السياسةالعمل والمستجدات

افريقيا .. وسؤال الاستقلال ؟؟!

#مالي

افريقيا .. وسؤال الاستقلال ؟؟!

حمدي جوارا كاتب وباحث في القضايا الإفريقية

باريس فرنسا

في بدايات الستينات بالقرن الماضي استقلت دولنا عن الاستعمار الأجنبي الذي جثم على صدر هذه الأمة الافريقية ردحا من الزمن ، وبعد صراع مرير مع القوى الاستعمارية ونضال الآباء والاجداد تم استقلال بلداننا باعتبار أن الاستعمار جريمة بشرية ينغي للشعوب التخلص منه ولو كلفهم الغالي والنفيس …

لسنا هنا بصدد سرد تلك الاحداث سردا تاريخيا فالكل يعرف تاريخ الاستعمار وما جناه على أمتنا والذي لا نزال -ولو بعد ٦١ عاما – نعاني تبعاته ومخرجاته …

بيد أني أتساءل ويتساءل معي آخرون أننا أعلنا الاستقلال ولكنه استقلال صوري أو هلامي وذلك لأننا وجدنا أن من أعلنوا الحرب على الاستعمار ليسوا الا من مخرجات هذا الاستعمار ..

دعني أشرح لك وجهة نظري …

فحين جاء الاستعمار إلى بلداننا وجدوا أن فارق الحياة بيننا وبينهم كانت بملايين السنوات الضوئية فعمدوا الى بناء المدارس وهنا أتحدث عن افريقيا الفرانكفونية ويمكن قياس الانجليزية عليها .. فالأساليب كانت هي هي والتي اتبعت من أجل تكبيل أمم بكاملها ..

نعم كنت أقول إن الاستعمار بنت مدارس وربما جامعات وانتسب لها أبناء القارة وتعلموا فيها ولكن ما هو نوع التعليم الذي درسوه ، هل كان هدف الاستعمار مساعدة تلك الدول من أجل الانعتاق بها أم أن الهدف كان من أجل تكريس وجوده ومن أجل تسهيل التواصل بينه وبين أهالي المنطقة عبر تكوين أجيال تأسرها ثقافيا وعقليا لكي تصبح هي هي من تمثلها وتمثل مصالحها في ما بعد ..

كنت أتحدث مع أحد أجدادي وهو قد درس في تلك المدارس وكان يقول لي أن الامتياز بعد التخرج كانت كبيرة فهم لم يكنون بيضا من المستعمرين ومستواهم لم تكن تحت الى مستوى باقي الشعب الغير المتعلم .. قلت في فيي لقد كنتم في منزل بين المنزلتين …

أكتب عن هذا الموضوع وذلك بمناسبة الاستقلال في مالي والذي يصادف اليوم ٢٢ سبتمبر فهنيئا للشعب المالي في عيد استقلالهم وليعلموا جيدا أن الطريق ما زال طويلا ..

هذا وخلال ٣٠ سنة الأُوَل من بدايات الاستعمار كان الغربيون قد صنعوا جيلا بكامله يتحدث لغته ويتفكر تفكيره ، صحيح أن روح المقاومة كانت متقدة في أذهان المناضلين الأوائل وفئات منهم لكن كانت تتواصل بلغة المستعمر وتكتب بكتابتها وتعقد المؤتمرات والجلسات والخطابات الحماسية كلها باللغة الفرنسية ولا زالت على ما هي عليه ..

وكانت هذه النخبة الفرنسية هي التي تراعي مصالح الغرب وتتحدث كوسطاء بينهم وبينه وبعد الحرب العالمية الثانية هم الدين أصبحوا آباء للاستقلال كانت الظروف مهيئة لكي تعلن كل دولة استقلاليتها .. والحمد لله حصلت بالفعل عليها …

لكن اي استقلال كنا نريد وأي هوية كنا نود اختيارها وأي لغة كنا لنتحدث بها في ما بيننا …

في الحقيقة ما زلت أتساءل هل الأفارقة لم يفكروا في ذلك ولماذا لم يتوافق السنغاليون والغينيون والماليون والايفواريون والبوركينيون وغيرهم لاختيار لغة واحدة مثلا باعتبار أن اللغة تمثل الواجهة الهوياتي للأمة …

وإنما وجدوا الفرنسية أو الانجليزية هي لغاتهم الرسمية في بلدانهم بل والمشتركة ، وحين يتحدثون في ما بينهم لا يمكنهم التفاهم إلا عبر هذه اللغات الأجنبية ..

ثم كيف يمكنك أن تكون مستقلا وأنت تعترف لغة من استعمرك وأذاقك الأمرّين كلفتك الرسمية تكتب بها الدساتير وتتحدث بها في النشرات حتى إنه يتم استعراض العضلات اللغوية والإنشائية فيمن يتقنها أكثر من الآخر وأي دولة فرنسيتها أفضل من الأخرى ..ونسبة التعليم عندنا تقاس عبر تعليمنا لهذه اللغة أو تلك .

فالمثقف عندنا هو الأكثر رطانة بالفرنسية وهم اي النخب الفرانكفونية لا تعتبر نفسها وفي عقلها الباطن أنهم مستمرون أصلا ..

تصوروا أن الرئيس كاغامي الذي نعتبره مناضلا كبيرا ارتقى ببلده حين أراد أن يتخلص من الفرنسية إنما بدلها بالإنجليزية طبعا لا نرى بذلك بأسا بل نعتبر ذلك عملا بطوليا وصفعة في خد فرنسا لكن هو تبديل لغة استعمارية بأخرى لا تقل وحشية عنها ..

ولا أدري هل طرح هذا السؤال من قبل آباء للاستقلال كالرئيس انكوامي كروما من غانا ولا سيكو توري من غينيا ولا موديبو كيتا من مالي ولا هوفي من ساحل العاج وسيلفيني أولومبيو من توغو مما لمعت أسماؤهم وتغنى بهم شعوبهم وإن فعلوا فهل عملوا على تغيير ذلك ..

وحين أنظر لوضعنا أكاد أقدم تبريرا لهم في موافقتهم لذلك حيث أرى – والله أعلم -أنهم أرادوا تفادي القبلية والعنصرية في بلدانهم …

ففي الدولة الواحدة يمكن أن تجد ١٠ قبائل كل واحدة منها تريد أن تكون لغتها هي الأولى بها أن تتقدم على غيرها وكل قبيلة تظن أنها شعب الله المختار .. وأنها هي القديسة وتستحق أن تستعبد الآخرين

وربما تفاديا من كل ذلك أراد آباء الاستقلال الابتعاد عن كل ذلك وإن بالتمسك بلغة المستعمر ..

دعوني أعود بكم للوراء ربما كان غرض المستعمرين تعليم لغتهم لأبناء القارة ربما من أجل أن يطلعوا على كل ما يتم التخطيط لها من أبناء القارة وأن يتم اطلاعهم على كل ما يجري وما يحدث لكي يزداد تحكّمهم في هذه الدول وسيطرتهم عليها ..

أضرب لكم مثالا ، هناك أزمة دبلوماسية حالية بين مالي وفرنسا حول إدارة الصراع في الساحل ، لكن تصور أنهما إذا أرادا الجلوس لطاولة الحوار فإن ممثلي مالي هم هم من ينبغ لهم أن يتحدثوا بلغة يفهم الفرنسيون ولا يحتاجون حتى لمترجمين كي يعرفوا ماذا يخطط له الماليون وماذا يريدون التوصل عليه بل حتى استخباراتهم لا يبذلون جهدا لكي يفهموا ما يجري استخباريا لدى أي دولة من دول المنطقة ..

هذا جانب وجانب آخر عن التنمية والاستثمار والاقتصاد ما زلنا مرتبطين بهم ودولنا التي أعلنت استقلاليتها عن فرنسا هي هي التي اجتمعت وقدمت فرنسا كضامن لها في تسيير وإدارة عملتها المالية ولم تفكر هذه الدول كي تعمل لتصنيع عملة كباقي الدول الصغيرة والكبيرة بل وكل من يريد الاستقلال حاصروها وتآمروا عليها وانقلبوا على رؤسائها بإيعاز من المستعمر .

هذه التساؤلات وغيرها وهي كثيرة هي التي ينبغي أن نبحث عن إجابات لها وكلنا في هذا المعضل الهوياتي اللغوي وعلى فكرة ما زالت فرنسا تقدم ميزانيات وزارات التعليم في افريقيا الفرانكفونية وتغدق عليها الأموال ومع ذلك فنحن مستقلون … عن أي استقلال نتحدث … أفيدوني يا شباب
المهم وبعد كل هذا الحديث ما زلت غارقا في هذه التناقضات والتي نحاول إقناع أنفسنا أننا فعلا مستقلون …

ترى هل ترى أننا استقللنا .. ؟؟؟

حمدي جُوارا
باريس فرنسا

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock