السياسةالعمل والمستجدات

كورونا ومأزق الخطاب الديني في بلادنا

كورونا ومأزق الخطاب الديني في بلادنا
يبدو أن التاريخ سيحاكم بقسوة عددا كبير من سدنة الفكر الديني وحامي حماه في بلادنا ؛ إذ أن هذه الفئة نصبت نفسها منذ فترة نوابا لله على أرضه ، توقع عنه متى شاءت ، بتنزيل الأقدار وتعليلها، وملأت ساحات التواصل الشبكي ضجيجا وحراكا منذ إعلان اكتشاف نوع جديد من فيروس كورنا الحاد في مدينة ( ووهان الصينية ) بتصويره عقابا إلهيا مسلطا على الحكومة الصينية الشيوعية جزاء اضطهادها المستمر الأقلية الإيغورية المسلمة ، فخلق هذا الزعم الواهي حالة من الشماتة والتشفي التي تعبر عن غياب أدنى قيم الإنسانية عند المحسوبين على هذا الخطاب .. وقد استطاعت الصين القوية بتوظيف العلم، والانضباط ، والوطنية والعمل الدؤوب احتواء خطر الفيروس ، وتطوير منظومة صحية نغبطها عليها نحن أمة القرآن والكعبة والصلوات والأذكار …
ومع انتقال العدوى إلينا عبر منافذنا البرية والجوية وحتى البحرية ؛ انزاح على استحياء ذلك الخطاب الشامتي المتوهج ، لصالح خطابات أخرى لا تقل عنه سذاجة وقصورنظر ، تصوره صناعة استخبارية ومؤامرة عالمية عالية الدقة والحبكة ، وياليته قدم رؤية علمية لتجاوز هذه الحالة الاستثنائية تستند إلى هدي الدين ومقومات تراثنا الطبي الأفريقي التقليدي والحديث! غير آنه آثر كعادته سلوك السبيل الأسهل ، باستغفال العامة من جديد ودغدغة عواطفهم ؛ بدعوى حصانة هذه البلاد ومناعتها التي أكسبتها إياها أجداث الصالحين ورمم الأولياء المقربين ، مع التمادي في نبذ الإجراءات الوقائية والوسائل الاحتياطية التي حددها الأطباء ورسل مصالح الصحة، فضلا عن مجاهرتها الوقحة بالدعوة إلى تنظيم مختلف الحفلات والمناسبات ( الدينية ) وتعريض البلاد كارثة صحية واجتماعية لا قبل لها بتحمل تبعاتها وكأنها لم تقرأ التاريخ القريب لهذه البلاد ، حين عاشت أوبئة حادة من طاعون وتيوفيد.. انقرضت بموجبها قرى دينية كانت معمرة بالصلاة والذكر ، وقضي فيها عدد لا يحصى من هؤلاء الصالحين وأقاربهم ومريديهم ، وهي أوبئة انقرضت اليوم بفعل اتخاذ البشر أسباب الترقي والنهوض من تعليم وبحث علمي جاد .
هذا ، وقد كانت المشيخة الدينية موفقة جدا لإداركها المبكر أهمية الحفاظ على أرواح الناس باعتباره مقصدا من مقاصد هذا الدين العظيم ؛ فعدلت عن تنظيم مناسبات كانت تشكل عبئا ثقيلا على كاهل الدولة وسائر المواطنين الذين يرتادونها –غالبا – مكرهين ، ونأمل منها مزيدا من نقد الذات وقراءة الواقع والمتوقع على ضوء السنن الكونية التي لا تحابي ولا تعادي ، أسوة بسائر مؤسسات الفتوى والتجمعات العلمائية في مشارق الأرض ومغاربها ؛ لئلا يتحول التدين أو الفكر الديني المغشوش إلى معول هدم وأفيون مخدر يعيق حركة التاريخ وارتقاء الأمم …
أضحى التعامل مع كرونا مطلبا شعبيا وهما وطنيا ملحا، لكن الأهم – في وجهة نظري – هو التعامل مع مخرجاته ، وهي بكل تأكيد رهيبة ومشؤومة جدا على المستوى المحلي والدولي ، سيتم عبرها إعادة صياغة الخريطة الاقتصادية للعالم على أسس تحمل الكثير من نذر الحرمان والبطالة وتسريح العاملين ، وإعلان الإفلاس العام للبنوك وشركات التأمين ، وتقاعد الدولة الوطنية ، عندها ندرك أن العلم وحده هو الرهان غير الخاسر ، والله يتولانا ..

احمد مختار لوح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock