السياسةالعمل والمستجدات

خاطرة صباحية . عبد الرحمن بشير

خاطرة صباحية . عبد الرحمن بشير
……………………. …………………
عندما صليت الفجر فى هذا اليوم ، الموافق لليوم الأول من شهر مارس لعام ٢٠٢٢م ، وبدأت أقرأ بعض الأذكار التى وردت فى السنة ، والتى يستحب قراءتها فى بداية اليوم ونهايته ، ومنها أذكار وأدعية مرتبطة بالتوحيد ، وجدت ضآلتى فيها كمسلم موحّد ، ومؤمن يبحث الحقيقة دوما ، وكثيرا ما تجد فى الأذكار الصباحية والمسائيه كلمة التوحيد بشكل قوي ، هنا توقفت قليلا ، وطرحت على نفسى ماذا توحي كلمة التوحيد المكررة بشكل ملحوظ للإنسان المسلم ( لا إله إلا الله ) ؟ ولماذا صارت عنوان الإسلام وبابه ؟

فى الكلمة عبارتان ، الأولى ( لا إله ) والثانية ( إلا الله ) ، والعبارتان قويتان فى الدلالة والمضمون ، وفيهما معنى دقيق للحياة ، وليست الكلمة عبارة تقال ، بل هي عقيدة وحياة ، والحياة فى حقيقتها موقف ، والموقف دوما ينطلق من رؤية وتصور ، ولا ينطلق من فراغ إلا عند الذين لا يؤمنون شيئا ، وهم غالبية البشر ، ولهذا أكد القرآن أن ( أكثر الناس لا يؤمنون ) ، لأنهم ( لا يعلمون ) حقيقة التوحيد .

التوحيد حقيقة كبرى فى الحياة ، وليس كلمات تحفظ بدون علم وفهم ، والتوحيد هو البداية ، ولكنه كذلك هو النهاية ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله ، دخل الجنة ) ، ومن المستحب أن يؤذن فى أذن الطفل ليسمع فى مقتبل عمره كلمة التوحيد ، ويعيش بين البداية والنهاية بمقتضاه ، فالإسلام يبدأ من باب العقيدة ، وليس من باب الفروع فقط .

فى هذا الزمن المادي ، نجد مشروع الإلحاد ينتشر بقوة فى أرجاء الكون ، والسبب هو أن البشرية بدأت تفر من الله ، ولكنها لا تدرى أنها تفر من إنسانيتها ، ومن ذاتها ، فالإنسان بدون العقيدة مجرد رقم ، ولهذا نجد أن كلمة التوحيد تحمل فى مضمونها ( الرفض والقبول ) فى آن واحد .

المسلم يرفض أن يكون عبدا لغير الله ، فهو لا يعبد ذاته ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) ، ويرفض أن يعبد الشيطان ( ألم أعهد إليكم يا بنى آدم أن لا تعبدوا الشيطان ) ، ولا يقبل بحال من الأحوال أن يعبد المادة ( تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ) ، ولا يستسلم لعبودية الأشياء ( تعس عبد الخميصة ، وتعس عبد الخميلة ) ، فهو يرفض كل العبوديات لغير الله ، وكل الأصنام ، سواء كانت تلك الأصنام آلهة من الأحجار والأخشاب تعبد من دون الله ، أو بشرا يطاعون ، ويأخذون دور ( الله ) فى حياة البشر ، فهذه هي قمة الحرية ، فالحرية فى التصور الإسلامي الرفض وعدم الإستسلام لغير الله ، فلا عبودية لغير الله ، ولكن هذه الحرية لا تكتمل سوى قبول العبودية التامة لله ، والإستسلام لله الذى خلق وأمر ( ألا له الخلق والأمر ، تبارك الله رب العالمين ) .

إن كلمة التوحيد تحمل فى داخلها معنى كبيرا ( الحرية والإلتزام ) فالحر وحده هو الذى يأخذ قراره بيده ، لأن الحياة قرار ، ويدخل العقود كما يشاء ، فالإسلام عقد بين العبد وربه ، ولكن متى يدخل المسلم هذا العقد ؟ يدخل حين يتحرر من فكرة ( الطاغوت ) ، والطاغوت يعنى تجاوز الحد ، وكل من يريد أن يأخذ حق الله فى حياته فهو طاغية ، ومن يقبل هذا ، فهو خارج عن العقد ، ولأجل أن يجد الإنسان قوّته فى أخذ القرار الصحيح فى الحياة فلا بد له من حرية تمنحه لذلك ، ومن هنا كانت بداية كلمة التوحيد ( الرفض ) لا إله ، ولكن هذا الرفض لا يعنى لأجل الرفض فقط ، بل هو رفض هادف ، نحن نرفض لأجل هدف ، والهدف هو الله ، أي لا نعبد إلا الله ، وهذا هو معنى قولنا ( لا إله إلا الله ) ولهذا نحن نكرر بشكل مستمر بعد كل صلاة مكتوبة ( لا إلا إلا الله وحده لا شريك له ، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ، ولو كره الكافرون ) .

لا يلتزم المسلم البرنامج الرباني بدون عقيدة ، والعقيدة هي التى تصوّبه بشكل مستمر ، ومن هنا كانت تلك الأذكار والأدعية والمأثورات التى من المستحب قراءاتها ، لأنها ترسخ تلك المفاهيم ( الحرية والإلتزام ) فى آن واحد .

الحرية لأجل الحرية فوضى وعبث ، والإلتزام بدون الحرية عبودية وقهر ، ومن العجب أننا نجد جمال الإسلام فى التوحيد ، والتوحيد ليس كما نتعلمه اليوم متونا تحفظ فقط ، بل هو آيات تتلى من كتاب الله ، وأحاديث تخلق فى داخل المسلم عظمة الله أولا ، وتحمله بعد ذلك إلى الإستسلام لله الخالق المستحق للعبادة وحده .

المسلم يعبد الله ، لأنه اختار هذا الطريق ، والله شرع له منهج العبادة من خلال رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام ، فالرسول عليه الصلاة والسلام هو وحده صاحب العصمة ، وهو المشرع باسم الله ، ولهذا نقول بعد كلمة التوحيد ( نشهد أن محمدا رسول الله ) ، فهذه الشهادة لها معنى دقيق ، فلا نعبد الله إلا بما شرع ، لاننا قررنا من خلال الإلتزام ،أن الله وحده هو المستحق للعبادة، وأن منهجه وشريعته على لسان رسوله ، يجب علينا اتباع ذلك ، ومن هنا يكون قولنا فى الأذكار مقبولا ( رصيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا ) .

هذه الخاطرة عاشت معي اليوم فى هذا الفجر ، وفى هذا اليوم الجديد ، وفى هذه اللحظة المأزومة من تاريخ البشرية، وشكرا لكم متابعي الصفحة من كل مكان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock