
هكذا تحوّل المظلوم إلى الظالم.. في جنوب أفريقيا!!
هكذا تحوّل المظلوم إلى الظالم.. في جنوب أفريقيا!!
أنفقت نيجيريا بين عامي 1960 و1995 حوالي 61 مليار دولار لتحرير جنوب أفريقيا – وغيرها من دول أفريقيا الجنوبية – من الأرباتهايد (الفصل العنصري), ووضعت تدابير لحماية “نيلسون مانديلا” وقدمت 300 جواز سفر نيجيري وتعليما مجانيا للجنوب أفريقيين المناضلين من أجل الحرية في “المؤتمر الوطني الأفريقي” (بمن فيهم رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي).
في ثمانينات القرن الماضي, قُتل 80 زيمبابويّ في قنابل زُرعتْ لاغتيال زعماء “المؤتمر الوطني” الجنوب أفريقي, بينما منحت إثيوبيا أيضا “نيلسون مانديلا” جواز سفرها عام 1962.. إضافة إلى تضحيات ثمينة ومجهودات جبارة قدمها الأفارقة لنجاح مساعي نضال الجنوب أفريقيين وكفاحهم.
اليوم, يتكرر استهداف هؤلاء الأفارقة المقيمين في جنوب أفريقيا من قبل بعض الجنوب أفريقيين؛ نيجيريون, زيمبابويون, زامبيون, تنزانيون, مالاويون وحتى الإثيوبيون والصوماليون وغيرهم من غير الأفارقة (كالهنود, البنغاليون, الباكستانيون).. كلهم مستهدفون بالقتل والرمي بالحجارة, وسرقة الممتلكات حتى مع حضور شرطة جنوب أفريقيا أحيانا, بدعوى أنهم يسلبون من المواطنين الوظائف المخصصة لهم, أو أن حكومتهم توظفهم كسائقي سيارات الأجرة, أو أنهم أصبحوا يسيطرون على تجارات أو قطاعات معيّنة.
ومن الجميل أن نرى الانتقادات وردود الأفعال من الحكومات الأفريقية ضدّ هذه الهجومات اللاعقلانية والقتل والنهب النابع من الحقد والكراهية التي يحملها هؤلاء الجنوب أفريقيون ضد إخوانهم الأفارقة والأجانب الناجحين في أعمالهم وتجاراتهم؛ كاستدعاء السلطات النيجيرية للمفوض السامي لجنوب إفريقيا في نيجيريا للاحتجاج حول قتل مواطنيها في جنوب إفريقيا, وإرسال وفد إليها لاستشراف الوضع والاجتماع مع رئيس جنوب أفريقيا “سيريل رامافوسا” لتعويض أصحاب الشركات النيجيريين الذين دُمّرت تجاراتهم مع ضمان توفير الحماية لهم.
كما ألغى اتحاد كرة القدم في زامبيا المباراة الودية المخطط لها مع المنتخب الجنوب أفريقي احتجاجًا على الهجمات المستمرة, وأصدر كل من الاتحاد الأفريقي والسلطات الإثيوبية بيانات شديدة اللهجة, بينما انسحبت الكونغو الديمقراطية وملاوي ونيجيريا من حضور الاجتماع السنوي لـ”المنتدى الاقتصادي العالمي” حول الاقتصاد الأفريقي والذي بدأ اليوم الأربعاء في كيب تاون – جنوب أفريقيا, ردًا على الهجمات المستمرة على الأفارقة والرعايا الأجانب.
ومع ذلك, فإنّ الإجراءات لتفادي حدوث هذه الحادثة المتكررة في المستقبل يجب أن تكون أكثر صرامة – ليس فقط من الدول الأفريقية الباقية, ولكن من حكومة جنوب أفريقيا وسياسييها الفاشلين (هناك زعماء من حزب “المؤتمر الوطني الأفريقي” الحاكم وأفراد من حزب “التحالف الديمقراطي” المعارض يعلّقون فشلهم في تمثيل أدوارهم السياسية وإخفاقهم في توفير الوظائف لرعاياهم على وجود الأفارقة والأجانب داخل جنوب أفريقيا, رغم أن هؤلاء الأفارقة والأجانب غالبا ما يقومون بأعمال يفرّ منها المواطنون أو تجارات صغيرة لتحسين حياتهم ومعيشتهم).
“يجد القادة السياسيون الكبار (بجنوب أفريقيا) هدفا سهلا في الأفارقة المستضعفين الذين يسعون إلى بناء إقامة جديدة في جنوب إفريقيا … في الواقع، هناك اتجاه ناشئ خطير من الشعوبية المعادية للأجانب والذي يؤدي إلى هجمات على الرعايا الأجانب”؛ هكذا قالت حملة “Right2Know” في بيانٍ.
وخلصت دراسة أجراها باحثون في جامعة “ويتواترسراند” في جوهانسبرج عام 2016 حول العنف النابع من كراهية الأجانب إلى أنه: “خلال العقد الماضي، رأينا علاقة قوية بين الاحتجاجات السياسية ونهب الأعمال التجارية الأجنبية … يحتاج القادة المحليون إلى احتجاجات للحفاظ على سلطتهم وشرعيتهم. ويحتاج المتظاهرون إلى من يُطعمهم. .. والنهب وسيلة لملء بطونهم.”
وللتوضيح, لا أحد بكامل عقله يعارض معاقبة الأفارقة والأجانب ومساءلتهم وفق القانون – إذا ما ارتكبوا جرائم أو تعدّوا حدود القانون في جنوب أفريقيا. ولكنّ ما نرفضه هو نهب دكاكينهم وإحراق محلاتهم وتجاراتهم, والهجوم عليهم في منازلهم وقتلهم أثناء مرورهم في الطرقات.
.. بل إن العلاقة الإنسانية والأخوّة الأفريقية والمساهمات التي قدمتها الدول الأفريقية أثناء معاناة الجنوب أفريقيين ويلات التمييز العنصري تتطلب من الجنوب أفريقيين التعقّل وتفضيل الطرق السلمية والوسائل القانونية في حلّ أيّ قضية شائكة بينهم وبين إخوانهم.. وليس أن يتحوّل المظلوم إلى ظالمٍ يقتل أعوانه!!