السياسةالعمل والمستجدات

الإشكالية فى الصراع المصري الإثيوبي ليست فى سد النهضة . عبد الرحمن بشير

الإشكالية فى الصراع المصري الإثيوبي ليست فى سد النهضة . عبد الرحمن بشير
………………………………………………………………………………………………………
إن مشكلة مصر الحقيقية ليست فى سد النهضة ، بل وليست كذلك مع إثيوبيا ، بل تكمن مشكلتها الحقيقية مع الفراعنة ، ومع الإستبداد السياسي ، وغياب العدل ، وتسييس المحاكم ، واختطاف الدين والأزهر والكنيسة ، والعمل لتغييب دور المجتمع المدني الحقيقي ، وتغيير البوصلة فيما يتعلق بالعدوّ الإستراتيجي ، هذه هي مشاكل مصر الداخلية ، وصدق الله حين قال : ( قل هو من عند أنفسكم ) .

مشكلة مصر ليست مع إثيوبيا ، وإنما هي مع ذاتها ، مع أنظمتها السياسية التى تتخبط خبط عشواء فى العلاقات الخارجية ، مصر النظام تائهة فى غالب الملفات الخارجية ، بيع للأوهام ، وبحث عن الصداقات فى أفريقيا فى الوقت بدل الضائع ، وكلام فى غاية الرذيلة سياسيا فى الإعلام ، ولكن لا وجود له فى الواقع .

إن نهضة إثيوبيا ليست مرتبطة هي الأخرى مع سد النهضة فقط ، بل الأمر متعلق أولا ، وقبل كل شيئ فى السلم الداخلي ، وفى التفاهم المجتمعي ، فالشعوب فى إثيوبيا لم تعرف بعد التفاهم المجتمعي المرتبط بالتعاقدات السياسية ، وذاك فقه سياسي لم ينضج بعد فى الداخل .

إن وراء كل نهضة فلسفة ، ووراء كل فلسفة رؤية ، ووراء كل رؤية رجال ومفكرون ، ووراء كل رجال ومفكرين إرادة سياسية ، فلا نهضة بدون ذلك ، ولهذا نجد من النظامين صراعا بدون قواعد حقيقية ، فهما يحاولان تصدير مشاكلهما إلى خارج الحدود ، بل ويبدعان فى صناعة التحديات الوهمية لأجل هدف واحد لكل واحد من النظامين وهو ( البقاء على السلطة ) ولكن على حساب الحقيقة .

ليس من الذكاء السياسي أن يخطط النظام الذى صنع المشكلة مع إثيوبيا الحل العسكري ، ولا كذلك الحل الدبلوماسي ، فالحبشة تعلم كل ذلك ، ولهذا لا تخاف من المواجهة العسكرية ، ولا حتى مواجهة مصر دبلوماسيا ، لأنها تعي حقيقة المناورات المصريةكنظام ،وليس من الحقيقة كذلك ربط التنمية المتكاملة والمستدامة فى الحبشة كلها مع هذا السد ، ذلك لأن التنمية فى الحبشة ليست هيكلية كما يتحدث كثير من خبراء الاقتصاد فى إثيوبيا ، بل المشكلة تكمن فى السياسات الإقتصادية ، وفى تغيير البنية الفكرية للسياسة الداخلية قبل كل شيئ ، فوراء تلك الحروب الدبلوماسية ، والجري الماراثوني فى كل الميادين لعب بالعواطف أكثر من الحقائق ، ولكن الشعوب دوما تعيش على أنغام الإعلام الكاذب ، لأننا شعوب مملّة ، وغير واعية ، ولهذا نعيش بلا حساب مع الأنظمة .

إن الشعب فى مصر يعيش فى زمن آخر ، ما زال النظام الحاكم فى مصر ينتج نفسه وكأنه يعيش فى وسط القرن العشرين ، وما زال الإعلام المصري بفضائياته وتقنياته ينتج برامج تشبه أيام ( صوت العرب ) ، فالحياة عند هذا النظام القمعي ما زالت ساكنة ، ما زال هذا النظام يحارب سيد قطب وأتباعه فى القرن الواحد والعشرين ، وما زال هذا النظام يبيع للشعب المصري بآنه يحارب جبهات خطيرة ، ولكن الغريب أن البوصلة فى هذه المرة تغيرت بلا حساب استراتيجي ، أصبحت إسرائيل ظهير سياسي استراتيجي ، ولكن هناك فى اثيوبيا ظهر تحولًا خطيرا فى هذا الباب حيث ظهرت إثيوبيا عدوَا استراتيجيا جديدا ، وكذلك تركيا ، فهذا التخبط يجعل مصر العظيمة بشعبها ، وتاريخها ، وجغرافيتها بدون وزن سياسي فى زمن الدجل الإعلامي .

إن الناس فى إثيوبيا لا يمنحون ثقتهم بالنظام الحاكم ، وهذا واضح فى اللامبالاة التى ظهرت فى انتخابات الإثنين ، الواحد والعشرين من شهر يونيو لعام ٢٠٢١ م ، والناس فى أغلبهم قاطعوا بعيدا عن كلام الإعلام الذى تحدث عن صفوف طويلة ، ولكنها كانت فقط تحت الكاميرات التابعة للنظام ، وهناك أقاليم لا تجرى فيها انتخابات لأسباب أمنية ، ومع كل ذلك فهذا امتحان صعب للنظام ، فالمشكلة فى إثيوبيا كذلك داخلية ، وليست مع مصر ، ومع هذا فما زال هناك أقلام إثيوبية متخصصة فى الرد على الإعلام المصري ، والعيش فى هذا الوتر .

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock