
خاطرة_مسائية: دموعٌ تفشّت!!!
خاطرة_مسائية: دموعٌ تفشّت!!!
أهذا حلم أم حقيقة؟! أم أنا في ليل لم ينجل؟!
لعلّك -أيها القارئ الكريم- تستغرب من العنوان، لكنّه عبارة عن الأزمة التي يشهدها بلدنا -الذي اشتَهَر بالسماحة والسلام- في هذه الآونة من معظم نواحيه.
إن بلد التِّيرَانغَا -كما هو مشهور- من أكثر البلدان سلاما، غير أنّه شُلَّ في أيّامنا تلك من جوانب شتّى، كالمجال التربوي، والمجال السياسي، والمجال الاقتصادي وحتى المجال الديني.
أما المجال التربوي فإنه يُعدّ من أهمّ المجالات لِما يتولد عنه من نتائج إيجابية يمكن للبلد التقدمُ بها، لكنّنا شاهدنا في وقتنا هذا أزمة تربوية أدّت إلى كوارثَ إن عدّت لا تُحصى، يكفينا مثالا في ذلك ما نلاحظه في مدارسنا اليوم من ضعف المستويات، إذ تَرى طالبا يحمل شهادات عالية، ثم لا يظهر أثر ذلك في سلوكه، ” مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا ” إلى غير ذلك ، ويمكن رجع سبب ذلك إلى عدم البركة في العلم، لأنّ جلّهم – طلاب العلم- يجعلون العلم وسيلة للحصول على وظيفة تنتج ثروة مالية، أو يجعلهم يتبوؤون مكانة رفيعة لدى الناس وغير ذلك مما لا يُسمن ولا يُغني من جوع. وقد صدق الشيخ أحمد الخديم -رضي الله عنه- حيث بيّن الغايات التي يجب على طالب العلم النافعِ أن ينشدها في الطلب وهي أربعة، نظمها قائلا:
أوّلها الخروج من ضلال == والثانِ نفع خلقِ ذي الجلال
والثالث الإحياء للعلومِ == والرّابع العمل بالمعلوم.
ومن أسباب هذه الأزمة أيضا عدم اهتمام الحكومة بالتربية كما ينبغي، فمثلا، تَرى طالبًا يجتهد حتى يصل إلى قِمّة عالية في العلم ويريد أن يكرم أبويه كما ربّياه صغيرًا ولكنّ الحكومة تُهمله ولا تساعده حتى يثبط ذلك همته ظنًّا منه أنّه لا يستطيع تحقيق أهدافه بالعلم، فيبدأ يسرق أموال الناس أو يقتل ومن ثَمّ يُعدّ من المجرمين فيُسجن.
ومنها الغفْلة التي هم عليها عاكِفون بسبب الهواتف ووسائل التواصل أو ما شابهها.
وأما المجال السياسي، فمعظم سياسِي البلد فسّروا معنى السياسة بالافتراءات، وسرقةِ ممتلكات الشعب واتهام الأبرياء وغير ما ذُكر ممّا ينافي السياسة الحقيقية. وهذا أدّى إلى العداوة والبغضاء فيما بينهم فيرمي كلٌّ منهم كلامًا قبيحا إلى غيره. ولأجل ذلك رفض أكثرُ المواطنين الانضمامَ إلى السّياسة ظنًّا منهم أنّ هذه هي السياسة بعينها، وهي بريئة من السياسة الحقيقية كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب -عليهما السلام- ومن ثَمّ يتّخذون الدولةَ لُعبةً ويتقاسمون أموالها كلٌّ يأخذ نصيبه بقوّة أو برشوة، ومن لم يتمكن من ذلك يتّخذ الصبر سلاحه… وهذا لا يُوصف قُبحه.
وأما في الناحية الاقتصادية، فهي متدهورة في هذه الآونة لعدة أسباب منها: توقّف أكثر الأعمال في زمن الوباء الذي طرق باب الدولة منذ ٢ من شهر مارس عام ٢٠٢٠م، لمّا تشاور علماء الطب في ذلك الأمر ورأوا بعضَ الأسباب التي يمكن أن يرفع الله -جل جلاله- البلاءَ بها، وكان من ضمنها وقف الرحلات في داخل البلد وخارجه وإغلاق الرحلات الجوّية كما علّقوا الرحلات البرّية والبحرية، ثمّ تشلل اقتصاد البلد.
أمّا المجال الديني، فلعلّ البعض يتعجب ويتساءل عن كيفية تأثره سلبا، فهو إشارة إلى ما لُوحظ في كثير من مسلمي السنغال في الآونة الأخيرة من التفرق والعداوة، فمثلا تَرى مسلمين ينتمون إلى أحزاب مختلفة يسبّ بعضُهم البعضَ أو يبغضه وربّما يصل أحدهم إلى تكفير الآخرِ ناسين أنّ المؤمنين إخوة والشيطان عدوّهم الوحيد الذي يجب أن يتّحدوا و يُعادونه، لكن كلّ حزب بما لديهم فرحون، وكلّ يعمل على شاكلته فربّنا أعلم بمن هو أهدى سبيلا. فليس الدين ملكا لأحد ولا يجوز لأيّ مسلم أن يكفّر أخاه المسلم، ولقد صدقت الشاعرة في قولها:
فكُن حنفيّا ولْأكن مالكيةً == فكلٌّ حبى وردًا لذا الدين زاهيا
وَكُن شافعيّا أو لأحمدَ فانتسِب == فكلُّهمُ شُهْبٌ تُنير اللّياليا
إن دولتنا خصّص الله لها خصائص عديدة منها السلامة والتسامح وغيرهما من نِعَمٍ إن عدّت لا تُحصى، ولكن لا بدّ له أن يمتحن العبد فيما يحبّه، لذلك ابتَلانا بالحالة التي نحن عليها، فأدّت إلى دموع تفشّت، ولعل الفرج قريب!
”ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا
القوم الكافرون”
بمِرقم ابن الإمامين: عافية أحمد فاضل عبد المطلب البصوبي