الدين و الترييةالسياسةالعمل والمستجدات

تساؤلات رمضانية وإشكاليات الزمن الحالى . عبد الرحمن بشير

رمضان شهر التغيير ، ولكن الإنسان غير المسلم يطرح سؤالا مفاده ، أين هذا التغيير فى حياة هذه الأمة ؟ وأين دورها فى بناء الحضارة ، وصناعة التغيير ؟ سؤال مهم ، والجواب ليس سهلا ، ذلك لأن الواقع يؤكد ما يقوله غير المسلم ، فالمسلمون فى القرون المتأخرة ما زالوا فى ذيل القافلة ، وما زالت الحضارة فى يد غيرهم ، وما زالت القيادة عند الأمم الأخرى .

رمضان شهر البناء الروحي ، والتنمية الفكرية ، ورفع الهمة عند الأمة ، ولكن غير المسلم يسأل ، أين هذا فى واقع الأمة ؟ نحن نرى بأنها تعيش فى حالة تناقض مع القيم التى تؤمن بها ، فأعظم المستبدين عالميا فى داخل بلاد هذه الأمة ، وأعظم الناس قتلا وسفكا للدماء هم الذين يعيشون فيها ، وأكثر الناس رشا فى هذه الأمة ، وهناك دراسة تحدثت عن أقل البلاد سرقة ، وأكثرها شفافية فكانت كلها تنتمى إلى الحضارة الغربية ، وخاصة تلك البلاد التى يسكن أهلها فى شمال أوربا ، وهذا واضح فى أكثر من دراسة ، وأغلب البلاد فسادا هي البلاد التى يعتقد أهلها الدين الإسلامي ، وخاصة مصر حيث الأزهر الشريف ، والسعودية حيث الحرمين ، وغيرهما ، وذاك موجود فى الدراسات التى قدمت فى تصنيف الدول حسب الشفافية بالمعايير الدولية .

رمضان شهر الإنتصارات ، ولكن غير المسلم يسأل ، أين الإنتصارات ؟ فكل الهزائم التي تم تسجيلها فى التاريخ الحديث كانت فى بلاد المسلمين ، فالعرب وهم أكثر من عشرين دولة ، انهزموا أكثر من مرة أمام إسرائيل ، والعرب وهم أكثر من ثلاثمائة مليون نسمة ليس باستطاعتهم مواجهة إسرائيل ، وسكانها لا يتجاوزون أربعة ملايين نسمة ، والمسلمون يبلغون أكثر من مليار ونصف مليار من البشر ، ولكن العاصمة المقدسة الثالثة ( القدس ) ما زالت تحت الإحتلال الإسرائيلي .

رمضان شهر الوحدة ، ولكن غير المسلم يسأل ، أين الوحدة الحقيقية فى العالم الإسلامي ؟ وأين الوحدة بين السنة والشيعة وهم أبناء ديانة واحدة ؟ وأين الوحدة بين الأكراد والعرب فى العراق وهم أبناء ديانة واحدة ؟ وأين الوحدة فى الصومال وهم أبناء ديانة واحدة ، ومذهب واحد ، ولسان واحد ، وجغرافيا واحد ؟ وأين الوحدة فى القرن الأفريقي بين العفر والصومال ، وهم أبناء ديانة واحدة ؟

رمضان شهر الإخاء ، ولكن غير المسلم يسأل ، أين الأخوة الحقيقية بين الشعوب المسلمة ؟ وأين التضامن الحقيقي بين من يموت فقرا فى أفريقيا ، وبين من يموت غنى وتخمة فى الدول ذات الثروات الضخمة ؟ وأين الأخوة بين الشعوب المسلمة التى يتقاتل أهلها بأتفه الأسباب ؟

إن رمضان شهر التغيير ، والبناء ، والوحدة ، والأخوة ، ولكن المشكلة كما ذكر مالك بن نبي رحمه الله سابقاليست فى القيم ، ولا فى العبادات ، ولكنها فى الفكر ، أي فى فهم طبيعة الدين والحياة ، فالمسلمون يعيشون مع رمضان كطقوس دينية ، وعبادات موسمية ، وحركات بهلوانية ، وأزمنة تأتى ، وترتحل ، وتعود ، فلا تغيير ، ولا تبديل ، ولا تطوير ، ولا تجديد ، ولا تساؤلات ، فالمشكلة فى المسلمين ، وليس فى الإسلام ، ولهذا كتب الغزالي رحمه الله كتابه الخطير ( ليس من الإسلام ) .

إن رمضان مدرسة مهمة وخطيرة ، ولكن المشكلة تكمن فى الذين يصومون عادة ، ويذهبون إلى المساجد عادة ، ويصلون التراويح عادة ، ويستمعون الأصوات الرائعة عادة ، ويرجعون إلى بيوتهم بدون أدنى تغيير ، فالكتاب العزيز الذى صنع أكبر تغيير فى حياة البشر ، ما زال يقرأ عندنا فى المساجد ، وبصوت جميل ، ولكن لا تغيير يصاحب هذه القراءات ، فالمشكلة ليست فى الكتاب ، ولكن المشكلة عند من يريد أداء العبادة عادة ، وليست العبادةعنده برنامجا ، ولا مشروعا ، بل حتى ولا فكرة .

لا أحد يسأل ، ماذا وراء صيام رمضان ؟ لماذا نصوم ؟ ما فلسفة الصيام ؟ لقد حاول أن يجيب الأستاذ الفقيه مصطفى السباعي رحمه الله عن هذه الأسئلة فى كتابه ( أحكام الصيام وفلسفته فى ضوء القرآن والسنة ) ، ولكن هذا الجيل الجديد لا يعرف ، لماذا يصوم ؟ وما أثر الصيام على حياته ؟ وقرات مرة سابقة كتابا للعلامة الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله عنون له ( العبادة فى الإسلام ) ، ويعتبر هذا الكتاب من اروع ما كتب فى هذا الباب ، وقرات للدكتور حسن الترابي رحمه الله كتابه المهم ( الإيمان وأثره فى حياة الإنسان ) ، كما درست أكثر من مرة كتاب العلامة أبو الحسن الندوي رحمه الله المعنون ( الأركان الاربعة فى ضوء الكتاب والسنة ) ، وكل هذه الكتب تبحث عن مقاصد التدين ، وليس فقط عن التدين الشكلي ، فنحن بحاجة إلى ثورة فكرية لنفهم ماذا راء التدين ؟ ويجب أن نتحرر من التدين التقليدي ، لنعيش معا التدين المقاصدي ، حينها فقط نخرج من قصة التناقض بين القيم والواقع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock