السياسةالعمل والمستجدات

مقال اليوم : تجاعيد الشوق إلى من يتربّع على أريكة القلب مولايَ : محمد المصطفي سي حفظه الله.

مقال اليوم : تجاعيد الشوق إلى من يتربّع على أريكة القلب مولايَ : محمد المصطفي سي حفظه الله.

فهذه الدقائق التي أقضيها في كتابة هذه الكلمات المتواضعة أغلى من حبات الماس عندي، وأنفس من تيجان الملوك، فلست أحتاج لإظهار مزاياك بقوة الأضلاع وشيطانةِ الحيَل، وبما أنه ليس من الشجاعة أن يتخلف عن الحرب طارق طبولها ، حرى بنا في كل لحظة إن بقي لنا رمق من الحياة و ذرة من المفردات أن نجودها في ساحة مدحك، أيها العالِم الذي بهيئة السماء وأجرامِها وحسابِ أفلاكها، صاحبُ القلم الناصح، والقلبِ النابض، واللسانِ الحاسم، الذي إذ سكت لاحظتَ فيه حكمة ، وإذا تكلّم سمعتَ فيه موعظة ، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أنّه وارث أصحاب تلك المقامات، وقد رفعتُ القلم بسجيته ، وإن كان عاجزا عن إبراز مشاعري؛ لأنّه أصبح كالمحامي الذي يجهل كلَّ ما يخصّ قضيته؛ لأنّك مادّة دسمة قد يصعب الإحاطة بك، لكنّ ذلك لا يجعل اليأس يتسلّل في قلبي؛ لأنّ كلمة واحدة منها قد تكون مناسبة أو جميلة فتصل إلى عَنان السماء أو تخرق طباق الأرض، لذا سأحاول تسليط الضوء في هذه السطور على ثلاث من المجالات المدهشة في شخصيتك:
فالأول: كنزك المعرفي:
فأنت رجال على صورة رجل واحد، فأنت فيلسوف، ولغوي ، وأديب، ومحيطٌ بالعلوم الشّرعية و….بل بأخصر الأسلوب أنت موسوعي مزدوج الثقافة والثنائي المعرفة، تتمتع بمساحة واسعة من الثقافة العربية، وقسط غير يسير من الثقافة الفرنسية ، فكل من يُصغي إليك يعلم أنه يتحقق فيك قول أبي يزيد البسطامي لعلماء عصره : (أخذتم علومكم عن علماء الرسم ميّتا بعد ميّت وأخذنا علمَنا عن الحيّ الذي لا يموت) .
والثاني: منهجك التربويّ:
فكلّنا إنسان يحمل دما وعظما ولحما، هذه المكوّنات الإنسانية تحتاج إلى طعام لتجد طاقة، غير أنّ في جانبها روحا لا تَشبع بالطّعام ولا ترتوي بالماء بل تستمدّ طاقتها من مربّ وقائد يقودها نحو ساحل الأمان، لتصل حيث وصلَت الأرواحُ الصّافيةُ، يخرجها من مخابل الشرّ والطغيان إلى فناء الهدى و الانقياد . فأنت شيخ لم يعرف الهلعَ والخورَ، واجهتَ الفسادَ داخل عَرينه وفي عُنفوان شبابه وانتزعتَ الفريسة من بين مخالبه،
و رَبَيّتَ كلَّ الأولاد من وراء الجُدر، حتّى جعلتَ لكلّ واحد منهم نورا يمشي به في الناس ،فلم تعطهم ملفا مكتظا بالأوراد، ولا تَطلب منهم سبحةً تُقاس بالأميال، مع ذلك قَتلتَ فيهم مِنقارَ الجهل، وقطعتَ منهم مَقابضَ الجور، وأسقطتَ لهم أنيابَ الفساد ، وهدمتَ عليهم ملامسَ الكسل ،
طبقا لهذه المجهودات القيمة فلا يريبُ مريب على أنّ منهجك التّربوي فريدٌ من نوعه وغريبٌ من جنسه، بل مُثمر يَانع إن رميتَه أعطاك ثمرة.
وثالث الأثافي: وطنيتك (حبّك للوطن) .فالسّنغال رقعة جغرافية صغيرة، بيد أنّها تتمتع بشخصيات دينية كثيرة ، وقد حاول الاستعمار الغاشم منذ أن خطتْ قدماه في أروقة البلد إبعادَ رجال الدّين في الدائرة السياسيّة، متلفّقا أنّهم يجب أن يبتعدوا عن السّاحة ويلازموا السبحة والمصلَّى ، وقد نجح في إقناع الكثير منهم، غير أنّك ممّن شدَّ المئزر وكشف عن السّاق، مجابها هذا المفهوم الكاحل العاطل الممسوح من المعنى الصحيح ، ودَلَفْتَ في السّاحة بعد أبيك المكتوم، فدافعت عن الخير و الصّدق والأمل وحاربتَ الخطرَ والخطأ والخطلَ، جزاك الله عن كل أبناء الوطن خيرااا.

وهذه قصيدة كاملة الوزن من متشاعر غير كامل النسج يقول في مطلعها:

فالشعر ياقلمي مشاعر شاعر
جاش اللغام فعانقته طلوعُ

وتكاتفت أنّاتُه نحو العلا
يرثي به نبض القلوب يلوع

أنت المُصَفّى من عيوب خرقة
فالمصطفى روع الأنام رتوع

وطن تأجَّج في النحيب كما بَرى
وتلقلقت إحساسُه ملسوع

لما أتَيْتَ بحنكة برّاقة
يُسدي بمهدك فجعةٌ ودموع

ورأيت سنْغال الجدود تعفَّنتْ
خيراتُها فتوارثته طموع

ولواء جدِّك قد تضاءل برقُه
لم يبق منه مناضلٌ وسَموع

شمّرت أنقذتَ البلاد بأسرها
حتّى تعاور بائع وبَيوع

أنّى تلفّظ في المعارف رفرفت
واحلولقت كلماتُه ينبوع

فالشّمس تصويرٌ على بسماته
مهما تكابر ضوؤها ممدوع

إذا تقرّش في القلوب قوارع
فيء يفيء بظله المَفْدوع

قرْم يناضل إن تبلّج في الدّجى
والشيخ من لا….لا…وليس يلوع

قيم تدقّ على البلاد و أهلها
مسترشدا أعني به مَوسوع

ياوارث المكتوم هذي مشاعري
فاقْبلْ بِيَ من حشدك سَأطوع

فئة تشدّ إلى النّجاة وتعتدي
هي الّتي نحو الهبوط مَنوع.

فهذه فكرة في رأسي، ولمحة في خاطري وخفقة في قلبي قد تحوّل إلى تعبير في قلمي، ويبدو أن هذا القلم أعْوَرَ العينَ التي طُلب منه تكحيلها.

#جميل_اندوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock