الدين و الترييةالسياسةالعمل والمستجدات

إنشاء متحف لتراث مولانا الشيخ الخديم بما فيه مشروعه الاجتماعي احتفاء وإحياء

إنشاء متحف لتراث مولانا الشيخ الخديم بما فيه مشروعه الاجتماعي احتفاء وإحياء

إن الدعوة الإصلاحية التي أسسها مولانا العبد الخديم والتي تحولت بعدُ إلى طريقة صوفية قائمة بذاتها، ذاتُ طابع شمولي وصبغة إسلامية؛ بل إن الإسلام عمادها الذي عليه قامت وفي سبيل تجديده والذوْد عنه نشأت.

وبخاصية الشمول هذه استحقّ الشيخ كونَه مرجعًا عامّا يصلح للرجوع إليه في كل جوانب الحياة اجتماعيتها واقتصادها…؛ الحياة برمتها.

فالشيخ يرى مِن الدنيا سُلّما للآخرة فهما متصلتان ببعضهما البعض، وأن اللبنات التي تُبنى بها الدار الآخرة إنما تطبع هنا في الحياة الدنيا؛ يقول في إحدى كتاباته:
فكل ما أكون ذا انتفاع@@ به من الدنيا لدى انتفاعي
فإنّه يكون “زادا للجنان”….
وفي موضع آخر:
أخذتُ من دنياه زادي للجنان…

ولمّا كان المشروع التربوي الخديمي شاملا اقتضى ذالك أن يُوجد ضمنه مشروعٌ مجتمعي أصيل يستمدّ من الإسلام كُلّ البُنُود.

ويقوم مشروع الشيخ المجتمعي (أو منهجه التربوي) على دعائم هي:
-القدوة.
-محل التربية.
-جهاد النفس.
-العبادة.
-العمل أو الكسب الحلال.
وتمثل المدينة_محل التربية_ الظرفَ لهذا المشروع ، كما يصح أن نطلق على هذا المنهاج التربوي نجاحا في تحقيق ما حلم به الفلاسفة وعجزوا عن تحقيقه واستطاع المسلمون_كدولة_ أن يقتربوا منه في فصول محصورة من تاريخهم لم تَخْلُ من ثغرات عُجِز عن سدها! وهو تكوين المدينة الفاضلة التي قوامها المجتمع الفاضل.

وقد راعى الشيخ في مدينته الفاضلة جميع الأسس والمقوّمات التي يحتاج إليها المجتمع لنيل حياة سعيدة وعزيزة سواء المادية منها والمعنوية وذالك لما للبيئة المحيطة ونوع المعيشة مِن أثر جليّ في تكوين شخصية الفرد وتحديد سلوكه وتوجيه نمط حياته. ومِن أهمّ دلائل واقعيّة رؤية الشيخ أن هذه الأسس_في الغالب الأعم_ تُسْتَشَفُّ مِن خلال إمعان النظر في جوانب مختلفة ربّى عليها وسيّر وِفقها شؤون مريديه، وليس عن طريق تنظيرات خيالية تطير بالبعض إلى المرّيخ! لأنّها بحقٍّ لا تناسب وواقعَ الكوكب الأزرق.

ويظهر البُعد التربوي جليا فيما اصطلحتُ عليه بالأسس؛ فأسماء الدور والقرى.. تُتخيّر: دار السلام..طوبى.. البقعة المباركة… وكذالك التصميم العام للقُرى يتجاوب ومتطلباتِ العبادة فالمسجد يحتل قلب القرية، كما يُحرَص على تقسيم القرية وِفق الوظائف التربوية ومقتضياتها؛ كمقتضى التفريق بين الذكور والإناث وبين مَن شأنهم التعليم ومَن شأنهم التربية( مع احتفاظي بالمصطلحات!) …و سيادة التنظيم والانضباط، والمساواة، عدم تضييع الوقت، وكذالك التضامن والاكتفاء الذاتي.

وللمدينة عند الشيخ شرطان ماديان: الأمن بأبعاده الثلاثة الأمن العام والأمن البيئي، وكذالك الأمن الغذائي والصحي، والأمن الثقافي والفكري. والشرط الثاني الرخاء الاقتصادي. وشروطٌ أخرى معنوية هي : الإرادة؛ إرادة وجه الله تعالى، ثانيها التربية والعلم، وثالثها العبادة، ورابعها القيم الأخلاقية. والشيء اللافت أن الشيخ حين يصوغ هذه الشروط التي في ظلها تتظلل المدينة الفاضلة يرسمها بأسلوب الدعاء والابتهال وقصيدة “مطلب الفوزين” دليل على ذالك ما يعني اعتماده الكلي على عناية الله القدير في تحقيق هذه المواصفات والأخذ بالأسباب كما ينبغي وهذا معنى التوكّل الصحيح.

وقد شهد حياة الشيخ سعيا حثيثا لتجسيد نظرية المدينة الفاضلة كما يؤكد ذالك الدكتور الباحث خديم سيلا ويقسّمه إلى ثلاث مراحل بدءًا مِن قرية دار السلام حيث شرع الشيخ في إعداد الرجال الذين يجسّدون المدينة الفاضلة، مرورا بمرحلة طوبى حيث بدأ بالتنفيذ وتوزيع الأدوار، وصولا إلى انجاريم حيث جسّد الفكرة بالفعل في البقعة المباركة؛ فعمل على توفير متطلبات الحياة الروحية (التربية والتعليم) ومتطلبات الحياة المادية كذالك حيث شجع العمل الإنتاج مثل الحقول الزراعية، كما شجع الصناعة والحرف كالنجارة والنسج وتحويل المنتجات الزراعية

لاشك أن مثل هذا المنهاج جدير بالاهتمام وحري بأن يُبعث مِن جديد، صحيح أن هناك بقايا وربما نماذج في الواقع تسير وفق منهاج الشيخ ولكن الغالبية العظمى في حاجة ماسة إلى أن تكتشف هذا الجانب الثمين الذي طغى عليه الوجد والأحوال والشطحات! ولا سبيل لذالك إلا من خلال إنشاء متحف مريدي يجسّد منهاج الشيخ ككلّ دون اجتزاء وبتْر.

لقد اعتبر الشيخ الأمنَ الثقافي والفكري شرطا في منظومته المجتمعية المتكاملة وما الغاية من المتاحف غير تحقيق ذالك. فالمتحف “أي مقر دائم من أجل خدمة المجتمع وتطويره، مفتوح للعامة، ويقوم بجمع وعرض التراث الإنساني وحفظه، والبحث فيه، والتواصل حول تطوره، لأغراض التعليم ، والدراسة والترفيه…” وقد عرَّفته الموسوعة العربية بأنه “دار لحفظ الآثار القديمة، والتحف النادرة، وروائع المنحوتات اللوحات الفنية، وكل ما يتصل بالتراث الحضاري، وقد يضم المتحف أعمالاً علمية أو أعمالاً فنية، ومعلومات عن التاريخ والتقنية” وهناك أنواع أربعة للمتاحف هي: المتاحف العلمية، والمتاحف الفنّية، والمتاحف التاريخية بالإضافة إلى المتاحف الوطنية، والمتحف المريدي إن قام يكون نموذجًا خاصا إذ يجمع بين أنواع مختلفة من المتاحف في متحف واحد؛ وهذا دليل آخر يُبرهن على شمولية مشروع الشيخ الخديم_قاد له الله ما اختار له_ وتعدّد أبعاده.

…للمزيد عن رؤية الشيخ الخديم في نظرية “المدينة الفاضلة” راجع بحْثَ محاضرةٍ بعنوان “المدينة الفاضلة عند الشيخ الخديم” للمفتش الأستاذ سام بوسوا عبد الرحمان وهو منشور في العدد الثاني مِن سلسلة “دراسات حول المريدية” [دائرة روض الرياحين]

مُودُ امباكي شريف فاضل
15/06/2020م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock