السياسةالعمل والمستجدات

رسالة الخليفة في مناسبة المولد 2020م 1442هـ.

رسالة الخليفة في مناسبة المولد 2020م 1442هـ.
﷽الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أبدع نظام الموجودات، وخلق المخلوقاتكلها بقدرته
المطلقة، وصور العوالم كلها حسب إرادته النافذة؛ التي لا تحدها ضوابط، ولا تقيدها قيود، فهو الله الملك المقتدر، المهيمن الذي يحكم ما يشاء، ويخلق ما يشاء، وما أكثر المخلوقات المرئية وغيرها، وما أكثر العوالم المشاهدة، والمغيبة منها، وكل من هذه العوالم يحكمها قانون إلهي محدد ومضبوط، ويسير وفقا لإرادته سبحانه وتعالى ومشيئته ﴿ وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين﴾. ومما شاءه – سبحانه وتعالى – أن أوجد من ضمن هذه المخلوقات والكائنات؛ مخلوقا وكائنا حيا عاقلا مميزا، يسمى الإنسان، وحمله أمانة ومسؤولية جسيمة ألا وهي: أمانة الخلافة، أي أمانة تعمير الأرض، وتسيير أمورها، حيث يصبح الإنسان مكلفا بالتأمل، والتدبر، ومحاولة فهم السر الإلهي من قضية الإبداع والخلق وإيجاده، وحمله هذه الأمانة التي عرضها على
السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان. ومما شاءه – سبحانه وتعالى – أن يصطفي من بين الناس رسلا وأنبياء، أرسلهم الله لهداية الخلق وإرشادهم، وتوجيههم، إلى الصراط المستقيم. فكان كل نبي ومرسل مبعوثا إلى قومه وفق فترة زمنية محددة إلى أن شاء الله أن من على المؤمنين وبعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم
الكتاب والحكمة وإنكانوا من قبل لفي ضلال مبين. فقبل ولادته الشريفة،كان العالم يعيش في ظلام دامس، وجاهلية جهلاء، بكل ما تحمله الكلمة من معان ودلالات، وعادات وتقاليد، وتصرفات همجية وحشية، وتصورات باطلة فاسدة، ومضلة.

وعليه فمجيئه صلى الله عليه وسلم يعد بحق، من أكبر نعم الله ورحمته على العلمين.
لاحظوا معناكيف اختاره مولاه لينور البصائر ويحيي القلوب الميتة.
روى ابن سعد وابن عساكر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرقت الأرض نورا. وفي خروج هذا النور منه، إشارة إلى مايجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وزال به ظلمة الشرك.كما قال تعالى : ﴿قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم
إلى صراط مستقيم ﴾ اختاره الله من الناس رؤوفا رحيما بأمته، وأرسله شاهدا ومبشرا ونذيرا
وداعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا، فكان صلى الله عليه وسلم بشرا مثلنا يحس كما نحس، ويفكركما نفكر، ويأكل الطعام ويمشي في الأسواق، إلا أن بشريته مؤيدة بالوحي الإلهي، فأصبح الانسان الكامل والرسول الخاتم الذي يوحى إليه والمجتهد المعصوم الذي اتصلت في سيرته الأرض بالسماء، وامتزج النسبي بالإطلاق والخلود، فهو صلى الله عليه وسلم روح وجسدككل البشر،
لكن روحه ممدودة من الجلال الإلهي. ففي سيرته العطرة المباركة ودعوته الميمونة، نرى مصلحاكبيرا وشخصية سامية اجتمعت فيه صفات الكمال، فهو مرشد وهاد في الطريق الموصل إلى الله تعالى، وإمام وخطيب مفوه، وأمير يرسل الرسائل ويختم المعاهدات، وقائد يتقدم الصفوف، وزوج عطوف وأب رحيم. ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم.

فهذا النبي الرؤوف الرحيم لو عرفت البشرية قدره ومقداره حق المعرفة وفهمته حق الفهم، لهامت به حبا ووجدا، ولو تغشت الأرواح ذكراه الجميلة لثارت أشواقها وفاضت عيونها بالدموع، ولأقشعر جلدها، وهي تخطو إلى عالمه عالم النبوة الطاهر عالم الصفاء والمشاهدة عالم التزكية والتربية ، وصياغة الإنسان صياغة تحقق إنسانيته، وتسمو به إلى مدارج الكمال ومعارج الأنس
بالله. فكان مما شاء الله تعالى أن اختار للوجود وليا مرشدا وشيخا عارفا
بعيوب النفس ومزالقها، فغرس الحقيقة المحمدية في قلبه الطاهر، حتى فتحت له هذه الحقيقة آفاق السمو نحو الأعالي، وأعني به مولانا الشيخ الحاج مالك رضي الله عنه الذي شرفه الرسول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، باحتضانه بكل حنان، وضمه إلى صدره بكل شفقة وفرح وحبور، فأدى به ذلك إلى تتبع حياته العطرة وسيرته المباركة، التي كلها أنوار وأخلاق، وإرشادات، وتجليات، وعرضا مبسطا يجعل الناس يهرعون إلى ساحة الرسول
صلى الله عليه وسلم والتأسي به قولا وعملا. يقول رضي الله عنه:
وكلمــــــــــــــــا أفعلـــــــــــه نويت فيه أســــوته صلى عليه مصطفيه
ولفرط محبته وشدة شوقه، إلى الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبر ميلاد
الرسول صلى الله عليه وسلم عيدا للإنسانية، بل للوجودكله، لكونه اليوم الذي تشرفت الدنيا، وتزينت وتعطرت بمجيئه وولادته، وبعثتهكمنقذ للبشرية،
وإكسير للمشاكل المستعصية على الحل. فيوم ولادته هو اليوم الذي علق الله النور الأحمدي والسراج المحمدية، في
سماء الدنيا مثل شمس مضيئة أجل. فبنوره صلى الله عليه وسلم تبدد ظلام
الجاهلية، وغمر النور العالم بأسره، فكان هذا أكبر وأفضل وأعظم نعمة الله على الإنس والجن. فقال رضي الله عنه:
أتى فيه الهدى قرن القـــــــــــــرون وعيد دون أعيــــــــــــــــــاد العيون ففي التعظيم إنجاح الشجــــــون
إذا لم يكن نحو الحرام عدول
وعـــــــــــــــــام ثم شهــــــــــــــر ثم يوم ســـــــرور في ســـــرور في ســــرور ومـــــــولده به شــــــــــــــرف وخير
وقال أيضا:
ألا عظموا ليل الولادة حسبة
وذلك من أحل التعبير عن الفرح والسرور، بالحبيب المصطفى الذي نحبه في قلوبنا ونفرح به، وندافع عنه بكل ما نملك من حول وقوة، منددين استمرار الهجوم المنظم على مشاعرنا وعواطفنا المتمثل في الإساءة إلى شخصه الطاهر صلى الله عليه وسلم، والسخرية منه باسم حرية التعبير وسياسة اللامبالاة، فنحن معشر المسلمين نحث على مراجعة هذه المواقف اللامسؤولة؛ التي تستهدف الإسلام وتسيء لمشاعر أكثر من مليار ونصف
المليار حول العالم.
وبالرجوع إلى رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نجد أنها رسالة أخلاق وتمسك بمبادئ الخير والفضيلة، والعدل، والرحمة، والإحسان، والتسامح، والتعايش السلمي، واحترام مشاعر الغير.
فالأخلاق جزء أساسي وجوهري في حياة الأمم والشعوب، وتدهور هذه المبادئ الأخلاقية، في أي مجتمع من المجتمعات، يؤدي حتما إلى فساد الأمم، وزوال بريقها وتألقها، وأسباب قوتها ومجدها وعزها.
والفساد يبدأ من الفرد الذي هو عضو في الأسرة، وبالسكوت يستثمر ويسري في الأسر وينتشر كالداء في الهواء، ويلحق البلاء للناس وتلحقهم الفوضى، فيكل مكان ووسط ومحيط.
ومن أهم أسبابه: غياب الوازع الديني، وتجاهل مفاهيم العدل والفضيلة، والحياء، والرزانة، وسكوت العلماء، على الأخطاء والهفوات، وعدم قيامهم بالدور الواجب عليهم. ويقع علىكاهلكل أب وأم وزوج وزوجة، وإمام، ومأموم مسؤولية تربية الأولاد تربية إسلامية صحيحة؛ تمكنهم من الابتعاد عن الفواحش الكثيرة؛ التي تغزونا فيكل لحظة من لحظات حياتنا، والابتعاد عن المبادئ الهدامة الوافدة، من الخارج، والحملات التغريبية المروجة للثقافات
الأجنبية؛ التي لا تنضبط بأي ضابط خلقي ولا وازع ديني.
كما ندعو الجميع إلى مزيد من الانضباط، والهدوء، وتحكيم العقل
والوعي الإنساني، أمام العواطف الهوجاء، والضربات التي تأتي من الداخل
والخارج، والتي تثير الفتن والقلاقل، بين أهل لا إله إلا الله الذين بدلا من
التنازع ، والتشاجر، والتنابز بالألقاب، فعليهم أن يوحدواكلمتهم، ويقفوا
وقفة رجل واحد، للدفاع عن تعاليم شرعنا السمحة؛ التي هي طريق النجاة،
ودرب الفلاح ومسلك الصلاح ، ونلاحظ أن هناك قوى خارجية داخلية،

تعمل وراء الكواليس، لزرع الفساد فيكل خلية، من خلايا المجتمعات، واستئصال مبادئ العفة والطهارة، عن طريق أصحاب الأقلام المأجورة، ووسائل الإعلام الفاسدة المفسدة، الموجهة الهادفة إلى عقول شبابنا، وشاباتنا،
وأمتنا من أجل إضعافها.
وأرى أن دور الأسرة على التوجيه، والتنبيه، والإشارة إلى ما هو صحيح أو خطأ، بل يجب أن تكون التربية مبنية على الحوار الجاد الهادئ الهادف، بين الآباء والأولاد، أولا، ومن التربية والمراقبة الفعالة، مراقبة ما يعرضه الإعلام، في جميع وسائله وتفعيل دور المدرسة والمعلمين والمكونين، والأساتذة، ومراقبة الصحبة، والعلاقات الداخلية والخارجية، للطفل من البداية إلى النهاية.كما
لا ينبغي إغفال دور المسجد والإمام والمقدم، في توجيه أحوال الشباب.
وبدلا من إلقاء اللوم على أي طرف، لابد من الوقوف على الرأي
المعاكس، بغير قمع، أو تجريح، أو تفريع، لاحتواء الحطأ، وذلك لإعادة الهيبة في لأسرة والمجتمع.
وعلى كل فرد من أفراد المجتمع، أن يهتم بإصلاح نفسه، والاعتناء بسلوكه، ليؤثر من حوله فردا وأسرة.
فبدلا من أن نلقي اللوم على المجتمعكمؤسسة، عليناكأفراد أن يكون لنا القرار فيكثير من الأمور، والمواقف التي لو انشتغل بهاكل واحد لأصلح أموراكثيرة فيه، وحوله بدون شك.

ونشكر جميع الزعامات الدينية، والبيوتات العلمية، التي وقفت وقفة رجل، لإيقاف السيول العارمة؛ التي غزتكل البيوت والأوساط الاجتماعية، إثر تفشي جائحة “كوفيد 19” في مستهل هذا العام الجاري، والتيكانت لها نتائج وعواقب، على جميع الأصعدة والمجالات، مما جعل العالم يشهد أوضاعا غير مألوفة، ومنعطفات خطيرة ، في تاريخ البشرية جمعاء، على المستوى الديني، والاقتصادي، والاجتماعي، والدولي. فجائحة ( كورونا ) باعتبارها وباء عالميا، فرضت علينا جميعا اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الاحترازية،كالعزل، والحجر الصحي، والتباعد الاجتماعي، ومنع السفر، وإغلاق أماكن العبادة، ودور التربية والتعليم، بشكل لم يسبق له نظير في العصر الحاضر، حيث خلت أقدس الأماكن الإسلامية في العالم الإسلامي من المصلين ، إلى حدكبير، من جراء القيود الصارمة غير المسبوقة؛ التي فرضت بسبب “جائحةكورونا فيروس” ولا نملك أمام هذا الوضع المحرج إلا أن نرفع آيات التضرع والابتهال إلى الله الخالق، طالبين منه – سبحانه وتعالى – أن يرفع عنا وعن العالم هذه الجائحة، التي لها تداعياتكبيرة، على حياة الإنسان
على سطح الكرة الأرضية .
وانطلاقا من هذه الحيثيات المذكورة لنا، قررنا إغلاق المساجد، والجوامع، والزوايا، والمدارس، حماية للناس، من فيروس كرونا وتمشيا مع مقاصد الشريعة الإسلامية، مما يدعونا إلى وقفة مع ترتيب هذه المقاصد حيث يقول البعض:

إن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس، وهوكلية الكليات، وأصل الأصول،
وعلى ذلك إجماع الأمة، غير أنه يجب توضيح ثلاثة أمور:
الأول: ليس صحيحا؛ أن الأصوليين اجتمعوا على تقديم حفظ الدين على النفس، بل هناك اتجاه أصولي قوي، يرى تقديم حفظ النفس على الدين، وممن ذهب هذا المنحى من مشاهير الأصوليين الرازي والقرافي والبيضاوي والآسوي والزركشي اعتمادا على أن الله أباح للمسلم النطق بكلمة الكفر
حفاظا على نفسه.
الثاني: على فرض صحة تقديم حفظ الدين على النفس، فإن إيقاف الجمع، والجماعات، ليس هدما لكلية الدين، فحفظ الدين في مبدأ الصلاة، وهي قائمة فيكل البيوت، وصلاة الظهر تقوم مقام الجمعة، عند وجود عذر من
الأعذار المبيحة لذلك. وإغلاق المساجد ليس هدما لجوهر الدين وكليته.
الثالث: على فرض تقديم حفظ الدين على النفس، فإذا تعارض ضروري حفظ النفس المتمثل في خطر الموت عند الإصابة بالفيروس، مع تحسيني أو تكميلي حفظ الدين، المتمثل في صلاة الجماعة، قدم ضروري حفظ النفس
على تكميلي حفظ الدين باتفاق أهل العلم والعقل والمنطق السليم.
ونختم الكلمة بتقديم عبارات التهاني إلى الأمة الإسلامية قاطبة وإلى الجمهورية السنغالية رئيسا وحكومة وشعبا، وإلى أصحاب السعادة السفراء المحترمين المعتمدين في السنغال سائلين الله العلي القدير، أن يرزقنا القبول

والإجابة، ويسدد خطانا إلىكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، ويعطر أيامنا بالصحة، والسلامة والاستقرار العالمي، والمحبة والوئام، وإنهاء الحروب والفتن، والمناورات العسكرية، المدمرة للكيان الإنساني، ووجوده على الأرض كخليفة
الله عليها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من الخليفة العام للطريقة التجانيىة في السنغال
الشيخ أبي بكر محمد المنصور زاده الله نصرا وتوفيقاتواوون 12/ربيع الأول/ 1442 الموافق / 29/ أكتوبر/2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock