
صِفاتُ الرَّسُولِ الكريمِ – ﷺ – الخَلقِية مِنْ خِلال قصيدة (جذب القلُوب) للشَّيخ الخديم – رضي الله عنه –
صِفاتُ الرَّسُولِ الكريمِ – ﷺ – الخَلقِية مِنْ خِلال قصيدة (جذب القلُوب) للشَّيخ الخديم – رضي الله عنه –
يقول الشيخ الخديم – رضي الله عنه – وهو يميط اللثام عن شمائل النَّبيِّ – ﷺ – التي كان يتميّز بها في قصيدته (جذب القلوب لعلام الغيوب):
يَا مُلْهِمًا قَدْ وَفَّقَا = صَلِّ عَلَى مَنْ خُلِقَا
وَالْخَلْقَ فَاقَ خُلُقَا = كَالْخَلْقِ وَلْتُسَلِّمِ
قَدْ كَانَ ذَا تَوَسُّطِ = فِي الْقَدِّ جَالِي السُّطُطِ
وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُفْرَطِ = وَلَمْ يَكُنْ بِآَدَمِ [1]
وَلَمْ يَكُنْ مُطَهَّمَا = وَلَمْ يَكُنْ مُكَلْثَمَا
بَلْ فَاقَ كُلَّ مَنْ سَمَا = مِنْ مُنْتَمٍ لِآَدَمِ [2]
كَانَ يَطُولُ كُلَّ مَنْ = مَا شَاهُ فِي كُلِّ زَمَنْ [3]
وَكَانَ وَاسِعَ الْعَطَنْ = يَضْحَكُ بِالتَّبَسُّمِ [4]
وَهْوَ جَلِيلٌ قُلَّبُ = بَيَاضُهُ مُشَرَّبُ
بِحُمْرَةٍ وَأَهْدَبُ = وَأَنْجَلٌ ذُو رَسَمِ [5]
يَفْتَرُّ فِي أَسْنَى ابْتِسَامْ = كَالْبَرْقِ أَوْ حَبِّ الْغَمَامْ
وَضَحْكُهُ يَجْلُو الظَّلَامْ = كَسُرُجٍ فِي ظُلَمِ [6]
وَوَجْهُهُ مُدَوَّرُ = وَهْوَ خَمِيصٌ أَزْهَرُ
وَهْوَ بَهِيٌّ أَسْمَرُ = مُرَتِّلُ التَّكَلُّمِ [7]
كَأَنَّ مَاءَ الذَّهَبِ = فِي خَدِّهِ الْمُهَذَّبِ
وَكَانَ سَبْطَ الْقَصَبِ = عِرْنِينُهُ ذُو شَمَمِ [8]
كَامِلُ أُذْنٍ أَدْعَجُ = وَأَشْنَبٌ مُفَلَّجُ
وَأَشْكَلٌ مُبْتَهِجُ = وَالْوَجْهُ مَاحِي الْغُمَمِ [9]
وَهُوَ أَكْمَلُ الْوَرَى = خَلْقًا وَخُلْقًا ظَهَرَا
وَالْمِثْلُ قَطُّ لَمْ يُرَا = وَلَنْ يُرَى فِي الشِّيَمِ [10]
بقلم الأخ الطالب سَرين امباكي جُوب خضر الطوبَويّ خريج معهد الدُّروس الإسلاميَّة، ومدرس اللغة العربية والعلوم الشرعية في معهد فتح المنان، ومعهد الخليل الإسلامي
الهوامشُ:
1- القَدُّ: القامة، جَالي من جَلاه إذا نفاه وأبعده، جَلاَ العدوَّ: طردهُ. السُّطُطُ: الظَّلمَة والجَائرون. ومعناه: كان معتدل الخلق ليس بالطويل البائن ولا بالقصير البائن. كما قال – رضي الله عنه – في كتابهِ (كنز المهتدين): “الَّذِي كَانَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِير”. والأسَطُّ من الرِّجال: الطَّويلُ الرِّجْلينِ.
وقال صاحب (روضة الأنوار): “وكان – ﷺ – حسن القد، معتدل القامة، سبط القصب، ولا قصيراً مترددًا، ولا طويلاً بائنا، ولكن كان أقرب إلى الطول”. [ينظر: كتاب: روضة الأنوار في سيرة النبي المختار، المؤلف: صفي الرحمان المباركفوري، الرياض، الطبعة الثَّامنة، 1432ه، ص: (372)]
الآدَمُ: الأسمرُ من أدِم أدَما أُدْمَة فهو آدم إذا اشتَدت سُمرتهُ. كما قال – رضي الله عنه – في كتابهِ (كنز المهتدين):”الَّذِي كَانَ لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَا بِالْآَدَم”.
2- المُطَهَّمُ: مِن الأضداد أي السَّمينُ الفاحِشُ السِّمَنِ، أو النَّحِيفُ الجِسم، أوالْبَادِنُ الْكَثِيرُ اللَّحْمِ، وهُو هُنا: المُنتفخُ الوجه. المُكَلثمُ: من الكُلثُوم: وهُو الْمُدَوَّرُ الْوَجْهِ مع كثرة لَحْم الخَدَّينِ والوَجْهِ.
3- أي لم يكن أحد من النَّاس زائدا على النَّبيِّ -ﷺ – في الطُّول عند مشيه، وذلك من كمال شخصيته ومن عَجائب الله فيهِ.
وهذا الكلام يتضمن معنى قول صاحب كتاب (روضة الأنوار): “فلم يكن – ﷺ – يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله هو”. [ينظر: كتاب: روضة الأنوار في سيرة النبي المختار، المؤلف: صفي الرحمان المباركفوري، الرياض، الطبعة الثَّامنة، 1432ه، ص: (372)]
وقال العبدُ الخديمُ – رضي الله عنه – في كتابه (كنز المهتدين): “اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الَّذِي إِذَا جَلَسَ بَيْنَ قَوْمٍ كَانَ كَتِفَاهُ أَعْلَى مِنْهُمْ”.
وقد تطرّق صاحب كتاب (سُبل الهُدى والرشَاد) بذكر بعض خصائص الرحمة المهداة : “أنه – صلى الله عليه وسلم – يكُون كتفه أعلى من جَميع الجالسين”. [ينظر: “سُبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد”، المؤلف : محمد بن يوسف الصالحي الشامي، (480/10)]
4- العَطَنُ: الصَّدرُ، يُقال رجُل واسعُ العَطَن أي رحْبُ الذِّراع. وكما يقال: فلان واسعُ العطنِ: أي واسع الصَّبر والحيلة عند الشَّدائدِ. وقد قال صفي الرَّحمان المُباركفوري – رحمه الله تعالى -: “وكان – ﷺ – عريض الصدر، أجرد عن الشعر، فكان من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ولم يكن في بطنه ولا صدره شعر غيره”.[ينظر: كتاب: روضة الأنوار في سيرة النبي المختار، المؤلف: صفي الرحمان المباركفوري، الرياض، الطبعة الثَّامنة، 1432ه، ص: )]
وقوله:
………………. = يَضْحَكُ بِالتَّبَسُّمِ
أي: كانتْ صفةُ ضحك النَّبيِّ المُصطفى – ﷺ – تبسُّما لا قَهقهة، ولم يكنْ مُتقهقر أبدا. كما قال البُوصَيريُّ صاحبُ الهمزيةِ:
سَيِّدٌ ضِحْكُهُ التَّبَسُّمُ والْمَشْـ = يُ الْهُوَيْنَا وَنَوْمُهُ الإِغْفَاءُ
5- القُلَّبُ: الرَّجُلُ العارف بالأمُور البَصِير بتَقليبها. مشرب بحمرة: كناية عن شدّة البياضِ المائل إلى الحُمرةِ. الأَهْدَبُ: طويل أشفار العين كثيرها. الأَنْجَلُ: من نَجِل نَجَلا فهو أنجَل، والنَّجَل هُو سعة شَقّ العَين مع حُسنٍ، الرَّسَمُ: حسَن المشي.
6- يَفترُّ: يَكشِرُ إذا ابتسَمَ وضحكَ ضَحكا حَسَنًا بلا قههقة، وحَبُّ الغَمام: البَرَدُ، شبَّه به بياضَ أسنانِه، السُّرُجُ: المَصابِيحُ.
وقد قال هند ابن أبي هالة – رضي الله عنه -: “كان جل ضحكه التبسم يفترُّ عن مثل حبّ الغمام”. وقال صاحبُ (روضة الأنوار): “إذا تبسَّم تبدُو أسنانهُ كأنها حبُّ الغَمام، وكان فيها شَنب – أي نوع من اللمعان -“.[ينظر: كتاب: روضة الأنوار في سيرة النبي المختار، المؤلف: صفي الرحمان المباركفوري، الرياض، الطبعة الثَّامنة، 1432ه، ص: (371)]
7- الخَمِيصُ: ضامر البطن، سواء الصّدر والبطن، ويقال: أخمص القدم أي وسط قدمه مرتفع عن الأرض، فلم يكن مرتفعا جدا ولا مستويا جدًّا، الأَزْهَرُ: النَّيِّرُ المشرقُ الوَجه، الأَسْمَرُ: لون بين السواد والبياض، المُرَتِّلُ: من رتَّل الكلام إذا أبانهُ وتمهّل فيه.
8- السَّبِْطُ: الطويل الممتد الذي ليس فيه تعقد ولا نُتوء، القَصَبُ: عِظام اليدين والرِّجلين، العِرْنِيْنُ: الأنفُ، الشَّمَمُ: المرتفع.
9- الأَدْعَجُ: من الدّعج، وهو الشَّدِيدُ سَوَادِ الْعَيْنِ وَبَيَاضِها مَعَ سِعتهَا، الأشْنَبُ: جمع شنب، وهو بياض وبَريق في الأسنان، أو ماءٌ ورِقَّةٌ يجري عَلى الثَّغرٍ. المُفَلَّجُ: فلِج فلَجا فهو أفلج إذا كان في أسنانه تباعد وتفرق. الأَشْكَلُ: بياض فيه حُمرة، قال ابن الأثير في صفة أشكل العين: “أي في بياضها شيء من حُمرة، وهو محمود محبوب”. الغُمَمُ: جمع غُمّة، ومعناها الحُزنُ والكرب والمُصيبة.
10- الشِّيَمُ: الأخلاقُ.
وهذا الكلام يتضمن معنى قول صاحب المولد البرزنجيّ: “وكانَ – ﷺ – أكْمَلَ النَّاسِ خَلْقًا وخُلُقًا، ذَا ذاتٍ وصِفَاتٍ سَنِيَّةٍ”. [ينظر: “مولد البرزنجي” للسيد جَعفر البرزنجِي – رحمه الله تعالى -، المُحقق: بسام محمد بارود، الطبعة الأولى: 1429ه – 2008م، ص: (132- 133)]
ورد في الصَّحيح عن الْبَرَاءِ، قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا”.