
إنسان + قيمة = قضية . بقلم عبد الرحمن بشير ( القرن الأفريقي ) نموذجا
إنسان + قيمة = قضية . بقلم عبد الرحمن بشير
( القرن الأفريقي ) نموذجا
………………………… … … ……………………………
فى كل زمان تحديات ، واليوم هناك تحديات فكرية ودينية ، ولكنها بنكهة سياسية ، وأخرى سياسية ، ولكنها بنكهة فكرية ودينية ، فالإنسان العادي لا يفهم كيف يفقد العالم الأخلاق ، ويصبح ألعوبة فى يد الحكام ؟ هل هذه أزمة قيمية ، أم هي أزمة ضمير ؟
لدينا فى بلادنا أزمة إنسان ، أي أن الإنسان فقد أخلاقه ، وبالتالي صار بلا ضمير ، فهو قابل للبيع بأبخس الأثمان ، إنسان – قيم = لا قضية له ، وإنسان + قيم = قضية ، تلك هي المعادلة فى الحياة ، هناك عالم دين يصبح بوقا من أبواق الظلم ، ولكنه يبكى فى المحاريب والمساجد ، ربما هذه تمثيلية ، ولكن ليس البكاء دوما على قوة الإيمان ، بل يدل على ضعف فى الشخصية ، وبعد أن تخلّص إخوة يوسف عليه السلام من يوسف الصديق جاءوا أباهم عشاء يبكون .
غريب ، أن يفتح رئيس دولة فى كل يوم ( متجرا ) أو مصرفا إقليميًا ، أو وطنيا ، قد لا يوجد له قيمة بالمعايير الدولية ، ولكن من المهم افتتاحه كبهرجة إعلامية ، والشعب يزداد تعاسة ، وخروجا من الوطن ، ويهرولون نحو العالم يبحثون عن العيش فى وسط الظلم العائلي ( جيبوتي ) نموذجا ، وغريب ، أن يتيه الإنسان عن الهدف ، ثم يعلن بأن السياسة هي فن الممكن ، وتلك كارثة أخلاقية ، فالسياسة عندنا فى الفكر الإسلامي ممارسة أخلاقية قبل أن تكون فن الممكن ، وأغرب من ذلك أن لدينا بعضا من الناس يكررون ما قيل لهم بلا فهم ، إنهم كالببغاوات .
من يدمّر البلاد ؟ إنها السياسة الخاوية من الأخلاق ، والقيم ، إنها سياسة تصنع الكوارث والأزمات ، وتحارب القيم الأصيلة لأجل قتل الإنسان ، إنها سياسة بلا فكرة ، وممارسات سياسية بلا مبادئ ، إنهم يتآمرون على المستقبل ، ولكن باسم الدين حينا ، أو باسم محافظة الأوطان حينا آخر .
لا حرية للأوطان بدون وجود قضية عادلة ، ولا وجود لقضية عادلة بدون وجود إنسان لديه وعي كامل ، ولا وجود لهذا الإنسان بدون فهم قوي للأزمة السياسية ، ولهذا فنحن نعيش الْيَوْمَ فى تخبط ، لدينا من يحارب فى ميدان بعيد عن قضايا أمته ، فهو بلا بوصلة ، والمشكلة ليست فى العدو البشري فى بعض الأحيان بقدر ما تكون فى العدو القيمي ، هناك عدو حقيقي فى القرن الأفريقي ( الفقر ، والتخلف ) ، ولكن بعض المواطنين فى بلد ما يحسبون العدو قبيلة معينة ، أو شعبا معينا ، أو قومية معينة ، والعكس صحيح ، هناك من المواطنين من يحسب أن العدو هو من يعيش معه فى الرقعة الجغرافية ، ولكنه مختلف عنه عرقا ، أو توجها ، أو رؤية ، ولدينا من المستبدين من يغذى هذا التوجه لأجل إستدامة التخلف السياسي ، وبقاء الكرسي عليه .
كن صاحب قضية ، وحارب لأجل الحرية والكرامة ، حينها فقط سوف تعرف العدو من الصديق ، أما حين تكون قضيتك ( عنصرية جغرافية ) ، أو ( عنصرية عرقية ) فإنك تحارب نيابة عن الآخرين ، أو تحارب فى ميدان لا كرامة فيه للإنسان ، فلا معنى لأن تحارب الإنسان لأنه مختلف عنك ، أو تحاربه لأنه ليس من سكان جغرافيتك ، فهذا وهم وتخلف .
كن إنسانا ذَا وعي ، حينها تعرف من العدو ؟ ، أخطر عدو للإنسان هو الجهل ، وأخطر من يتحكم فى الإنسان هو من يستفيد من التجهيل السياسي ، فلا تعش بين الجهال بدون قضية ، إنهم يستغلون الجهال فى زمن الأغبياء ، أو التفاهة السياسية كما يقول آلان دونو ، المفكر الأكاديمي الكندي ، يصنعون للناس ظروفا ومناخات ، والنَّاس يتقاتلون وهم جوعى ، ويدخلون معارك طاحنة نيابة عن الآخرين ، هل تعرف عدوا أخطر من الجهل ؟
كن إنسانا لا يأخذ معلوماته من الإعلام الموجّه ، ولكن ابحث الحقائق عن ما وراء الأخبار ، وعش مع أفكار المفكرين والمثقفين ، وحاول أن تقرأ الكتب المنهجية والدراسات العلمية بنهم ، ولا تمنح حياتك وأوقاتك للذين يقولون ما لا يعرفون ، أو يتكلمون ما لا يفقهون ، فالمشكلة فى غياب الوعي ، والوعي المزيف أخطر من النقود المزيفة كما تقول الحقيقة .
كن حذرا من المخابرات الشعبية ، إنهم يصنعون للشعوب مجالات تنفيسية ، فهم يأخذون الرواتب من الحكومات فى العالم الثالث ، ولكنهم يعيشون فى العالم الأول ، ولديهم قوة غير عادية فى صناعة الفتن بين الشعوب ، ليس من الحكمة أن يصنع إنسان بلا وعي المناخ السياسي لمجتمعات تشكو من الفقر بشكل تأسيسي ويقول لهم : العدو هو من يعيش معك ، إنها كارثة أخلاقية ، وما يجرى الْيَوْمَ فى فى القرن الأفريقي مثال حي ، فالشعب الصومالي لا يمكن أن يعيش بدون الشعب الأورومي ، وكذلك الشعب الأورومي لا يمكن له العيش بدون الشعب الصومالي ، تلك حقيقة جغرافية ، وتاريخية ، ومن لا يفقه تلك الحقيقة فإنه يصنع للناس أوهاما من الجغرافيا والتاريخ ، ويريد سفك الدماء بلا حساب ، وليس من الممكن أن يعيش الشعب الصومالي بدون الشعب العفري ، والعكس صحيح ، وتلك حقيقة جغرافية ، والحقائق الجغرافية أهم من الحقائق العاطفية ، ولكن الدول فى هذا المحيط لديها جيش من المخابرات فى التواصل الإجتماعي يصنعون الوعي الزائف .
لدينا مخابرات من دول الجوار ، ومن داخل الأقاليم الإثيوبية يحاولون تفجير الأوضاع بين الشعب الصومالي والشعب الأورومي حينا ، وما بين الشعب الصومالي والشعب العفري حينا آخر ، وهناك الدولة العميقة وبقايا الدولة القديمة ، ولدينا متطرفون من كل الجوانب يشعلون الحروب ، ثم يتباكون مع الناس ، ولكن ما زال الأمل موجودا عند العقلاء ، وهم كثر بحمد الله .
تواجه اليوم إثيوبيا لحظة خطيرة بحيث تعيش فى مرحلة ما قبل الإنفجار ، هناك أوضاع غير صحية فى مناطق كثيرة ، وهناك مواجهات فى عالم الإفتراضات ما بين الشعب الأورومو والشعب الأمهري ، وهناك مواجهات حقيقية ، وفى أرض الواقع ما بين الشعب الأمهري ، وبنوشنغول ، ولدينا مواجهات ما بين الشعب العفري ، والشعب الصومالي ، والأخبار الواردة من السجون فى إثيوبيا تتحدث عن إضراب عن الطعام بشكل لافت ، وعلى رأس هؤلاء الزعيم الإثيوبي الشاب المزعج للنظام السيد جوهر محمد ، والذى كان سببا فى تفجير الأوضاع فى إثيوبيا ، والتى ادت إلى سقوط النظام السابق ، ولهذا بدأت الأوضاع تتأزم أكثر فأكثر فى المناطق التى تقطنها الغالبية الأورومية ، وهي مناطق ذات أبعاد إستراتيجية من حيث الكثافة البشرية ، ووجود الموارد الطبيعية للدولة .
إن المنطقة تواجه اليوم ، وبشكل لافت مصيرا خطيرا ، والسبب يعود إلى غياب الرؤية ، وانشغال النخب السياسية فى قضايا الحكم والكرسي عن بحث الحلول للمشاكل الحقيقية للمنطقة ، وإن كل الدلائل تشير بأن إثيوبيا قد تواجه مصيرا يشبه إلى حد بعيد مصير يوغسلافيا ، ولهذا يكون من الذكاء السياسي صناعة الوقاية السياسية ، ولكن هذا يتطلب إلى تبنى مشروع سياسي مركب ، إلى تحاول عقلية ( الدولة العميقة ) ، وتبنى عقلية ( الشراكة السياسية ) ، وهذا ربما يكون صعبا لبعض القوميات التى ترى إثيوبيا إرثا قوميا ، وهذا ليس أوان تلك الأوهام ، فقد تجاوز الزمان هذه اللحظات ، كما أن القومية الأورومية ، يجب أن تخطط لإيجاد تحالفات معقولة مع القوميات التى تشعر بالإهانة مع التاريخ ، ومع الواقع ، فهذه اللحظة القاسية فى تاريخ إثيوبيا لن تكون لصالح أحد .
هناك فى الصومال صراع عدمي ما بين الفرقاء السياسيين ، وأغلبهم لا يَرَوْن غير الكرسي ، والقصر الرئاسي ، بينما المنطقة تمر بأزمة غير مسبوقة ، ولا تجد منهم أحدًا يرفع بصره أكثر من اللازم ليرى المستقبل الخطير ، بل الجميع فى صراع ضد الجميع ، كما أن جيبوتى تواجه مصيرا أخطر ، ذلك لأن رجل الأمن السيد ( حسن سعيد خيري ) ، قد تم نقله إلى مستشفى عسكري فى الولايات المتحدة ، وربما ، وراء ذلك سلسلة من الإجراءات الأمنية ذات الأبعاد الإستراتيجية ، والتى تخطط لها الدولة الموازية فى قصر ( هراموس ) الحاكم ، وكل ذلك يجرى فى زمن تتحرك الرمال السياسية فى إثيوبيا ، وهذا ليس لصالح التوافه ، ولكن التافهين يعملون بدون خطط ، فالمهم بالنسبة لهم الكرسي ، وليس الشعوب .
حين تكون الشعوب بلا قضايا ، يحكمها التوافه ، وحين تتحدث الشعوب عن سياسات الأشخاص ، وليس لديها مشاريع سياسية ، فهم يحفرون قبورهم بأظافرهم ، وحينها تنتهى الشعوب ، وينتهى معها الطموح ، فتسقط الأنظمة ، وينتهى معها كل أمل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .