السياسةالعمل والمستجدات

إنهم….لَبِالمِرْصَادِ!!!

إنهم….لَبِالمِرْصَادِ!!!

لم يكن من دأبي وعادتي أن أسخر قلمي للخوض في غمار الجدل الذي عادة يدور بين الصوفية والسلفية أو بين الشيعة والسنة…، فقد أوليتُ الاهتمام بالرابط المتين الذي يربط بيني وبين كل من رأيت شفتَه تنطق ب: “لا إلهَ إلا اللهُ”، بغض النظر عن انتمائه بعد ذلك، اقتداء بشيخنا أبي المحامد الشيخ أحمد بامبا القائل:
فلا تُعادُوا من رأيتم فاهُ -@- يُخرج لا إله إلا اللهُ
وعلما بأن الأخوَّة التي أمر الله بإصلاحها يتقوَّى بنبذ الأنانية والتعصب والجدال العقيم عرضَ الحائط.
ولكنَّما لا حظتُه في هذه الآونة الأخيرة من صوتيَّاتٍ وفيديوهات تسيء إلى عميد من أعمدة هذا الدين ومن حملته في وقت عصيب، ومن الذين حموا عن بَيضتَه، وجدَّدوا سنة نبيه، ونُفيَ إلى بلاد نائية، ولاقَى ما لاقى لأجل إعلاء كلمة الله، وهو الشيخ الخديم -رضي الله عنه- كل ذلك وغيره أثار حماسي لأتناول هذه السطور التي إن هي إلا نَفْثة مَصدور، قصدتُ بها بيان الأسباب المؤدية لذلك، واقتراح حلول قد تساهم في سدِّ باب إثارة شَغب لا جدوى يُتوقع من وراءه، والطريق الصحيح الذي ينبغي أن يسلكه المسلم تجاه أخيه المسلم المخالف معه في الانتماء.
فأول ما يجدر بنا الوقوف عليه هو: بيان أن الاختلاف أمر طبيعي طبع الله عليه البشر، ولو شاءه لجعل الناس أمة واحدة متفقة لكن شاءه أن خلقهم مختلفين كما اختلفتْ ألوانهم وألسنتهم وبلدانهم… فهذا الاختلاف طبعا فيه مصلحة وحكمة لا يَخفيان على مَن عنده أدنى مَسكة من العقل.
فإذا عُرف ذلك حق المعرفة فلا يحقر أو يسخر إنسانٌ من أخيه الإنسان لأنه يختلف معه لونا أو لسانا كما لا تعرف العنصرية سبيلا إلى أحد.
غير أن من الناس مَن طبيعتهم الصيد في الماء العكِر، ودَيدَنُهم تتبع عورات إخوانهم، والتماس هفواتهم وإشاعتها، فلأجل ذلك يفعلون المستحيل كي يجدوا سببا في طعن مخالفيهم ولا يُراقبون في ذلك إلاًّ ولا ذمة، والسبب في ذلك يعود لأسباب يمكن حصرها في الآتي:
1- الجهل: وهو داءٌ يصيب كثيرا من القادحين في أعراض المسلمين، وطبعا لو علم هؤلاء ما في سبِّ المسلم من آثام وفِسق لما تجرَّأوا من الطعن فيهم، ولعلموا أن المسلم الحقيقي من سلمَ المسلمون من لسانه ويده، ولاهتمُّوا بإصلاح عيوب نفوسهم دون تفتيش عيوب الآخرين.
2- التعصب: فداءُ التعصب قويٌّ يَسري أثره إلى عُروق كثير منا -إلا من عصمه الله- يُعمي ويُصم من أصيب به، يجعله لا يرى إلا حسنات وصواب طائفته التي يتنمي إليه، فالحسن ما حسَّنته تلك الطائفة والقبيح ما قبَّحته، ويحجِّر واسعا، ويُنزل ما اختلف فيه الصحابة الكرام والأئمة الكبار والعلماء المعتبرون مكان ما اتُّفق عليه قولا واحدا، ولا يعلم طبعا أن رحمة الله واسعة، كما لا يقف على أن اختلاف العلماء من تَجليات هذه الرحمة الإلهية.
3- الإفراط والتفريط: وهما إذا اختلطا بشيء فلن يُحمد عقباه، فهما مذمومان، وقد أكد الله في غير مرة في كتابه قبح هذين الخُلقين، وأمر بضدهما وهو التوسُّط، ومن المعلوم أن في كل طائفة أو حزب يوجد فيها من يمثل الإفراط والتفريط، فأصحاب الطوائف والطرئق والدعاة يخطئ في حقهم فريقان من الناس، فريق يغلو فيهم ويتبعهم في زلاتهم، وينتصر لأقوالهم بغير حق، وفريق يتتبع عثراتهم، ويرميهم بما ليس فيهم، والسبيل الصحيح في كل ذلك التوسط المحمود المأمور في القرآن.
4- الحسد: فالحسد تَمني زوال نعمة أنعم الله بها إنسانا وهو داء قلبي قلَّ من يسلم منها وقد أمر الله في كتابه من الاستعاذة منه: {ومن شر حاسد إذا حسد}، وأخطره إذا سعى الحاسد إلى تجسيد حسده وإعمال طاقته كي يستأصل تلك النعمة، واقتلاعها من جذورها، -أعاذنا الله منه-، ومن المؤكد أن بعض من يطعن في أعراض الدعاة والمصلحين دافعهم الأساسي هو هذا الداء، فغيرتهم التي سيطرت على كل أعضاءهم تحول بينهم وبين أن يقبلوا بصدر رَحب بما منَّ الله عليه بعض عباده من قبول واسع من الخَلق، ويفتشون في صفحات التاريخ ما قد يسود ويشوه صورة ذلكم المصلحين، وإن وجدوا ما يشبه نقطة سوداء أقاموا عليها الدنيا ولا يقعدونها، ولا يعلمون أن من نُوقش وفُتِّش منهم لوحظ هفوة وعثرة جلية فيهم.
فعينُ الرضى عن كل عيب كليلة-@-ولكنَّ عين السوء تُبدي المسَاويا
لا تلتمس من عيوب الناس ما سَتروا-@- فيهتك الله سترا عن مساويكا
فما يجب أن يعلمه المسلم يكمن في أن السب والطعن في حق المسلم حرام ويتأكد في حق العلماء والدعاة والمصلحين، فعِرضهم مسموم وعادة الله في ذلك معلوم، فينبغي أن يمسك المسلم لجامَ لسانه السوء عنهم، فهم لا يستحقون إلا الثناء والمدح والاقتداء بهم في نِضالهم وكِفاحهم وجهادهم.
وهذا لا يعني أن كلامهم معصوم؛ لأن كلا يُؤخذ منه ويُرد إلا الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الأخذ والرد ينبغي أن يتأسَّسا على علم وأدب شاملين، وأن لا يكون محل إثارة ضغائن القلوب وإشاعة بعض زلاتهم لسوء نية وقد “جلَّ من لا يُخطئ”، كأننا بمرصاد لهم.
وقد وُجدت آيةٌ في القرآن من وقف على معناها ويتدبَّرها فلا يقع في طعنِ سلفنا الصالح ورجالاتِ هذا الدين مهما وقعوا في عَثرات وهَفوات، وهي قوله -تعالى-: {والذينَ جاءُوا من بعدهم يقولون ربنا اغفِرْ لنا ولإخوانِنا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعَلْ في قُلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رءُوفٌ رحيم} (سورة الحَشر: 10)،
وهذه الآية هي القانون والقاعدة لكل مسلم لا زيادة ولا نقصان.
إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.

شعيب بن حامد لوح
22 يونيو/ 2020م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock