السياسةالعمل والمستجدات

إِيكُو.. استمرارايَّةٌ لِسِيفَا أو تخفيضٌ مُبطَّنٌ لقيمةِ عُملتِها (بقلم سيدي بوسو المختار)

إن إهمالَنا، نحن كشعبٍ مَعنيٍّ، بهذه العمليّاتِ يقودنا إلى التساؤلِ عن مدى وعيِنا بما يحدث من تغييرٍ. لذلك نحاول أن نُقدّمَ لكم من خلال هذه السطور القليلةِ ، لمحةً صغيرةً عن الوضع.

“الفرنك سيفا” هي عملةٌ تمّ إنشاؤُها في 25 ديسمبر 1945. وتُستخدَم هذه العملةُ في خمسة عشر بلدًا من أفريقيا جنوب الصحراء. تضمُّ منطقةُ الفرنك ثلاث مناطقَ في إفريقيا: غربُ إفريقيا ، وسط إفريقيا، وجزر القمر.
في هذه اللمحةِ سوف نركّز على غرب إفريقيا.

إنّ عملةَ فرنك سيفا التي ترتبط اليوم باليورو ارتباطًا وثيقًا، قد عرفتْ أربعةَ تغييراتٍ فقط طوال وجودها:
١- في عام ١٩٤٨ أثناء تخفيض قيمة الفرنك الفرنسي.
٢- في عام ١٩٦٠ أثناء طرح الفرنك الفرنسي الجديد.
٣- في عام ١٩٩٤ أثناء تخفيض قيمة فرنك سيفا.
٤- وأخيرا في عام ١٩٩٩ خلال التحوّل إلى اليورو كعملة مشتركةٍ.

نظرًا لأنّه يجب تجديدُ الاتفاقات التي تَحكُم الروابطَ بين فرنسا و UEMOA (بما في ذلك العقدُ المتعلِّقُ بـ FCFA) كلَّ 75 عامًا. ووِفقًا لعمليّةٍ حسابيّةٍ بسيطةٍ، ينتهي هذا العقد في 26 ديسمبر 2020. ومثل أيّ عقدٍ ، يكون هناك دائما تجديدٌ بشكل عامٍ قبل انتهاء أيّة صلاحيّة.

وهكذا في عام 2018 ، تمّ إنشاءُ مشروعٍ لإنشاء عملة جديدةٍ، اسمُها: إِيكُو.
ونظرًا لأن فرنك CFA دائما ما كان موضوعَ انتقاداتٍ فكريّةٍ، فإن تغييرَها إلى إيكو ستبدُو بديلاً مناسبا لها.
لكن ما هو حقّا جوهرُ هذا التغييرِ؟

في البدايةِ، كان من المُفترَض أن تكونَ الإيكو عملةً موحّدةً جديدة في جميع أنحاء منطقة الإيكواس. والإيكواس تشمَلُ كلّا مِنْ دُوَلِ (UEMOA) التي تستخدم بالفعل سِيفَا(FCFA) ودولةُ كلٍّ من نيجيريا، وغانا، وغامبيا، اللواتي لكل منها عملتها الخاصة.

ويعتمد وجودُ وعملُ منطقةِ الفرنك على ثلاثة مبادئَ أساسيّةٍ :

– ثباتُ سعرِ صرفِ الفرنك CFA مقابل اليورو.

— مركزيّةُ الاحتياطيات : ضمانُ الخزانةِ الفرنسيةِ لِقابليّةِ تحويلٍ غير محدودةٍ لفرنك CFA ، مقابلَ مركزية احتياطيات النقدِ للدوّل الأعضاءِ في منطقة الفرنك في مَصْرِفِها (فرنسا) المركزي. ويَتعيّنُ أيضًا على BCEAO و BEAC إيداعَ 50٪ من احتياطاتهم النقديةِ لدى الخزانة الفرنسية في حساب التشغيل (كُونْتُ دُوبِيرَاسِيُونْ). ولا يمكن أن تمرَّ جميعُ العملياتِ والتداولات بين بلدان منطقة الفرنك وباقي دول العالم إلّا من خلال حسابات التشغيل هذه فقط؛ لأن قابلية FCFA للتحويل حصريّةٌ باليورو، لاغير.
(ملاحظة: قابلية التحويل باليوان الصينيّ مقبولةٌ، لكن فقط من قِبَل الجانب الصينيّ بسبب ارتفاعِ مُعدَّلِ التبادلِ التجاريِّ بين الصين وأفريقيا في السنوات الأخيرة).

— حريّةُ تحركِ رأس المال بين فرنسا والدول الأعضاء في منطقة الفرنك وقابلية النقل النقدي المجانية داخل منطقة UEMOA.

ولكي تنضمُّوا إلى العملةِ الجديدةِ (ECO) ، حدّدت هذه البلدانُ، وخاصّة نيجيريا، (التي تمثل حوالي 60 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة) شروطًا معينةً على كيفية أداء هذه العملة الجديدةِ :

– إلغاءُ الودائعَ، والخصم المباشر للخزينة الفرنسية ، وعدمُ تواجدِ عملات الإيكو في حسابات التشغيل (الفرنسية) بشكل رئيسي.

– عدم وجود وسيط في قابلية التحويل بين الإيكو واليورو والدولار.

– يجب أن تُدارَ الإيكو من قِبَل الجماعة الاقتصادية بطريقة ذات سيادة.

– يجب أن تكون الإيكو قابلة للتحويل مع جميع عملات العالم.

– يجب طباعة الإيكو في إفريقيا.

هذه الشروط ضرورية لانضمام هذه الدول الجديدة، وبالتالي للوجود الحقيقي لهذه العملة.

في ديسمبر 2019 ، أثارت مقابلةٌ بين الرئيسين الفرنسي والإيفواري انتباهَ الجمهور ودهشتِهم عند ما أعلنوا إنشاء الإيكو. في الواقع ، لا يبدو أن الملاحظات التي أبداها الأخيرُ (الحسن واتارا) تتّفق مع ما تمّت مناقشتُه في أبوجا بين مختلف البلدان الأعضاء في الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

دعْنا نعود إلى بعض النقاط التي أُثِيرت :

– حذف حسابات المعاملات : من المخطّطِ حذفُ حسابات المعاملات الحالية. ومع ذلك ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف سَيتحقّقُ هذا الحذفُ؟ هل سيتّم إرجاعُ كل ما تمّ دفعُه في هذه الحسابات والفائدة التي تم الحصولُ عليها على مدار 74 عامًا بالكامل إلى البلدان المعنية (دول الإيمُوَا ؟ أو سيكون التقديرُ (لهذه المبالغ الضخمة) بالغَ الصعوبةِ، نظَرًا إلى الطبيعة المُعتَّمةِ لهذه الودائع؟

– ضمان قابلية التحويل : تمّ إعلانُ أن فرنسا ستستمرّ في ضمان قابلية التحويل للإيكو؛ وأنه سيتم إلغاءُ المقابل المادي الذي يمثل 50٪ من احتياطيات النقد لدول الاتحاد. يثير هذا الإجراءُ العديدَ من الأسئلة لأنه من الصعب أن نفهم كيف يكون بلدٌ تتجاوز ديونُه العامة 125٪ من ناتجه المحلي الإجمالي في عام 2018 (المصدر: OECD) أن تتوفّرَ لديه الوسائل اللازمةُ لضمان قابلية التحويل لعملة إيكو! لذلك من الضروري إبلاغُ الشعبِ بالآليّة التي سيتم تحقيقُ الأمرِ.

– صرف السعرِ الثابتُ : تم الإعلانُ أيضًا عن الحفاظِ على الصرف الثابتِ للإيكو مقارنة باليورو. من الواضح أن هذا الثبوت لصرف السعر هو في الواقع مجرد خيال خالص لا يستند إلى أي واقع بُنيَويّ.
بالإضافة إلى ذلك ، لم يتم الإعلان رسميًا عن قيمة ECO لكن وفقًا لبعض المصادر، فإنّ 1 € = 655.957FCFA ثم لـ ECO 1 € = 1200ECO.
إذا تم الحفاظ على هذه القيمة ، فسوف نشهد انخفاضًا مُقنَّعًا في قيمة العملة. وهل انخفضتْ تكلفةُ المعيشةِ في الدول المعنيّة إلى النصف لكي يُجْرَى هذا التخفيضُ؟ يبدُو الجوابُ، لا! وهل حان الوقتُ حقا لخفض قيمة العملة في المنطقة؟ وما الذي يُبرّر تخفيضُ قيمةِ هذه العملةِ؟ ولماذا لا يتمّ شرحُ هذه الأمورِ بوضوحٍ؟

– إعادةُ تنظيمِ البنوكِ المركزيّة : سيتمّ إلغاءُ تدخّلاتِ المُمَثِّلين الفرنسيين في البنوك المركزية الإفريقيّة. قرار جيد في الظاهر، ولكن ما هي التغييرات الحقيقيّة التي أُدخِلت؟ وهل ستبقى البنوكُ المركزيّةُ هكذا؟ وهل سيتمّ إنشاءُ بنكٍ فيدراليٍّ؟ وهل ستكون السياساتُ النقديّةُ المشترَكةُ مخططةً؟

– صكُّ العملةِ : سيستمرّ صكّ العملةِ دائمًا في كليرمون فيران (فرنسا).

من الواضح إذن أن الالتزامات التي تمّ التعهّدُ بها في أبوجا ليست مُدْرَجَة في جدول الأعمال فيما يتعلق بإنشاء الإيكُو. وبدون انضمام هذه البلدان الجديدة، (نيجيريا، غانا، الخ) لا يمكننا بالتالي التحدّثُ عن عملةٍ مُوحّدَةٍ جديدةٍ ، خلافًا للرسالة التي تنقُلها وسائلُ الإعلامِ.

ومن ناحية أخرى، استغرق الأمرُ ما لا يَقِلّ عن 5 سنوات في أوروبا لإنشاء اليورو، على الرغم مما لهذه الدول من مواردَ ماليةٍ كبيرةٍ تحت تصرفهم، على عكس هذه البلدان الأفريقية القليلة. لذلك من الصعبِ تصديقُ أنه في غضون 6 أشهر فقط، يمكن تنفيذُ مشروعِ إيكُو. بالإضافة إلى ذلك سيتعيّن على هذه البلدان المعنيّةِ أن تستدينَ مرة أخرى لتمويل كل هذه المشروعات، في حين أن الصحّةَ والتعليمَ والغذاءَ مازال يستبذل جهدًا أكبر.

ويجب أن نتساءل أيضًا عن حقيقة أن هذا التعديل يتعلّق فقط ببلدان غرب إفريقيا، بينما يُوجُد FCFA أيضًا في وسط إفريقيا (CEMAC). لماذا لن تؤثّرَ إيكُو إلّا على دول غرب إفريقيا، وليس على دول وسط إفريقيا ككلّ؟ ما هي حقّا حقيقةُ الأمرِ؟ ألن يكون أكثر معقولًا أن تَبدأَ بإنشاء عملةٍ مُوحّدَةٍ في مناطق FCFA ، في غرب وفي سط إفريقيا (كتذكير، فإن هاتين المنطقتين الاقتصاديّتينِ لا توجَد بينهما قابليّةٌ للتحويل النقديّ. على سبيل المثال إذا رغبتَ في تحويلِ عملةِ سيفا غرب إفريقيا إلى سيفا وسط إفريقيا، سيتعيّن عليك أوّلا المرورُ عبر الوسيط، وهو : اليورو. وإذا حوّلتَ السيفا إلى اليورو، ستتمكّن الآن من التحويلِ إلى السيفا الأخرى. وكان من شأن قابليّة التحويل النقديّ بين هاتين المنطقتين الاقتصاديتين، أن يوثِّقَ أكثر روابطهما عن طريق تعزيز حريّة حركةِ رأس المال والسّلع والخدمات. وكان بإمكان خطوةٍ كهذه أن تكونَ أوْلَى نحو التكامل الاقتصاديّ المنشودُ؟

كيف يمكن لأي شخص كان أن يرغب في تقديم عملة جديدة دون أن يكون لديه خطةٌ أو استراتيجية محدّدةٌ بوضوح؟

في الواقع لا توجد شفافيةٌ في الاتفاقيات: الشعبُ غير مُطَّلعٍ . إذن حتى الأفراد الذين سيستخدمون هذه العملة لا يعرفون ما هي حقًا!!

مع كل هذا التسرّعِ، والتَّعتيم، حول إلإيكُو، يبدُو الأمرُ مهزلةً عظيمةً ومدبّرةً بمساعدة أكبر قادة هذه المنطقة الأفريقيّة خيانةً. وهو التجديدُ لهذا العقد الشيطانيّ، الذي يقاتل الشعبُ ضده فكريًا منذ عدة سنوات وحتى الآن.

هذا الوضعُ الفوضويُّ مخيفٌ. ومن الواضح أن هذا المشروعَ محكومٌ عليه بالفشل. وهذا الفشلُ سيُلقَى، في نهاية الأمر، على عاتِق المستخدمين والمقاتلين ضد السيفا؛ باعتبارهم الراغبين الذين سعوْا إلى إحداث هذا التغييرِ.
سيكون من العار أن تؤدي هذه المحاولةُ الاستعماريةُ إلى تثبيط القِوى الفكرية لمثقَّفِينا الموجودين في القارّة.

نريد بالتأكيد إجراءَ إصلاحاتٍ ، ولكن ليس في ظلّ هذه الظروف، ولا مع غياب الشفافيّة.

يجب أن تكون الاتفاقاتُ عادلةً ومحدَّدةً بوضوحٍ ، ويتمّ مناقشتُها وإعلامُها للشعبِ!

هل يمكن للأشخاص الذين ليس لديهم سيطرة على عُملتهم أن يقولوا حقّا إنهم مُستقلّون؟

المترجم : سيدي
المصدر:
س. جَهْ : محلّل تقنيّ وماليّ.

ع. ب. اندي : محامٍ ومحلّل سياسيّ.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock