السياسةالعمل والمستجدات

الكاتب السنغالي المعروف عبد الرحمن كانْ يفكّ لغز انسحاب الشيخ محمود ديكو عن الساحة السياسية في مالي..

الكاتب السنغالي المعروف عبد الرحمن كانْ يفكّ لغز انسحاب الشيخ محمود ديكو عن الساحة السياسية في مالي..

هكذا، وردني السؤال على الخاصّ، وهكذا كان الجواب عن أزمةِ مالي وموقف الإمام ُديكو !

السؤال:
ماهو قراءتك لموقف الامام ديكو بعد الانقلاب وانسحابه من قيادة الحركة الثورية الى الرجوع فوق المنابر ؟؟ أليس فاشلا ؟ ألم يسرق فرنسا منه الثورة لتغيير هدف الثورة من تغيير النظام الى تغيير القادة فحسب؟؟

الجواب:
الوضعُ في مالي حرجٌ جدّا، ولا ينبغي أن تكون الآراء حوله في النطاق الضيق، أو أن تكون النظرة إليه في زاويةٍ دون أخرى؛ وذلك لأن الأزمة الحالية تعدّ من أزمات الصراع المتراكمة في البلد منذ أمَد بعيد، وأن الظرف والسياق يعوّلان إلى التجاوز المسموح في بعض التقديرات نظرًا لتنوّع التشكّلات، وكثرة التكتّلات السياسية، وخطورة الانشقاقات والانزلاقات التي تجري بين رجال السّاسة والشعب. وعليه، أعلّقُ على الحالة الراهنة في سطور عدّة كالآتي، محاولا في ذلك الإجابة على سؤالك المليء بالعزاء السياسيّ .

الإمام ديكو موقفهُ مشرّف جدّا منذ اندلاع الثورة، استطاعَ أن يوقظ همم الشعوب، وأبرزَ من خلال تحركاتهِ التفاني في خدمةِ مصالح البلاد، وكفاهُ تجرّده السياسي شرفًا، وارتقى بالعمل السياسي في البلدِ من التّيه إلى الرّشد، ومن الخداعِ إلى الصراحةِ، ومن الخيانةِ إلى الأمانةِ وخرجَ موقفه من هذا المنهج الرصين، ولا يُجزمُ بأفضليّة موقفهِ، كما أنه لا يُلامُ على قرارهِ؛ لكونهِ بقيَ قائدًا لمظاهرات شعبية لا لأحزاب سياسية، الأمر الذي يوضّح محدوديّة مسؤولياته على الواقع القانونيّ والأخلاقي، وعلمُ الشيخِ بصرامة الحنكة السياسية وفاعليّتها في تجاوز المِحن، اختارَ لنفسِه مسلكًا يحاولُ به حفظَ ماء المبادئ الإنسانيّة والإسلاميّة، وكمْ كان جميلًا حين نراه وهو يحاوِر العسكر، ويتسلّم زمام الأمور لإيصال الدولةِ إلى برّ الأمان بقيادته الإداريّة ؛ ولكنه الفهم بالسياسة، والفقه بالتقلّبات، والإدراكُ بالتاريخ، الأمرُ الذي جعله يرى تحقيق هذا المسار الإصلاحي عن طريق منبره وتوعية شعبِه دون انخراط في المباشرة السياسية التي قد تؤدّي إلى ما لا يُحمد عقباه. لم ينسحب الإمام من قيادة الحركة الثورية بتاتا، ولكن باستطاعتنا القول بخروجه منها إدارةً، وانتماءه إليها فكرًا وتوجيهًا. ولا يُستحسنُ وصفُ الرجوع إلى المنابر بالفشلِ، فهو في الأخير خيارٌ، الخيارُ الذي بدأ به الإمام لتهييج مشاعر الشعب، وتذكيرهم بالوطنيّة ومبادئها، وبه استطاع الوصول إلى ما وصل إليه نُضجه وذكاءه السياسي.

وفي الشقّ الثاني، أقول بأن العلم بالتاريخ السياسي للمنطقة يساعدُ على تكييف وتفسير الحالة السياسية في مالي بين مطرقة الانقلاب ومطرقة فرنسا، فقد نراهما وجهًا لعملةٍ واحدة؛ ولكننا لا نُجزم بتقدير أن فرنسا سرق الثورة على أيدي الثّوار، وإنّما نشير إلى هيمنة آليات فرنسا التنفيذيّة على آليات الثّوار المتظاهرين، وبالتأكيد يكون نفوذ الأول أكثر تأثيرًا، ولا ينبغي الاستسلام عند هذا الحدّ، فيبقي الوعي عالياً ، والرّشد السياسي باقيًا، وهما الأمران اللذان لم تستطع القوات المضادة سرقتها ولا استلابها إلى حدّ الآن، وبناء عليه، فإنه يجدر الإشارة إلى التنبّه، وعدم الانجرار وراء الطموحات الخارجيّة للحلّ الداخليّ، وفيه من الخطورة ما يَمنع قادة الوعيِ من الثوّار مواصلةِ نضالهم المنشود في سبيل تحرير الفكر السياسي الأفريقي، ونبذ الأنظمة الهائجة على ممتلكات الدولة سرقةً وإفسَادًا. فلا أمنَ بالنّظامِ، ولا رجاءَ مع العساكرة، ولا انضباط عند الثّوار، الأمر الذي يحتم على قادة الوعي مثل الإمام ديكو البقاء في منابر الوعيِ من أجد تحديد البوصلةِ وتوجيهها، تفاديًا للانحطاط والسقوط الأبديّ.

كتبهُ عبد الرحمن كان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock