السياسةالعمل والمستجدات

مقال : الإسلامُ… كما تُريده فَرنْسا!!!

في لقاءٍ جمعَ قادة الديانة الإسلامية وبين رئيس فرنسا ماكرون طلب هذا الأخير منهم إعداد وثيقة تنصُّ على الاعتراف بأن: “الإسلام دينٌ فقط وليس حركة سياسيَّة”، وذلك في غضون خمسة عشر يوما.
قد يتساءل البعض ما دخل رئيس فرنسا بأمور الإسلام حتى يطلب أمرا كهذا؟ أو لم تكفه احتياجاتُ ومطالب شعبه عن التدخل في أشياء لا تعود إليه بفائدة؟
لكن معرفة السياق الذي طلب فيه ماكرون هذه الوثيقة يساعدنا على الإجابة بهذه الأسئلة.
فكل من يقف على تاريخ فرنسا لا يُفاجئه هذا الخبر ففرنسا معروفة بموقفه العِدائي لكل ما يمتُّ بصلة إلى الإسلام، تزول دهشتُنا إذا تذكرنا أن أمثال ماكرون يُخيفهم في الإسلام الوجه السياسي والذي يتدخَّل في المناحي الحياتيَّة، ويفرض نفسه في الميدان وتتقبَّله فطر الناس بسهولة، ذلك الإسلام الذي يبسِّط مبادئه ويفصِّل أحكامه بدءً من المهد إلى اللحد لكل من يتمرجَع إلى أسسه ويتقنَّن بقوانينه.
هذا؛ لأن الفقهاء والمتكلمون عرَّفوا الخلافة ونظام الخلافة بأنه: نيابةٌ عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في حِراسة الدين وسياسة الدنيا به، أي: بالدين، فلا فرق إذا في منظور الإسلام بين الدين والدنيا فهو يتناول كِليهما بأحكامه وقوانينه.
فإن تتماشى مقولةُ: “دَعْ ما لقيصرَ لقيصر وما لله لله” مع الكنيسة فإنها لا تتواكب مع الإسلام الذي يطلب من المسلم أن ينادي في وجه الجميع قائلاً: {إنَّ صلاتي ونُسكي ومحيايَ ومماتيَ لله رب العالمينَ لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}.
يريد ماكرون وراء طلبه هذا أن يكون الإسلام دينا لا يخرج من حدود المسجد مقتصرا على أمور الطهارة والصلاة والحج والصوم والزكاة وصلاة الجنازة، أمَّا أن يُدلي الأئمة دلوهم في الحياة العامَّة فأمر لا يُقبل ولا يُسمع لهم فيها كلمة ولا يُسأل عنهم فيها موقف.
ولذلك فهو وأمثاله لا يفتعلون مشكلة مع ذلك الإمام الذي لا يتفوَّه ببنت شَفة بما يستجدُّ من حياة الناس، ولا يقدم للناس حلول الإسلام بالمشاكل التي تفرضها الظروف فرضًا، بل المشكلة مع المُصلح الذي يرى في تعاليم الإسلام سبلا لحل جميع المُعضلات في جميع مجالات الحياة من سياسة واقتصاد واجتماع وبيئة ورياضة… وغيرها من التي لا تجد البشرية جوابا شافيا عنها دون تدخُّل الإسلام.
فكَّر الغربُ في القرن الماضي في تجاربَ كثيرة جاءت من قادة الدول والعلماء العملاق لتذليل الصعوبات وحَلحَلة المشاكل التي يعيشها الشعوب، وانتهى تفكيرهم إلى جعل العلمانية هي الحل الناجع والدواء الشافي، لكن مع مرور الأيام وكَرِّ الدهور اكتشفوا أنها لا تُسمن ولا تغني من جوع، ولمَ لا يحاولون بعد ذلك ولو بالمرَّة تجربة التعاليم الإسلامية ليقفوا على مُرونتها وتلبيتها لحاجات البشر المختلفة؟ هل لا نجد في طلب ماكرون هذا دلالةٌ أخرى على قوة الإسلام؟
علما بأن السَّاسة يعجبهم من الأئمة أن يكونوا وُعَّاظا يركزون خطبهم بالأمور البرزخيَّة والجنة والنار، فكل إمام يشذُّ عن هذه القاعدة فهو موضع تُهمة للإرهاب والدعم الخارجي؛ ولأجل ذلك فالعلماء والأئمة في امتحان صعب وفي مرحلة حرجة تحفُّها طرقٌ وَعرة؛ لكونهم في عصر عمَّ فيه الجور والظلم من القادة، فيكون جهادهم من أفضل الجهاد حين يُصوِّبون سياساتِ الدول وينقدون تصرفات الرؤساء ويُوقظون الشعب من السُّبات العميق، شأنهم في ذلك شأن الإمامين: أحمد بن حنبل والعزُّ بن عبد السلام والإمام دِيكو في مالي والإمام علي بدر اندو هنا في السنغال.
وإن تعجبْ فعجبٌ من دول إسلامية تسير على خُطى فرنسا بتكميمِ أفواه المصلحين، وإسكات كل صوت لا يُسبِّح بحمدهم، ويصنف رؤساءها الإخوان المسلمين ضمن قائمة “الإرهاب”، ويطلب من خطباء بلده جميعا شَيطنتهم فوق المنابر، كما يزجُّ وراء القضبان علماء ربانيين لا يخافون في الله لومة لائم يصدعون بالحق مهما كانت العواقب.
فمن ينقاد لمطالب أمثال ماكرون سيُجرد الإسلام من ثوبه وسيجزئ تعالميه ويؤمن ببعض ويكفر ببعض، فالإسلام جزء لا يتجزَّأ فلا يستقيم التفريق بين تعاليمه.
هكذا تريد فرنسا وبعض بلاد المسلمين الإسلام، يريدونه مجردا عن هويته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبعيدا عن مكان أخذ القرارات الحاسمة مُتقوقعا في حيِّز الصلاة والطهارة، فهل يُلبي الأئمة هَوى الساسة؟

شعيبُ بن حامد لوح
2020/11/21م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock