السياسةالعمل والمستجدات

مقال : بعد فوز جو بايدن.. هل تتغير السياسية الأمريكية تجاه أفريقيا؟

مقال : بعد فوز جو بايدن.. هل تتغير السياسية الأمريكية تجاه أفريقيا؟
(نص التحقيق كاملًا)..

أخذ التنافس الدولي على القارة الأفريقية بُعداً إستراتيجياً مُهماً في السنوات الأخيرة، لكون القارة تحتل موقعاً حيوياً، وتضم مضايق رئيسة في طرق الملاحة الدولية، ولأنها ثاني أكبر القارات، وتتوافر بها ثروات هائلة، وعاشت العلاقات الأمريكية الأفريقية مراحل متباينة، أثرت على القارة الأفريقية من جهة، وعلى مصالح الولايات المتحدة من جهة أخرى، لكن في الفترة الأخيرة، في عهد الرئيس «دونالد ترمب»، أخذت هذه العلاقة في التراجع لتكشف عن نظرة ازدراء من «ترمب» لهذه القارة، وعلى أعتاب عهد جديد للرئيس الأمريكي المنتخب «جو بايدن»؛ تظهر ملامح تغيير مرتقب في العلاقات الأمريكية الأفريقية، فما مدى تأثُّر أفريقيا بسياسة البيت الأبيض؟ وما مقدار التغيير الذي يمكن أن يطرأ على العلاقات الأمريكية- الأفريقية في عهد بايدن؟ في هذا التحقيق تتناول «المجتمع» هذه القضايا.

العلاقات الأمريكية الأفريقية..
بين الانعزالية والتغلغل

اتسم النمط العام للسياسة الأمريكية تجاه أفريقيا، قبل بداية الحرب الباردة، بالعزلة وكف الأيدي عن التدخل في الشؤون الداخلية للقارة، ومثال ذلك الوقوف الأمريكي الصامت تجاه مؤتمر برلين عامي 1884 – 1885م، الذي تم بمقتضاه تقسيم أفريقيا بين القوى الاستعمارية الأوروبية، وواجهت الدبلوماسية الأمريكية تجاه أفريقيا في ذلك الوقت مشكلات أساسية؛ أولها: أنها كانت تؤمن بالدور المحوري للقوى الأوروبية في مستعمراتها الأفريقية السابقة، وثانيها: اعتقاد كثير من الأمريكيين أن ممارسة التمييز العنصري داخل الولايات المتحدة ذاتها، أدى إلى رد فعل غاضب بين صفوف المثقفين الأفارقة.

على أن رياح التحرر الوطني التي هبت على أفريقيا منذ خمسينيات القرن الماضي، دفعت بالولايات المتحدة إلى إعادة النظر في سياساتها السابقة تجاه أفريقيا، وبالفعل أرسل الرئيس «أيزنهاور»، في عام 1957م، نائبه «ريتشارد نيكسون» إلى أفريقيا، حيث زار 8 دول دفعة وحدة، من أجل تحليل الأوضاع المتغيرة والمتسارعة التي شهدتها القارة، وقد أكد «نيكسون» في تقريره أهمية الاستقلال والتحرر الوطني للأفارقة، وطالب بضرورة اعتراف الإدارة الأمريكية بالأهمية المتزايدة لأفريقيا بالنسبة لمصالحها.

واقترح «نيكسون» أن يتم تعيين مساعد مستقل لوزير الخارجية للشؤون الأفريقية، وأن يتم توجيه الاستثمارات الأمريكية إلى أفريقيا، والكف عن ممارسة التمييز العنصري حتى تكسب تأييد الأفارقة، وعليه ظهرت خلال عقد الخمسينيات مجموعة من المنظمات الأهلية الأمريكية المهتمة بأفريقيا، مثل اللجنة الأمريكية الخاصة بأفريقيا، والمعهد الأمريكي الأفريقي، ومجلس الشؤون الأفريقية.

وتعليقاً على هذا الأمر، قال د. خيري عمر، أستاذ العلوم السياسة بجامعة صقاريا التركية، لـ«المجتمع»: إن السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا ترتبط بإستراتيجية ما بعد الحرب الباردة، حيث سعت الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ السوفييتي، وتمكنت من الاستفادة من الانكماش الروسي في القارة، ثم بعد ذلك واجهت الصين، ويرى عمر أن التنافس الأمريكي الصيني لم يكن معضلة، حيث تمكنت الدولتان من التعاون في بعض القضايا، مثل التنسيق الأمريكي الصيني في أنجولا.

عندما أوشكت الحرب الباردة على الانحسار، شهد النظام الدولي تطورات مهدت الطريق أمام الإدارة الأمريكية لإعادة النظر في سياستها تجاه أفريقيا، وتحقق ذلك في عهد الرئيس الأمريكي «بيل كلينتون» الذي لم يكتف بسياسة الاحتواء؛ بل استشعر المصالح الحيوية التي يمكن أن تستغلها الإدارة الأمريكية للاستفادة من القارة الأفريقية، حيث عمل «كلينتون» على إعادة توجيه السياسة الأمريكية، من خلال التركيز على دبلوماسية التجارة كأداة للاختراق، ونجح في ذلك إلى حد كبير.

بينما أراد الرئيس الأمريكي «جورج بوش»، صاحب فكرة «النظام العالمي الجديد»، أن يستمر على هذا النهج، فوقَّع مع الدول الأفريقية اتفاقية «أغوا»، عام 2000م، وهي اتفاقية تجارية تسهل التبادل التجاري بين القارتين، وتعفي حوالي 7000 من منتجات 39 دولة أفريقية، من رسوم دخول أسواق الولايات المتحدة، وفي ظل إدارة «باراك أوباما» مد الكونجرس الأمريكي هذا القانون إلى عام 2025م بعد انتهاء صلاحيته عام 2015م.

ثم جاء الرئيس الأمريكي «أوباما» ليتبنى سياسة التوسع في أفريقيا ومنافسة الصين، فأعلن عن تعهدات لشركات أمريكية بالاستثمار في أفريقيا بقيمته 14 مليار دولار، ودعا بعد ذلك إلى قمة أمريكية أفريقية، هي الأولى من نوعها في أغسطس 2014م بمشاركة 50 دولة أفريقية، تحت عنوان «الاستثمار في الجيل القادم»، وكانت محاولة لتحويل الاهتمام الأمريكي من مجرد النظر للقارة الأفريقية على أنها منطقة حروب، إلى أنها تتمتع بفرص اقتصادية واستثمارية هائلة أغفلتها الولايات المتحدة لمدة طويلة.

ويقول محمد بشير جوب، الباحث السنغالي المختص في الشؤون الأفريقية، لـ«المجتمع»: إن الأفارقة لديهم انطباع أن سياسة الحزب الديمقراطي تجاه أفريقيا أكثر نشاطاً من الحزب الجمهوري، ولا يزال في ذاكرة الأفارقة أن أول زيارة لرئيس أمريكي إلى أفريقيا كان من طرف «روزفلت»، كذلك جولة الرئيس «كلينتون» الأفريقية، في مارس 1998م، هي الأطول التي ينظمها البيت الأبيض؛ حيث زار الرئيس الديمقراطي 6 دول أفريقية لنشر أجندته.

ترمب.. سياسة رجل الأعمال!

شهدت السياسة الخارجية الأمريكية تحولات وتغييرات جوهرية منذ تولي الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب»، في يناير 2017م، حيث أعاد مصطلح «أمريكا أولاً» لمفردات السياسة الأمريكية، وأدت هذه السياسة التي اتبعها «ترمب» إزاء حلفاء الولايات المتحدة التقليديين؛ في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، إلى إثارة المخاوف الأفريقية من أن تمتد تلك السياسة إلى العلاقات الأمريكية الأفريقية، وبدورها تُقلص أمريكا التزاماتها تجاه الدول الأفريقية.

وفي هذا الصدد، يقول الباحث بشير: إنه لا يوجد اختلاف بين التيارات السياسية الأمريكية حول الأهداف المنشودة في أفريقيا، ولا يمنع هذا وجود فروق بسيطة في ترتيب الأوليات داخل الملف الأفريقي، ففي عهد «ترمب»، نهاية عام 2018م، كشف مستشار الأمن القومي الأمريكي «جون بولتون» عن الخطوط الأساسية للإدارة الأمريكية تجاه أفريقيا، وتحددت في مواجهة النفوذ الروسي والصيني، وخفض الإنفاق على بعثات حفظ السلام، والتعاطي مع الملف الأمني مع الحليف الأوروبي بما يحفظ المصالح الأمريكية.

وجاءت تحركات الولايات المتحدة في اتجاه تحقيق مصالحها الإستراتيجية، دون أن ينعكس ذلك على مصلحة الشركاء الأفارقة بشكل رئيس، فعلى سبيل المثال؛ جاء انفتاحها على الإدارة الانتقالية السودانية مشروطاً بغية التطبيع مع «إسرائيل»، أو الحصول على تعويضات من اقتصاد مُنهَك، كما جاءت رعاية إدارة «ترمب» لمفاوضات «سد النهضة» الإثيوبي ضبابية وغير حاسمة، هذا فضلاً عن إعادة النظر في دعمها العسكري لمجموعة الساحل وقوات حفظ السلام بالصومال.

وعن تراجع الدور الأمريكي في أفريقيا وزيادة النفوذ الصيني، يقول د. أحمد المفتي، خبير القانون الدولي بالسودان، لـ«المجتمع»: إن أمريكا لم تتخلف عن أفريقيا في الفترة السابقة، وإنما العلاقات لم تتطور، فهي أنشأت قوات «أفريكوم»، وفي ليبيا تتصدى للنفوذ الروسي من طرفٍ خفي، كما تدعم العون الإنساني في أفريقيا أكثر مما تفعل الصين، وأضاف المفتي أن لغة الصين مختلفة، لأنها لا تفرض العقوبات وتستمر في التعاون مع الدول الأفريقية، وذلك يخلق لها فرص عمل ضخمة، وبصورة عامة؛ فإن سياسة الصين هي ترسيخ أقدامها في أفريقيا، بينما سياسة أمريكا هي مجابهة الصين مباشرة؛ حتى لا تزيحها عن سيادة العالم.

كان أحد قرارات «ترمب» الأولى عند تولّيه قيادة البلاد هو تقييد تأشيرات الدخول الأمريكية لمواطني العديد من البلدان ذات الأغلبية السكانية المسلمة، فقد تمَّ مَنْع مواطني ليبيا والسودان من الدخول إلى الأراضي الأمريكية، وفي يناير 2020م، قرَّر «ترمب» مَنْع مواطني السودان وتنزانيا وإريتريا ونيجيريا من الإقامة في الولايات المتحدة؛ مما أغلق الباب أمام إمكانية لَمّ شَمْل بعض الأُسَر، وبحسب الرئيس «ترمب»، فقد عُوقِبَتْ هذه الدول الأفريقية؛ لعدم امتثالها للقواعد الأمنية التي طالب بها.

ويضيف الباحث بشير، لـ«المجتمع»، أن مع محاولة الإدارة الأمريكية تسيير العلاقات مع أفريقيا عبر القنوات الدبلوماسية، لم تمنع خروج «ترمب» عن السياق؛ حين قام بتصريحات غير لائقة تجاه القارة أحدثت توتراً في العلاقات بين الطرفين، وقد عبّر الرؤساء الأفارقة عن غضبهم طالبين الاعتذار من الرئيس الأمريكي، كما نفذ «ترمب» عقوبات على عدة دول أفريقية؛ من خلال منع مواطنيها من دخول أمريكا.

وبحسب د. خيري عمر، فإن المقارنة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري من حيث السياسة الخارجية تجاه أفريقيا لن تُحدث فارقاً ملموساً؛ لأن العلاقات مع أفريقيا لم يُختَلف عليها، إلا أن فترة الرئيس «ترمب» كان لها وضع خاص، حيث شكلت نتوءاً في السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، وهي فترة عارضة، لا تقاس عليها العلاقات الأمريكية الأفريقية التقليدية.

«بايدن».. وملامح التغيير المرتقب

إن كون الرئيس المنتخب «جو بايدن» كان النائب للرئيس السابق من أصول أفريقية «باراك أوباما»، واختياره أيضاً لنائبته «كامالا هاريس» من أصول هندية وأفريقية، واستدعاء قضايا الأفارقة والعلاقة مع أفريقيا كأحد موضوعات الانتقاد التي ركّز عليها في منافسته لخصمه الانتخابي «ترمب»، كل هذه العوامل في سياق انتخابي شديد الاستقطاب، وفي ظل سياق أفريقي يشهد مزيداً من التحول في علاقاته التقليدية الأمريكية، ومع تصاعد المنافسة الدولية والإقليمية في أفريقيا، يستدعي ذلك محاولة استشراف مستقبل الدور الأمريكي في القارة الأفريقية بعد فوز «بايدن».

ويفيد بشير، لـ«المجتمع»، أن وصول «بايدن» إلى البيت الأبيض قد يُبشِّر بإمكانية تبلور سياسات جديدة مختلفة عن سابقه «ترمب»، وإن لم يكن الخلاف جذرياً، وبالأخص عندما يكون هذا التغيير مطلوباً؛ نسبة لما يعتبره بعض القادة الأمريكيين تشويهاً لسمعة أمريكا في العالم، وهذا ما جعل «بايدن» يروّج لشعار إعادة الاحترام لأمريكا.

بينما يرى د. عمر أن وجود أفراد في فريق «بايدن» لهم أصول أفريقية سيُحدِث تنوعاً وانفتاحاً في السياسة الخارجية الأمريكية، سواء مع أفريقيا أو مع غيرها، لكن تحقيق هذا الانفتاح سيتوقف على آلية اتخاذ القرار الأمريكي وإمكانية نفاذه.

وقد برزت أفريقيا في البرنامج الانتخابي للحزب الديمقراطي، الذي ركّز على إعادة تنشيط الشراكة مع أفريقيا؛ لما تتمتع به من اقتصاديات واعدة، وعدد سكان سيصل لأكثر من ملياري نسمة، بحلول منتصف القرن الحالي، وعليه يجب على الدبلوماسية الأمريكية أن تؤدي دوراً حاسماً في المساعدة على مواجهة التغير المناخي والأمراض والأوبئة، وسوء الإدارة والغذاء والماء وانعدام الأمن الصحي.

وفي هذا الصدد، يرى د. المفتي أن نظرة «بايدن» الإستراتيجية تجاه أفريقيا وكافة دول العالم الثالث تختلف بالكامل عن نظرة «ترمب»، فـ«بايدن» يعتبرهم بشراً كاملي الأهلية، ويشكلون نسبة مقدرة من الشعب الأمريكي، ولذلك تمتد تلك النظرة إلى أصولهم خارج أمريكا خاصة أفريقيا، في حين كان «ترمب» يرى أن إنسان العالم الثالث لا يستحق العيش، ويجلس على ثروات هائلة، ولو بيده لأبادهم لصالح الرجل الأبيض، ولقد صرح بذلك علانية! وعلى ضوء ذلك؛ يتوقع المفتي أن ينتهج «بايدن» سياسة مغايرة تنطوي على تواصل إنساني واقتصادي مع القارة الأفريقية، ويتوقف ذلك على قدرة «بايدن» على اتخاذ القرار الحاسم فيما يعتزمه.
ويقول د. عمر: إن أمريكا ستلجأ إلى تهدئة الأوضاع وحل الصراعات في القارة الأفريقية؛ لأنه ليس من مصلحتها إشعال هذه الصراعات.

وبحسب بشير، فإن سياسة «بايدن/ هاريس» تجاه أفريقيا قد تكون استمراراً لسياسة «أوباما/ بايدن»، ويمكن أن تكون محددات سياسة «بايدن» تجاه أفريقيا؛ في الجانب الأمني والدفاعي: إعطاء أولوية للقرن الأفريقي الذي طالما كان منطقة إستراتيجية، ويستضيف القاعدة الأمريكية الدائمة الوحيدة في أفريقيا، والمحافظة على «أفريكوم» التي تمثل المهمة الأساسية في تنسيق البرامج العسكرية العديدة الموجودة بالفعل في القارة، بينما الجانب الاقتصادي: يمكن أن نرى عدم الدخول في صراع اقتصادي مفتوح مع الصين؛ نظراً للفرق الهائل بين الدولتين في مستوى علاقاتهما التجارية مع أفريقيا، بل يمكن أن نشهد تنسيقاً بينهما.

وأضاف بشير أنه في جانب حقوق الإنسان: قد نجد سياسة أمريكية أقوى في مواجهة الحروب الأهلية وانتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة، بالإضافة إلى ضغط الدول الأفريقية لمراجعة تشريعاتها وإعادة النظر في حقوق الأقليات.

وفي ظل الرؤى المتباينة حول سياسات «بايدن» المتوقعة تجاه القارة الأفريقية، فإن أفريقيا تمتلك الكثير من الفرص الواعدة على كافة المستويات، وتشهد نهضة وتنمية مرتقبة، إلا أنها تحتاج لمزيد من الأمن والاستقرار، وتسوية للصراعات التي أنهكت أراضيها، فهل نشهد تغييراً في عهد «بايدن»، أم يظل الوضع كما هو عليه؟

اقرأ المجتمع
#روضة_علي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock