الثقافةالسياسةالعمل والمستجدات

الكلام لأجل الكلام شهوة . عبد الرحمن بشير

الكلام لأجل الكلام شهوة . عبد الرحمن بشير
………………………. …………………………
فى غالب الأحيان ، لا يهمنى من يقول ؟ ولكن يهمنى ماذا قال ؟ وهذا هو الصواب فى التعامل مع عالم الأفكار والأشخاص ، المراهق يتعامل مع من قال ؟ بينما الرشيد يتعامل ما ذا قيل ؟ عند المراهق ، الشخص مهم ، وعند الرشيد ، الفكر أهم ّ .

الإنسان يخاف فى بلادنا أن يخالف أفكار قبيلته ، لأنها هي المحيط ، وهي الحضن ، فلا يرى الحياة من خارجها ، وإن حاول ذلك ، فلا مستقبل له فى وطنه ، ولهذا فلا بد أن يكون صوتها حتى ولو كان عالماً، أو مفكرا ، أو فناناً ، ولهذا يبقى المفكر فى قفص القبيلة ، أو في قفص الحصن الذي يعيش فيه ، ولهذا فلا مجال للمفكر أو العالم لفكره ، بل هو مع القطيع ، يغضب إذا غضبت القبيلة ، ويرفع قلمه مع سيف جماعته .

التفكير فى خارج القبيلة صعب ، ذلك لأن المحيط يؤثر الإنسان ، والمفكر الحقيقي يبدأ مساره فى الرفض ، وليس فى القبول ، والرفض نتيجة تفكير ، وليس نتيجة ثورة بلا منهج ، ومن رفض لأجل الرفض ، فهو عدمي ، ولكن الصواب أن يرفض بعد البحث والنقاش ، وقبول الموجود لا يحتاج إلى تفكير ، ولكن التفكير فى خارج المألوف هو الذى يحتاج إلى نوع من التفكير .

ليس مهما أن تتكلم ، فالكلام قد يكون شهوة ، بل هو من أخطر الشهوات ، وخاصة فى زمن التواصل الاجتماعي ، ومن هنا ، فلا بد من ضبط الكلام ، وقهر النفس ، والنبي عليه الصلاة والسلام قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) ، ليس مهما ماذا تقول ؟ ولكن المهم أن تقول ما بحثت عنه ، أو اجتهدت في تحصيله بعد قراءات معمقة .

إن الذين يعيشون فى بلاد الندرة يخافون من الحقيقة ، ذلك لأن كل شيئ لدى قلة من الناس ، فالحقيقة ليست واضحة ، والصحافة لا تجد المعلومات الدقيقة ، بل وبعض الصحفيين يعيشون فى فقر ، ولهذا يبحثون من يمنحهم ليعيشوا ، ثم يقولون ماذا يريد صاحب المنح ؟ فالكلام فى بلادنا ليس كله على صواب ، كما أنه ليس كله على خطأ ، ومن هنا ، فالباحث تكون مسؤوليته عظيمة ، لأن الوصول إلى الحقيقة ليست سهلة فى بلادنا ، ويجب على الذين يتكلمون فى الشأن العام ، الوقوف أمام الكلام طويلا حتى نعرف الصواب من الخطأ .

فى بلاد يتكلم الناس بدون قراءات ، وفى أوطان يعيش أغلب الناس فى ندرة عامة ، الندرة صارت ثقافة ، لا وجود لمكتبات عامة ، ولا مراكز ابحاث ، ولا لندوات فكرية معمقة ، ومن تكلم ، أصدر أحكاما ، ولا يناقش القضايا من جوانب ، وأخطر من ذلك ، يحاول بعض الناس طرح أحكام دينية فى قضايا سياسية خطيرة ، ولا نفرق بين ما هو فكري ، وما هو سياسي ، ونخلط بين ما هو ديني ، وما هو سياسي ، ونحن نعرف أن الإسلام دين شامل ، ولكن لا يعنى ذلك ، أن لا نميز بين القضايا ، وقديما تحدث علماؤنا رحمهم الله الغروب بين المسائل حتى لا تختلط علينا الأمور .

فى وطننا ، الناس يتكلون بدون مرجعيات ، هناك من يتكلم ، ولا يذكر فى كلامه عن ماذا يتكلم ؟ عن السياسة ، ماذا ينطلق منها ؟ وما هي مصادر الخلاف بين المختلفين ؟ هل هم ينطلقون من ثوابت واحدة ؟ أم لكل واحد ثوابته ؟ ثم ماذا تريد كل جماعة ؟ وما هي منطلقاتها ؟ وأهدافها ؟
إن أغلب الناس ينطلقون من قناعات ، ولا يبحثون عن الحلول ، والحلول دوما ليست واضحة ، ولو كانت كذلك ، لما اختلف الناس ، فالخلاف هو السبب ، والناس كذلك لديهم قناعات قبلية ، وهي فى الأساس قناعات جمعية ، والفرد عندنا ليس هو الأساس ، ومع هذا فالتقدم الحقيقي ليس مرتبطا بما يراه الناس ، ولكن بما يتوصّل إليه الأفراد ، والقرآن أشار إلى ذلك ( قل إنما أعطاكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ) فالتفكير الجماعي لا يؤدى إلا نتيجة معلومة مسبقا ، ولكن التفكير النقدي ، والمستقل هو الذى قد يؤدى إلى نتائج جديدة ومهمة .

لدي بعض النصائح المهمة للجيل الصاعد :

أولا : لا تكن إمّعة ، فالناس فى بلادنا نسخ مكررة ، والنسخ المكررة نتيجة فعل مجتمعي ، فلا جديد فى عالم الإمعات السياسية والفكرية .

ثانيا : لا تتكلم إلا بعد البحث العلمي ، القراءة العميقة للموضوع ، وابحث كثيرا ، واقرأ أكثر ، وناقش القضايا مع العلماء والمفكرين ، وراجع المعلومات التى لديك ، فلا تكن حاطب ليل فى زمن المعلومات الدقيقة .

ثالثا : كن أنت ، ولا تكن غيرك ، ولكن لا تكن أنت بدون معرفة دقيقة ، لا تخالف الناس لأجل الخلاف ،بل خالف لإظهار الحقيقة من أبعادها المختلفة .

رابعا : اجمع بين الفكر والعمل ، فلا معنى لفكر لا ينتج عملا ، ولا فايدة من عمل لا ينطلق من معرفة وفكر .

خامسا : كن هادئا حين تتكلم عن مصير الشعوب ، واحذر من الافكار الضحلة ، او الخفيفة ، وكن حذرا من إصدار الأحكام بدون مناقشات فكرية ، او فقهية ، ولا تستعجل فى الوصول إلى النتائج ، امنح وقتا لنفسك فى معرفة الحقائق .

هذه بعض التوجيهات لجيل التواصل الاجتماعي ، فالكلام لأجل الكلام شهوة ، والصمت لإجل الصمت جبن ، والخير كل الخير أن نأمر بالمعروف ، ولكن بعلم وحكمة ، وأن ننهى عن المنكر ، ولكن بفهم ودراية للمآلات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock