الثقافةالدين و الترييةالسياسةالعمل والمستجدات

محمّد عليه الصلاة والسّلام- رمز الأعظميّة وأيقونة تاريخ البشريّة .

محمّد عليه الصلاة والسّلام- رمز الأعظميّة وأيقونة تاريخ البشريّة .

عند غار حراء.. الغارق في صمت الصّحراء العذراء. هذا الكهف المبارك الذي احتضن رسول الانسانية قبل انطلاق ركب النّبوّة. فامتصّ رٌضاب البركة من أقدامه عليه الصلاة والسّلام. ونال شرف الذّكر في دفاتير التاريخ. عند أحضان هذه البقعة المطلّة على رملٍ أصمّ حزين، تنتفضٌ عنه غُبار الوحشة والرّتابة. هذه الأرض القاحلة الذي أنهكته تٌراب الممرّات وحصى المسالك الوعرة… كان رسول الايمان وحامل اشراقات الرّسالة العظمى إلى الانسان.. عليه الصلاة والسلام، يرتمي كالظلّ الممتدّ، كيْ لا يُورّط نفسه في موسيقى الانتماءات والطائفيات والمنكرات وسائر عادات الجاهلية العمياء؛ التي كان الانسان يطبّقها ويمارسها على أخيه الانسان حرفا حرفا…

ثمّة حسّ مُرهفٍ قويّ..كان يتسرّب إلى نبضات قلبه الكبير، وهو يعطي شرف اللُّقيا للمسافة المٌباركة بين دار خديجة رضي الله عنها وغار حراء. إنّه الشعور بالنّبأ العظيم. والحدس بضرورة إعادة تشغيل فطرة البشرية، وصناعة الحياة المثلى للانسان فوق هذه البسيطة الهرمة التي انصهرتْ وتلاشتْ تحت لعنة الظلمات ودناءة العادات الخائرة والثقافات التّعسة.

“اقرأ باسم ربّك الذي خلق” إنّ قوّة رنين هذا النّداء السماوي العظيم.. الذي أتى من كائن نورانيّ علويّ
الذي لا يُرى منه إلاّ ومضات الجمال..جمال مزيج بالطهارة والقداسة وشذرات نور الرحمان.. وأجنحته الطاهرة البيضاء التي ملئت الكون..عند ذلك اللقاء التاريخي العظيم. إنه اللقاء الأكبر بين كلام المنّان وقلب الانسان. إنه ميعاد بين سفير الخالق ومُمثّل المخلوق في الأرض. إنّه وقت نزول سفير السّماء جبرئيل عليه السلام إلى كهف النبوّة
تاه رسول النور وينبوع الخير عليه الصّلام والسلام… بين مفهوم القراءة واستحضار معنى القلم، عندما سمع اقرأ باسم ربك الذي خلق. إذ أنّه أمّيّ لم يقرأ ولم يكتب مطلقا.

وبعد المعاناة الحارّة التي لا تصمد تحت حرائقها الحمراء إلاّ أرواح الأنبياء. وبعد المكابدة تحت رزْحة ألم الضمّة الشديدة.. عند تلقّي أولى هديّة سماويّة إلى الانسان. وبعد اقشعرار روحه الشفّافة بهذه الآيات العظيمة التي جاءت عند ملكوت السموات، لتتحدّى جميع قواميس الفصاحة والبلاغة. وكلّ العطاء التاريخي للأمم والحضارات. لأجل إنتاج جيل إيمانيّ فريد…هرب إلى غرفة خديجة رضي الله عنها للبحث عن ذاته الشّريف الذي انسلخ منه مباشرة لمّا رأى أجنحة جبرائيل عليه السلام وهي قد سدّت الأفق في تلك البقعة المباركة.

يا سيّدي يا رسول الله! يا حامل خمائل الأنوار المشرقة إلى ضمير الانسان التائه. ليس لي فرصة النظر إلى ملامح وجهك الوضّاءة.. ولم يسمح لي الزّمان ولا المكان بلقاءات ومواعيد للجلوس معك تحت ظلّ واحد ..حتى أقرأ لك في حضرتك الحبلى بفيضان الرحمة والقداسة… هذه الرسالة التي بداخلي… إنها رسالة الحبّ والعشق التي كتبتها بثنايا القلب وليس بمجرّد قلم صارخ. فعندما نكتبُ عنك يا سيد ومولاي حبيب الله، فالكلمات والأبجديات وسائر المعاني ترسم بسامات سمجة، لتُعيد لنا تعريف مفهوم السّعادة.
يا أعظم روحٍ نُفختْ في بطنِ امرأة.. من الأزل إلى الأبد ستبقى الشخصية الخالدة والأيقونة العظيمة على ألوحة التاريخ .فأنت تمثّل الجانب المشرق والفضل الباذخ للتاريخ البشري الممتدّ…
يا رسول الله ! أنت رجل الحقيقة الواحدة الذي لم يتبدّل ولم يتلوّن ولم يتساوم بقضيته الكبرى ورسالته العظمى.

إن قوّة رسالتك العالميّة كانت نابغة من باطنك الذي يضجّ بماء الايمان إلى حدّ السيلان. فقوّتك لم تُبنَ على أساسِ الظروف ولا الشروط ولا المعطيات. فقد كنتَ صريحا مع الانسان ومع هذا العالم، منذ اليوم الأوّل للرسالة. وتلوتَ فحوى قضية الاسلام بأندى صوت، دون الالتفات إلى حجم الحقد والكنّ والغضب الذي كانت قوّات الشرّ تضمره لك في خلجات نفوسهم
( وما أرسلنك إلاّ رحمة للعالمين) إنّ عولمة المشروع الاسلامي منذ ميلاده ، هو أكبر شيء حدث في تاريخ المشاريع النبيلة والقضايا الهادفة. أنت أشجع قائد مشى تحت هذه المعمورة القديمة، وأعظم أستاذ علّم الأمم والشعوب…معنى حقوق الانسان وكرامة بني آدم. فقد سبقتَ “توماس جفرسون” الأب الروحي لدستور حقوق الانسان… إلى الصراع لأجل تحقيق كرامة الانسان في الأرض. واستطعت اقناع العالم باعتناق رسالتك الخالدة دون اللجوء إلى المراوغة والبراغاماتية السياسية

أصعب ابتلاءاتك وامتحاناتك ليس الوحشة في مدارج الدعوة. ولا مراراة الطرد من أرض الأمّ وذاكرة الصّبا، مكة المكرمة. ولا الضعف وهزالة جماعة الدّعوة في بداية أمرك. ولا العذاب الذي تلقّيته من الكفّار والجاحدين.
بالنسبة لي فأعظم ابتلاء لك هو (النّصر) ذلك اليوم المشهود، الذي فتحتَ فيه المكّة المكرّمة، وأصبحت السيطرة والسلطة والسيادة ومقاليد حكم هذه القرية، التي مارستْ ضدّك وضدّ أصحابك كلّ أنواع التضييق والنبذ والعذاب الجسدي والنّفسي.

يوم الفتح العظيم كان سعد ابن عُبادة رضي الله عنه يحمل اللواء، ويقول.. وهو متوعّدا ومنذرا بالويل والثبور والمجزرة ” اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحلّ الحُرمة” فقلتَ له وأنت تذرف دموع الحنان والتحنان واقفا عند مقام إبراهيم…بصوت يفوح منه رائحة الحبّ والرحمة ” كلاّ يا سعد..بل اليوم يوم المرحمة ”
يقول المؤرّخ الأمريكي واشنطن إرفينغ( ليس ثمّة من يضارع محمّد ابن عبد الله في السّماحة، إنّه أكثر شخصية تاريخية، تسامحا مع خصومه وأعدءه في لحظات ضعفه، وفي لحظات قوّته وانتصاره)

ينادي بنبرة السماحة وهو يذرف دموع الخشوع والخضوع لربّ العالمين “يا معشر قريش ماذا تطنّوني أنّي فاعل بكم” قالوا.. خيرا أخ كريم وابن أخ كريم. قريش تعرف أنّ عقيدته الاستراتيجية ليست مبنيّة على الانتقام ولا بسط الذّات ولا تفخيم الأنا، ولا صناعة الرّعب في سيكولوجية الجماهير. قال لهم والصدق ينبع تحت أضلعه “إذهبوا فأنتم الطلقاء” هذا الرّسول وُلد في ضوء التاريخ الكامل، كما اعترف بذلك المفكّر الفرنسي “ارنيست رينارد” الحامل الأكبر للواء العنصريّة والكراهيّة “إسلام فوبيا” ضدّ الاسلام.

يا رسول الله سامحني على محاولة ترجمة حبّي وشغفي لك… بهذه الشذرات الخجلة… العارية من الجمال والصفاء. فقد عكّرتُ صفاء اسمك العظيم وعظمتك الخالدة… بنقلها إلى الورقة.

جبرئيل السماوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock