السياسةالعمل والمستجدات

دروس فى رحيل أمير الكويت رحمه الله . عبد الرحمن بشير

دروس فى رحيل أمير الكويت رحمه الله . عبد الرحمن بشير
……………………………………………………………………………
لقد رحل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد عن الدنيا بعد عمر مديد حيث عاش أكثر من عقود تسعة ، ومارس فى خلالها الحكم والإدارة ، وأهم ملف عمل به قبل توليه مسند الإمارة وزارة الخارجية ، ولكنى أريد أن أستخلص من هذه اللحظة دروسا مهمة للإنسان العربي والمسلم فى رحيل أمير الكويت ، واختيار أمير جديد حسب الدستور الكويتي .

هناك عدة أمور يجب ملاحظتها ، ورصدها ، لأجل فهم دولة الكويت ، ذلك البلد الثري والصغير حجما ، والقليل كذلك فى عدد سكانه ، إنه وطن يختلف عن المحيط ، ويشبه فى كثير من الأمور المحيط ، ولهذا يجب رصد هذه الظاهرة الكويتية الإستثنائية ، ونسأل هنا عن خطاب الأمير الجديد نواف حيث ذكر أمرين مهمين وهما ، الدستور ، والديمقراطية ، ولهذا يجب أن نسجل بأن الكويت دولة ذات دستور ، ولديها ديمقراطية خاصة منذ الستينيات من القرن العشرين المنصرم ، ومن هنا نريد أن نسجل الإستثناء الكويتي فى المحيط من خلال رحيل أمير ، وتعيين أمير آخر حسب أعراف دستورية :

أولا : تم ملاحظة تعيين الأمير الجديد بسرعة ، وذلك قبل أن يوارى جثمان الفقيد ، الأمير الراحل خوفا من الفراغ الدستوري ، وهذا عمل سياسي حكيم ، فالفراغ الدستوري والسياسي قد يؤدى إلى خراب الحياة السياسية ، والدول ذات الأعراف الدستورية تعمل فى ملء هذا الفراغ بشكل سلس ،حتى لا يقع فى الوطن ما لا يحمد عقباه .
فى زمن الخلفاء الراشدين ، لاحظ الصحابة الكبار بأن الفراغ الدستوري والسياسي أهم من دفن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، ولهذا عمل الصديق والفاروق وغيرهما من كبار الصحابة اختيار الخليفة خوفا من الفراغ السياسي ، وكانت هذه حكمة بالغة من هذا الجيل الواعى سياسيا ، واليوم كل الدول ذات الأعراف الدستورية لديها تلك التجربة ، ومن هذه الدول دولة الكويت ، والتى قررت في وقت مبكّر من تاريخها الحياة الدستورية .

ثانيا : فى الكويت تجربة ديمقراطية تجمع ما بين الحكم الوراثي ، والممارسة الديمقراطية ، وهذه التحربة ليست ناضجة ، ولكنها تجربة ثرية ، هناك برلمان مختار من الشعب ، وحياة سياسية ، وحراك أيديولوجي ، ومصالح متضاربة ، ولكن الحكم الأخير للشعب الذى يحدد من يذهب إلى البرلمان ، ومن لا يذهب ، وهذا لا يعنى بأن التجربة الديمقراطية فى الكويت ناضجة ، ولكنها تمثل الأفضل فى المنطقة .

ثالثا : إن الدستور منح العائلة الحاكمة حقوقا كثيرة ، ولكنه كذلك منح البرلمان حقوقا ، ولهذا يمكن أن نجعل الكويت دولة ( بينية ) ليست دولة لدي الحاكم فيها السلطة المطلقة كما هو ملاحظ فى المحيط ، ولكنها أيضا ليست دولة نجحت فى تقييد الحاكم تقييدا دستوريا بشكل كامل ، ولهذا لا يمكن وصف دولة الكويت إمارة دستورية ، ولكن كذلك لا يمكن وصفها بأنها دولة مستبدة ، فهي تجمع ما بين الأمرين ، ومن هنا نستطيع أن نجعل الكويت دولة متقدمة فى جمع الحكم الذى ينطلق من الواقع ( الحكم الوراثي ) ، والممارسة الديمقراطية .

رابعا : إن القسم الدستوري حين يكون أمام أعضاء البرلمان يجعل الشعب هو الحكم ، وهو مصدر السلطات ، ذلك لأن البرلمان يمثل الشعب ، وهو أيضا من اهم السلطات التى تتكون منها الدولة ، وهذا كذلك يشير دستوريا بأن الأمير ليست لديه سلطات مطلقة ، بل هو أيضا مقيد بالدستور ، ولهذا تم القسم أمام ممثلى الشعب .

خامسا : من خلال هذه السياسية ، ومن خلال وجود التعدد الفكري والسياسي فى الكويت ، ومن خلال وجود التعدد المذهبي ، نستطيع أن نفهم لماذا تختلف دولة الكويت عن المحيط ؟ لماذا نجد الأصوات ذات الثقل السياسي والتى تؤكد بأن القضية الفلسطينية ما زالت هي محور القضايا العربية والإسلامية ؟ ذلك لأن الواقع الكويتي لا يقبل الإقصاء ، ومن هنا نجد بأن الحياة السياسية فى الكويت أكثر ثراء ، وأقل تصحرا .

إن الكويت ليست نموذجا ، ولا مثالا ، ولكنها تجربة تستحق الوقوف عندها، ولهذا يجب تطوير الحياة السياسية لأجل بناء دولة العقد السياسي ، وبناء هياكل الديمقراطية حتى لا تتآكل التجربة ، لأن المحيط ليس مساعدا ،بل هو عقبة كأداء أمام التجارب الديمقراطية ، ولو لم تتقدم الدول فى المجالات المختلفة تتآكل سياسيا واجتماعيا ، وخاصة حين يكون المحيط خائفا من التجارب الثرية .

إن رحيل أمير ، وتعيين أمير جديد مسألة عادية فى الدول ذات الحكم الوراثي، ولكن ما يجرى الآن فى المحيط ، وخاصة عند الدولة الأهم فى المنطقة ( السعودية ) يوحى بإن غياب الدستور مشكلة سياسية عميقة قد تؤدى إلى سقوط الدولة ، أو ضياع هيبتها ، ولهذا أحببت رصد التجربة من خلال وحي الألم والأمل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock