الدين و الترييةالسياسةالصفحة الرئيسيةالعمل والمستجداتملتقى الشباب

الإنسان = الحرية . عبد الرحمن بشير

الإنسان يولد حرا ، ولكنه لا يبقى حرًّا ، والسبب البيئة المحيطة به ، فقد تكون مساعدة له فى تحقيق حريته ، وقد تكون معيقة ، وتعمل فى تحقيق عالم من العبودية ، ولهذا فلا بد من تحقيق عالم مليئ بالأفكار ، والأحلام ، وإلا فالأفكار المرهقة تصنع إنسانا مرهقا .

الإنسان لا يملك حريته إزاء الإنسان الآخر ما لم يوجد الإنسان قانونا يدافع عن الحرية بأحكام دستورية قابلة للتنفيذ ، ولهذا قال الفقهاء : الأصل البراءة ، فهي كلمة رائعة من علماء الأصول ، فالأصل فى الحياة البراءة من التكليف ، فلا بد من نص مقطوع به ، أو راجح الظن يمكن إعماله ، وإلا فلا تكليف ، ولهذا يرى المحققون من الفقهاء أنه لا تكليف بدون نص ، وهذا يعنى فإن البراءة الأصلية تعنى التحرر من التكليف ، فالتكليف طارئ ، والحريّة هي الأصل .

الكرامة الإنسانية مسألة ذات أبعاد فلسفية وأخلاقية ، فلا كرامة بدون شعور حقيقي للحرية ، فالقرآن يربط بين الكرامة والمسؤولية ، فلا كرامة لإنسان فقد المسؤولية ، وتم التحكم على حياته ، ويعيش تحت وصاية الآخرين ( ولقد كرمنا بنى آدم ، وحملناهم فى البر والبحر ، ورزقناهم من الطيبات ، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) ، فى الآية حقائق عدة ، يمكن أن نفهم أن الإسلام لا يدعو إلى حرية بلا قواعد أخلاقية ، بل الحرية عند الإسلام هي التى تحقق إنسانية الإنسان ، ومن هنا نجد فى الآية الحقائق التالية :

أولا : التكريم الرباني ليس خاصا بمجموعة من البشر لها خصائص ، فهي للمجموعة الإنسانية ( ولقد كرمنا بنى آدم ) وبنو آدم يعنى كل البشر ، عربهم وعجمهم ، أبيضهم وأسودهم ، فالجميع سواء أمام القانون ، لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى .

ثانيا : يتحقق التكريم الرباني فى حمل المسؤولية ، وآداء الأمانة ، والخروج من عالم البهيمية ، والدخول فى عالم ( الإنسان ) المسؤول عن تقرير مصيره ، وعن الدفاع عن مصالح الإنسانية وفق قوانين الإستخلاف ، والعمران ، والعبودية .

ثالثا : فالحياة فى الإسلام هبة الله ، والله جعل الحياة للإنسان ، والأصل فى الحياة أنها مسخرة لهذا الكائن الذى يلعب أدوارا مزدوجة ، فهو من جانب خليفة الله فى أرضه ، ويعمر الكون بالخير والعلم والعطاء المستمر ، ويعبد الله تبارك وتعالى ، ويواجه التحديات من جانب آخر ، فهو يكدح ويكدّ ، ولا يتوقف ، ومن هنا فهو يستفيد من رزق الله المبثوث فى جنبات الكون .

رابعا : الإنسان كائن مختلف ، فهو ليس حيوانا محضا ، وليس ملائكة كله خير ، كما أنه ليس شرا محضا ، فهو بسبب الإرادة الممنوحة له ، يملك الحرية إزاء التناقضات ، يختار ما يشاء ، ويفعل ما يريد فى داخل المشيئة الإلهية ، ولهذا فهو مفضل على غيره ، فالله اختار الإنسان لعلمه بأنه هو الكائن الوحيد الذى يمكن له أن بإمكانه صناعة المعجزات فى عالم القيم .

أنا حر إذا أنا إنسان ، تلك هي المعادلة الصحيحة ، وأنا لست حرًّا إذا أنا لست إنسانا ، ولهذا طالب موسى عليه السلام من فرعون فى البداية أن يترك بنى إسرائيل ( فأرسل معنا بنى إسرائيل ) ، وهذا يعنى أن العبد لا يمكن له تحقيق رسالته فى الحياة ما لم تعد له الحرية من جديد ، ولَم يكن عبثا أن حاول مرارا سيدنا أبوبكر تحرير الأشقاء من ذل العبودية لغير الله فى بداية الدعوة فى مكة كما صنع مع سيدنا بلال ، مؤذن رسول الله ، وصاحب الشعار المعروف ( أحدٌ أحد ) .

أنا حرّ إذا أنا مكرّم، تلك هي معادلة صحيحة ، فلا كرامة لمن لا يملك الحرية ، وليس من العبث أن يعلن عمر مقولته التاريخية ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار ا ) فهذه المقولة يمكن أن تكون مسطورة كديباجة خطيرة فى جميع دساتير الدول الإسلامية ، ولكن البعض من الناس جعلوا الإسلام دينا يحارب الحرية ، فالإسلام حرب على الفوضى ، وليس حربا على الحرية التى هي من أركان الكرامة الإنسانية .

أنا مسلم إذا أنا حر ّ ، وهذه معادلة ثالثة ، فالمسلم يكون مسلما بعد أن رفض العبودية لغير الله بقوله ( لا إله ) ، واختار أن يكون عبدا لله وحده فقط دون غيره بقوله ( إلا الله ) ، فكلمة التوحيد تبدأ بالنفي أولا ، وتنتهى بالإثبات ثانيا ، فهذه هي قمة الحرية ، رفض مطلق ، واستثناء واحد ، فلا عبودية لصنم يعبد من دون الله ، ولا لحجر يصنع ليكون مقدسا ، ولا لبشر يرتفع ليكون فوق البشر ، ولا لغيرها من الآلهة المزيفةالتى يتم صناعتها باستمرار فى عالم الدجل الفكري والعقدي والسياسي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock