الرياضةالسياسةالعمل والمستجدات

الرياضة المُسَيَّسة

الرياضة المُسَيَّسة

أريد أن أشارك الجمهور القارئ باللغة العربية بعضا من انطباعاتي بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من نهاية مباراة الفيصل الأخيرة بين منتخَب السنغال ونظيره المصري. ولعل سائر انطباعاتي عن حيثيات المباراة سلبي ومن المحتمل أن يثير استياء الكثير من المتابعين. ولكن قبل أن عرض النقد اسمحوا لي أن أستنكر وأدين بشدَّةٍ، وبكل ما أوتيتُ من قوتي، ،:
1. صيحات الاستهجان أثناء إذاعة النشيد الوطني أو عند ذكر اسم لاعب معين أو شتمه ؛
2. تسليط أقلام الليزر على وجوه اللاعبين في المباراتين. فهذا التصرف خطر على الحاسة البصرية الحساسة ؛
3. الإجرام الإعلامي في حق جمهور الشباب البريء “مجانين للكرة”، فالإعلام هو سبب احتقان الجماهير؛ بشحنه مشجعي كل طرف ضد الخصم. خذوا مثلا التحامل على الحكم من وسائل الإعلام في مباراتي الذهاب والعودة معاً ؛
4. إجادة كل من الطرفين لعب دور الضحية، واستغلال كافة السبل بغض النظر عن شرعيتها : “الغاية تبرِّر الوسيلة” ؛
5. التعميم المجحف، بنعت جنسية معينة كاملة بنعوت سيئة وبأوصاف قبيحةٍ؛ بناء على تصرفات أفراد منها ؛
6. غياب الرقابة عن وسائل التواصل الاجتماعي، فقد توقعتُ احتقان الجماهير السنغالية بعد مشاهدتي مقاطع الفيديو المتداولة، والتي تظهر شَتْمَ حفنةٍ من المشجعين المصريين للنجم ساديو مانيه في ملعب القاهرة الدولي أو تسليطَ بعض المشجعين المصريين أضواء أقلام الليزر في وجهه، وقراءتي ما صاحبها من تعليقات مستحثة موثِّبة ؛
7. تغافل سلطات الأمن السنغالية ومسؤولي الاتحاد عن مهزلة أقلام الليزر، فكلنا كان يعلم باستعداد الهوليغنز (المتطرفين) لاقتنائها. والاحتجاج بإقامة المباراة في وضح النهار مردود.

أعترف أن مشجعي الفريق السنغالي بيَّتوا لرد المعاملة بالمثل وأكثر، بل همْ أخذوا مفهوم المخالفة للآية القرآنية : “للذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ” ففهموا أن (للذين أساؤوا السوأى وزيادةٌ)، من باب “الانتقام” و”الثأر” (باختصار : القاموس العسكري). وهذه سابقة خطيرة سوف يذوقون وبالها لأعوام طوالٍ ما لم يتدخل الاتحادُ الدولي فيرتِّب عقوبات صارمةً على مثل هذه المخالفات.

وفي الحقيقة، فإني أعتبر جماهير الفريقين هي الضحية في هذه القصَّة، فقد قدِّمت إليها المباراة على أنها حربٌ، ولعلَّ أقرب مثال لي هو تصريحات الدكتور أشرف صبحي وزير الرياضة المصري عقب خسارة المنتخب المصري في المباراة النهائية لكأس أمم أفريقيا، فقد استخدم سيادته قاموسا عسكريا لا يناسب هذا الجو. والشيء بالشيء يُذكرُ ؛ اعتمد قبله غويتا الرئيس الانتقالي لجمهورية مالي نفس الموقف مع فريق بلاده أثناء الأهبة لخوض مباريات كأس أمم أفريقيا.
والسبب واضحٌ جدا، لأن الدول (وبالمناسبة ؛ الدول ليست الشعوب) المتخلفة تضع كلَّ ثقلها على الرياضة والفن ؛ تغطية لعجزها، وتنويما لشعبها عن القضايا الهامة، مثل توظيف العاطلين عن العمل، والأمن وتوفير الصحة وجودة التعليم، وضمان الحريات المدنية، ولو لفترةٍ قصيرةٍ ريثما تجد مسألة أخرى تافهةً تُشغل بها بال الشعب الكادح. ولن تجد مجالا جاذبا لملايين الشباب أجدى من الرياضة عموما، وكرة القدم خصوصا. وقد استفزني تصريحات الإعلام السنغالي التي اعتبرت عقب الفوز بكأس الأمم الأفريقية، وبكل بجاحة، أن كرة القدم فقط، هي ما يجمع السنغاليين كلهم.
لحق :
أحاول أن أكون موضوعيا فيما يخص السياسة السنغالية، وأعترف بالمشروعات البنيوية التي أنجزها الحكومة الحالية منذ 2012م، في إطار “مشروع سنغال ناهضة”، ولكن :
يا أنصار فخامةَ الرئيس ماكي صالّْ ناجوا صاحبكم وفهِّموه الأمورَ، فالرجل بحقٍّ نائمٌ، فإنِّي وإن كنتُ لا أدري ما إذا كانت الكلمة الأولى من اسمه “الأسد النائمُ” تصدق عليه، أعتقدُ أن الأخيرة تدلُّ عليه “دلالةَ مُطابقة”. والشواهدُ كثيرة :
– الرجل وزع مكافآتٍ مالياتٍ سخياتٍ (بالجمع المؤنث السالم ؛ للدلالة على الكثرة !) لكافة أفراد البعثة التي شاركت في كأس أمم أفريقيا، أكثرَ من تسعين ألف (90000) دولار لكل فردٍ، فضلا عن عقارٍ لكل لاعب. ويقال إن عدد أفراد البعثة قاربت الخمسين؛
– الرجل خرج البارحة عقب انتهاء المباراة (اللقطة في مكان عام كما تبدو) في تصريح له يهنِّئ فيه منتخب بلاده بمناسبة فوزه على الفريق “الجزائري القوي” ! ألم يُذاكر دروسه قبل الامتحان ؟
– ربما يحلم، وهو في نومه، أن البنى التحتية وشبكةَ المواصلاتِ المُنجزَةَ كفيلة له بالفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة (2024).
وفي الختام، أقول كما قلتُ في منشور لي منذ يومين : “الحمد لله أن الشاتمِين من الجمهورين المصريَّ والسنغاليَّ لا يمثلون شعبيْهم ولا دولتَيهم” !
مع تحياتي !

سرج امباكى محمد لوح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock