الثقافةالعمل والمستجداتملتقى الشباب

اختلاف الشعوب والقبائل في منظور الإسلام .

من مظاهر القدرة الإلهية والحكمة الربانية أن خلق الناس وأوجدهم من العدم، وجعلهم شعوبا وقبائل، قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، وقوله تعالى { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ }أي : أن الله تعالى خلقكم من أب واحد وأم واحدة، وهما آدم وحواء عليهما الصلاة والسلام، ثم جعل منكم شعوبا عربية وأخرى عجمية، وجعل من كل من العرب والعجم قبائل وبطونا…
وجعل الله سبحانه وتعالى هذه الشعوب والقبائل مختلفة في ألسنتها وألوانها، ومتباينة في عاداتها وطرائق عيشها، قال تعالى{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}، ويقدر بعض الباحثين عدد اللغات التي يتحدث بها الناس في العالم اليوم ما بين 6 إلى 7 آلاف لغة، فتبارك الله أحسن الخالقين .
هذا، وإن للخالق سبحانه وتعالى حكما وأسرارا ومقاصد وغايات في هذا الاختلاف والتنوع بين الناس، فهو سبحانه العليم والقدير والحكيم، قال تعالى{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}، ومن الحكم الربانية والأسرار الإلهية في اختلاف الشعوب والقبائل ما يلي : الدلالة على عظم قدرة الله تعالى وكمال علمه: قال تعالى{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}، قال السعدي رحمه الله ((والعَالِمُون هم أهل العلم الذين يفهمون العبر ويتدبرون الآيات)). ومنها : التعارف بين الشعوب والقبائل وتبادل المنافع: قال تعالى {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} قال الشافعي رحمه الله ((أي: ليعرف بعضكم بعضاً، وقرابته منكم وتوارثكم بتلك القرابة، ولما لكم في معرفة القبائل من المصالح في معاقلكم )) .
وأحاط الشارع الحكيم هذين المقصدين الجليلين بتشريعات وتعليمات تحفظهما وتعين على تحقيقهما، ومنها :
1- جعل التفاضل بالتقوى وليس بالأجناس والأحساب: قال صلى الله عليه وسلم ((يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى)) .
2- ذم التفاخر بالأنساب والأحساب : قال صلى الله عليه وسلم ((أربع في أمتي من أمر الجاهلية لن يدعهن الناس: النياحة، والطعن في الأحساب، والعدوى)).
3- التحذير من دعوى العصبية القبلية، قال صلى الله عليه وسلم (( من قاتل تحت راية عمية، يدعو إلى عصبية، أو يغضب لعصبية، فقتلته جاهلية)) .
والجهل بهذه الحكم الربانية والمقاصد الإلهية في اختلاف الشعوب والقبائل وعدم تفعيلها في العلاقة بين الشعوب والقبائل المختلفة أصبح من أكبر عوامل التفرقة بين الناس، وأسباب تفشي الطبقية البغيضة بين كثير من شعوب العالم، بل إن كثيرا من الحروب التي تهلك الحرث والنسل كانت بسبب رؤية الفضل واعتقاد التفوق على الجنس المخالف، كل شعب أو قبيلة يؤمن بأنه أفضل من جميع القبائل والشعوب، ويستدل بذلك بحجج واهية لا تستند إلى ثوابت الشريعة ولا إلى حقائق التاريخ، بل إنما تعكس الجهل والتخلف وضيق الأفق، وانعدام الإنسانية.
ولعل من أسوء أمثلة الطبقية البغيضة في واقعنا المعاصر محنة الأمريكيين السود، والسود في جنوب أفريقيا، والعنصرية القبلية في بعض الدول العربية والأفريقية مع الأسف الشديد.
ويوجد في السنغال مع الأسف الشديد مظاهر مختلفة ومتنوعة من هذه الطبقية المقيتة، مثل احتقار بعض القبائل والطبقات الاجتماعية، وعدم تزويجهم أو تقليدهم مناصب اجتماعية أو دينية، أو عدم دفنهم مقابر من يعتبرون أنفسهم أشرافا وسادة…كما في حادثة ” قرية بوت دكنه” … إلخ
وعلى العلماء والدعاة والمربين مسؤولية كبيرة في محاربة الطبقية البغيضة وأخواتها من الأدواء الاجتماعية التي تهدد الشعوب والقبائل، وتمثل مانعا خطيرا من موانع التعايش والتعاون بين الشعوب والقبائل، كما يجب على الحكومات أن تسن قوانين تجرم الطبقية وتحد من انتشارها بين المواطنين، وتدعم المناهج الدراسية بمقررات تربي أجيالا تؤمن بالأخوة الإنسانية، وتتفاضل فيما بينها بالإيمان والعمل الصالح، وتؤمن بالكرامة الإنسانية.

د. نجوغو امباكي صمب

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock