ذكرى وفاة المناضل الكبير ممدو جاه . نبذة عن #الازمة_الدستورية_في_السّينغَال_عَامَ_(1960)
ذكرى وفاة المناضل الكبير ممدو جاه . نبذة عن
#الازمة_الدستورية_في_السّينغَال_عَامَ_(1962
…بدأت الوشاة من النواب والساسةِ يراوغونَ في
علاقة الصديقينِ _الرئيس جاه والرئيس سنغُور _وينقُلونَ حكايات وأحاديثَ مفبركة لا رأسَ لها ولا ذيل إلى الرئيس سنغور (Senghor)، ويحرضونه على صديقه ممدو جاه (Dia Mamadou) الذي أدخله في الحلبة السياسة هوَ بنفسه. وكانوا يفعلونَ ذلك لكي يحصلوا على فرصة يتمكنونَ بها من إسقاط حكومة جاه. وقيلَ بأن الذي حرك هؤلاء الموظفينَ والنواب هوَ؛ أن الرئيس جاه طلب منهم سد الديونَ التي أخذوهَا على حسابِ الدولة فأبوا، ثم هددهم بتسديدها آجلا أم عاجلا. علاوة على ذلك فإن فرنسَا ايضا كانت ضد الرجل لأنها كانت ترى في شخصية الرئيس جاه صورة الوزير لمومبَا (Loumoumba) ذاكَ الرجل الكبير، المناضل العظيم. فبدات _فًرنسَا_ تكيد له ولأحبابه المخلصينَ لهُ أمثال الوزير فلجوجو (Valdiodio). زد على ذلكَ أن مياه علاقة الرئيس جاه ببعض الشيوخ لم تكن تجري على مجراهَا الطبيعة، بيدَ انه كان له من الشيوخ اصدقاء امثال الشيخ عباس سال ( Sall Abass) في لوغَا (1908/1990) والشيخ تجان سي المكتوم (1925/2017), بخلاف الرئيس سنغور الذي كانَ يجد استقبالا كريما في جميع بيوت العلماء المسلمينَ منهم والمسيحيين. الله إلا قليلا منهم، أمثالَ الشيخ غيدي فاطمَا، (Fatma Gaindè) وَمام بايْ نياس (Niass Baye) والشيخ تجان سي (Sy Tidiane Cheikh) في بداية مشواره في المسرح السياسي.
بدأت شرارة العداوة والبغضاء بين الصديقين تتسع وتزيدُ شيئا فشيئا إلى ان لاحظ ذلكَ الرئيس جاه،البطلُ المغوار العاقل الأريب، فذهبَ إلى رفيقه سنغور وعرض عليه استقالته من الحكومة، لكن هذا الاخير سنغور رفضَ ذلكَ، لانه اريب ايضا مثلهُ، فقد عرف كل واحد منهما بعضا الشيء من صاحبه، لكنه طلب من جاه ان يغير بعضا من الوزراء إلى وزارات أخرى استعدادا للحرب كما يقولُ المثل: «لا ينبغي للعاقل ان يضرب له عدوه موعدا ويقبل ذلك» إلا ان الرئيس جاه استسلم لرأي السنغور وحول بعض الوزراء من وزارتهم إلى وزارات أخرى، منهم السيد فلجوجو انجاي صديقه الذي يشاطره الرأي كل فينة وأخرى، حوله من الوزارة الداخلية إلى الوزارة المالية، ومنهم ايضا الوزير چوچيفْ امباي (Mbaye Josef) وغيرهمَا، كان ذلكَ في شهر نوفمبرْ.
وفي الشهر الذي يليهِ فوجئوا _ الرئيس جاه وأصدقاءه _ بالخبر الذي وقع في اذهانهم كالصاعقة؛ وهو أن الرئيس سنغور وخلفاءه اتهموهم بمحاولة انقلاب لحكومة السنغور وجاه! نعم حكومة السنغور وجاه! لأن الحكم كانَ (پيسُوفال) وكان ذلكَ في يوم 17 من شهر ديسمبر إلا ان الرئيس جاه تملك اعصابه وقالَ لهم مقولته الشهيرة: «كيفَ نقومُ بمحاولة الانقلابِ والأمور بأيدينَا» هكذا الكبار لا يمنعهم ضيق الوقت من استعمال عقولهم لتمييز الغث من الثمينِ، والحق من الباطل!! ولكنهم اصروا على سرد مسرحيتهم السياسية فاعتقلوهُ في اليوم التالي في مكان اقامته بدكار، بعدَ ان اصدرَ جاه اوامره إلى رجال الشرطة وأمرهم بأن يمنعوا النواب من الدخول في مباني الجمعية الوطنية. بيدَ أن سنغور أن الإذن للنواب برئاسة السيد لمين كورَا غي بعقدِ الاجتماعِ في دار رئيس الجمعية الوطنية الرئيس لمين كورا غي (Gueye Lamine). ثم أنهم صوتوا مساء ذلكَ القانون الذي يسقطُ حكومة الرئيس جاه ويلغيه نهائيا. فاعتقلَ جاه ومعه اصدقاءه الأوفياء المناضلينَ أمثال الوزير فلجوجو انجاي، الوزير چوچيف امبي والسيد أبراهيم سار. ثم تم مثولهم امام المدعي العام السيد عثمان كمرَ الذي عبر بعد سنين من ذلكَ وقالَ ما معناهُ :”أن امر محاولة الإنقلاب كانَ نوعًا من الضرب فحسب لا غير!”، وكان ذلكَ في شهر مايو سنة 1963. وبعد ان لعب كل من القاضي والمدعي العام ومحامي الدولة دوره في المسرحية السياسية العجيبة والفريدة من نوعهَا، حكم على الرئيس جاه بالسجنِ المؤبدِ وعليه ان يقضيَ تلك العطلة في مدينة كيدوغو البعيدة عن ضوضاءِ العاصمة دكارْ، دارُ الباراتِ والحاناتِ، دارُ المعابد والمساجدِ. وأما اصدقاءه المقاومين معه فقد منحهم السيد القاضي عشرين عاما يقضونها في السجنِ بالمجان. وصار النواب ينشدونَ للرئيس سنغور «خلا لك الجو فبيضي واصفري» فاصبحَ سنغور رئيسا لجمهورية السنغال في سنة 1963.
ومن بين محامي المظلومينَ يومئذ الرئيس الثالث للسنغال المناضلُ الإفريقي، اكبر معارض سياسي عرفه تاريخ غرب إفريقيا بعدَ الاستقلالِ السيد عبد الله واد (Wade Ablaye) حفظَهُ الله ورعاهُ. ثم أمسى الرئيس جاه بعدَ ذالكَ يعكفُ في سجون كيدوغو التي شيدَهَا هوَ ثم قام بتدشينه هوَ بنفسهِ. وقيلَ منذُ ذلك الحينَ أصبح بناء السجن في السنغال أمرا مشؤوما لدى الساسة والرئساء وشعارهم في ذلكَ «من شيد سجنا زج به فيهِ» كأنهم بذلكَ يريدونَ تفسير المثلَ الولوفي القائل: « الشماتة بيتٌ يبيتُ فيهِ صاحبهُ» حيثَ فلسفتهن. ويخلوا فيها معَ ربّه ورب يوسفَ عليه السلام وهو القائل _ الرئيس جاه_ في بعض مقابلاتِه: «ثم إني بعدَ ذلكَ آمنتُ بالقدرِ واسلمتُ الأمور لمن لا تأخذه سنة ولا نومٌ». فيمكنُ اعتبار هذه الاحداث نهاية المرحلة الأولى من حياة البطل الأريب، الإقتصادي النجيب، الرئيس ممدُو جَاهْ رحمة الله عليهِ. وخلال هذه الأيام القلائل الذي قضاهَا في رئاسة الحكومة كانَ يعملُ لتوحيد صفوفِ المسلمينَ، وخاصة مساعدة المؤسسات الاسلامية السنغالية.
==== ==== ==== ====
جزء من المقالةِ: (نغمةُ القِيثار المقطُوع، في المسرح السياسي السنغالي “الرئيس ممدو جاه” رحمة الله عليهِ)
#بقلم المؤرخ السنغالي الحفيد_الجلوفي الحاج مور جوف