الدين و الترييةالسياسةالعمل والمستجدات

وجبات رمضانية في البلاغة القرآنية. الموسم الرابع- الأسبوع الأول. بقلم الدكتور : عبد الأحد لوح.

وجبات رمضانية في البلاغة القرآنية. الموسم الرابع- الأسبوع الأول. بقلم الدكتور : عبد الأحد لوح.
من بلاغة وصف القرآن في القرآن!
حين يطَّلع المتذوق على بيان القرآن في وصف إعجازه، ومصداقية وحيه، وفعالية منهجه في هداية البشر إلى خيري الدارين؛ يزداد قناعة بأن هذا الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يداخله الخلل في نظمه ورسالته الخالدة : ” كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ” (هود : 1) قال الزمخشري : أحكمت آياته : “نظمت نظما رصينا محكما لا يقع فيه نقض ولا خلل، كالبناء المحكم المرصف”. ومعنى ذلك أن إحكام نظمه و إتقان بنائه في أسلوبه ومضمونه، لا يدعان مجالا للشك في أنه “تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت : 42) “. وتلك مزية من شأنها أن تثير وجدان المؤمن، وتَلفت كيانه إلى الإنصات إليه، وتدبر آياته، والتأثر بمواعظه؛ لأنه من معدن الحق والخير والفضيلة ” وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ (الإسراء : 105″؛ فلا ريب فيه وحيا ودلالات، وواقعا ومآلات، فلم يكن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، إلا وسيلة لنشر نوره في ربوع الكون رحمة للعالمين، وليس له دخل ولا تصرف ولا تجرأ في تنزيله أو تبديله ” قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ…(يونس : 15) ”
لأن ذلك لو حدث لأفضى إلى نتيجة وخيمة صورها الأسلوب القرآني أبلغ تصوير: ” وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ” (الحاقة : 44-47).
وتأمل جيدا هذا الصورة البلاغية الرهيبة التي تنفر من التقول على الله والتي لعبت الكناية فيها دور تقريب المعنى إلى مستوى الحواس من حيث القهر والسيطرة والقوة، عبر الأخذ باليمين، وقطع الوتين، ذلك العرق المعلق به القلب والذي يسقي الجسد بالدم. فقطع الوتين كناية قوية ومرعبة عن القتل وإزهاق الروح.
فلئن كان القرآن كتاب هداية روحانية، ومصدر نور يرشد المؤمن به إلى أهدى سبيل إلى حسم المشكلات والأزمات التي قد تعترض حياته دينا ودنيا : ” وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (الحجر : 89) “؛ فإنه في الوقت ذاته ينطوي على بلاغة تفوق طاقة البشر وإمكاناتهم لو كانوا يفقهون، ” إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (المزمل : 5) ”
يقول ابن عاشر في تفسيره التحرير والتنوير : ” وَالثِّقَلُ الْمَوْصُوفُ بِهِ الْقَوْلُ ثِقَلٌ مَجَازِيٌّ لَا مَحَالَةَ، مُسْتَعَارٌ لِصُعُوبَةِ حِفْظِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَعَانٍ لَيْسَتْ مِنْ مُعْتَادِ مَا يَجُولُ فِي مَدَارِكِ قَوْمِهِ فَيَكُونُ حِفْظُ ذَلِكَ الْقَوْلِ عَسِيرًا عَلَى الرَّسُولِ الْأُمِّيِّ تَنُوءُ الطَّاقَةُ عَنْ تَلَقِّيهِ.
..” وَيُسْتَعَارُ ثِقَلُ الْقَوْلِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَعَانٍ وَافِرَةٍ يَحْتَاجُ الْعِلْمُ بِهَا لِدِقَّةِ النَّظَرِ وَذَلِكَ بِكَمَالِ هَدْيِهِ وَوَفْرَةِ مَعَانِيهِ” ( التحرير والتنوير، طبعة الدار التونسية للنشر – تونس، 1984).
ولمثل هذا وغيره أفاض القرآن في وصف القرآن ببلاغة متناهية في الدقة والإعجاز. من ذلك تشبيه تأثيره بأثر النور وجدواه لمن سلك طريقا يبتغي فيه الوصول إلى غايات وأهداف وجيهة ” الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (إبراهيم : 1)” . فلا شك أن الأزمات التي تعصف بالمجتمعات مهما تكن طبيعتها ومصدرها وتداعياتها، لا تعدو أن تكون من قبيل الظلمات، وأن الحل أو المخرج منها إنما هو بمثابة النور الذي يستضيء به السالكون للتعرف على مواطئ أقدامهم. أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (الأنعام : 122)”.
و لما وصف القرآن تأثيره النفسي والوجداني الذي يهز قلب قارئه المتدبر الواعي قال : “اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ( الزمر : 23) ” ؛ جعل القاضي عِيَاضٌ فِي «الشِّفَاءِ» مِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ: الرَّوْعَةَ الَّتِي تَلْحَقُ قُلُوبَ سَامِعِيهِ عِنْدَ سَمَاعِهِ وَالْهَيْبَةَ الَّتِي تَعْتَرِيهِمْ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ، وهو ما اصطلح علماء الإعجاز على تسميته بالإعجاز النفسي(السيكولوجي).
قَالَ تَعَالَى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الْحَشْر: 21] .
ولهذا، حين ادعى الكفار أن محمدا تقوّله أو افتراه، رد عليهم بنفي العوج والخلل في أسلوبه وبلاغته، والاضطراب في أفكاره وتوجيهاته : أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (النساء : 82).
وكفى بذلك دليلا وبرهانا على أن هذه البلاغة القرآنية المعجزة كلام الخالق اللطيف الخبير.
هب لي التلاوه ++مع الحلاوه ++هب لي الدرايه+++ لدى الأداء.
الخميس غرة رمضان 1444/ 23 مارس 2023م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock