السياسةالعمل والمستجدات

وماذا لو كان “كورونا” من الجن؟ ففسق عن أمر ربه!!! بقلم/ بروفيسور محمد غالاي انجاي بروكسل

وماذا لو كان “كورونا” من الجن؟ ففسق عن أمر ربه!!!

بقلم/ بروفيسور محمد غالاي انجاي بروكسل

 

لقد كان العالم الإسلامي منذ عهد قريب يرى *في* وباء فيروس “كورونا” الذي سلَّطه الله على الشعب الصيني عذابا أليما وعقابا شديدا جراء ما اقترفتها *أيادي الصين* من شتى صنوف التعذيب والتنكيل والقمع على الشعب الإيغور المسلم. هذا الشعب الذي يتكون من مجموعة عرقية من أصول تركية، تقطن في مناطق تزخر بموارد النفط والغاز، تعرف بـ “تركستان الشرقية” التي ضمتها الصين إلى أراضيها.

كانت هذه الاضطهادات والفظاعات التي مارسها الشعب الصيني الشيوعي على الإيغور المسلم تشاهد يوميا عبر شبكات التواصل الاجتماعي على مرأى ومسمع الجميع، مسلمين وغير مسلمين، لا أحد يحرك ساكنا، وكأن شيئا فظيعا لم يحدث. هكذا – مع الأسف الشديد – عاش العالم هذه المأساة الدرامية كأنه ينظر إلى *مياه راكدة لم يُلق فيها بحجر*.
والعجب العجاب أن الأئمة على المنابر كانوا أسودا في خطبهم، يُعلّلون مرض “كورونا” الذي نزل بالصينيين بأنه عقاب من الله تعالى، بما كسبت أيديهم انتقاما من الله فيما ارتكبوه في حق الإيغور.
ولما اخترق فيروس “كورونا” حدود العالم الإسلامي، وبدأ يُمرض و يقتل من أبناء المسلمين، بل وحُرمُ المسلمون من أداء العمرة وزيارة مسجد *النبي صلى الله عليه وسلم*، سرعان ما تَغيَّرت *نبرة* هؤلاء الأئمة، *فقد* نسينا الصين وما حلَّ بها، وبدأنا نسمع آية تردد على المنابر، وهي قوله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [سورة الأنفال، آية: 25]. ذلك لأن البلاء قد عمَّ، فكان العقاب نصيب الجميع، لا يفرق بين ظالم ومظلوم، بل وحتى المتفرج لم يستثن من *ذلك* العقاب. (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا، لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ، …) [سورة الأنعام، آية: 115]. نعم، لقد صدق الله وعدل، تلك سنته في خلقه. وفي ضوء ذلك، نقول: لقد حان لمن يرفعون شعار أهل السنة والجماعة – (أكبر فرقة دينية في العالم الإسلامي) – أن *يعيدوا* النظر في مبادئها وأن *ستعيروا*– دونما تكبر– من فرقة المعتزلة أحد مبادئها الأساسية، ألا وهو مبدأ “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. وهل مجرد الاستعارة من غيرها يكفي في هذه اللحظة التاريخية؟ حقيقة، لا أظن أنها كافية لرأب الصدع الذي أحدث شرخا كبيرا في كيان هذه الأمة المتدهورة، التي تعيش اليوم على هامش التاريخ، عالة على الغرب، لا تملك من أمرها شيئا.

إن الواقع التاريخي الذي نعيش أحيانه وساعاته مع حلول وباء “كورونا” لَيُشكِّل فرصة سانحة، بل تاريخية لكي يستغلها العالم الإسلامي لتوحيد صفوفه ولمّ شمله والوقوف يدا واحدة في وجه قوى الغرب التي، إن نجحت في هذه *المرة* خطتها المرسومة، لا محالة سيدفع العالم الإسلامي – كالعادة – الثمن غاليا، كما كان الحال بعد حادثة 11 سبتمبر 2001م، حيث نشبت إثرها حروب محتدمة، كلها دارت رحاها في عقر *دار* العالم الإسلامي بإيعاز حينا، وبخطة مرسومة ومُبيَّتة *حينا آخر*، كل ذلك على يد الغرب الرأسمالي، متذرعا بحجة واهية، هي محاربة الإرهاب والسعي دون هوادة إلى
*اقتلاعه* من جذوره.

لا مناص من أنَّ “ما بعد كورونا” *لن يكون كما قبله* فسنشاهد سيناريوهات فظيعة: بنوك تعلن كسادها، وشركات عابرة *للقارات* تهوي إلى الحضيض، وبالتالي ترتفع نسبة البطالة في كل أرجاء العالم، وحينها تقوم للرأسمالية قيامها وتصرع تحت أقدامها من وقفوا إزاءها صامتين ومتفرجين.

فعلى العالم الإسلامي، من الآن فصاعدا، *شد مئزره* *والسعي* قدما في البحث عن استراتيجية واضحة المعالم يتفادى بها ويلات “ما بعد الكورونا”. فالعالم الغربي يدفع في هذه الآنية مبالغ فلكية لتسوية الوضع حتى لا يَحدث شرخ في بنيته الاقتصادية. وعليه، نقول: ليكن في علم الجميع أن هذه المبالغ المدفوعة ليست في واقع الأمر إلا حيلة لذر الرماد في العيون بهدف صرف الأنظار عن الهدف الحقيقي المنشود، الذي تم فبركته وراء الكواليس بمعزل عن العالم الإسلامي. *ولنا ان نتامل ونتدبر* في هذه الآية *ففيها* عبرة لمن كان له فلب أو ألقى السمع وهو شهيد: «إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا [أي العالم الإسلامي] وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ [العالم الغربي] وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ [ما يُدبر في الخفاء ضد العالم الإسلامي: “الكورونا” و”ما بعد الكورونا”] وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ [أي لو حاولتم وجود حل سوي بينكم] لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ [أي لتعثر وجود حل سوي بينكم] وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا [هذا ما نعرفه ] لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ [أي يهلك من ترك الأخذ بالأسباب] وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ». [أي يحيى من أخذ بالأسباب]. [سورة الأنفال، آية: 42].

ليس من شك في أن النظام الرأسمالي الذي يدير العالم في وضعيتنا الراهنة قد فقد كل قدراته وأظهر حدود *قدرته* وعجزه التام في تقديم أجوبة ملائمة لحل مشاكل العالم. *و* إن هوة الثراء بين الدول قد اتسعت بشكل ملفت للنظر، مخاطر جسام تهدد البيئة، أوبئة تهدد البشرية، سوق عالمي لا أخلاقي، لا يعرف الرحمة، بل لا حياة فيه للضعيف، تزايد نسبة البطالة في ربوع العالم، دول تداس بالأقدام وأخرى تضرم نار الحرب في عقر دارها رغم أنفها، رؤساء دول يعزلون من مناصبهم غصبًا عن إرادة شعوبها، مئات آلاف من المغامرين المهاجرين لقوا حتفهم في قاع البحار والمحيطات، الخ. من أجل هذا التدهور الملحوظ في سير العالم، أبدى العالم السويسري ميشال مايور (Michel Mayor) الفائز بجائزة نوبل لعام 2019م في الفيزياء تشاؤمه بخصوص قدرة البشر على العيش بكوكب آخر رغم المخاوف بشأن صلاحية العيش على الأرض، قال: «لقد حان وقت التوقف عن الأحلام ومواجهة الواقع لضمان وجود مستقبل». وقد عنون جوزيف استيجلتز (Joseph Stiglitz)، الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد عام 2002م، كتابه بـ “عندما تفقد الرأسمالية وعيها”، معلنا بما أصابها من جنون بسبب الغطرسة واللاإنسانية اللتين تتسم بهما. كما صرح أيضا في بعض محاضراته ملمحا إلى انهيار الرأسمالية بقوله: «أيُّ نظام اقتصادي لا يصل إلى *التجمعات* السكانية الكبرى، لا يصل إلى غالبية السكان هو نظام اقتصادي فاشل». ويقول الكاتب والفيلسوف الفرنسي “أندريه كونت إسبونفيل” (A. C. Sponville) مبيّنا أن النظام الرأسمالي وقت نشأته لم تُعجن الأخلاق في طينته: «الرأسمالية ليس فيها خلق، وليست لها قابلية وجود الخلق فيها، بل هي في جوهرها لاأخلاقية». (Le capitalisme n’est ni moral, ni immoral, mais foncièrement amoral).

وبسبب مخاطر الرأسمالية اللبرالية المحدقة يقول المفكر الأمريكي “نعوم تشومسكي”: «على الصعيد العالمي، إننا نسرع نحو الهاوية مصممون على السقوط نحو العدم، وهذا يقلل كثيرا من احتمالات البقاء على قيد الحياة بشكل لائق». كذلك نجد المفكر الفرنسي الراحل روجيه جارودي يعالج قضية أزمة العصر في كتابه المعنون بـ “الحضارة التي تحفر للإنسانية قبرها”. وهو عنوان يوحي بمضمونه.

وانطلاقا من هذه الاعترافات الخطيرة التي تتعلق بمستقبل البشرية في الكوكب الأرضي، والتي تفوه بها أهلها وبنو بجدتها، نريد أن نؤكد على الدور الذي يمكن أن *يلعبه* العالم الإسلامي في هذا الوضع الحالي المأزوم، إن هذا الدور يكمن في العمل على كبح جماح الرأسمالية المعولمة، والسعي الحثيث للأخذ بزمامها وإرسائها إلى بر الأمان. وقد يتساءل المرء كيف يكون ذلك، والعالم الإسلامي مغلوب على أمره. وحُقَّ له أن يتساءل. فإذا كان العالم الإسلامي ليس على المستوى في الوقت الراهن من نواح شتى: فقدان التكنلوجيا العالية، العجز عن صنع القرار السياسي العالمي في عرصات الأمم المتحدة، وهلم جرا، فله أن يُسهم بفرض قيمه الدينية ذات الصبغة العالمية، بتهييج المجتمع المدني بكل أطيافه في سائر أصقاع العالم، بهدف الحدِّ من وطأة الرأسمالية وماديتها الجامحة.

ولعل “كورونا” الذي أقلق العالم وأحدث حالة من الهلع والفزع، خَلق من جنس الجن، فسق عن أمر ربه، لأنه كان في *مختبر* (P4) الواقعة بمدينة “وُوهَانْ” الصينية، فانفلت منها، فأصبح إبليسا يتلبس على الناس ليوقعهم صرعى، وقاسم ربَّه حين طرد منها أنه سيغوي الناس جميعا إلا من أخلص واتقى وأخذ لنقسه حصنا حصينا. «قَالَ: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ». [سورة ص، الآيات: 82-83]. وكون “كورونا” من الجن يمكن الاستدلال عليه بقول المعصوم عليه الصلاة والسلام: «فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُون، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الطَّاعُونُ؟ قَالَ: وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَفِي كُلٍّ شُهَدَاءُ». [رواه أحمد في مسنده، والطبراني في المعجم الصغير، والحاكم في مستدركه].

وليس من قبيل المماحكة أن تحدِّي “كورونا” بالإغواء، لا يعرف له سبب ولا يمكن أن يلتمس له عذر إلا لكون *عولمة* الرأسمالية هي التي طغت في عملها بالربا وفي بخس جزء كبير من الآدميين حقوقهم في معاملاتها البنكية، فحقَّ عليها قوله تعالى: «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ».  فإن تحيَّر المرء، وقال متعجبا لِمَ يا ربّ؟ لماذا مسنا الجن وتلبس علينا؟: قال سبحانه: «ذلك بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا». [سورة البقرة، آية: 275]. وبهذا الصدد كتب الشيخ محمد الغزالي: «أما الحديث الآخر وهو أن الطاعون وخز من الجن وهم أعداء البشر فيكفينا في شرحه صاحب المنار عندما قال: يرى المتكلمون أن الجن أجسام حية خفيفة لا ترى. وقد قلنا غير مرة: إن الأجسام الحية الخفية التي عرفت في هذا العصر بواسطة النظرات المكبرة وتسمى بالميكروبات [الفيروسات] يصح أن تكون نوعا من الجن. وقد ثبت أنها عُلّل لأكثر الأمراض». [في كتابه “السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث”، ص. 118].

واتساقا مع هذا التفسير، يمكننا القول: إن “كرونا” عفريت من الجن سخرته قوى ظلامية كما سخر الله لسليمان الجن، حيث وضعهم رهن إشاراته يخدمونه ليل نهار.

بقلم/ بروفيسور محمد غالاي انجاي بروكسل

يوم 19 مارس 2020م/ الموافق 24 رجب 1441هـ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock