
العِصْيانُ والمَعاصِي فِي الكتابات الخديميةِ
العِصْيانُ والمَعاصِي فِي الكتابات الخديميةِ
كان النَّاصحُ الأمينُ الشَّيخُ الخديمُ – رضي الله عنهُ – مغرما بطاعة الله تعالى الذي حبَّب إليه الإيمانَ والإسلام والإحسانَ وكرَّهَه الكُفر والشِّرك والفسُوق والمعصية بشتَّى أشكالها؛ الأمر جَعلهُ مُربيًّا ربَّانيا وقائدا ناجحا يُحرضُ أتباعه عَلى الخيراتِ كُلِّها، وكما ينهاهُم عَن الضَّيراتِ بإلحاح شَديد في ثَنايا منظوماتهِ النّفيسة وكتاباتهِ القيّمة حِرصا عَلى فلاحهم وسَعادتهم في كلتي الدَّاريْنِ.
حُكم ارتكابِ المعاصِي
قال الشيخُ الخديم – رضي الله عنهُ – في وصيتهِ “فتح المَنَّان في جواب عبد الرَّحمان” موضّحا أنَّ المَعصيةَ مِنَ المُحرّماتِ:” … ولم يدر أنّ المَعصية ممنُوعة حَرام قلَّتْ أوجلَّتْ، ولا يجوِّزها ازدحَام الخَلق عليها واجتماعهم فيهَا بل كما كانت ثقيلةً عند الله فِي الزَّمن الأول كذلك كانتْ إلى الآن ولكن المُصيبة إذا عمَّتْ هَانتْ [1] “.
وكان الشيخ يتضرع كثيرا إلى اللهِ سائلا إياه أن ينجيهُ مِنها، فَقال في قصيدتهِ الموسومة بـ “التضرُّع المُستجاب فِي التوسل بالنَّبيّ وأربعة الأقطاب”:
هذا وإنّي اليَوم ذُو غَرامِ = لكَثرةِ العِصيانِ والإجرامِ
فقلتُ تائبا معَ استسلام = وأتوسل إلى العَلام
بحُبّه وهَؤلاء الأعلامِ = أيا غَفور اغفرِ لذا الظلَّام
وقال في خاتمة قصيدتهِ الرَّائية:
يا ربِّ بالمُصطفَى الماحِي امحُ مَعصيتِي = قَد ضيَّع العُمرَ تَسويفٌ واِصرارُ
يَاربِّ صَلِّ عَلى المُختار وارضِ به = عَنهُم رضَاءً له عَودٌ وتكرارُ
بَيانُه أصُولَ المعاصِي
قال شيخنا – رضي الله عنه – وهُو يُبيّنُ لنا أصُول المَعاصي في منظومتهِ “دُونكَ يا محمُود”:
وَجَاءَ عَنْهُمْ أَنَّ عِصْيَانَ الْجَلِيلْ = أَيْضًا لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْأُصُولْ
الْكِبْرُ وَالْحِرْصُ مَعًا وَالْحَسَدُ = فَمَنْ خَلَا مِنْهَا أَتَاهُ الرَّشَدُ
فَالْكِبْرُ قَدْ أَهْلَكَ إِبْلِيسَ اللَّعِينْ = وَالْحِرْصُ قَدْ أَخْرَجَ آدَمَ الْمَكِينْ
وَحَمَلَ الْحَسَدُ نَجْلَهُ عَلَى = قَتْلِ أَخِيهِ إِذْ حَوَى تَقَبُّلَا
ذَكَرَ هَذَا شَيْخُنَا الْمَرْضِيُّ = الْعَالِمُ الْعَدْلُ السَّمَرْقَنْدِيُّ
وأضاف فِي المجمُوعة الصُّغرى والكبرى هذا البيت:
ذَكر هَذا شَيْخُنا المَرْضيُّ = العَالمُ العَدلُ
السَّمرْقنديُّ
وكأنَّهُ يُشير إلى قول الفقيه نصر بن محمد بن إبراهيم السَّمرقندي – رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: ” وَأَصْلُ الْمَعْصِيَةِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: الْكِبْرُ، وَالْحِرْصُ، وَالْحَسَدُ، فَأَمَّا الْكِبْرُ فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ إِبْلِيسَ حَيْثُ أُمِرَ بِالسُّجُودِ، فَاسْتَكْبَرَ حَتَّى صَارَ مَلْعُونًا، وَأَمَّا الْحِرْصُ فَقَدْ ظَهَرَ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَيْثُ تَنَاوَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ لِكَيْ يَخْلُدَ فِي الْجَنَّةِ، فَأُخْرِجَ مِنْهَا، وَأَمَّا الْحَسَدُ فَقَدْ ظَهَرَ عَلَى ابْنِ آدَمَ قَابِيلَ، فَقَتَلَ أَخَاهُ حَتَّى أُدْخِلَ النَّارَ، فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَجْتَنِبَ الْمَعَاصِي، وَيَجْتَهِدَ فِي الطَّاعَةِ، وَيُخْلِصَ فِي طَاعَتِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى “.
[ ينظر: ” تنبيه الغافلين بأحاديث سيّد الأنبياء والمُرسلين “، المؤلف: أبو الليث السَّمرقنديّ، حققه وعلق عليه: يوسف علي بديوي، الناشر: دار ابن كثير، دمشق – بيروت، الطبعة: الثالثة، 1421 هـ – 2000 م، ص: (590- 591)]
تَوضيحُ الشيخ الخديم – رضي الله عنه – كبائِر العاصِينَ
قال شَيخنا الخديمُ – رضي الله عنه – في منظومته ” مُنور الصُّدور” مبيِّنا أقسام الكبائر :
كبائرُ العاصِينَ عِشرين بَدتْ = عَمن نقُولُهم صَحيحةٌ هَدتْ
عُجبٌ وكِبرٌ حسَدٌ مع ريَا = مختصَّةٌ بالقلبِ (دَالاً) فادرِيَا
رذائلُ اليدِ
وبِاليَدين القتلُ مثلَ السَّرقَه = خُصَّ، اشكُر الذي كفَاك الفَسقَه
رذائلُ الفم
وقال في منظومته “مُنور الصُّدور” :
وغِيبةٌ نَميمةٌ أكلُ الرِّبا = خُصَّت بفَمٍّ مثلُ خَمْر شُربا
كأكلِ أموالِ اليَتيم واليمِينْ = أيِ الغَموس وهْي (حَاءٌ) لاَ أمينْ
شَهادةُ الزُّور وقَذفُ المُحصَناتْ = ثامنةُ الكَبائرِ المُستَهجَناتْ
رذائلُ الفرج
زنًى، لوَاطٌ بفُروجِهم فَقط = خُصَّا فَمن مَال إليهمَا سَقطْ
فَهذِه (يَوٌ) منَ الكبَائر = دَعها، فمَا ما بعتُه بِبائرِ
فلا تَملْ إلَى ليادٍ مِنهَا = وجُملةِ الأسرَار فيكَ صُنها
رذائلُ الجَسد عُموما
أما التي جَميعُ الجِسمِ = فَأربعٌ حَاول أجلَّ قِسْم
عقُوقُ وَالدَين، والفِرارُ = من زَحفِ من جُملتِهم شِرارُ
ثالثُها: إفسَادُ مَالِ المُسلِم = رَابعُها: تَركُ الصَّلاة فَاعلمِ
لقد بيَّن لنا الشيخ الخديم – رضي الله عنه – من خلال هذه الأسباب تقسيم العلماء المعاصي والذنوب إلى عشرين كبائر باعتبار محلها ومكانها، على الرغم من كثرة الاختلاف العُلماء في عَددها، فعلّمنا بأنَّ البعضَ منها مُختصة باللسان، والبعض مختصة بالقلب وأخرى مُختصة بالفرج وما إلى ذلك حسب هذا التقسيم الآتي: أربعة فِي القلب، وهي: العُجب، والكِبرُ، والحسد، والرياء.
واثنين فِي اليدين وهُما القتل والسَّرقة.
وثمانية فِي الفم وهي: الغيبةُ، والنميمة، وأكلُ الربا، وشُرب الخمر، وأكل أموال اليتيم، واليَمينُ الغُموس، وشَهادة الزور، وقذف المُحصنات.
واثنين فِي الفَرج: الزنى، واللواط.
وأربعة أخرى مُتعلقة بجميع الجسد وهي: عقُوق الوالدين، والفِرار من الزحف، وإفساد مال المسلم، وتَرك الصَّلاة.
الشَّفقةُ عَلى العاصي أفضلُ مِن الدُّعاء عَليه
قال الشيخ الخديم – رضي الله عنه – :”… وأوصيكَ بأن ترحمَ جميعَ الخَلقِ حتى العُصاةَ ، واعلَم بأنَّ الشفقةَ على العاصي أفضلُ من الدُّعاء عليه…”. [ يُنظر ” المجمُوعة الكبرى التي تشتَمل على أجوبة ووصايا الشيخ الخديم وفتاويه عليه رضوان الله الباقي القديم، جمع وترتيب: الشيخ محمد جانج المسؤول السَّابق عن قسم التصحيح في مكتبة ومطبعة الشيخ الخديم بطوبى المحروسة، ص: 167]
وقال أبو المحامد – رضي الله عنه – في قصيدتهِ “مطلب الشفاء” وهُو يقفُ موقف مُحام لِسَائِر المُسلمين أمام ربِّهم شَفقة عَليهم:
وَاشْفِ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ عَاجِلَا = ثُمَّ قِهِمْ خَوْفًا وَحُزْنًا آجِلَا
وَنَجِّهِمْ وَعَافِهِمْ وَالْطُفْ بِهِمْ = وَلاَ تُؤَاخِذْهُمْ بِكُثْرِ ذَنبِهِمْ
فَإِنَّهُمْ وَإِنْ عَصَوْكَ يَا أَحَدْ = لِغَفْلَةٍ لَمْ يُشْرِكُوا بِكَ أَحَدْ
وَإِنَّهُمْ أَبْدَانُهُمْ لَا تَقْدِرُ = عَلَى بَلَائِكَ لِضُعْفٍ يَظْهَرُ
قُلُوبُهُمْ لَيْسَتْ تَمِيلُ أَبَدَا = إِلَى سِوَاكَ هَاهُنَا ثُمَّ غَدَا
لَكِنَّمَا تَلَصُّصُ الْجَوَارِحِ = أَفْضَاهُمُ لِأَقْبَحِ الْقَبَائِحِ
وتلصُّصُ الجوَارحِ اقترافُها للمَعاصي والمحرّمات، وأصل التلصّص: السّرقةُ أو تكرارُهَا. فشُبّه أخذ اللص لِما ليس له بتلبّس الجوارح بما نُهي صاحبُهَا عنه كما صرح به الباحث أبو مدين شعيب تياو – حفظه الله عنه – !
ويقُول: ” لَولا ثلاثة لضاعتْ ثلاثةٌ: لولا المؤمن لضاعتِ الجنَّة، ولولا الكافرُ لضاعَت النار، ولولا المَعاصي لضاعتِ الرحمةُ “.
وقال في قصيدةِ {نور الدارين} سائلا مولاه العلي القدير أن يُنجي المُسلمينَ منها:
ولتُغنِهم بكَ عن المعاصي = ولتكفهِم ضَرر كلِّ عاص
وقال في منظومتهِ (إلهام السَّلام في الذّب عن دين الإسلام) أنَّ مُوضّحا الشّيطان الرَّجيم هو الذي يجرُّهم إليها:
وجَرهم إبليسُ للعِصيان = وللتجرُّأ وللخُسران
وأما أهل السَّعادةِ فهُم بَعيدُون عَنها كلَّ البُعدِ كما قال – رضي الله عنه – في مستهل وصيتهِ” فتح المنّان في جواب عبد الرحمان”: ” الحمدُ لله نَبَّهَ أهلَ السَّعادة من نوم الغفلة والجهلِ والعصيانِ، وأغرَاهم بطلبِ الثواب والمرضات والغُفرانِ …”.
ولذلكَ كان يتَّخذُ النُّصحَ لِلعاصِي مِن أسباب الوصُولِ والوِصال، فقالَ في منظومتهِ ” دُونَكَ يا محمُودُ “:
وَجَاءَ عَنْهُمْ أَنَّ خَمْسًا مِنْ خِصَالْ = تُفْضِي الْمُرِيدَ لِوُصُولٍ وَوِصَالْ
أَوَّلُهَا: تَلَازُمُ الصَّلَاةِ فِي = جَمَاعَةٍ إِذْ هُوَ حِصْنُ الْمُقْتَفِي
وَالثَّانِ: الِاجْتِنَابُ مِنْ ذَوِي الْعِنَادْ = فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ وَمِنْ ذَوِي الْفَسَادْ
إِلَّا لِنُصْحَةٍ لَهُمْ بِرِفْقِ = أَوْ لِشَفَاعَةٍ لَغَصْبِ رِزْقِ
ثَالِثُهَا: تَقْدِيمُهُ الدُّعَاءَا = حَيْثُ اقْتَضَى لِحَاجَةٍ قَضَاءَا
قَبْلَ التَّوَجُّهِ إِلَيْهَا لِتَكُونْ = بِاللَّهِ لَا بِنَفْسِهِ حَيْثُ تَبِينْ
رَابِعُهَا: الْقِيَامُ بِالْحُقُوقِ = لِجُمْلَةِ الْخَلْقِ عَلَى التَّحْقِيقِ
لِوَجْهِ رَبِّهِمْ بِرَحْمَةِ الصَّغِيرْ = وَالنُّصْحِ لِلْعَاصِي وَحُرْمَةِ الْكَبِيرْ
وَبِالتَّوَاضُعِ وَبِالْإِحْسَانِ = لِصَالِحٍ وَلِمُسِيءٍ جَانِ
وَالْخَامِسُ: الْعَمَلُ بِالْإِقْسَاطِ = بِتَرْكِ تَفْرِيطٍ مَعَ الْإِفْرَاطِ
فَقَبْلَ ظُهْرٍ أَرْبَعًا كَعَصْرِ = لَا بَعْدَهَا وَنِصْفَهَا مِنْ ظُهْرِ
كَمَغْرِبٍ وَسِتُّ رَكْعَاتِ الضُّحَى = وَالْوِتْرُ عَنْ بَيٍ عَلَى مَا اتَّضَحَا
نَصَّ بِهَا زَرُّوقُ فِي الْوَصِيَّهْ = لَا زَالَ ذَا رِضًى وَذَا مَزِيَّهْ
مغلاقُ محبَّة التِّلميذ لشَيخه:
قال مبينا أن المعصية هي مغلاقُ محبَّة التِّلميذ لشَيخه: “… أما مغلاقُ عكسِ هذه الأشياء فإصرار على الذُّنوب والتَّسويف عَن العمل الصالح، ومحبَّة العاصين، وعَدم امتثال الأمر، وترك اجتناب النهي، وسُوء الظَّن، وترك التعلُّق به لله – تعالى – … “.[يُنظر: المجموعة الصُّغرى المحقّقة، الرَّابطة الخديمية، مطبعة المعارف الجديدة، 1440 ه – 2018م ، ص: (64)]
وقال – رضي الله عنه – وهو يُنبّهُ تنبيه من يدعي مَحبة الله ورسُوله:” فَكُلُّ مَنِ ادَّعَى حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَعَصَمَنِي بِجَاهِهِ مَعَ حُبِّ أَهْلِ الْمَعَاصِي فَقَدْ كَذَبَ “.
تَحذيرُه أتباعهُ مِن ارتكاب المَعصية ومُصاحبة العَاصِي
ولا يشك عاقل أنَّ مُرشدَنا الرُّوحي الشَّيخَ الخَديم – رضي الله عنه – كان يُحذر أتباعه كثيرا مِن نعومة أظفاره إلى يوم قَضى أن نَحبهُ مِن العِصيانِ ومُصَاحبة أهلهِ، حيثُ قال في منظومته “منور الصُّدور”:
ولا تُخالط صَاحبَ العِصيان = طَوعًا ولا تَمل لذي طغيَانِ
وكما قال في وصيتهِ للصالح عبد الله صار:
ولا تُخالطنْ صَاحبَ العِصْيان = بَلْ فِرَّ منهُ كلَّما أحْيَانِ
وقال في منظومتهِ “ملين الصدور أو مذكر القبور”:
لا تَستعنْ بنِعمةِ اللهِ عَلى = عِصيَانهِ إذ ذَاكَ كفر قد جَلا
وقال – رضي الله عنه – للشيخ دار الحسن انجاي:
فلا تَزلْ في التُّقى والرُّشْدِ مُجْتَهدًا = كَيْ لا يُلاقِيَكَ العِصْيانُ والفتنُ
وقال في منظومتهِ (تَيْسِيرُ الْغَافِرِ، فِي جَوَابِ عَبْدِ الْقَادِرِ):
بِعَكْسِ خَلْقِهِ فَرُمْ رِضْوَانَهُ = وَلَازِمِ التَّقْوَى وذَرْ عِصْيَانَهُ
وقال في منظومتهِ “وصية للمُختارِ”:
وكُنْ تاركَ العِصيان فِي النَّهار = لوجهِ ربِّكَ بالاختيارِ
وقال أيضا في معرضِ بيانه مراتب الناسِ في الظَّنِّ :”… وأما سيِّئُ الظَّنِّ فهو: …. إن منعتهُ المعصية قال: إنَّ الله تعالى لا تنفعهُ الطَّاعةُ ولا تضرُّه المعصيةُ، ويقدرُ على أنْ يُدخلَ العاصيَ الجنَّةَ، ولكنْ منعَ ذلكَ ولم يأمُر بها “..[ يُنظر: المجموعة الصُّغرى المحقّقة، الرَّابطة الخديمية، مطبعة المعارف الجديدة، 1440 ه – 2018م ، ص: (60)]
وقال فِي وصيتهِ “فتح المنّان في جواب عبد الرحمان”: “… فكيفَ يجبُ أن تفعلَ أوكيفَ تجتنب المَعاصِي لا تَعلم أنَّها مَعاصٍ حتى لا تُوقَعَ فيهَا …”.
وقال في وصيتهِ قبيل غيبته: “… وكل ما عَلمتم من الأمور أو ظَننتم أنه يُودِّي إلى مَعصية فذروه، وكلّ ما ظَننتم مُوجبا لرضوانِ الله تَعالى فافعلُوا ما استطعْتم “.
وقال في منظومتهِ “منوّر الصُّدور”:
هَل أنتَ تَعصِي مَن حَبا بالبائحِ = حتَّى تخُوض أبحُر القبَائحِ
وجَعلَ البَائح قائِدا إلَى = جَناتهِ التِي حَوتْ كلَّ إلَى
لا تَستَعنْ بنِعَم اللهِ عَلى = عِصيانِه، بَل رُمْ بها خَير عُلى
إنَّ المُباحاتِ إذا لم تُفضِ = إلى الجِنان فَلِنَارٍ تُفضِي
وفي يوم السبت رابع عشر رمضان المعظم عام دلسش 1334 هجرية بعد صلاة العصر قوله – رضي الله عنه وزادنا به انتفاعا -: ” إنما دَعوتكم لإعلامكم إن أمامَنا شيئا يحتاج إلى كثرة التضرُّع إلى الله تبارك وتعالى ليقرأ كلٌّ منكم { لقد جاءكُم رسُول } الآية مخمسة أو خمسين أو خمسمائة وليقرأها الحاضر للغائب على نيَّة له، وإن شَهر رمضان عظيم عند الله تعالى، لزومُ فِعل المعصية فيه يكفي قُبْحا، وأما تعدِّيتُه فمن أقبح القبائح كمن لم يصُمْ ولم يترُكْ غيرَه يصُوم، وإن منعت الرحمة من وقُوع شيء من ذلك هنا فسيسمَعُ في موضع آخر {إذا الكريم تحَلَّى باسم} البيت، بسم الله ارجعوا وانتبهوا ونبِّهوا، واجتهدُوا في ما أمكن من الدُّعاء والصدقةِ “. [ المنقُولات من خط الشيخ مختار بنت لوح عن الشيخ – رضي الله عنه ونفعنا به – ضمن المجموعة الكبرى، ص: (41)]
اجتِنابُ المَعصيةِ أصلٌ قويٌّ مِنْ أصُولِ التَّصوفِ
قال- رضي الله عنه – في وصيتهِ “دُونَكَ يا محمُودُ”:
وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ أَيْضَا = رَزَقَنَا بِهِ الْإِلَهُ فَيْضَا
إِنَّ أُصُولَ الْقَوْمِ سَبْعَةٌ تُرَى = أَتْحَفَنَا بِكُلِّهَا رَبُّ الْوَرَى
الاِعْتِصَامُ بِكِتَابِ اللَّهِ = وَالاِقْتِدَاءُ بِرَسُولِ اللَّهِ
أَكْلُ الْحَلَالِ وَاجْتِنَابُ الْمَعْصِيَهْ = خَامِسُهَا كَفُّ الْأَذَى فَلْتَكْفِيَهْ
سَادِسُهَا الْأَدَاءُ لِلْحُقُوقِ = وَتَوْبَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْعُقُوقِ
نَصَّ بِهَا سَيِّدُنَا الشَّعْرَانِي = الْعَارِفُ الْمُحَقِّقُ الرَّبَّانِي
وهذا قريب من معنى قول العارف بالله سَهل التُستري – رحمه الله تعالى – :” أصُولنا سبعة أشياء: ” التمسُّك بكتاب الله تعالى، والاقتداء بسنة رسُول الله – صلى الله عليه وسلم -، وأكل الحلال، وكف الأذى، واجتناب الآثام، ولزوم التوبة، وأداء الحُقوقِ “. [ طبقات الصوفية، أبو عبد الرحمن السلمي (ت 412 ھ)، تحقيق: نور الدين شريبه، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط3، 1418ھ -1997م، ص: 210، وأيضا التصوف الإسلامي والإمام الشعراني، لطه عبد الباقي سرور، ص:(70- 75)]
الامتناعُ عَن المعاصِي عينُ التَّقوى
فها هو ذا يقول في وصيتهِ “فتح المنان في جواب عبد الرَّحمان لُوح ” مبيّنا أنَّ الامتناعَ عَن المعاصِي هو عينُ التَّقوى: “… فالاكتسابُ فعل الطاعاتِ، والاجتنابُ الامتناعُ عَنِ المعاصِي والسَّيئاتِ وهُو التَّقوى “.
بَيانهُ حُرمةَ طاعةِ العاصِي
قال الشيخ الخديم – رضي الله عنه – في وصيته التي أوصَى بها نَجله الشيخ محمد الفاضل امباكي المسماة المشهورة بـ”تطهير” وهُو يَنهاهُ عَن طَاعةِ العاصِي:
وبالمَعاصِي لا تُطع مَخلُوقا = فإنَّهُ – وُفِّقتَ- لَن يَليقَا
ورد في الحديث النَّبوي: ( السَّمع والطاعة على المرء فيما أحب أو كره إلا أن يؤمرَ بمعصية فلا سَمْعَ ولاطاعةَ ) [ رواهُ البخاري ] .
وقال أيضا في حديث آخر: ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) [ رواه أحمد (1098)]
وقال الشَّيخُ ناظما هذا الحديث في منظومته ” الجوهر النَّفيس”:
حديثُ لا طَاعةَ للمخلوقِ = فِي مَعصيةِ الخالقِ فَالميثاقَ قِ
وقال – رضى الله عنه – في وَصيتهِ لمحمودَ:
فَكُلُّ مَا فِيهِ رِضَى اللهِ جَرَى = فَلَا تَخَفْ فِيهِ مَلَامَةَ الْوَرَى
فَلَيْسَ يُغْنِيكَ رِضَى الْخَلْقِ إِذَا = لمْ تُرْضِ مَوْلَاكَ فَحِدْ عَنْ ذَا لِذَا
وَلَا يَضُرُّكَ إِذَا أَرْضَيْتَا = مَوْلَاكَ سُخْطُ مَنْ لَهُ عَصَيْتَا
وقد فرض الله تعالى عَلى المؤمنين قاطبة طاعة أولي الأمر، ويتضمن أولو الأمر فِي الآية على الحكام والرؤساء والملُوك، وفي هذا السِّياق يقول الشيخ الخديم – رضي الله عنه – في منظومته « فيض الغني المغني»:
وَاجْعَلْ مِنَ الْوَاجِبِ عِنْدَ اللهِ = طَاعَةَ عَيْنٍ لَمْ يَكُنْ بِلَاهِ
كَالْأُمَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الْعُلَمَا = مَنْ يَأْمُرُونَ بِبُرُورٍ عُلِمَا
فَكُلُّ مَنْ أَطَاعَ عَيْنًا جَاهِلَا = فَلَا يَزَالُ خَائِفًا وَذَاهِلَا
حَدِيثُ: (لَا طَاعَةَ لِلْمَخْلُوقِ فِي = مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ) تَوْقِيفِي قِفِ
أسْبَابُ المعاصِي
– الاستعجال
وقد تتولّد المعصيةُ من الاستعجال، وفي ذلكَ يقُول في وصيتهِ قبيل غيبتهِ البَحريةِ: ” … وأما الاستعْجالُ فإنَّه الخصلةُ المفوتةُ للمقاصد المُوقعة في المَعاصِي”.
– مجالسة الجاهلِ
تتطرق الشَّيخُ الخديم – رضي الله عنهُ – إلى بَيان أضرار مُجالسة الجَاهل فذكر منها النِّسيان والمعصية، حيث قَالَ – عَلَيْهِ أَكْبَرُ رِضْوَانٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الْبَاقِي الْقَدِيم -: ” فَجَمِيعُ الْمَجَالِسِ سَبْعَةٌ: مُجَالَسَةُ الْوَلِيِّ، وَمُجَالَسَةُ العَالِمِ، وَمُجَالَسَة الْغَنِيِّ، وَمُجَالَسَةُ الْفَقِيرِ، وَمُجَالَسَةُ الْجَاهِلِ، وَمُجَالَسَةُ النِّسَاءِ، وَمُجَالَسَةُ الصِّبْيَانِ، وَكُلُّ مَنْ جَالَسَ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا الشَّيْئَانِ: مُجَالَسَة الْوَلِيِّ (زُبَ) الزُّهْدُ وَالْبَرَكَةُ، وَمُجَالَسَةُ الْعَالِمِ (عِحِ) الْعِلْمُ وَالْحِكْمَةُ، وَمُجَالَسَةُ الْغَنِيِّ (حِرَ) الْحِرْصُ وَالرَّغْبَةُ، وَمُجَالَسَةُ الْفَقِيرِ (شُغِ) شُكْرُ اللَّهِ وَالْغِنَاءُ، وَمُجَالَسَةُ الْجَاهِل (نِمَ) النِّسْيَانُ وَالْمَعْصِيَةُ، وَمُجَالَسَةُ النِّسَاءِ (ذُمَ) الذُّلُّ وَالْمَعْصِيَةُ، وَمُجَالَسَةُ الصَّبِيِّ (ضَلَ) الضَّحْكُ وَاللَّعِبُ “.[ المجموعة الصُّغرى المُحقّقة، ص: (123)]
آفاتُ المَعاصِي
– المَعاصِي تَسبِّبُ مَيت القلبِ
لقد قال الشَّيخُ – رضي الله عنه -: “… والقلبُ الميتُ يموتُ بارتكاب المَعاصي والذنوب والذنب الصغير إذا استَرقيته اعتلي والمُثقِل إذا استَرقيته انسَفل …”.
– المَعصية تضرُّ ولا تنفعُ وتُوجبُ الخُسرانَ
قال في وصيته لأتباعهِ قَبيل غيبتهِ البحريةِ: “… فَمَن أراد شَرف الدَّارين فليتقِّ الله، فأعلى مَراتب التَّقوى اجتنابُ كل ما فيهِ ضَرر لأمر الدِّينِ وهو المَعصيةُ والفُضولُ “.
وقال في منظومته “مسَالك الجنان في جَمع ما فرقه الدَّيماني”:
إخلاءُ عَبد نَفسًا من طاعَه = يُوجبُ حَسرةً له فِي السَّاعه
أما إذا أخْليتَها فِي المَعصيَه = فذاكَ خُسرانٌ مُبينٌ فَادْريَه
– دُخُول النَّار ومُلاقاة الخِزيانِ
قال في منظومتهِ “بِسْمِ الإلَهِ وَهُوَ الرَّحْمَانُ”:
وَلَا تَمِيلُوا لِذَوي الْعِصْيَانِ = مَنْ خُلِقُوا لِلنَّارِ وَالْخِزْيَانِ
– الاصرارُ عَلى المَعاصي عَلامةُ الشَّقاوةِ
قال العبد الخديم – رضي الله عنه -:” … وأما السِّتةُ التي أنْهاك عَنها … والرَّابع الإصرارُ عَلى المَعاصِي؛ فإنَّ الإصرارَ مِنْ عَلامةِ الشَّقاوةِ … “.[ المجموعة الكُبرى، ص: (58- 60)، ديوان سلك الجواهر، ص: (312 – 313)، من وصايا الشيخ الخديم، ص: ( 90 -91) ]
وقال أيضا في منظومته “مَسالكِ الجنان”:
والعُجبُ أقبَحُ مِن العِصيانِ = لصَرفهِ العَبدَ عَن الدَّيانِ
إلى اكتفَائه بأمرِ نَفسِه = لسَفهٍ وغَفلةٍ بعكسِهِ
– كَثرةُ العصيان توجبُ عمى البصيرة
قال مبينا أن من أضرار المعصيةِ أنها توجبُ عمى البصيرةِ فِي مَنظومتهِ الموسومة بـ “دُونكَ يا محمُود” :
وَلِعَمَى بَصِيرَةٍ أَسْبَابُ = ثَلَاثَةٌ وَكُلُّهَا حِجَابُ
قُلْ كَثْرَةُ الْعِصْيَانِ وَالتَّصَنُّعُ = بِطَاعَةٍ وَفِي الْبَرَايَا الطَّمَعُ
فَلْتَنْظُرُوا ذَلِكَ فِي (رُوحِ الْبَيَانْ) = بَعْدَ (فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) فِي الْعَوَانْ
يَتضمن هَذا الكلام قول صاحبِ “رُوح البيان” في تفسيره قال بعضُ العارفين: ” وأسبابُ عمى البَصيرة ثلاثة: إرسالُ الجَوارح في معاصِي الله، والتَّصنُّع بطاعة الله، والطَّمع في خَلقِ اللهِ، فعندَ عِماها يتوجَّه العبدُ للخَلقِ ويعرض عَن الحَقّ “. [ يُنظر تفسيره لقَوله الله تَبارك وتعالى: { … صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [سُورة البقرة، الآية: (18)]
وعَزاهُ شارح “الحِكم العطائية” عَن الإمام العارف بالله مولانا أبي الحَسن الشَّاذلي – قدس الله سرَّه – بهذا اللفظ: ” عِمى البَصيرة في ثلاث: إرسالُ الجوارح فِي مَعاصي الله، والطَّمع في خلقِ الله، والتصنُّع بطاعةِ الله “. [ ينظر: كتاب : “إيقاظ الهمم في شرح الحِكم”، المؤلف: الشيخ أحمد بن عجيبة ج 1، ص: (72)].
مِن فوائد تَركِ المعاصي
– تُفضِي إلى نَيل الإلَى والمُنى والوَطرِ
قال – عليه رضى الباقي القديم – في قصيدته ” تجريبُ القلم والمِداد في دين من هدى بالسَّداد “:
وامنَعْ جَوارِحَكَ مِنْ عَودٍ إلى = مَعصيةٍ في العُمرِ تحتَوي الإلَى
وقال في مَنظومتهِ “الجوهر النفيس”:
وحِفظُه الجَوارحَ البَطنُ لسَانْ = فَرجٌ ورِجْلانِ وعَيْنان يَدَانْ
سَابعُها أُذنانِ مَنْ لها رَعَى = عَن المعاصِي حَاز قَصدا أجْمعَا
– عَدمُ المَعصيةِ هُو الكرامةُ العُظمى للأولياءِ
قال الشيخُ الخديمُ – رضي اللهُ عنه -:
كَرَامَةُ الْوَلِيِّ أَنْ لاَّ يَعْصِيَا = فِي ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ إِنْ عُصِيَا
وقال فِي شَرحِه:” يَعْنِي: أَنَّ الْكَرَامَةَ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَّطْلُبَهَا كُلُّ وَلِيٍّ تَرْكُ الْمَعْصِيَّةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَذَلِكَ أَجَلُّ الْكَرَامَاتِ كُلِّهَا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَّنَالَ ثَوَابَ مَنْ أَمَرُهُ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَكُن كَذَلِكَ فَلْيُكْثِرِ الاِسْتِعَاذَةَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَالتَّوْبَةِ إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا أَمَرَ فِي أَوَائِلِ الحُرِوفِ فِي قَوْلِهِ: ” عُوذُواْ بِرَبِّكُم ” إلخ. والله يختصُّ برَحمتهِ مَنْ يَّشاءُ، واللهُ ذو الفَضلِ العَظيمِ “.[ المجموعة الكبرى، ص: (64 – 68)]
– تَركُ العِصيان يَجلُبُ الأنوار والأسرار
قال – رضي الله عنهُ – في أبياتهِ المخرجة من الضَّيراتِ والجَالبةِ إلى أحسَن الخَيراتِ:
اجْتنبُوا العِصْيان والإصْرارَا = فِيهِ تَحُوزُوا النُّور والأسْرارَا
وقال – رضي الله عنه – : “… تركُ المعصية أفضلُ من الاستغفارِ… “. [ المجموعة الكبرى، ص: (520)]
الأسبابُ المُنجيةُ مِن المعاصِي والعِصْيانِ
– مُراعاةُ الشَّريعةِ والتَّصوُّف
قال مُبيّنا بِأنَّ الشَّريعةَ والتَّصوّفَ يُنجيان مِنها: «الْمُسْلِمُ بَيْنَ سِجْنَيْنِ: سِجْنِ الشَّرِيعَةِ وَسِجْنِ الْحَقِيقَةِ؛ فَالشَّرِيعَةُ تَسْجُنُهُ عَنِ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ، وَالْحَقِيقَةُ تَسْجُنُهُ عَنِ الْمَعَاصِي الْبَاطِنَةِ: كَالْحَسَدِ وَالْكِبْرِ وَغَيْرِهِمَا، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ جَمِيعًا مِنْهَا. وَالسَّلَام». [ المجموعة الصُّغرى، ص :(89)]
– الإخلاصُ يعصِم مِنهُ
قال الشيخُ الخديم – رضي الله عنه – :
وُقِيَ مَنْ يَعْبُدُ بِالْإِخْلَاصِ = مُجْتَنِبًا عَنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي
أَنْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُ وَأَنْ خَسِرْ = وَبِرِضَى الله بِفَضْلِهِ ظَفِرْ
وُجُوبُ الصَّبرِ عَنِ المعاصِي
قال في قصيدته ” بسم الإلهِ وهو الرَّحمان “:
وَلْتَصْبِرُوا عَنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي = يَكْفِكُمُ الرَّحْمَانُ ضُرَّ الْعَاصِي
وقال – رضي الله عنه – في منظومته “إلهام الودود في جَواب محمُود”:
وكُن صَبُورا عَن معاصٍ وعَلى = طَاعتهِ جَلَّ فتُعطَى الأمَلاَ
وقال أيضا:
ولا تُنازع العُصاةَ وارغبِ = في ما لدَى رَبّكَ مُعطي الرَّغبِ
فَكلُّ مَنْ صَبرَ عَنْ معَاصِ = مالَ إلى سِواهُ كلُّ عَاصِ
وقال شَيْخِنَا الْخَدِيمِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:” الصَّبْرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَالصَّبْرُ عَنِ الْمَعَاصِي، وَالصَّبْرُ فِي امْتِثَالِ الْأَوَامرِ،
الْأَوَّلُ الدَّوَامُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ مَعَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ الْمُصْلِحِ،
والثَّانِي الْإِغْضَاءُ أَبَدًا عَنِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالشِّرْكِ مَعَ الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ وَاللَّغْوِ،
وَالثَّالِثُ الدُّخُولُ فِي بَيْتِ الْأَوَامِرِ بِلَا خُرُوجٍ وَلَا الْتِفَاتٍ وَالِاجْتِنَابُ عَنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي وَالْفِرَارُ مِنْ أَهْلِهَا، وَفَسَّرَهُ النَّحْوِيُّونَ بِقَوْلِهِمْ: الصَّبْرَ عَلَى، وَعَنْ، وَفِي “. [ المجموعة الصُّغرى المحقّقة، ص: (69)]
وقال أيْضًا: ” …. اعلَم بِأَنَّ (عَنْ)، وَ(عَلَى)، وَ(فِي) لَهَا مَعَانٍ: لِأَنَّ عَنْ لِلتَّجَاوُزِ وَعَلَى لِلاِسْتِعْلَاءِ وَ(فِي) لِلتَّدَاخُلِ وَالصَّبْرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الصَّبْرُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالصَّبْرُ فِي الْبَلَاءِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُ، فَالصَّابِرُ عَنِ الْمَعَاصِي فَمَأْمُورٌ بِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَالصَّابِرُ عَلَى الطَّاعَاتِ فَبِعَدَمِ مُفَارَقَتِهِ مِنْهَا طُولَ عُمْرِهِ مَأْمُورٌ، وَالصَّابِرُ فِي الْبَلَايَا – أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا – فَمَأْمُورٌ بِعَدَمِ إِخْرَاجِهِ نَفْسَهُ مِنْهَا، يَنْتَظِر الْفَرَجَ مِنَ اللَّهِ “.[ المجموعة الصُّغرى المحقّقة، ص: (111- 112)]
وُجُوبُ التَّوبةِ مِن العِصيانِ
قال الشَّيخُ الخديمُ – رضي الله عنهُ – في منظومتهِ (جالبة البُرور ودافعة الغُرور) وهُو يأمُر المُريدَ أن يتُوبَ من العِصيانِ:
فَلْتَنْوِ تَوْبَةً لِذِي الْعِصْيَانِ = لِوَجْهِ مَنْ نَهَى عَنِ الطُّغْيَانِ
وقال عليه رضى الباقي القديم – في قصيدته ” تجريبُ القلم والمِداد في دين من هدى بالسَّداد “:
وعَجِّلِ الإقْلاعَ مِنْ مَعاصِي = بتَوبةٍ لغافِرِ لِلعاصِ
وقال أيضا في منظومتهِ “مسالك الجنان”:
فَحقُّه في كثرةِ العصيَانِ = خَوفٌ وتَوبةٌ بلا تَوانِ
بكثرةِ البُكاءِ والتضرُّعِ = معَ ابتهَالٍ واقتنَاصِ الوَرَع
والشُّكرُ إذ لَم يكُ ذنبًا أكبَرا = ولستَ مُستحِلَّهُ للاِزدرَا
معَ ملاحظةِ لُطفِ اللَّه ثمَّ = خَفي منَّةٍ له حيثُ تَؤُمّ
إذ ربَّما تكونُ هذي سَبَبَا = لِكفِّ عُجبِه إذا مَا اكتَسبَا
وقال – رضي الله عنه – في منظومتِهِ “فيضِ الغني المغني ” مبيِّنا أن الله يكفِّر الذُّنوب الكبيرة باجْتنابِ الصَّغائِر:
وصَفَحَ الغفَّارُ لِلعِبادِ عَنْ = كبَائرِ العِصْيانِ حيثُ التَّوْبُ عَنْ
وباجْتنابِهم كَبائِرَ غَفَرْ = لهُم صَغائِرَ فَفازُوا بِظَفَرْ
وهذا القول مُستنبطٌ من قولهِ تبارك وتعالى: { إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا} [ سورة النِّساء:31] وقوله: { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات} [ سُورة هود: 114]. وقوله تعالى: { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيمًا} [ سُورة الفرقان: 70].
وقال في حُكم مُرتكب الكبيرةِ في مَنظومتهِ “فيض الغنيّ المغني” :
وللمَشيئةِ يصيرُ مَن أبَى = تَوبا لمَن خَلقَ أُمَّا وأبَا
وكلُّ ذَنبٍ غَيرَ شِرْكٍ يُغفرُ = والشِّركُ لا يُغفر لا يُكَفَّرُ
إلا بتَوبةٍ نَصُوحٍ وهْي لاَ = تَتركُ عِصيانًا دَعِ التحيُّلاَ
فلو لم نُمسِكْ عِنانَ القلم لأتينا فِي هذا البَحث المُتواضع بأقوال كثيرة مِن أقواله العبد الخديم – رضي الله عنه – المقتبسةِ من ثنايا كتاباتهِ الرّائقة ومنظوماته النَّفيسة ووصاياه القيمة، ولكنَّ عَلينا أنْ نشدُدَ أيْدينا بهذه الوُريقات ونجعلها نُصْبَ أعيُنِنا، لاسيما أهل السُّلوك، فالله تعالى ندعو أن يُوفّقنا بفضلهِ العظيم وإيَّاكم لِلتَّحقيقِ .
بمرقم الأخ الباحث سرين امباكي جوب خضر الطوباوي خريج معهد الدروس الإسلامية ومدرس اللغة العربية والعلوم الشرعية في معهد الخليل الإسلامي وفتح المنان بطوبى دار القُدوسِ.
ضحوة الثلاثاء 12 ذي القعدة 1440 ه – 16 يُوليُو 2019م .
الهوامشُ:
1- قال ابن القيِّم – رحمه الله تعالى -: ” المعصية نوعان: كبائر، وصغائر؛ فالكبائر: منها الرِّياء، والعُجْب، والكِبْر، والفَخر، والخُيلاء، والقُنوط من رحمة الله، واليأس من رَوْح الله، والأمْن من مكْر الله، والفَرَح والسرور بأذَى المسلمين والشَّماتة بمصيبتهم، ومحبَّة أن تَشيعَ الفاحشة فيهم، وحَسَدهم على ما آتاهم الله من فضْله، وتمنِّي زوال ذلك عنهم، وتوابِع هذه الأمور التي هي أشدُّ تحريمًا من الزِّنا وشُرْب الخمر، وغيرهما من الكبائر الظاهِرة “. [ كتاب مدارج السالكين (1/ 113)].