الدين و الترييةالسياسة

نحن و اللغة العربية

“تنويريات”

نحن و اللغة العربية

يربطنا باللغة العربية القرآن الكريم الذي نزل بها، و هو المتعبد لله عز و جل بقراءته. كما أنه المصدر الأساسي للتشريع في الإسلام و بها نفهم معانيه، و معاني السنة النبوية ثاني مصادر التشريع في الإسلام فهما صحيحا.

و يربطنا بها العلم الشرعي حيث دونت بها أغلب الكتب الإسلامية في العقيدة و الفقه و السلوك و علوم القرآن و علوم الحديث و أصول الفقه…

و يربطنا بها التاريخ و الحضارة حيث كانت لغة المراسلة و الكتابة في السنغال قرونا مضت.

لذا نشعر بالفخر لتثقفنا بها، كما نشعر بواجب المحافظة عليها حتى تصل إلى أبنائنا و ذرياتنا من بعدنا مصونة؛ لكي يحملوا هم الآخرون الشعلة و يواصلوا المشوار.

فنحن نعتقد كمسلمين أن اللغة العربية جزء من هويتنا، و نعتقد كسنغاليين أنها جزء من حضارتنا؛ يجب أن نخدمها و نسهر عليها لنحافظ على هويتنا الإسلامية و حضارتنا الزنجية معا.

و هذا لا يعني أنها أفضل اللغات، فهي أفصحها و ليست أفضلها، و ما أبعد الفرق بين الأمرين. و لا يعني أننا نذوب في الآخر و نهمل لغاتنا و ثقافاتنا. فما نأخذ من اللغة العربية هو كيف نقرأ القرآن الكريم و كيف نفسره، و كيف نفهم الحديث النبوي، و ما كتبه العلماء بها في العلوم و المعارف المتنوعة، و نأخذ بواسطتها المقرر المقيد في علوم الكون و الحياة، و لا نأخذ منها كيف نفكر أو نلبس أو نأكل أو نتحدث؟ أو كيف نبني علاقاتنا الاجتماعية و السياسية؟

بل هذا كله إنما نستلهمه مما صح و حسن من تراثنا؛ فنجمع بين التجذر و الانفتاح و نكون مسلمين سنغاليين (و لا حرج).

فالله عز و جل جعل الناس شعوبا و قبائل ليتعارفوا، و يظهر الثراء من خلال التنوع، و العبرة من خلال التمايز. ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقناكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثى وَجَعَلناكُم شُعوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفوا إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقاكُم﴾ الحجرات: 13. ﴿وَمِن آياتِهِ خَلقُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاختِلافُ أَلسِنَتِكُم وَأَلوانِكُم إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِلعالِمينَ﴾ الروم: 22.

و هذا لا يحصل إلا إذا حافظت كل أمة بلغاتها و تقاليدها الحسنة.

المثقفون باللغة العربية في السنغال يعانون من تهميشين: تهميش الحكومة التي ظلمتهم ثلاثا:

أولا، بإغلاق المجال لهم لتعلم و تعليم أبناءهم القرآن الكريم و العلوم الإسلامية و الدنيوية باللغة العربية التي اختاروها.

و ثانيا، بتقليل فرص دخولهم سوق العمل بعد اكتمال دراساتهم بجهودهم الخاصة دون أن يتلقوا أي دعم منها.

و ثالثا، بإغلاق المجال لهم للتعبير عن قناعاتهم السياسية و تجسيد برامجهم وفقا للتصور الإسلامي في ظل نظام علماني يقصي الدين من الحياة العامة.

هذا في الوقت الذي يتمتع فيه المثقف بالفرنسية بفرص وافرة في التعلم و التوظيف، و حق التعبير عن قناعاته السياسية و تجسيدها بلا مواربة، و إن كانت شيوعية ملحدة لا تؤمن بالله. و كأننا في سنغالين بل أكثر، سنغال المتفرنسين و سنغال المستعربين كما توجد سنغال الأغنياء الذين بيدهم السلطة و سنغال الفقراء المساكين.

و يعاني المستعربون من تهميش أنفسهم؛ حيث ينزوي بعضهم في زواياهم الضيقة يرضون بالدون، و قابلين الدور الذي رسمه لهم المستعمر و عملاءه من بعده، و ذلك بالتنحي تماما و طواعية عن الشأن العام مواكبة و مشاركة؛ فلا تسمعهم يطالبون بحق أو ينددون بظلم أو يحملون أي راية للإصلاح و التغيير، و كأنهم لا يحملون الجنسية السنغالية و لا يشاركون مجتمعهم ألامه و آماله..

بمناسبة اليوم العالمي للغة الغربية أدعو الحكومة السنغالية إلى تحمل مسئوليتها في إدماج المثقفين باللغة العربية، و توفير فرص التعلم لهم باللغة العربية التي اختاروها، و فرص التوظيف بعد انتهاء دراساتهم، و فرص التعبير عن قناعاتهم السياسية دون مواربة في ظل نظام يستوعب جميع السنغاليين أيا كانت ثقافاتهم و توجهاتهم.

كما أدعو إخواني المثقفين باللغة العربية إلى مزيد من الاندماج في الشأن العام و المشاركة في مختلف الأحزاب السياسية و الهيئات النقابية و غيرها من الحركات و التجمعات النشطة للوصول إلى مراكز القرار في البلديات و البرلمان و الوزارات و صولا إلى الرئاسة لتغيير واقع السنغاليين بشكل عام و واقع المستعربين بشكل خاص نحو الأفضل.

عبد القادر عبد الرزاق انجاي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock