الدين و الترييةالسياسةالعمل والمستجدات

لحظة الصفاء الروحي مع الله . عبد الرحمن بشير

لحظة الصفاء الروحي مع الله . عبد الرحمن بشير
………………………. ……………………………………
وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدًا . ما لهم به من علم ولا لآبائهم ، كبرت كلمة تخرج من أفواههم ، إن يقولون إلا كذبا .
من سورة الكهف ، وفى البداية ، وفي هذا المقطع ردّ عجيب على أولئك الذين يكذبون على الناس باسم الدين ، ويقولون : لله ولد ، سبحانه ، بل له ما فى السموات وما فى الأرض ، كلٌّ له قانتون .

فى الآية أمر عجيب آخر ، وهو أن الوحي الصحيح علم ، والعلم هو الصدق ، وما دون ذلك فهو الكذب ( إن يقولون إلا كذبا ) ، لأن الوحي الصادق يؤكد بأن أحدية الله مطلقة ، فهو واحد فى ذاته ، وواحد فى صفاته ، وواحد فى أفعاله ، أحديته مطلقة ، ليس كمثله شيئ ، وهو السميع العليم ، وهل تعلم له سميا ؟!

الله ليس له بداية ، فهو مطلق الوجود ، وليس له نهاية ، فهو الأول والآخر ، الظاهر والباطن ، لا يستمد وجوده من أحد ، والوجود يستمد وجوده منه تعالى ، فهو الصمد ، وصمديته مطلقة بلا حدود ، فهو الخالق الأزلي الأبدي ، ولا يحتاج لأحد ، بل هو غني عن خلقه ، وخلقه فقراء إليه تعالى ، ليس له ولد ، فهذا نقص منه تبارك وتعالى ، لأنه كامل بذاته ، وليس له أصل ، لأنه ليس شيئا ، فهو خالق الأشياء من العدم ، أبدع الخلق من غير صورة ( لم يلد ، ولم يولد ) ، فهذه من خصائص الخلق ، وليس من صفات الخالق ، والسبب هو ( ولم يكن له كفوا أحد ) .

وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا . لقد جئتم شيئا إدّا . تكاد السموات والأرض يتفطّرن منه ، وتنشقّ الأرض ، وتخرّ الحبال هدّا . أن دعوا للرحمن ولدًا. إن كل من فى السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا .

هنا فى سورة مريم ، قراءة عجيبة لهذه الفرية الخاطئة ، الكون يرفض هذه الفرية ، لأنها تتحدث عن الله بصورة طفولية لا تليق به تبارك وتعالى ، ولهذا رفض الكون بفطرته هذه المقولة التى خرجت من الإنسان ، كيف ينسب لله ولد ؟ وهو الخالق لكل شيئ ، والكون كله صادر من إرادته بقوله ( كن ) ، ولماذا ينسب إلى الله هذه الفرية ؟ والجميع خُلقوا عبادا لله ، وسيبقون كذلك ، وسيأتون يوم القيامة وهم عباد لله وحده ، هكذا يتكلم كتاب الله ، ويتحدث الخالق نفسه من خلال كتابه الأخير .

إن هذه الدعوى خالية من الدليل ، ولهذا بقي كتاب الله وحده هو الممثّل الشرعي الوحيد للسماء حتى هذه اللحظة ، فهو يعلن وحدانية الله ، وصمديته ، فلا يشاركه أحد فى صفاته وأفعاله ، وليس كمثله شيئ ، ومن هنا يكون الوحي الأخير خاليا من التحريف ( إنا نحن نزلنا الذكر ، وإنا له لحافظون ) ، وسيبقى كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، والسبب أنه لا كتاب بعده ، ولا وحي بعد رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام ، فلا تحتاج البشرية إلى نبي آخر ، فكل ما يحتاجه الإنسان من العقائد والأخلاق والمناهج اكتمل فى هذا الكتاب ( الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولَم يجعل له عوجا ) .

ليس عبثا أن يطالب كتاب الله البشر الدليل لإثبات العقيدة ، والدليل قد يكون عقليا ، وقد يكون نقلا صحيحا ، فالنقل لا يكون صحيحا إلا بالدليل القاطع أنه من الله ، والعقل لا يكون صريحا إلا بالدعوى ومعها الدليل ، ومن هنا قال تعالى : ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) ، بل وأوضح كتاب الله أنه من البشر من يجادل فى الحقائق بدون علم ولا دليل ( ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ) .

لدينا اليوم من يجادل فى الله ، بل ويجادل فى وجود الله بغير علم ، إنه يقيم أدلته بما سمع من الناس ، ويجادل أن الله خرافة ، لأن فلانا من الفلاسفة قال بذلك ، ولكنه لا يثبت ذلك ، فهذا ليس علما ، وإنما هو مجادلة بغير علم ، والذين يتحدثون اليوم عن الإلحاد الشعبوي هو جزء من هذه المجادلة غير العلمية ، والإسلام لا يرفض ، ولا يخاف من المواجهات ، ولكن بشرط واحد ، أن يحترم الناس عقولهم .

الحمد لله ، لقد بدأت أقرأ سورة الكهف بعد صلاة الفجر فى هذا اليوم المبارك ( الجمعة) الموافق السابع والعشرين من شهر أغسطس لعام ٢٠٢١ م ، ولَم أستطع أن أواصل القراءة ، بل استوقفتنى الآية للتأمل والتدبر ، ( وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ) ، والسورة مكية ، ونزلت حين كان يواجه الوحي المشركين الذين يعبدون الأصنام مع الله ، ولكنه ألفت النظر إلى قضية أخرى ( قضية النصارى ) ، إنه كتاب لا يعترف بالحدود ، بل هو كتاب الزمن والمكان ، كتاب خالد ، وشامل ، ومتوازن ، إنه من الله العليم الحكيم ، والحمد لله رب العالمين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock