
قراءة على تجربة حزب العدالة و التنمية الحاكم في تركيا
تميزت تجربة حكم حزب العدالة و التنمية بزعامة أردوغان لتركيا التى تعتبر ناجحة على كل المقاييس السياسية و الاقتصادية رغم ما فيها من بعض السلبيات التى لا تخلو منها تجربة بشرية بثلاثة خصائص هي العوامل التى ساهمت بقوة على إنجاحها و حماية إنجازاتها من السرقة و الاختطاف و من المؤامرات الداخلية و الخارجية. و يجب على الاسلاميين أخذ العبر و الاستفادة منها. فإذا قارنا النموذج التركي بنماذج حكم الاسلاميين فى بلدان أخرى لم ينجحوا فى إدارة شئونها نرى غياب هذه العوامل بشكل أو بآخر ما يعطينا تفسيرا جزئيا و ليس شاملا لأسباب الانتكاسة نظرا لاختلاف السياقات و الظروف و المواقع الجيوسياسية بينها و بين النموذج التركي:
أولا: الرؤية الاقتصادية:
تميز حكم حزب العدالة و التنمية لتركيا بعمق الرؤية فى السياسة الاقتصادية و القدرة على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين و تحقيق مصالحهم و النهضة الشاملة يتركيا و راكم فى ذالك نجاحات باهرة على كل المستويات و القطاعات. فانه كما يقال الأيدلوجيا تجمع حولك الناس لكن المصالح هي التى تحفزهم و تحمسهم للبقاء الى جانبك و التقصير فى هذا الجاني كان من جوانب النقص فى بعض تجارب الاسلاميين وقد كان له أثره الكبير فى تعثر حكمهم.
ثانيا: الصرامة و الحزم فى مواجهة الأعداء.
الصرامة و الحزم لا بد منهما لسحق الأعداء و تصفية العملاء و ليس من الحكمة أبدا التساهل مع الذين يمكن أن يدمروك فى أي لحظة و يجب القضاء عليهم بشكل كامل لن يتعافوا بعده أيدا و لن يقدروا على إلحاق الضرر بك ويجب استغلال كل فرصة سانحة لتدميرهم تدميرا شاملا. و هذا ما قام به أردوغان بالفعل و تجدر الاشادة به والتأسى منه. لم بضيع أردوغان أي فرصة لسحق أعداء الدولة التركية و عملاء الغرب و لم يترك لهم متسعا لالتقاط أنفاسهم أو مهلة للتعافى فتمهد له الطريق لإقامة مشروعه و تحقيق طموحاته. بينما رأينا فى نماذج حكم الاسلاميين فى بلدان اخرى انخداعا غريبا بل ثقة كبيرة بالأعداء المنافقين الذين اظهروا الولاء فى الظاهر و فى السر كانوا يخططون للاطاحة بهم و تساهلا مع الأعداء المكشوفين و التماطل فى إبعادهم و تجريدهم من مواقعهم و عزلهم عن وظائفهم و التقصير فى القضاء على التحركات و التجمعات المشبوهة و المغرضة. و لعل الطبيعة الشخصية له دور كبير فى هذا، فأردوغان بطبيعته إنسان صارم و وقد نشأ في ببيئة معروفة بالفروسية و الشهامة وهذا الأمر قد ترك بصماته على تكوينه الشخصي و مواقفه و قراراته.
ثالثا: الواقعية و المرونة
مما سهل لحزب العدالة و التنمية الصمود أمام عواصف المؤامرات و أمواج التحديات المتلاطمة أمامه واقعيته و مرونته العالية التى جعلته قادرا على التأقلم مع المتغيرات و تبدل الأحوال و لم تكن المثاليات و الشعارات عائقة له عن تخطى الأزمات التى اعترضت طريقه كثيرا و مواصلة سيره فى درب النهوض بالدولة التركية. فتجربة الحزب مدرسة فى فن الواقعية و المرونة السياسية في حين كانت الشكليات و الشعارات و المثاليات حجر عثرة فى طريق تجارب الاسلاميين من قبله فى تركيا ومن حوله خارج تركيا. فمثلا رغم دعم تركيا القوي و المعلوم لحركة حماس المقاومة فى فلسطين للكيان الصهيوني حافظت على علاقتها مع الأخير و مع حليفته القوي الولايات المتحدة الأمريكية حفاظا على مصالحها القومية وتجنبا لفتح جبهات إضافية تستنزفها على المدى البعيد. و رغم دعمها القوي للمعارضة السورية و عدائها الشديد للنظام السوري حافظ على علاقتها بإيران و روسيا حليفتهما القويتان و لو مرت عليها فترات توتر تم احتواءها بسرعة.
نجح حزب العدالة و التنمية فيما فشل فيه كثيرون من القدرة على الموازنة بين المبادئ و المصالح، و بين المثال و الوافع، و على التكيف الايجابي مع المتغيرات و المعطيات الجديدة وهي المقياس الذى تقاس عليه عبقرية السياسي و كفاءته.
أعتقد أن على الاسلاميين القيام بمراجعة شاملة لفكرهم السياسي و أساليبهم ممارستهم السياسية و التعلم من الخبرات الثرية فى الحكم الناجح و أفضل مدرسة يمكن أن يتعلموا فيها ذالك هي المدرسة التركية لما تجمعهم بها من هموم و قضايا متقاربة الى حد كبير و لما يربطهم بها من قواسم مشتركة فكرية و تاريخية.
عبد القادر عبد الرزاق انجاي