السياسةالعمل والمستجدات

الدكتور عدنان إبراهيم بين النقد والقدح .عبد الرحمن بشير

الدكتور عدنان إبراهيم بين النقد والقدح .عبد الرحمن بشير
……………………………………………………………………………
يعتبر الدكتور عدنان إبراهيم من المفكرين الكبار ، ومن المتحدثين عن الإسلام والواقع معا ، ومن الناقدين الأساسيين فى تاريخ الفكر الإسلامي ، وتاريخ الفكر البشري ، والرجل موسوعي بلا شك ، وقارئ نهم بلا ريب ، وله أسلوب خاص فى الطرح والتناول ، وقد لمع نجمه قبل عقدين ، وكان من وراء ذلك خطبه الأسبوعية ، ومنبره فى النمسا حيث يتناول موضوعات قوية جدا ، ويشرح قضايا معقدة فى المسجد ، ولكن بأسلوب متميز حيث يحاول أن يجمع فى خطابه بين قوة العاطفة ، وقوة الطرح والحجة ، ومن أهم ما تميز به المفكر الخطيب الدكتور عدنان إبراهيم رؤيته الفلسفية ، ومناقشاته العميقة فى مسألة ( الوجود ) ، ومواجهته للفكر الإلحادي بشكل غير مسبوق .

ناقش سابقا الفكر السلفي ، وخاصمه بشكل عنيف ، وردّ عليه بهجمات صاروخية غير عادية ، وعادى كل ما هو سلفي ، ولكنه بعد زمن غير قصير عاد من هذه الخصومة ، ومدح الشيخ ابن باز والعثيمين رحمهما الله ، وأعطى السعودية الجديدة صكوكا ، وجعلها دولة عظيمة تدخل التاريخ من خلال مشاريع الترفيه ، ومن هنا انتهت الخصومة بينه وبين السعودية كدولة ، وبينه وبين الفكر السلفي كفقه وعقيدة .

ناقش كذلك فى وقت سابق الرموز الدينية فى تاريخ الأمة المسلمة ، ووجّه مدافعه الثقيلة على الصحابي الجليل ( معاوية بن أبي سفيان ) رضي الله عنه ، وعلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وعلى الصحابي الجليل ، أبى هريرة رضي الله عنه راوي الأحاديث الكثيرة عن رسول الإسلام ، ونبي الأمة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ، فأعلن الحرب على هؤلاء ، وفى مقال قديم كتبت عنه ، ذكرت بأن عدنان إبراهيم شخصية مهمة ، ومفكر قدير ، ومن العيب أن يتناول الرموز الدينية بهذا الأسلوب ، ولست وحدى من فعل ذلك ، بل كان الشيخ سلمان العودة الذى زاره فى بيته ، وجلس معه ، ورأى أن الرجل لديه عبقرية فى مجال عديدة ، ولكنه نصحه بترك التناول السلبي للصحابة ، وخاصة لمعاوية ، مؤسس الدولة الأموية ، وعائشة مؤسسة فقه نقد الحديث بالقرآن ، وأبو هريرة ، صاحب رسول الله ، والراوى عنه ، وكذلك فعل المفكر القدير ، والمدرب العالمي الدكتور طارق السويدان ، والأستاذ المقرئ الإدريسي ، المفكر المغربي .

فى وقت سابق ، كان مع الشيعة ، ورأى أن الفقه الشيعي مبني على منطق معقول ، وأنه ليس بالإمكان تجاوز مدرسة الشيعة بالفكر السلفي الحاد ، بل ورأى أن عليا رضي الله عنه مظلوم من مدرسة أهل السنة ، وخاصة من مدرسة ابن تيمية رحمه الله ، وظن كثير من أهل السنة أنه من الشيعة ، ولكنه يستخدم التقية ، وهكذا بقي زمنا غير قصير .

لقد مرّ الدكتور عدنا إبراهيم كل هذه المحطات ، وخطب ، وحاضر ، وكتب ، وناقش ، ولكن كيف كان ينظر حينئذ إلى المفكر الإسلامي سيد قطب رحمه الله ومشروعه ( فى الظلال ) ؟ وكيف كان ينظر إلى الفقيه الإسلامي يوسف القرضاوي ومشروعه ( الوسطية والتجديد ) ؟

استمعت فى وقت سابق إلى خطبة له حول سيد قطب رحمه الله ، فأشار أنه من أعظم المفكرين ، ومن أهم رجالات التاريخ ، وأنه رجل قام لله ، واستشهد فى سبيل الله ، وأن مصر لم تلد مثله فى العصر الحديث ، ولكنه بعد عقد أو أكثر بقليل ، رأيت الرجل وهو يتناول سيد قطب رحمه الله ، ويجعله الصندوق الأسود للحركات الهدامة ، والأب الروحي لحركات التفجير والخراب ، بل وجعل سيد قطب بلا عقل ، لأنه أخذ وحمل الفكر من السيد أبى الأعلى المودودي رحمه الله ، ذلك الرجل الأعجمي الذى كتب كتبا كله ضد الدولة الحديثة ، وهكذا فكر الرجل وقدر ، وذهب فى حق الرجل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، ولم يخبرنا كعادة بعض الناس ، لماذا انتقل من اليمين إلى اليسار ؟ ما العيب الذى ظهر له ؟ وما العيب الذى ظهر سابقا فى السعودية ، وفى الفكر السلفي ، وما الجديد الذى حصل له بعدئذ ؟

فى خطبة سابقة له حول الظاهرة( القرضاوية ) الفقهية والتجديدية، ذكر فيها بأن القرضاوى علامة الزمن ، وفقيه العصر ، ومجدد الفقه بلا منازع ، وذكر ما هو معروف فى الشيخ عند أغلب العلماء فى هذا الزمن ، ولكنى وجدته يتكلم بلا حياء عن الشيخ بعد وفاته ، ويكذب عليه بلا أدلة ، ويناقش أفكار الشيخ بلا اعتدال ، وفقد الرجل الميزان ، فالرجل يمدح ويسب ، ولكن بلا ميزان ، ويرفع من يشاء ، ويخفض من يشاء ، ولكن بلا دليل ، يتكلم فى قضايا معقدة ، ولكن بتسرّع ، كل ذلك يجعلنى أسأل ، ماذا يريد الشيخ عدنان إبراهيم ؟ ولماذا هذا التناقض الصريح فى كلامه ؟

فى بداية الربيع العربي ، طار إلى السماء ، وفرح مع الجماهير العربية المتعطشة للحرية ، وخطب خطبا كلها مع الربيع ، ومع الثورات ، وأن هذه الأمة عادت من جديد من خلال ميادين الحرية والثورة ، ولكنه بعد زمن ليس بالقصير ، نزل على الثورات ، وساند الثورات المضادة ، وكأنه ليس هو الذى ساندها ، وصنع لها فقها يشبه فقه كتاب الشيخ سلمان العودة ( أسئلة الثورة ) ، أو كتاب ( فقه الثورة ) للريسوني ، فكان يرى بأن الربيع العربي نتيجة ظلمات داخلية ، وقهر حكام واستبداد ، وفرح بذهاب الأصنام البشرية ، ولكنى وجدته ينزل على البسطاء الذين قاموا ضد الظلم ، فجعلهم دمى للغرب ، ومشاريع خارجية ، وحينها فهمت بأن الرجل لم يجلس بعد فى ميدان السياسة فى عتبات مرحلة الدراسة الإبتدائية .

مرحلتان ، ومنهجان ، ورؤيتان :
………………………………………
يمكن أن نتحدث عن مرحلتين مرّ بهما المفكر الدكتور عدنان إبراهيم ، ومن خلال هاتين المرحلتين نتج منهما منهجين فى التعامل مع الواقع ، وينطلق الرجل للشرح والتفسير والتأويل من رؤيتين ، ولهذا يجب علينا للإنصاف أن نقول ما يلى :

أولا : إن الدكتور عدنان إبراهيم مفكر قدير ، وفيلسوف كبير ، وعقل جبار ، وهذا لا يرفضه إلا من يكابر ، أو لا يرى الحقائق كما هي .

ثانيا : لديه قراءات واسعة ، ومدارسة قوية لعالم الأفكار ، وخاصة فى الفكر الغربي ، وعنده حجة قوية فى دحض الشبهات ، وخاصة فيما يتعلق بعالم الفكر الفلسفي والإلحادي .

ثالثا : يمتلك الرجل لغة قوية ، وأسلوبا علميًا رشيقا ، وعنده ذاكرة قوية ، بل ويملك قوة الاستدعاء ، ولهذا تجد المعلومات تتصارع فى عقله ، فيكون حيرانا ماذا يأخذ ؟ وماذا يترك ؟

إن الرجل عليه ملاحظات قوية ودقيقة ، ومن هذه الملاحظات :
أولا : استخدام أسلوب ( التضخيم ) لكل ما هو يريد تسويقه ، والتهوين لكل ما هو يريد دحضه ، وهذا ليس أسلوبا علميا ، فهو مثلا يقول حين يريد مدح إنسان يصفه ( بالعقل الجبار ) ، أو ( المفكر الإستثنائي ) ، ولكنه يصف الإنسان ذاته فى وقت لاحق بأنه ( حقير ) أو ( تائه ) أو ( معتوه ) وهذه الألفاظ ليست علمية ، وليست كذلك لائقة بمفكر قدير مثله .

ثانيا : التذبذب فى المواقف ، وعدم الثبات فى المبادئ ، فمن حق الرجل أن يتطور ، وأن يناقش المسائل بروح رياضية وعلمية ، ولكن ليس من حقه أن يتلاعب بعقول الناس ، فالناس ليسوا بلا أدمغة ، ولم يفقدوا بعد الذاكرة ، ولهذا يجب عليه احترام العقول .

ثالثا : الإطلاق فى الأحكام ، سئل مرة أفضل دولة فى الشرق الأوسط من حيث حقوق الإنسان ، فأجاب بلا تردد ( الإمارات ) ، وسئل مرة أخرى عن السعودية ما بعد الصحوة ، فأجاب أنها على الخط الصحيح ، لأنها أنشأت ( هيئة الترفيه ) بدل ( هيئة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ) ، وتكلم عن حسن البنا والدولة القطرية ، فذكر بلا تردد أنه كان ضد الدولة ، بل ضد الوطنية ، ومن سخريات الرجل ، أنه لا يعرف ، أو يعرف ، ولكنه يتجاهل أن حسن البنا تحدث عن أنواع من الوطنية منها وطنية الحنين ، ووطنية الحرية والعزة ، ووطنية المجتمع ، ووطنية القومية ، ووطنية الحزبية ، وتحدث عن واقع ومثال ، عن عالم صُنع فى مؤتمر سايكس بيكو ، وعن وطن يبحث عن وحدة ممكنة ، والرجل انتقد الفكر السلفي كله فى لحظة ما ، وتراجع عن ذلك كله فى لحظة تالية ، فهذا النوع من الاطلاق فى الأحكام ليس من الفقه الرشيد ، ويمكن أن نرى منهجيته عدم الترابط والتماسك .

رابعا : التعميم ، وعدم التوازن فى المدح والقدح ، فالرجل نزل قديما على الصحابي الجليل أبى هريرة رضي الله عنه ، ولم يدرس ظاهرة ( الرواية ) كمنهج بل فتح باب جهنم للشباب الصغار الذي حسبوا كلامه علما لا يردّ ، فردّوا أحاديث صحيحة بلا منهجية علمية ، وهكذا فعل مع الصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه ، فجعله خارجا من دائرة الصحبة ، ونحن لا نرى أن معاوية لم يخطئ ، ولكننا نرى أنه أخطأ سياسيا ، وأصاب سياسيا ، ونجح فى تكوين دولة قوية لها شأنها فى التاريخ ، وأسقط تجربة راشدة كانت لها شأن فى حياة البشر ، ولكن الحساب عند رب العالمين ، ونحن ندرس التاريخ للعبرة لا للتشفّي .

أما بعد :
………
لقد عاش الرجل فى مرحلتين ، مرحلة ما قبل الربيع العربي ، ومرحلة ما بعد الربيع العربي ، فقد كان الرجل مع الأمة فى المرحلة الماضية ، وحمل همومها ، ولكن مع دخن فكري وسياسي ، وبعد تعثر الربيع العربي ، والنجاح النسبي للثورات المضادة ، تحوّل الرجل من اليسار إلى اليمين ، ومن طرف الأمة إلى طرف الحكام ، ومنحت له حينا فرصة الظهور فى قناة ( الخليج ) ، فتكلم هناك ليهدم مرحلته السابقة ، وتم استخدامه بشكل غير علمي ، ولهذا لا يملك الرجل حريته بعد هذه المرحلة .

إن التعامل مع الدول والأنظمة يحتاج إلى فقه وفن ، كما يتطلب إلى علم وموقف ، وليس من الشجاعة أن تقول الرأي وضده فى المكان الواحد ، ولكن من الشجاعة التماسك فى المواقف المختلفة ، والثبات فى الشدائد ، وخاصة حين تعيش فى بلاد الحرية بلا خوف ، فهذا زمن صعب تتغير فيه القناعات بلا حجج ، وتتحول الإرادات بلا توقف ، والله هو المعين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock