يكسر الشهوات وبهذا يسلم الإنسان من عواقبها السيئة.
روى البخاري ومسلم عن عمر بن أبي سلمة – رضي الله عنهما – قال : كنتُ غلاما فِي حِجر رسُول الله – صلى الله عليه وسلَّم – (أي تحت رعايته)، وكانت يدي تطيشُ في الصفحة(أي تتحرّك هنا وهناك في القصعة)، فقال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلَّم -: (( يا غُلام ! سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليكَ)).
لقد رأينا من خِلال هذا الحديث أنَّ النبي – عليه الصلاة والسلام – إلى الخطأ الذي ارتكبه بالموعظة الحسنة، والتوجيه المؤثر المختصر البليغ…
تعامل النبي – صلى الله عليه وسلم – مع الشباب :
لقد أعطى النبي- صلى الله عليه وسلم – الشباب الثقة ومنحهم المسئولية خلافاً لما يعيشه كثيرٌ من الناس اليوم. إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد منح زيد بن حارثة وهو شاب وجعفر بن أبي طالب وهو شاب وعبد الله بن رواحة وهو شاب منحهم الثقة، وسلمهم قيادة جيش مؤتة وما أدراك ما مؤتة ! أول معركة بين المسلمين والرومان ! بل إن النبي – صلى الله عليه وسلم – أعطى أسامة بن زيد قيادة جيش فيه رجال من كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر – رضي الله عنهم -، وقد كان عمر أسامة آنذاك ثماني عشرة سنة. ويرسل معاذاً إلى بلاد بعيدة وفي مهمة عظيمة ومسئولية جسيمة يرسل معاذاً إلى اليمن ومعاذ لا يزال بعد في ريعانِ شبابه ويرسله على قومٍ ليسوا على مذهبه وملَّته وديانته ويقول له: (إنك ستأتي قوماً أهل كتاب – يعني ليسوا بمسلمين- فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) إلى آخر توجيه النبي – صلى الله عليه وسلم – لمعاذ، وهذا ابن مسعود – رضي الله عنه – يقول فيما رواه الإمام أحمد في مسنده: ( كنا نغزو مع النبي- صلى الله عليه وسلم – ونحن شباب ليس لنا نساء) يعني: لم نتزوج بعد، لا نزال فتية، لا نزال في بداية الشباب وفِي مستهل حياة الشباب.
وفي هَذا الجانب وفي إطار حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على الشباب وصيانتهم من عواقب هذه الشهوة لقد عالج – صلى الله عليه وسلم – بعض الحالات الشاذة هنا وهناك بحكمته المعهودة، كما جاء في الحديث – أن غلامًا شاباً أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – يُريد أن يدخل في الدين الإسلامي، لكنه لا يستطيع ترك الزنا تعالَوا نفق وقفة تَدبُّر وتأمل مع الِحوار الذي دار بين النبي – صلى الله عليه وسلم – وبَينه: قال الشاب: يا رسول الله ائذن لي في الزنا ؟ فصاح النَّاس به… فقال النبي: قربوه … أدن، فدنا حتى جلس بين يديه، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- أتحبه لأمك ؟ قال: لا، جعلني الله فداءك ! .قال: كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، قال: أتحبه لابنتك ؟ قال: لا، يا رسول الله جعلني الله فداءك !. قال: كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم. قال أتحبه لأختك؟ قال لا، جعلني الله فداءك !.
قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم …
قال: فوضع يده عليه وقال:” اللهم اغفر ذنبه ، وطهر قلبه، وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك يلتفت إلى شيء” [11].
وجاء في بعض الروايات أنه.- صلى الله عليه وسلم – ذكر العمة والخالة، و الشاب يقول في كل واحدة: لا، جعلني الله فداءك ! فقال الرسول : كذلك الناس – يا أخا العرب – لا يحبونه لأمهاتهم، ولا لزوجاتهم، ولا لأخواتهم، ولا لبناتهم … !! ” ولما كان جواب الحبيب – صلى الله عليه وسلم – مقنعا ومؤثراً قال الشاب: ادع الله لي يا رسول الله، فوضَع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يده الشريفة على صَدره ودعا له بثلاث دعوات قائلاً : ” اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصِّن فرجه “، يقول الشابُّ: ” واللَّه ما إن قال الرسُول ما قال، حتى انصرفتُ عنه ولا شَيء أبغض إلي نفسي من الزنا … !! ” .
فحفظ النَّسل من أهم ما دعا إليه ديننا الإسلامي الحَنيف، حيث اتفق علماء أصول الفقه على ضرورة صيانة الأركان الضرورية للحياة البشرية وهي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فقد ذكر الإمام الغزالي في كتابه المستصفى بأن حرمة الضرورات الخمس لم تبح في ملة قط .
فالإسلام يريد مجتمعاً متماسكاً، مبنيا على العلاقات المشروعة، والأخلاق الفاضلة بين أبنائه، وهذا ما تتمتع به المجتمعات الإسلامية والحمد لله فعُنوانها العفة والطهارة والنقاء.
وعناية الرسول – صلى الله عليه وسلم- بالشباب تتخذ أشكالاً عديدة منها الوصايا النافعة لهم، ومن ذلك وصيته لابن عمه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: كنت خلف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوماً فقال: (( يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظِ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشَيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء؛ لم يضُروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام ، وجفت الصحف )) [12]. وفي رواية الترمذي :(( احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدَّة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبَكَ، وأن ما أصابكَ لم يكن ليُخطئَك، واعلم أنَّ النصرَ مع الصبر، وأنَّ الفرجَ مع الكرب، وأنَّ مع العسر يُسرا )).
فهذه وصية عظيمة من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لابن عمه الغلام ابن عباس، وصية يتكفل الله -سبحانه وتعالى- لمن عمل بها أن يحفظه في أموره كلها، ومن جملتها أعز ما يملكه الإنسان إيمانه بربه، فيحفظه الله – سُبحانه وتعالى – من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرمة. ويدخل في هذا الحفظ أيضاً حفظ الشاب في ماله وبدنه وأهله وكل أموره.
ومن الوصايا القيمة التي أوصى بها النبي- صلى الله عليه وسلم- الشباب وصيته لأبي ذر – رضي الله عنه – قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: (( اتَّق الله حَيثما كنتَ، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخُلق حسن )) [13].
وهذه الوصية نفسها أوصى بها الشاب معاذ بن جبل (رضي الله عنه) حيث قال: يا رسول الله! أوصني، قال: (( اتق الله حيثما كنت -أو أينما كنت – قال: زدني قال: أتبع السيئة الحسنة تمحها، قال: زدني، قال: خالق الناس بخلق حسن)) [14].
فالوصية (اتق الله حيثما كنت) توقظ فِي الشباب مراقبة الله سُبحانه وتعالى، وخشيته، في كل زمان ومكان، فالشاب معرض أكثر من غيره للوقوع في المعصية، لقوة دافع الشهوة عنده، فإذا ضعفت نفسه وزلت به قدمه، فإنه يجد في وصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما يمحو ذنبه ويريح قلبه.
مما لا يختلف فيه اثنان أن المجتمع الذي نعيش فيه يعجُّ بالمفاسد والمغريات، ويتخبط بالانحلال والفجور… ولا شك أن الشاب حين يجري وراء هذه المثيرات والمفاتن ، ويتيه في حمأة الرذيلة والفاحشة… فإنَّ يتأثر – ولا شك – خُلقيا، وينحرف سلوكيًّا، ويكون كالحيوانِ الأعجم شهوة وانطلاقا. [ تربية الأولاد والإسلام ، للدكتور عبد الله ناصح علوان، المجلد الأول، ص: 177 ]
ومن عناية الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالشباب ما كان يعاملهم به من التقدير لحقُوقهم والاعتراف بمكانتهم، ويدل على ذلك ما يرويه سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أُتي بشراب، فشرب منه وعن يمينه غلام، وعن يَساره الأشياخ( أي مسنّين)، فقال للغلام: ((أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟ فقال الغلام: لا والله يا رسول الله، لا أوثر بنَصيبي منك أحدا، قال: فتَلَّه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في يَدهِ ))[15].
هذا الغلام هو عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما – حبر الأمة وففيهها، تلَّه بالتاء المثناة فوق: أي وضعه.
فلم يحتقر الرسول – صلى الله عليه وسلم- الغلام لصغر سنه بل اعترف له بحقه الذي شرعه له الإسلام لأنه عن يمين الرسول، فاستشاره في تقديم الشراب إلى من هو أكبر منه، ومن له مكانة عند المسلمين، إلى أفضل هذه الأمة بعد نبيها وهو أبو بكر الصديق – رضي الله عنه -. فآثر الغلام أن يشرب بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأعطاه الرسول – صلى الله عليه وسلم – فشرب.
ونفهم من هذه القصة علو همة هذا الطفل وحرصه على الحسنات والخيرات والمسابقة في الفوز بالدرجات العالية في الآخرة والبركات الحُسنى فِي دار الدنيا الفانية، وفِي ذلك فليتنافس المتنافسُون .
أضف إلى ذلك ما كان يقابلهم به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من السرور وطلاقة الوجه – وهو سيد البشر- كما يروي ذلك الشاب جرير بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: ((ما حَجبني النبي – صلى الله عليه وسلم – منذ أسلمتُ ولا رآني إلا تبسم في وجهي …))[16].
جاء في الصحيحين من حديث أنس – رضي الله عنه – قال :” كان رسُول الله صلى اللّه عليه وسلم – أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير ، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه يقُول له: (يا أبا عُمير ما فعَل النُغَير ؟)، قال الرَّواي : كان فطيما. [النغَير : طائر كان يلعبُ به].
وفي إطار عناية الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالشباب النابعة من فهم عميق بخصائص هذه المرحلة نجد النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يغفل عن ضبط حماسهم وتوجيههم إلى ما يتناسب طبيعة أعمارهم. ويدل على ذلك قصة الشباب الثلاثة الذي أبدوا حماساً في العبادة، كما يروي ذلك أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي – صلى الله عليه وسلم -، فلما أخبروا كأنهم تقالوها (وجدوها قليلة) فقالوا: وأين نحن من النبي – صلى الله عليه وسلم – قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إليهم فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ))[17]. كل ذلك شفقة من الرسول – صلى الله عليه وسلم – على هؤلاء الشباب الذين عزموا على ترك بعض ما أحل الله لهم والاجتهاد في طاعة الله – سُبحانه وتعالى-.
هذا الموقف من رسول الله من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهو يعد من أعظم المواقف الإصلاحية والتربوية في معالجة الطبائع السلبية، وفهم حقيقة الإنسَان .
وفي هَذا الإطار نفسه نجد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – يشفق على الشاب عبد الله بن عمرو بن العاص عندما أخذه حماس الشباب في قراءة القرآن كاملاً كل ليلة، فلما علم بذلك الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال له مشفقاً عليه: (( إني أخشى أن يطول عليك الزمان وأن تمل فاقرأه في شهر، فقلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال: فاقرأه في عشرة قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال: فاقرأه في سبع ، قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي فأبى)) [18].
إلى غير ذلك من التوجيهات والإرشادات النبوية التي لا يمكن حصرها ولا تَعدادها.
عناية الشباب بالعلم
يُمكن القول إنَّ أكثر علماء المسلمين قد أتموا حمل القرآن المجيد قبل البلوغ، ومنهم من كان يجمع مع استظهار القرآن قبل الاحتلام حفظ آلاف الأبيات من الشعر ومئات القصائد، والإلمام بفتاوى الصحابة -رضي الله عنهم-، وحفظ آلاف الأحاديث النبوية، بل ومئات الآف أحيانا، ومنهم من كان يفتي في مسائل الطلاق دون البلوغ، ومنهم من كان يُعد نفسه للتصنيف، فلما بلغ شرع في التأليف، يقول البخاري: (( لما طعنت في ثمان عشرة سنة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وصنف كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الليالي المقمرة، وقلَّ اسم في التاريخ إلا وله قصة إلا أني كرهتُ تطويل الكتاب)).
[ انظر “تاريخ بغداد”(2/7) و “سير أعلام النبلاء” (12/ 400)]
سُبحانك، يا من خلقتَ هؤلاء !! البخاري يصف كتاب التاريخ الكبير الذي يزيد على عشر مجلدات في سن الثامنة عشرة !! [ خلق المؤمن ، للدكتور مصطفى مراد]
ولا شك أنَّ الأولاد حين يرتبطون بالقدوة الواعية – بهذا الشكل الذي بيناه – فيتربُون على التقوى والجهاد، وينشؤون على الإخبات لله، والجرأة في الحقّ، ويدرجون على التعبد في المحراب، وعلى مقارعة الأعداء في ميادين القتال، عندئذ يكونون من النمط الذي قال عنهم الشاعر:
شباب ذللوا سبل المعَالي = وما عرفوا سوى الإسلام دينا
تعهدهُم فأنبتهم نبَاتا = كريمًا طابَ في الدنيا غصُونا
إن شَهدوا الوغى كانوا كُماة = يدكُّون المعَاقل والحُصونا
وإن جنَّ المساء فلا تَراهم = من الإشفاقِ إلا سَاجدينا
كذلك أخرج الإسلام قَومي = شبابًا مخلصًا حرًّا أمينا
كذلك أخرج الإسلام كيف تبنَى = فيأبى أن يُقيّدوا أو يهوُنا
حين يكونُون على هَذه الشاكلة يتحقق على أيديهم كل عزة ونصر وسيادة للإسلام والمسلمين.
فما أحوجَنا نحن المسلمين إلى أن نعرف دور شبابنا، وأن نعرف أهمية هذه المرحلة التي يسأل الله الناس عنها خاصة في يوم القيامة، حينما تنصب الموازين، وتنشر الدواوين ، و هناك أسئلة رئيسية أربعة، منها أن الإنسان يُسأل عن حياته وعمره، عن عمره عامة وعن شبابه خاصة، لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟ وعن علمه ماذا عمل به) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وعناية الدينُ بالشباب ليست في عَصر دون عَصر، ولا في مكان دون آخر، بل هي في كل مكان، وفي كل زمان، ولا عَجب في ذلك فقد جاء الإسلام بالخير والسعادة لكل البشرية، فمن وفقه الله لهذا الدين سعد فِي دنياه وأخراه، ومن ضلَّ عن هذا الدين فهُو على خَطر عظيم.
وأنصَحُ إخواتي الشباب بقراءة الكتُب القيمة: ” دَور الشباب في حمل رسالة الإسلام”، للدكتور عبد الله ناصح علوان. و”صناعة الشباب”، للدكتور محمد سعيد حوَّى، وتربية الأولاد في الإسلام ، وكتاب” حتى يعلم الشباب ” كلاهما للدكتور عبد الله ناصح علوان العالم والفقيه والداعية، ستجدُ فيها ما يشفي الغليل، ويروي الظمأ، وينير الطريق من العلاج الناجع فِي استئصال بعض المشكلات والانحِرافات التي يعاني منها الشباب ويشكو منها المجتَمع.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سورة الأحقاف، الآية 15. [2] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 4/158. [3] سورة النحل، الآية 78. [4] تفسير ابن كثير 2/580. [5] سورة الروم، الآية 54. [6] أخرجه الترمذي في سننه، 5/553. [7] سورة يونس، الآية 83. [8] سورة الكهف، الآية 13-16. [9] سورة الروم، الآية 54. [10] أخرجه البخاري، كتاب النكاح، حديث رقم 5066. [11] أخرجه الإمام أحمد في المسند عن أبي أمامة، حديث رقم 21708. [12] أخرجه الترمذي في سننه، كتاب صفة القيامة، 4/667، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في كتابه (صحيح سنن الترمذي) 2/309. [13] أخرجه الترمذي في سنن، كتاب البر والصلة 4/355، وقال: حديث حسن صحيح. وحسنه الألباني في كتابه (صحيح سنن الترمذي) 2/191. [14] أخرجه الإمام أحمد في المسند، حديث رقم 31554. [15] أخرجه البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأشربة، حديث رقم 5620. [16] أخرجه البخاري، الجامع الصحيح 3/48. [17] أخرجه البخاري، الجامع الصحيح 3/354. [18] أخرجه ابن ماجة 1/428.من مراجع البحث :
– الشباب أمل الأمة وسر نهضتها، إعداد الشيخ: السيد طه أحمد 18 من ربيع أول 1436 هـ، 9 من يناير 2015م
– دور الشباب فِي الإسلام، الشيخ الدكتور يوسف سلامة
– مكانة الشباب في الإسلام، أ. د. سليمان بن قاسم بن محمد العيد
– دور الشباب في حمل رسالة الإسلام، للدكتور عبد الله ناصح علوان.
– صناعة الشباب، للدكتور محمد سعيد حوى.