السياسةالعمل والمستجدات

هُوِّيَّةٌ تَتَمَزَّقُ !! بقلم المفتش / عبد الأحد لوح

هُوِّيَّةٌ تَتَمَزَّقُ !!

بقلم المفتش / عبد الأحد لوح

في مثل هذه الأيام التي تقترب فيها شمس السنة الميلادية إلى الغروب، تَهْتز الهُوية الدينية لدى كثير من مواطنينا المسلمين من حيث يشعرون أو لا يشعرون؛ ذلك أنهم يسرفون على أنفسهم حين يتفانون في إحياء شعارات وطقوس ذات نكهة دينية مسيحية بالدرجة الأولى، ظانين- خطأ- أن ذلك هو عين المدنية وجوهر الحضارة.

والواقع أن مبالغة المسلمين في الاحتفال بعيد الميلاد وعيد رأس السنة باتت تَلْفت القلوب الواعية إلى البكاء على أطلال العقيدة الإسلامية الصحيحة التي يدرك صاحبها ماله وما عليه من التكاليف الشرعية عبادات ومعاملات، مما يعني أن الصحوة الدينية أصبح مفعولها ضئيلا في نفوس شريحة من المسلمين يفوقون المسيحيين أو يُسَاوونهم في شدة العناية بعيد ميلاد المسيح عليه السلام ؛ فتراهم يُتِيحون لأولادهم ممارسة أنشطة وألعاب ذات تأثير خطير على الهوية الإسلامية، كما هو الحال بالنسبة لظاهرة ” بابا نويل Père Noël ” التي تتعاون في فحوى قصتها الخُرافة والواقع لتمجيد العطاء والعمل الخيري في المسيحية، الشيء الذي يلعب دور تشويق الأطفال – عن طريق الإيحاء وتوظيف آليات اللاشعور – إلى التمسك بهذه الديانة والعض عليها بالنواجذ.
وإذا كان من حق المسيحيين الاهتمام بما يُعَزّز وجودهم، ويُحَسِّنُ صورتهم في المجتمع السنغالي ، فإن من الحق على المسلمين أن يدركوا حدود ما يقتضيه التعايش السلمي بين الطوائف الدينية، وأن الخصوصيات الدينية لا ينبغي أن تدخل في دائرة التفاعل بين أتباع الأديان المختلفة.

ومن المعالم المسيحية التي عمَّت بها البلوى في مجتمعنا ما يسمى “شجرة عيد الميلاد Arbre de Noël ” و التي تَظهر دلالتها الدينية من ظاهر تسميتها؛ فهي شجرة لإحياء طقوس عيد الميلاد بطريقة رمزية ، حيث تُمَثِّلُ ” أوراقها ذات الشوك رمزاً لإكليل المسيح، وثمرها الأحمر رمزاً لدمه المُهْراق من أجلنا ” على حد الاعتقاد المسيحي الذي يجد المسلم في القرآن ما يُفَنّده ” وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ” (سورة النساء. الآية :157). ومن الملاحظ أن وسائل الإعلام و مؤسسات الدولة وأجهزتها تتنافس في إقامة حفلات لشجرة الميلاد، على شرف أطفال العمال والموظفين في تلك الهيئات، ومن الغريب أن أغلب المُحْتفِلين بهذه المناسبات ينحدرون من أُسَر مسلمة، إلا أنهم لا يهمهم، أو – بالأحرى- لا ينتبهون إلى الخلفيات الدينية التي ينبني عليها هذا الاحتفال، وما يترتب عليه من تأثيرات سلبية على هوية المسلم.

و مما يساعد الإنسان على إدراك ما في القضية من مُفارَقة ومُخاطَرة، أن يحاول مُقاربَة الأمور بمفهوم المخالفة ” وبضدها تتمايز الأشياء” ؛ فمَثل المسلمين الذين يشاركون في إحياء هذه الطقوس المسيحية، كمثل مسيحيين يقيمون حفلة للأناشيد الدينية الإسلامية ابتهاجا بعيد من الأعياد الإسلامية!! أو بمناسبة من المناسبات التي تعبر عن خصوصية دينية عند المسلمين!! ولا يخفى أن مثل هذا الاحتفال الغريب بعيد عن آفاق التصور والممكن!

وبعد فإني من أشد الناس تمسكا بمبدأ التعايش السلمي بين مختلف الطوائف الدينية التي تنتمي إلى مجتمعنا السنغالي، ومع ذلك فليس من المصلحة – في نظري- أن تتوحَّد الأديان في طقوسها وشعائرها وشعاراتها ، فتذوب الهُويات والخصوصيات، بل الأفضل أن تكون صيغة تعايشنا مع الأديان الأخرى ترجمة لقوله تعالى في شأن مياه البحار : ” مرج البحرين يلتقيان بينمها برزخ لا يبغيان” ( سورة الرحمن، الآيتان: 19/20).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock