
كلمة سماحة الخليفة الشيخ محمد الماحي الشيخ إبراهيم انياس بمناسبة الاحتفال بمولد الشيخ بنيجيريا
الحمد للـه الذي لا ينحصر عطاؤه ولا تنقطع أمداده ولا تنقضي تجلياته والصلاة والسلام على المصطفى المنتقى الفاتح الخاتم،
أما بعد؛
فإن تذكر النعم واسترجاعها لاسيما في مثل الأيام التي وقعت بها هي سنة محمودة ومطلب من مطالب الشاكرين بها يتجدد استحضار النعمة وتتجدد لوازم شكرها قال الله تعالى {وذكرهم بأيام اللـه}. وقال الحبيب المصطفى “نحن أحق بموسى منهم” حين وجد اليهود يصومون عاشوراء فرحا بنجاة موسى عليه السلام فيه. وقال صلى الله عليه وسلم “إن لربكم في دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها”. ولذلك كان اجتماعنا هنا هذه الأيام التي نتذكر فيها تجليا عظيما من تجليات عطاء اللـه الأكبر في مظهر رحمته الاوفر ببروز عبد اللـه مولانا شيخ الإسلام الشيخ ابراهيم انياس رضي اللـه عنه. وهي مناسبة حمد وشكر وذكر وهي كذلك مناسبة تذكر ورجوع واستدعاء لتلك القيم والأهداف التي عاش من أجلها هذا الشيخ وجاهد وناضل حتى حولها من
أفكار نظرية إلى واقع معيش نلمسه بأيدينا ونراه ماثلا أمام أعيننا ونعيش في ظلاله وبركاته.
إن أي ذكر أو تذكر لهذا الشيخ هو بالضرورة تذكر لإمامه الأعظم وقدوته الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولرسالته الخالدة التي جاء بها رحمة للعالمين ودليلا للحيارى والتائهين، فباتباعه وعلى خطاه شيد الشيخ مدرسة الفيضة، وهي مدرسة عظيمة آزره في تشييدها {رجال صدقوا ما عاهدوا اللـه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}، رجال من نيجيريا خاصة، وآخرون من مشارق الأرض ومغاربها، حملوا النور الذي أشع من
بلاد الحرمين، وتلألأ من جديد في فاس وانتشر في الأرض كلها.
أيها المسلمون، يا أتباع الحبيب المصطفى ، يا من آمنتم بدعوته واعتقدتم بإمامته
وهدايته إلى الصراط المستقيم، لقد آن لكم أن تتحققوا بتلك الأوصاف بالرجوع إلى ذلك المنبع الصافي وتلك المحجة البيضاء. آن لكم أن ترجعوا إخوانا ربكم واحد ونبيكم واحد وأبوكم واحد وكتابكم واحد وقبلتكم واحدة. {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اللـه وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم}. إن على المسلمين اليوم أن يكشفوا للبشرية عن هذا الكنز الأعظم وهذه الأمانة العظمى التي ائتمنهم اللـه ورسوله عليها، فالبشرية اليوم في تيهها وحيرتها وتخبطها وطغيانها المادي وابتعادها عن اللـه وجفافها الروحي، إنما مثلها كمثل الغريق يستنجد ويصرخ يبحث عن المنقذ والمنجد، ولا نجاة لها إلا في المنهج الذي أنزله خالقها وارتضاه لها مرجعا وهاديا وهو أعلم بما يصلحها {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}. والعجب كيف يحيد بنو الإنسان عن هذه المسلمة التي هي من أوضح مسلمات العقل، وهي أن صانع الشيء أعلم به وأقدر على إصلاحه فتجدهم يعملون بهذه المسلمة في كل
شيء فيردونه إلى صانعه إلا في أنفسهم فإنهم استنكفوا واستكبروا أن يرجعوها إلى خالقها وأرادوا أن يصلحوا أنفسهم بأنفسهم دون الرجوع إلى خالقهم فآل بهم الأمر إلى ما هم عليه من التخبط والضلال، فهذه الهداية بالرجوع إلى الله هي واجب المؤمنين وأمانتهم {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا اللـه ورسوله وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}. ولكي يقوم المسلمون بهذا الواجب ويؤدوا هذه الأمانة فلا بد من تحققهم وتخلقهم بها أولا فيكونون دعاة بالحال قبل المقال {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم}. إن على المسلمين أن يعضوا بالنواجذ على مبادئ دينهم وقيمهم،
ومن أهم مرتكزاتها التي نحتاج إليها اليوم الرحمة والوحدة والعلم والتربية.
أما الرحمة، فعلى المسلمين اليوم أن يتصفوا بها لأنها عنوان رسالتهم الأكبر، وقد ضعفت هذه السمة في المسلمين اليوم وغابت في دعوتهم ومعاملاتهم واستبدلوا بها شدة وقسوة وغلظة ونفورا لم يرثوها من محمد صلى الله عليه وسلم ولا من صحابته رضوان اللـه عليهم. وليس ما نراه اليوم من قتل المسلم لأخيه المسلم بل ومن قتله لغير المسلم بغير حق إلا نتيجة لغياب تلك الرحمة التي كانت صفة أصيلة في دعوة رسول اللـه صلى الله عليه وسلم. ألم يقل اللـه سبحانه عن نبيه الأكرم {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}؟ إن علينا أن نعمل لنقنع الناس أجمعين، مسلمين وغير مسلمين، بأن رسالتنا قائمة على مبادئ الرحمة والأخوة في اللـه والمحبة فيه، واحترام الأخوة الإنسانية، والتمسك بالسلم مع كل من سالمنا فالسلام اسم من أسماء ربنا، ونبينا صلى الله عليه وسلم رسول السلام، وشعارنا السلام،
ودارنا في الآخرة دار السلام.
وأما الوحدة، فإن علينا أن نتذكر أننا أمة واحدة {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم
فاعبدون}، ووحدتنا تقتضي منا التضامن والتعاون وعدم التنازع انطلاقا من قوله تعالى: {واعتصموا بحبل اللـه جميعا ولا تفرقوا}، وقوله {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.
وأما العلم، فإن مفتاحه القراءة، وهي أول الأوامر الربانية للأمة المحمدية، فقد كانت
{اقرأ باسم ربك} أول ما نزل من القرآن. وعلى أمة اقرأ اليوم أن تمتثل هذا الأمر وتجتهد في اكتساب العلم، سواء أكان علما بالشريعة النبوية أم بالسنن الكونية، أم بأي علم من العلوم التي تقوم بها الحياة وتعمر بها الأرض. وليس العلم مجرد حفظ سطور أو ترديد كلمات وإنما العلم ما أخرج من ضائقة، ونفع حامله ورفع من شأنه. ومن هنا يبرز دور الحكومات وقادة الرأي من العلماء والمفكرين لوضع مناهج تربوية تناسب واقع الناس وتنطلق من مشاكل المجتمعات، بدل الاعتماد على مناهج مستوردة جاهزة، قد تكون جيدة في ذاتها، لكن ذلك لا يكفي، إذ يجب أن تكون ملائمة لمن وضعت لهم، قادرة على الإجابة عن تساؤلاتهم وحل مشكلاتهم، فقد آن لحكام المسلمين أن يستثمروا في أبنائهم، ويجتهدوا في بناء عقولهم وأدمغتهم، وأن يهيئوا لهم
تربة وميدانا صالحين، لتخرج بهم الأمة من الضعف والتخلف إلى القوة والعزة والمنعة.
وأما التربية، فإنها ثمرة العلم والغاية الأولى منه، ذلك أن كل علم لا يثمر نورا في قلب
صاحبه ويحيي فيه قيم الإنسانية ويسمو به إلى الأخلاق الرفيعة التي بها يتعايش الناس هو غرس بلا ثمر. قال الإمام مالك “ليس العلم بكثرة الرواية وإنما العلم نور يضعه الله في القلب”. والعلم
-2-
إذا لم يشفعه صاحبه بتربية تروضه وتوجهه وتهذبه يوشك أن يتحول إلى طاقة سلبية يطغى بها صاحبها ويستعلي بها على الناس، وهو أمر مشاهد في حياتنا، فمعظم ما نعيشه اليوم من أزمات وكوارث هو نتاج علم لم يروض ولم يهذب بالتربية والأخلاق، فعلى المسلمين اليوم أن يعوا أهمية بل وخطورة دورهم الذي ينتظرهم وأن يسترجعوا مرتبة الصدارة التي بوأهم الله إياها وانتدبهم لها فهي حقهم وواجبهم وهي عنوان الحق الذي به ولأجله خلق اللـه السماوات والأرض
وبدونها يشقون وتشقى البشرية تبعا لهم.
ولتعلموا يا أحباب الشيخ أن واجبكم مضاعف وأن التمسك بعهد الشيخ لا تكفي فيه المحبة
والعاطفة، بل لا بد للمريد أن يتخذهما طاقة ووقودا للسير على نهج الشيخ، نهج محمد صلى الله عليه وسلم. وقد قال الشيخ: “من أراد أن يكون معي فى حالي فليسلك طريقي فى الأقوال والأفعال بامتثال الأوامر
واجتناب النواهى فى الظاهر والباطن والتعطش والتشوق إلى الوصول إلى مرضاة اللـه”.
أيها الإخوة والأخوات الأحباب
إنني أغتنم مناسبة لقائكم المبارك هذا لأدعو قادة إفريقيا وشعوبها بل وأدعو كل القادة في
العالم أجمع إلى التعاون من أجل حقن الدماء البريئة ونشر قيم السلم عبر العالم، كما أدعو قادة الدول والمنظمات الإقليمية والدولية إلى فرض احترام المقدسات وإيقاف حملات التشويه التي يشنها السفهاء، بأساليب شتى، ضد الإسلام ونبيه وأمته. وأود هنا أن أسجل تضامننا مع إخوتنا في فلسطين ومطالبتنا بتحرير المسجد الأقصى المبارك، وتضامننا مع المسلمين المضطهدين في ميانمار وغيرها من بقاع العالم، داعيا أولي الأمر في ديار المسلمين وفي العالم أجمع إلى
التعاون من أجل رفع الظلم، وصيانة الكرامة الآدمية، وإشاعة الأمن وتعزيز الوئام.
وأود في هذا المقام أن أتوجه بجزيل الشكر وخالص الدعاء إلى صاحب الفخامة الرئيس محمد بخاري وإلى حكومته، وإلى صاحب الفضيلة السلطان سعدو أبو بكر، شاكرا لهم ولأبناء هذه الإمارة العريقة، ولأبناء نيجيريا كلها حسن الاستقبال وكرم الضيافة، ناقلا لهم تحيات فخامة
الرئيس مكي صال، وتحيات السنغاليين، وتحيات أهل الفيضة في القارات الخمس.
أما أنتم أحباب الشيخ وأحباب رسول اللـه صلى الله عليه وسلم فأقول لكم، ولكل من أعانكم في ترتيب هذا الموسم، ما قال شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم رضي اللـه عنه ذات يوم مخاطبا أحبابه: “الإحسان لا أجازيه بالنسيان وبالدعاء لا نغبن إن شاء اللـه”.
واللـه نسأل أن يبارك فيكم ويجزيكم عنا الجزاء الأوفى في الدنيا والأخرى، وأن يصلح
أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويرحم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويفرج عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويرفع عنا وعن البشرية جائحة الكوفيد وغيرها من الجوائح، ويعيذنا وإياكم من جميع الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن..
وكل عام وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
المصدر : أخبار الفيضة التجانية الإبراهيمية