Uncategorizedالسياسةالعمل والمستجدات

أحكام الأضحية في الإسلام:

أحكام الأضحية في الإسلام:

إنَّ الأضحية شعيرةٌ من شعائر الله تعالى يجبُ تعظيمها كما قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}. وهي سنة من سنن الرسول – صلى الله عليه وسلم – التي ينبغي أن نلتزم بها، والعمل بإحيائِها.

1- تعريف الأضحية:

الأضحية – بضم الهمزة، وكسرها، مع تخفيف الياء والجمع أضاحي بتشديد الياء – وهي اسم لما يذبح أو ينحر من النعم تقربا إلى الله في أيام النحر، سواء كان المكلف بها قائما بأعمال الحج أولا، باتفاق المذاهب الثلاثة، وخالف المالكية، فقالوا: إنها لا تطلب من الحاج.

وسميت بذلك لأنها تذبح يوم الأضحى وقت الضحى، وسمي يوم الأضحى من أجل الصلاة فيه في ذلك الوقت عند ارتفاع النهار يوم العاشر من ذي الحجة. وكونها خالصا لوجه الله من توحيد عبادة الله، كما أن الذبح لغير الله من أنواع الشرك لقوله تعالى في التنزيل العزيز: ((قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)) وفي هذا المعنى قال الشيخ الخديم – رضي الله عنه – في قصيدة مقيدة بـ(إن وليي الله):
يا بَرُّ يا رقيبُ يا حسيبُ = يَا عَدلُ يا جليلُ يا مجيبُ
أنت وليِي هُنا ثم غَدا = فأنت مأمُولي وكن لي سَرمدا
لك صلاتي أبدا ونُسكِي = لك حَياتي ومماتِي مَلكي
لك فؤادي ولساني يا جَليلُ = لك أمامي ووَرائِي يَا جميلُ

على المسلم أن يعرف أنَّ موافقة السنة شرط أساسيّ وضروري لقبول العبادة لكنها لا تغني عن النية الخالصة بعيدا عن كل أشكال التفاخر والرياء. فحين تحدث القرآن عن الهدي والأضاحي ختم حديثه بقول الحق تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ. كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ، وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 37].

لكن مما يؤسف له أن كثيرا من الناس حولوا التضحية عادة فحمّلوا أنفسهم ما لا طاقة لهم به. ونخاف أن يكون ما ينفقه البعض في الأضاحي حسرة عليهم يوم القيامة، والعياذ بالله كما قال الأستاذ سرين شيخنا امباكي عبد الودود في خُطبهِ.

2- حكم الأضحية في الإسلام:

فهو السنية، فالأضحية سنة مؤكدة يثاب فاعلها، ولا يعاقب تاركها، وهذا القدر متفق عليه في الحقيقة، ورخص مالك للحاج في تركها بمنى لأن سنته الهدي وأما الشافعي فلم يفرق بين الحاج وغيره، ولكن الحنفية قالوا: إنها سنة عين مؤكدة لا يعذب تاركها بالنار، ولكن يحرم من شفاعة النبي – صلى الله عليه وسلم -، ويعبرون عن ذلك بالواجب، فالضحية عندهم واجبة على المقيمين في الأمصار الموسرين، ولا تجب على المسافرين، وخالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد، فقالا: ليست بواجبة، وهي واجب على النبي عليه الصلاة والسلام وسنة علينا لقوله: ((أمرتُ بالنَّحر وهُو لكم سنة)) عن ابن عباس مرفوعا.

وقال الشافعية: إنها سنة عين للمنفرد لا لأهل البيت الواحد، كما هو موضح في مذهبهم وسنة كفاية لأهل بيت واحد أو بيوت متعددة تلزم نفقتهم شخصا واحدا، بمعنى أنه إذا فعلها من تلزمه نفقتهم سقط الطلب عنهم، فلا ينافي أنها تسن لكل منهم [2].

3- دليل الأضحية:

شرعت في السنة الثانية عن الهجرة كالعيدين، وزكاة المال، وزكاة الفطر، وثبتت مشروعيتها بالكتاب، والسنة، والإجماع، قال تعالى: ((إنا أعْطيناك الكَوثر فَصل لربِّك وانْحر))، وروى مسلم عن أنس – رضي الله عنه – قال: “ضحي النبي – صلى الله عليه وسلم – بكبشين أملحَين أقرنين ذبَحهما بيده، وسمى وكبر ووضع رجله عَلى صفاحهما)).

الأملحُ: الأبيضُ الخالصُ، وقيل: الذي بياضه أكثر من سَواده، والأقرن : الذي له قرنان معتدلان، وغير ذلك من الأحاديث، وأجمع المسلمون على مشروعيتها.

4- حكمة مشروعيتها:

من أهمّها شُكر الله على وافر نعمه، وجميل إحسانه، ومراعاة الغني للفقير في هذه الأيام المعلومات المباركة، وفيها إحياء لسنة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وتحمل في طياتها حكما عديدة لايسع المقام بذكرها نكتفي بهذا القدر.

وسنواصل الأحكام المتعلقة بالأضحية اعتمادا من بطون كتب الفقهاء الأجلاء الراسخين في فن الفقه كالدكتور محمد بكر إسماعيل مؤلف الفقه الواضح على المذاهب الأربعة، وابن رشد المالكي صاحب بداية المجتهد ونهاية المقتصد، والفقه على المذاهب الأربعة للإمام عبد الرحمان الجزيري.

5- شروط الأضحية في الإسلام:

تنقسم شروط الأضحية إلى قسمين : شروط سنيتها، وشروط صحتها، فأما شروط سنيتها، فمنها القدرة عليها، فلا تسن للعاجز عنها، وفي حد القدرة تفصيل المذاهب.

الحنفية قالوا: القادر عليها هو الذي يملك مائتي درهم، وقد تقدم بيانها في الزكاة أو يملك عرضا يساوي مائة درهم يزيد عن مسكنه، وثياب اللبس والمتاع الذي يحتاجه، وإذا كان له عقار يستغله تلزمه الأضحية إذا دخل منه قوت عامه، وزاد معه النصاب المذكور، وقيل: تلزمه إذا دخل له منه قوت شهر، وإن كان العقار وقفا تلزمه الأضحية إن دخل له منه قيمة النصاب وقتها.

الحنابلة: قالوا: القادر عليها هو الذي يمكنه الحصول على ثمنها، ولو بالدين إذا كان يقدر على وفاء دينه.

المالكية: قالوا: القادر عليها الذي لا يحتاج إلى ثمنها لأمر ضروري في عامه، فإذا احتاج إلى ثمنها في عامه فلا تسن، وإذا استطاع أن يستدين استدان، وقيل لا يستدان.

الشافعية قالوا: القادر عليها هو الذي يملك ثمنها زائدا عن حاجته وحاجة من يعول يوم العيد، وأيام التشريق، ومن الحاجة ماجرت به العادة من كعك وسمك وفطير ونقل ونحو ذلك.

الحنفية قالوا: زادوا في الشروط أن يكون مقيما، فلا تجب على المسافر ، وإن تطوع بها أجزأته، وإذا اشترى ليضحى بها ثم سافر قبل حلول وقتها فإنه يبيعها، ولا تجب عليه، وكذا لو سافر بعد دخول الوقت قبل أن يذبح، فإن الأضحية لا تجب عليه، وتجب على الحاج إن لم يكن مسافرا بأن كان من أهل مكة ، ومنها الحرية فلا تسن للعبد، وزاد المالكية في شروط سنيتها أن لا يكون حاجا ، ولو كان من أهل مكة، كما تقدم، أما المسافر لغير الحج فتسن له، أما البلوغ فليس شرطا لسنيتها، فتسن للصبي القادر عليها، ويضحي عنه وليه، ولو كان الصبي يتيما عند المالكية، والحنابلة، أما الحنفية والشافعية فمذهبهما ما يلي بالتفصيل الحنفية قالوا: البلوغ ليس شرطا لوجوبها، فتجب على الصبي عندهما، ويضحي وليه من مال الصبي إن له مال، فلا يضحي الأب عن ولده الصغير. وعند محمد شرط، فلا تجب الأضحية في مال الصبي، وهل تجب على الأب أولا ؟ قولان مصححان، ومثل الصغير المجنون. الشافعية قالوا: لاتسن للصغير، فالبلوغ شرط لسنيتها، وكذلك العقل.

ما يجزئ منها:

تكون الأضحية من الضأن أو المعز أو البقر أو الإبل سالمةً من العيوب الظاهرة لنهي النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – عن التضحية بالعرجاء والعجفاء والعوراء والمريضة (الترمذي 1417، من حديث البراء، وقال: “حسن صحيح”). وقد ثبت في السنة أن الأضحية الواحدة تكفي أهل البيت الواحد لقول أبي أيوب الأنصاري – رضي الله عنه -: “كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ، حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ كَمَا تَرَى” [الترمذي 1425، وقال: “حسن صحيح”].

وقال عبد الرحمان شهاب الدين البغداديّ: “الأُضْحِيَةُ سُنَّةٌ وَهِيَ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ جَذَعُ الضَّأْنِ وَثَنِيُّ غَيْرِهَا، وَأَفْضَلُهَا الْغَنَمُ وَالذَّكَرُ، فَجَذَعُ الضَّأْنِ مَالَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِداً، وَثَنِيٍّ الْمَعِزِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْبَقَرِ فِي الثَّالِثَةِ، وَالإِبِلِ فِي السَّادِسَةِ، وَوَقْتُهَا الْمَعْلُومُ يَوْمُ النَّحْرِ بَعْدَ صَلاَةِ الإِمَامِ وَذَبْحِهِ، وَثَانِيةِ وَثَالِثِهِ لاَ لَيْلاً يُجْتَنَبُ فِيهَا الْعُيُوبُ الْفَاحِشَةُ كَالْعَمَى وَالْعَوَرِ وَالْمَرَضِ وَالْعَجَفِ وَالْعَرَجِ وَقَطْعِ أَكْثَر الأُذُنِ وَكَسْرِ الْقَرْنِ إِنْ كَانَ يَدْمِي”. [يُنظر: كتاب “إرْشَادُ السَّالِك إلىَ أَشرَفِ المَسَالِكِ فِي فقهِ الإمَامِ مَالِك” تأليف الإمام عبد الرحمان شهاب الدين البغدادي (فصل في الأضحية والعقيقة)]

ويُمكن القول لا يصحّ في الأضاحي شيء من الحيواناتِ الوحشية كالغزال والطيور كالديك في المذهب المالكي.

وقتُ الذبحِ:

إن الوقت الذي تُذكّى فيه الأضحية هو نهار يوم عيد الأضحى بعد الصلاة. ومن ضحّى قبل ذلك فلا أضحية له، لقوله – صلى الله عليه وآله وسلم -: “إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ. فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ”. [البخاري 912، من حديث البراء].

ومن لم يجد أضحية يوم العيد ووجدها في اليومين التاليين أجزأته. وذلك ما نفهمه من قول ابن عمر – رضي الله عنهما – : “الْأَضْحَى يَوْمَانِ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى”. [الموطأ 923].

وقال الشيخ عبد الرّحمان شهاب الدين البغدادي المالكي: “وَلاَ يَجُوزُ الاِشْتِرَاكُ فِيهَا بِخِلاَفِ رَبِّ الْمَنْزِلِ يُضَحِّي عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِهِ وَاحِدَةً غَيْر مُشْتَرِكِينَ فِي ثَمَنِهَا وَيُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ ذَبْحِهَا”. [يُنظر: كتاب “إرْشَادُ السَّالِك إلىَ أَشرَفِ المَسَالِكِ فِي فقهِ الإمَامِ مَالِك” تأليف الإمام عبد الرحمان شهاب الدين البغدادي (فصل في الأضحية والعقيقة)]

لحم الأضحية:

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: ((كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا)). [موطأ للإمام مالك رقم «1036»]

قال الشيخُ عبد الرَّحمان شِهاب الدين البَغدادي المالكي: “وَيَأْكُلُ وَيَتَصَدَّقُ بِغَيْرِ حَدٍّ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلاَ يَسْتَأْجِرُ بِهِ جَزَّراً وَلاَ دَبَّاغًا”. [يُنظر: كتاب “إرْشَادُ السَّالِك إلىَ أَشرَفِ المَسَالِكِ فِي فقهِ الإمَامِ مَالِك” تأليف الإمام عبد الرحمان شهاب الدين البغدادي المالكيّ (فصل في الأضحية والعقيقة)]

وقال الشيخ الخديم – رضي الله عنه وأرضاه – في منظومتهِ “نَهْج الْحَقِيقَةِ فِي هَتْكِ سِتْرِ الْعَقِيقَةِ” التي بيّن فيها المسائل المتعلقة بالعقيقة:
وجمعُ إطعام وأكلٍ صَدَقَهْ = مثل ضحيَّة روَتْه صَدَقَهْ
فمن يكن مقتصرا عن الجميعْ = فعِندَنا خلافُ مندوب الشفيعْ

وقال في الشرح: ومعنى الأبيات أنه يُستحبُّ له أن يأكل ويُطْعِم منها أهلَ البيت والجيران. وقال الفاكهاني: «والإطعام فيها كَهُوَ في الأضحية، أيْ ولا حَدَّ للإطعام فيها بلْ يأكل منها ومن الضحية ما شاء، ويتصدّق بما شاء، ويطعم ماشاء، فالجمع بين الثلاثة مستحب، وإن اقتصَر على واحد أو اثنيْن خالَفَ المستحب».

والإطعام يكون منه طريّا ومطبوخا، وكذا الصدقةُ. وأنها يُكْرَه عَمَلُها كلها أو بعضها وليمةً؛ لمخالفة السلف وخوف المباهاة والتفاخر، بل يُطْبَخ ويأكل منها أهلُ البيت والجيرانُ والغنيُّ والفقيرُ، ولا بأس بالإطعامِ من لحمها نيئا، ولا بالإدخارِ منها كالأضحيّة.

جمع وترتيب الأخ سرين امباكي جوب خضر الطوباوي السنغالي.

الهوامشُ:

1- يراجع (الفواكه الدواني)، شرح رسالة ابن أبي زيد، و (الفقه على المذاهب الأربعة).

2- يراجع (كتاب الفقه على المذاهب الأربعة)، عبد الرحمان الجزيري المجلد الأول ص: 574 وما بعدها. و(بداية المجتهد ونهاية المقتصد) لابن رشد المالكي الجزء الأول بتصرف قليل.

3- يراجع (الفقه على المذاهب الأربعة) و( بداية المجتهد ونهاية المقتصد).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock