الدين و الترييةالسياسة

التدين المغشوش

التدين المغشوش

إن مما ابتُلي به أقوام – إخواننا في الدين – التعصب وسوء الفهم لبعض النصوص الدينية نتيجة تفسيرات جزئية جزافية بعيدة كل البعد عن معانيها الحقيقية مما دفعهم إلى ما يمكن تسميته “بالتدين المغشوش”.
إن الاسلام خُلق وحكمة ومعاملة بالتي هي أحسن؛ ولا ريب أن من حكم الله تعالى في فرض بعض العبادات تزكية وتطهير أخلاق القائم بها، كما قال جل في علاه: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}.
قال ابن كثير في تفسير الآية : “يعني : أن الصلاة تشتمل على شيئين : على ترك الفواحش والمنكرات، أي : إن مواظبتها تحمل على ترك ذلك. وقد جاء في الحديث من رواية عمران، وابن عباس مرفوعا : “من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم تزده من الله إلا بعدا “.
وقال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}.
قال الإمام الطبري: “(صدقة تطهرهم): من دنس ذنوبهم، (وتزكيهم بها): وتنمِّيهم وترفعهم عن خسيس منازل أهل النفاق بها، إلى منازل أهل الإخلاص”.
ولا جرم أن من أهداف بعثة سيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام – بعد فترة من الرسل إتمام مكارم الأخلاق التي من أجلها بُعث الرسل قاطبة من لدن آدم إلى عيسى عليهم السلام؛ ثم تعليم وتزكية قومه، كما في قوله تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة}، وقال عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق).
وليس من شك أن حبيبنا محمدًا -عليه صلوات ربي وسلامه- قام بتعليم قومه وهدايتهم وتزكية أرواحهم ونفوسهم وتطهير قلوبهم وصدورهم حتى كانوا -بحق- ربانيين خُلقا وعلما وموقفا.
فكم ضحوا بدمائهم الطاهرة لنشر الاسلام في ربوع المعمورة؛ وكم نشروا من العلم والمعرفة؛ وكم بذلوا من جهود لهداية أجناس كانوا يتمرغون في رمضاء التيه والطغيان؛ وكم أنقذوا من شعوب كانت تعاني القهر القيصري والاستبداد الكسروي والتسلط الهرقلي؛ وكل ذلك بتواضع جم وأدب وفير وحب صاف؛ فكانوا خيرَ جيل وخير قرن!
كان المسلمون على هذا الهدي والمنهاج النبوي الشريف يبشرون بالخير والرحمة والفضل والأخلاق الرفيعة إلى الإنسانية جمعاء حتى ابتلاهم الله تعالى بأقوام: “حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ” ففتنوا المسلمين في دينهم ودنياهم وبغّضوا الاسلام للأناس الذين لم يكتشفوا بعد محاسنه بسبب سلوكهم المعوج وأخلاقهم الدنيئة فكانوا على حسب تعبير الشيخ محمد الغزالي “دعاة فتانون”.
وكان السبب الرئيسي في هذه الفتنة التي يحملونها يكمن في إعراضهم عن الإحسان: الركن الثالث المكمل للإيمان والإسلام؛ ولا يصح دين أحد – كائنًا من كان- إلا باجتماع هذه الأركان الثلاثة التي بينها الرسول -عليه الصلاة والسلام- في حديث جبريل -عليه السلام- المشهور.
فهؤلاء الذين يدّعون السنة واتباع السلف لا يهتمون في كثير من أمور دينهم إلا بالقشور والشكليات الظاهرة ويهملون أحوال القلوب وأمراضها الخطيرة الفتاكة.
ومن المعلوم أن جوهر الإنسان هو القلب (إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسُد فسد الجسد كله)؛ وهذا ما جعل السادة المتصوفة يضعون قواعد وطرائق قددا لتخليته من مساوئ الكبر والعجب والرياء والسمعة والحسد والبغض، وتحليته بمحاسن الإخلاص والتوكل والحب واليقين والخوف والرجاء والرضاء بالله تعالى..
فكان من حسن تربيتهم أن المسلم يعبد الله تعالى كأنه يراه؛ ولا يفعل أو يترك شيئا إلا وقصْده إرضاء الله تعالى في السر والعلانية؛ ويحب الخير للجميع ولا يرى الفضل لنفسه.
وهؤلاء السادة المتصوفة اقتدوا بالصحابة الكرام حتى صاروا -في كل قرن من القرون السالفة- هم الهداة الذين ينيرون الطريق للضالين؛ والجبهة الأمامية في الجهاد والدفاع عن بيضة الاسلام وشوكته؛ والمؤلفين المكثرين في جميع ميادين العلم والمعرفة.
وشاء الله تعالى أن ابتلاهم بقوم {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا} لا يعرفون قيمتهم ولا يراعون في حقهم إلاّ ولا ذمة فبدّعوهم وفسّقوهم وكفّروهم ووصفوهم بكل نقيصة ورذيلة.
ففي الوقت الذي يتعجب علماء الغرب ويندهشون من ذكاء حجة الإسلام الغزالي ويصفونه بأنه: “من أقوى العقول المعروفة في تاريخ البشرية” فإذا بطُرطور منهم يصفه ب”ذي وجهين” في كتابه!! حاشا لله.
فإن التدين المغشوش يفضي بصاحبه إلى طريق الهلاك والضياع وهو يظن – والظنون غرور- أنه على الصراط المستقيم.
يقول الله تعالى: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه}
وما باطن الإثم إلا الحقد الذي يحمله هؤلاء الأوباش للسادة المتصوفة الذين جاهدوا في الله حق الجهاد حتى اجتباهم الله تعالى واصطفاهم وأجرى على أيديهم كرامات عظاما؛
وما باطن الإثم إلا الحسد الذي يملأ قلوب هؤلاء المتنطعين فأطلقوا ألسنتهم على أعراض المتصوفة الطاهرة فتحقق فيهم قول الله جل في علاه: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم}.
وما باطن الإثم إلا الزحف والفرار عن جهاد اليهود والإدبار عن القدس الشريف ثالث المقدسات الاسلامية والتطبيع مع الكيان الصهيوني لتهويده في ما بات يُعرف ب”صفقة القرن”.
بالله عليكم؛ راجعوا أنفسكم ومواقفكم تجاه إخوانكم المسلمين، واعملوا بالإخلاص والصدق لتنقية قلوبكم من الأدناس وتطهيرها من الحُجب التي تحول بينها وبين وصول الأنوار الإلهية إليها قبل أن يفوت الأوان فتندمون ولات حين مندم.
قال الله عزّ ثناؤه: { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}.
الفقير إلى عفو ربه: شعيب الحاج عبد امباكي
دكار ١ ذُو القعدة ١٤٤١ هجري / ٢٢ يونيو ٢٠٢٠م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock