الدين و الترييةالسياسة

الأعداء تنبحُ والشيخ الخَديم يلوحُ

الأعداء تنبحُ والشيخ الخَديم يلوحُ

إن درجَة ومرتبة خادم الرسول التي تقلدها النهيدُ (1) الهمام والهجيدُ النحريرُ (2) قدوتنا ومرشدنا الروحي، الوليّ البكيّ البوليّ، الشيخ أحمد بامبا كانت من أشرف المقاماتِ وصعبة المنال بل أعز من الكبريت الأحمر (3)، وبيض الأنوق، ولكن بفضل الخالق المدبر ذي المنة الوافرة الذي يصطفى من عباده رسلا من الملائكة ومن الناس، جَعل شيخنا خديما للرسول – صلى الله عليه وسلم – ومحطة العلم والحِكمة تضرب إليه أكباد الإبل، لانتشار صِيته في ذلك، فقد ورث المجد والاعتناء بالعلم وذويه كابرا عن كابر.

قال الشيخ إبراهيم انياس الكولخيّ (4) فِي روح الأدب شُهودا على كون الشيخ الخديم خَديم طه سيد الثقلين وإمام الكونين – عليه الصلاة والسلام – في بحر الرجز في كتابه “روح الأدب”:
ولا يغرنكَ بحِفظ النظم = كَونِي صغيرًا فِي بلاد العَجم
فاللَّه يختَص بفضلِ من يُريد = والله ذو الفَضل العَظيم والمُريد
قد قَال في هَذا المَجال الأمجَد = خَديم طه المَالكيّ أحمَد
فليسَ يكسِب سَواد الجِسم = بَلادة الفتى وسُوء الفَهم ‏

عرفه القاصي والدَّاني، لكونه منقطع النظير فِي التعليم والتصويب والترشيد، منذ نعومة أظفاره وشَرخ شبابه، إلى أن اضطجع ضَجيعته الأخيرة راضيا مرضيا. ولذلك انكدَر الناس إلى أبواب داره أفذاذا وأفواجا، لينتهلوا من مَناهله الصَّافية، وليقتبسُوا من قبساته النيرة.

وما كان يعطي قليلا ويُكدي ما اعتراه كرَى الشُّحِّ والبُخل، وما كان يدخر القلَّ ولا الكثر من الأموال الطائلة، والقناطير المنقطرة من الذهبِ والفضة، بل يوزعها للمُرملين والضيفنين والمعوزين الذين يتهبهبون إلى نواله التي لا تنفصم مهما صعبت الظروف، ولا يهرمسُ (5) محيَّاه عنهم، أو يحجبُ عنهم في حالتَي السَّراء والضراءِ. مصداقا لقول الشاعر النّحرير الخنذيذ الشيخ إبراهيم جوب المشعري:
تَرى النَّاسَ أفواجا إلى بَاب دَاره = كَمكّة يوم الحجِّ الأكبَر للأمل

وكان ضيغمَ الله عَلى دينِه، وحُساما مسلُولا أمام أعداء الله والإسلام، ناضلهم بقصائده الجهاديّة التي شتّتَ شَملَهم ونفضت جيوشَهم العَرمرمة (6)، وذبَّ بيراعته عرضَ صفوةِ الأكوانِ الرَّحمةِ المهداة – محمد عليه الصلاة والسَّلام – تفرق أعداؤه اللؤماء شَذر مَذر (7)، خائبين مع الرّدى وفشلت دسائسهم الخبيثة كما أثبتَها مؤرخُو عصره وأجلاءُ العلماء الصّالحين فِي كُلّ أصقاعِ الدُّنيا حتى النصارى أنفسهم الذين أخرجوهُ من مسقط رأسه طوبى المحروسة إلى البلادِ النائية لمُحاولة فتكه، ولكنهم لا قوا حتفهم بظلفهم وعلى أنفسهم. والحقّ ما شهد به الأعداءُ، إنَّه نعمةٌ من النعم الجليلة التي أنعم بها الله هَذه الخلائق كلّها مصداقا لقول الشيخ سيديَ (8):
الشَّيخُ أحمدُ نعمةٌ أولاها = هذِي الخلائق كلَّها مولاهَا
إنَّما الشيخُ نعمةٌ أنعَم اللـ = هُ بها آية من الآيَاتِ

كَم من شُعراء نسجُوا على منوالهم قصائد في مدح الشيخ الخديم وإشادة فضائله!!

هَذه هي الحقيقةُ التي أبصرتها عقول منصفة، فنطقت بالحقِّ والعَدل، بخلاف من أعمى الله بصره وبصيرته الذي جعل الله فِي قلبه أكنة، فراحَ ينكر ضوء الشمس فِي كبدِ النَّهار ليس دونها سَحاب مصداقا لقَول محمد البوصيري (9):
قد تُنكرُ ضوء الشمس من رَمد ** وينكرُ طعمَ الماءِ من سَقم

الأعداء تنبحُ والشيخ الخديم يلوحُ، ويتبلّج مزاياه ومناقبه فِي كلّ اللحظاتِ. فالحق بلجٌ والباطلُ لجلج. ويقول الشيخ أحمد امباكي غايندِي فاطم بن الشيخ محمد المُصطفى البكيّ (10) فِي قصيدته المعنونة بـ”ألاحَ لي قَمر” وهُو يمدحُ الشيخ الخديمَ – رضي الله عنهما -، ويُشيدُ بمناقبِه بلا وكسٍ ولا شَطط:
ألاحَ لـي قَمَرٌ مـن نَحو طـُوبـانـا؟ = أم أومضَ الـبرقُ تحت الغـيمِ لَـمْعانـا
أم وجهُ سَلمَى بَدا من نِضْوِ بُرقعها؟ = أم أشرقت ليَ شمسٌ صُبحها ازدانا؟

إلى أن يقُول:
فـَمـا لأحنفَ حِلْمٌ إن قـُرنـتَ بـــه = لُقـمانَ عَصرِك هـذا الفضلُ قد بـانــا
فِي الجُود حَاتمُنا فِي الفقه مَالكُنا = وفِي فَصاحَته يُزري بسَحـبـانـَـا
فإنّه العُـروةُ الـوُثقى لـمُعتصــــمٍ = بـه لـمُـلـتَجئٍ حِصنٌ وإن هـانـَـا
يا حاسِدين إمـامَ النَّاس عَامتِهـم = مُـوتـوا بغَيظكـمُ رَغمًا وخُسـرانـَـا
فإنّ قـُدرةَ ربِّي رتّبته إمــــــَــا = مًا مُستقـيـمًا رَفـيعًا حـيثُـمـا كـانــَـا

فِي النهاية أود أن أذكر أنَّ الشيخ الخديم – رضي الله عنه – هو العبقَريُّ الألماعيُّ النَّجيحُ (11) والظريف (12) النَّجيبُ كما كان نادرةَ زمانه وأعجُوبةَ دهره.

بمرقم الأخ سرين امباكي جوب خضر الطوباوي خريج معهد الدروس الإسلامية
حرر هذه المقالة في 22 يناير 2015م، 01 ربيع الثاني 1436 ه‍

الهوامش:

1- النَّهيدُ: الشّجاع الجريء من الإنسان والحيوان، الحسن الخلق.

2- النِّحرير: العالم الحاذق في علمه.

3- الكبريت الأحمر: مادة معدنية قلزية صفراء اللون، هشة، لا تتحلُ في الماء، عَديمة الطعم والرائحة، شديدة الاستعال، ذات لهب أزرق، توجد حول البَراكين. ويعني هذا التركيب: نادرُ الوجود عند الصُّوفيين.

4- هو الشيخ إبراهيم نياس بن الشيخ عبد الله انياس أبصر النور 1318 ه‍، المطابق 1900م، في قرية طيبة، كان متصوفا، متمسكا بالكتاب والسنة، شاعرًا، مشهورًا بجودة القريحة، وداعيا كبيرا، أدخل في الإسلام أفواجا من مختلف الأنحاء، وله مؤلفات وقصائد عصماء منها: كشف الإلباس عن فيضة الختم أبي العباس، وروح الأدب، ورفع الملام عمن رفع وقبض اقتداء بسيد الأنام، وقصائد أخرى في مدح صفوة الأبرار. وافته المنية – رضي الله عنه – فِي لُندُن عام 1395ه‍ 1975م، ووري جثمانه الشريف فِي مدينة المعروفة باسم “مدينة” جنبَ كولخ.(راجع سيرة الشيخ إبراهيم انياس بقلم الشيخ الهادي بن مختار النحوي).

5- هرمسَ: عبس.

6- الجيشُ العَرمرمُ: جيش كثير العدد.

7- شَذر مَذر: تركيب يفيد التفرّق والتشتّت.

8- هو الشيخ سيدي بابا ولد سنة 1860م وتوفي 1924م، عالم وفقيه وشاعر كبير، له علاقة وطيدة مع الشيخ الخديم – رضي الله عنهما -.

9- محمد بن سَعد بن حماد الصنهاجي البُوصيري، (608-695 ه‍)، (07 مارس 1213م 1295م) شاعر صنهاجي، اشتهر بمدائحه النبوية، ومن أشهر قَصائده: البُردة المسماة “الكوكب الدرية فِي مدح خير البرية”، و”الحائية” و “الهمزية” و “الدالية” وغيرها، بلغ عُمره 85 عاما.

10- هو الشيخ أحمد امباكي المشهور بـ”غايندي فاطم” بن الشيخ محمد المصطفى امباكي الخليفة الأول للشيخ الخديم – رضي الله عنهم-، ولد في شهر شعبان بطوبى سنة 1331 ه‍، 1913م ، وتوفي سنة 1978م، كان عالما داعيا إلى الله، من كبار المفكّرين والدّعاة الإصلاحيين، كثير الصَّمت، مهابًا في قومه، ذا مقام نابه لدى الشعب السنغالي وسَائر الشعُوب. كان شاعرا منقّحا، وخطيبا بليغا، له مخطوطات من الوصايا والمؤلفات العديدة منها: كلمة الله هي العُليا، وقصيدة ألاحَ لي قَمر، وجه سلمى، ولقاؤك الميمون، ودمشق، ويا نفس تُوبي، ويا قلبُ تُبْ .[ينظر: حسن الصحبة في الله فِي رؤية القادة، اللجنة المكلّفة لفعالياتِ الذكرى المئوية، الأدب السنغالي للدكتور عامر صمب]

11- النََّجيح: رأي صائب، ورجلٌ صابر.

12- الظريف: الكيّسُ البارعُ الحاذق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock