الدين و الترييةالسياسةالعمل والمستجدات

ثلاثيات بشيرية . عبد الرحمن بشير

ثلاثيات بشيرية . عبد الرحمن بشير
……………………. …………………
فى صباح هذا اليوم الموافق 31 يناير لعام 2022م ، بدأت أقرأ شيئا من وردي اليومي من كتاب الله ، ففتحت سورة ( يس ) ، والتى تعتبر عند بعض علماء المسلمين قلب القرآن ، فوجدت فيها آيات عجيبة فى بداية ونهاية السورة ، والربط بين الآيات يحتاج إلى التفسير الموضوعي ، ومنها قوله تعالى : ( إنا نحن نحيي الموتي ، ونكتب ما قدموا وآثارهم ، وكل شيئ أحصيناه فى إمام مبين ) وفيها ثلاثة أمور :

الأولى : طلاقة القدرة الإلهية حيث يتحدث الخالق فيها أن هو وحده يحيي الموتي ، وإحياء الموتي عملية غيبية مرتبطة بطلاقة القدرة الإلهية ، وتحتاج إلى الإيمان بها ، لأن البعث حق .

الثانية : كتابة كل ما يقوم به الإنسان من أقوال وأعمال ، بل وأخطر من ذلك أنه يكتب للإنسان ما يتركه من آثار حسنة ، وسيئة بعد وفاته ، فالإنسان ليس مادة يمضى بل هو مادة وروح ، فكر وسلوك ، عقل وروح ، تاريخ ومستقبل ، فهو لا يفنى بموته ، بل يبقى مع بقاء الحياة فى الذكر الحسن أو السيئ ، وصدق أحمد شوقى حين قال :
دقات قلب المرء قائلة له …… إن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك بعد الموت ذكرها ………… فالذكر للإنسان عمر ثان .

الثالثة : أن من طلاقة القدرة الإلهية ، أنه لا ينسى شيئا ، بل عنده كتاب فيه كل شيئ بشكل عجيب ( ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) ، والله يقول فى هذه الآية ( وكل شيئ أحصيناه فى إمام مبين ) ، ليس كتابة فقط ، بل إحصاء دقيق ، والله يستر .

فى آية أخرى من هذه السورة العجيبة ، والرائعة ، رأيت فيها عجبا لا ينقضى ، وهي الآية الكريمة التى تتحدث مرة أخرى عن طلاقة القدرة الإلهية ( وضرب لنا مثلا ، ونسي خلقه :قال من يحيي العظام وهي رميم ؟ )

هنا نجد ثلاثة قضايا كبرى أولها ، التشكيك عن القدرة الربانية ، والتساؤل عن كيفية الإعادة ، وضرب المثال المادي ، وهو التفسير المادي اليوم الذى يدرس فى المعاهد والجامعات ، و يجعل نفسه أنه هو التفسير العلمي والوحيد لفهم الحياة ، أما الثانية ، أن هذا الإنسان ينسى البداية ، بل ويحاول إخفاؤها ، ويظهر الحاضر ، ويناقش المستقبل ، والأمر الثالث ، أنه ذهب إلى الواقع ليناقش المسألة حين أخذ شيئا من تاريخ عظام بالية صارت رميما ، فقا : من يحيي العظام وهي رميم ؟ ، فهذا النوع من التفكير يسمى فى العلم الحالى والفكر الحديث ( الفكر الواقعي ) ، وهو مبني على التساؤلات ، ونحن من جانبنا لا نخاف من واقعية الفكر ، ولكننا نضحك من سطحية الفكر الواقعي حين يتعامل مع قضايا كلية ببساطة وسطحية .

فى الآية التالية لها وجدت قوله تعالى : ( قل يحييها الذى أنشأها أول مرة ، وهو بكل خلق عليم ) ، وفيها أجوبة للأسئلة الخطيرة الموسومة بالواقعية ، وهي أيضا تتكون من ثلاثة أركان ، الركن الأول ، الإعتراف ضمنا ، بأن السؤال خطير وعميق ، ويحتاج إلى جواب مقنع ، وهنا نجد أن كتاب الله يخرج من الفكر السطحي ، والعقل التبسيطى لمسألة غاية فى الأهمية والخطورة ، وهي مسألة ( البعث والنشور ) ، فليست مسألة بسيطة بساطة المادة ، بل هي غابة فى التعقيد ، ومرتبطة بشيئ ما بعد المادة ، ثم جاءت الإجابة بشكل آخر ، ربط المستقبل بالتاريخ ، وربط المادة بالمعنى ، وربط الحياة بربها ، فالمسألة ليست مادة ، بل هناك إرادة مطلقة من صاحب القدرة المطلقة ، وهو الله ، ( قل يحييها الذى أنشأها أول مرة ) ، وهنا نجد أن كتاب الله تحول من الفكر السطحي إلى الفكر التأملي ، ومن الفكر الواقعي إلى الفكر ما بعد الواقعية ، ومن التساؤل عن الظاهرة إلى التساؤل عن الماهية ، أما الأمر الثالث ، ، وهو أن كتاب الله يحترم العقل ، ويحاول إقناعه بأسلوب علمي ، ولكنه مركب من جانب ، وبسيط من جانب آخر ، ذلك لأن كتاب الله معدّ لإقناع الإنسان البسيط الذى يتعامل مع مفردات الكون والحياة بعلم ، ومع الفلاسفة الذين يتعاملون مع الحياة بعقل تركيبي ( وهو بكل خلق عليم ) ، فى هذه المفردة القرآنية جواب عجيب عن ماذا يقع للإنسان بعد الموت ؟ فالإنسان يتحلل بعد الموت ، ويفنى ، ولكنه لا يخرج من الظاهرة المادية ، فهو يبقى فى الكون ، سيبقى ، ولو تحلّل مليون مرة ، هناك طلاقة القدرة الربانية التى تجمع بين العلم الشامل ، والقدرة المطلقة ، ، فهو بكل شيئ تحلّل من الظاهرة عليم ، وبذلك لن يضيع منها شيئ أبدا .

بعد هذه الآيات آية أخرى فيها عجب لا ينقضى ، ( أو ليس الذى خلق السموات والارض بقادر على أن يخلق مثلهم ، بلى ، وهو الخلّاق العليم ) ، هنا نجد مرة أخرى تأسيسًا لمسألة خطيرة وغاية فى الأهمية ، وهي مرتبطة بمسألة البعث والنشور ، ولكن مرة أخرى يحاول كتاب الله إقناع البشر بأساليب مختلفة ، وتكمن هنا المسألة فى ثلاثة أبعاد ، البعد الاول هو أن الله يخرجنا من عالم الضيق إلى عالم السعة ، من العيش فى قفص الإنسان ، والحيوان والنبات أي عالم البيئة القريبة إلى عالم الكون الفسيح ، وهذا دليل آخر ، وشكل آخر فى الإقناع ، هناك كون واسع لا حدود له ، اسمه فى الكتاب ( السموات والأرض ) ، وفى العلم الحديث ( عالم الأكوان ) ، عالم لا يعرف له نهاية ، ولا بداية ، من خلق ؟ إنه فى نظر الكتاب العزيز ، هو من خلْق الله وحده ، إذًا ، أيهما أخطر ، الإنسان ؟ او الكون ؟ أمًا الأمر الثانى فى الآية ، يكمن فى الخروج من المألوف ، ومن العيش المكرر ، فالمسألة بحاجة إلى تأمل ذاتي مستمر ، وتدبّر غير متوقف بين القراءتين ، قراءة النص الخالد ، وقراءة الكون الواسع ، والحقيقة دوما تكون بين القراءتين ، والبعد الثالث يكمن فى الوصول إلى النتيجة ، والنتيجة هنا ، أن الله يتصف بالخالقية ( وهنا جاءت الآية ما يوحى بأن الله ليس خالقا فقط، بل هو خلّاق ، لإنه خلق كونا لا حدود له كما هو فى ظننا العلمي ، ولديه علم يليق به ، لإنه ليس عالما فقط ، بل هو عليم على وزن فعيل ،إذا فالله لا يعجزه أن يعيد الحياة مرة أخرى .

إن كتاب الله كون مفتوح ، والكون كتاب مسطور ، نحن نقرأ كتاب الله المسطور فى الكون ، ونقرأ كتاب الله المفتوح فى الوحي ، ذلك لأن الكون ليس لغزا لا يفهم ، وكتاب الله ليس طلاسم لا يفتح إلا لقلة من الناس ، بل نحن نريد اجتهادا أبديا لفهم الكتابين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock