السياسةالعمل والمستجدات

مقال :

مقال :

عدم احترام أَجدادنا الكرام، الذين قاموا بِبذل النفس والنفيس لأجل وطننا العزيز السنغال. أذكر فقط مجهودات الشيخ سعيد النور تال التي شهدها جميع العلماء والعظماء. [راجع فضلا، أضواء على حياة الشيخ سعيد النور، لمؤلفه السيد محمد الغالي].
وإن محاولة تشويه سمعة البعض منهم، يقود المرء أحيانًا إلى الخربشةِ والتدليس والتلبيس. فيقدس مَجُوجُ لأنه معجب بفَلسفته، ويخربش مَكُرَ لأنه غير معجب بمشروعي السياسي أو الدّعوي.

وغرضي من هذه الكُلَيْماتِ المتواضعة هو محاولة تسليط الضوء في مقال الأخ العزيز جبريل لي السماوي المعنون : [رجال الدين، وتصفيقهم للسلطاتِ القمعية]، فرغم ضخامة الموضوع، الذي يذكرني بمقالة المنفلوطي التي عنوانها ب ”خداع العناوين”. فقد كان مضمون الرجل خربشات وتزويرات فحسب. وأما عبقرية الكاتب _ الله لا أضر _ فيظهر جليا في إتقانه فن اللف والدورانِ. فمر بالحجاز ولمسَ شيئا من علاقة الوهابيين بآل سعود تلك العلاقة التي يشبه كثيرا نظرية *السيفين* التي كانت الكنيسة والملوك يتبعونها في اروبا قبل ظهور العلمانية. كما مر بمصر وفلسطين _ حفظه الله ورعاه _ إلى أن وصلَ إلى السنغال بلد ترانغا، فأظهر عضلاته في قضية لم يتقن هوَ أَجدياتها، فخربش ثمّ خربشَ، وَظن بأن الرئيس جاه تآمر ضده الشيوخ _ والتعميم من شيم الجنون _ ثم ساندوا سياسة سنغور العميل. وهو بذلكَ لم يعلم بأن -جاه- كان يعمل لصالح سنغور منذ -مَتِزَليمْ- ؛ وأن دور النواب في القضية كان جوهريا، فرمى كل الأسباب السياسية والاقتصادية عرض الحائط، ثم جرد قلمه لقضايا لم يكن إلا قضايا ثانوية في الأزمة. فهذه وغيرها ما دفعني إلى المحاولة لأجل الإنسانية والوطنية أيضا، فالنقطة الأولى هي:

1- علينا أن نعرف _ أوّلا وقبل كل شيء _ بأن الرئيسين؛ سنغور وَممدو جاه وجهان لعُملة واحدة. وسياستهما واحدة، فكيف يمكن التفريق بين داخل الثوب وخارجه. ومن شك في ذلكَ فليراجع قضية -“كَجَمُو”-بين الرئيس لمين كُرَا غي المسلم والرئيس سنغور المسيحي، بمساندة غلامه ممدو جاه المسلم. وكل ما في الأمر أنه كان لهما مشروعا سياسيا مشتركا منذ الأربعينات إلى يوم اعتقاله 17 ديسمبر 1962م.

فالتاريخ _ يا سادة _ لا يكذب، لذا يريد أن يُكتب كمَا هوَ، فقد قال الرئيس مَمدو جاه ما معناهُ: ”فبعد أن شعرت بالمسافة الموجودة بيننا _ يقصد سنغور _ تركته حتى أخذ عطلته السنوية، وذهب إلى فرنسا، فوجدته هناك، وطلبت منه أن يبين لي سبب المشكلة لكي نقوم بالبحث عن الحلول لها، حتى أني ذهبت إلى أبعد من ذلك فطلب منه ترك جميع المهام لأجلهِ إن كان ذاكَ يرضيه أو كان هو الحل…“.

وصاحب العقل الرابع يعرف أنه لو كان للرئيس -جاه – مشروعا سياسيا إصلاحيا كمَا قالَ الأديبُ _ المخربش في التاريخ _ لصرح به، ويخبر الجمع بان سبب الخلاف بينه وبين سيده هو هذا المشروع الذي يتفوه به البعض في الشاشاتِ كل حين. ويجدر الإشارة هنا أن الرئيس جاه رغم مجهوداته الجبارة لخدمة الإسلام والمسلمين في السنغال [راجع فضلا كتاب: التاريخ السياسي للإسلام في السنغال، للأستاذ عبد الكريم سار]. إلا أنه كانَ عميلاً للرئيس سنغور، مرشده في السياسة. فقد استعمله للتخلص من أعدائه، ولما نجحا في ذلك بدأ سدار يفكر في كيفية التخلص منه، لأنه عميل لفرنسا، والكل يعرف نهاية العملاء وأنصارهم. فقد قال الرئيس جاه في إحدى مقابلاته مع الصحفيين الكبار: ”كنتُ أعمل بجانب سنغور حتى كأني أشبه “بَايْ فَالًا” له“. [الفيديو موجود في يوتيوب ] ومشهور أيضا كشهرة مدينة كُونيَا. زد على ذلكَ بأن هذا الميدال الشرفي _ بَايْ فَالْ _ لا يعلّق _ في بلدي _ إلا على صدر رجل أعطى كل شيء لسيده.

وقبل أن يَصف أحدٌ أحدًا – باي- نعت من نعوت، عليه أن يجمع البصر كرتين إلى الأرشيف، _ وخاصة مثقف ألمعي مثل السماوي _ عندئذ سترى بأن جاه وسنغور هما من قامَا بمنح تأشيرة دبلوماسية للشيخ أحمد تجان سي المكتوم فزار المكتوم غياهب السجن في دكارْ، وذنبه الوحيد هو أنه كانَ مثقفا مسلما لا حظَّ له في السياسةِ، ومكانه الذي يخصه هو المسجد، وإعطاء الإذن لأتباعه على التصويت لصالح “مَتَارْ” أو “بُولْلِ” فحسب لا غير!

والكل _ أقصد الموضوعيين والمنطقيين _ يعرف بأن الرئيسين قاما بتزوير نتائح الانتخاباتِ، بعدَ أن قاما أولا بمنع الجمعية الثقافية بممارسة السياسةِ لأنهم مسلمونَ يتبعونَ تعاليمَ الرسول لكن بأسلوب العصر، وحسب سير الزمان أيضا. مع أن في هذا الحزب الذي وصفه المراقبون بالاسلامية، كان يساعده شيخ الإسلام الحاج إبراهيم، والشيخ أحمد امباك “غيدي فاطمَ” وغيرهما من الأعلام والنبلاء في السنغال. لم لا تكتبون في مثل هذه المقاومات النبيلة، والمجهودات الجبارة التي قام بها الشيوخ العلماء؟!

ومن هنا أتطرح إلى الخربشة الثانية التي هي أكبر وأخطر من أختها، وأراد الكاتب الأديب _ المخربش في التاريخ _ تسريبه في سجلات التاريخ، وهي قوله بأن الشيوخ ساعدوا سنغور وهو عميل لفرنسا دونَ أن يساعدوا الرئيس جاه، وهذا أيضا ضرب من الجهل لتاريخ البلد، ونوع من أخذ الأحداث والوقائع عن السوقةِ والمارقين. والرئيس جاه لم يواجه قط سيده الرئيس سنغور، كما فعله الشيخ المسلم الصوفي الشيخ تجان سي وأنصاره من الشيوخ [راجع فضلا التاريخ السياسي للإسلام في السنغال، لمؤلفه الاستاذ عبد الكريم سار]. وكل الذين يحاولون التكلم في تلك الأزمة يظنون بأن الرئيس جاه كانَ لا يؤمن بالتطرق، وبزعمهم انه سلفي، وهذا بعيد عن الصوابِ، فلو كانَ كذلك لساند أنصار سنغور من الشيوخ سياسة ابن اخيهم وصديقهم شيخ تجان سي. ولكن السياسة هي السياسة حتى في العالم العربي والاسلامي ترى مثل هذه الوفقاتِ، ولا يجرأ احد من الطلبة وصف وأحد من هؤلاء بالخيانة وما شاكلها، ولكن السنغالي لا يحترم أحدا من بني جلده إلا إذا كان شريكه في العقيدة أو المذهب والحزب. وكانه في ذلك يريد تطبيق فلسفة الرئيس الأمريكي السابق “جورج بوش” الابن الذي كان يقول: [إما أن تكون معنا أو تكون ضدنَا]. ومع ذلك تراه يلعن سياسة أمريكا وفرنسا، وهو يشرب من ينابيعهم.

زد على ذلك أن هؤلاء الرجال الذين يقصدهم في المقالة، ساندوا في الانتخابات السالفة *الذكر* _ التي جمع بين السيدين الرئيس سنغور والشيخ أحمد تجان سي عام 1959م _ سياسةَ الرئيس سنغور وجاه، ولم يحرك واحد منهم ساكنا عندما قام الدكتاتوري الديمقراطي سنغور بسجن السياسي المسلم الشيخ تجان سي بعد هذه الانتخابات. وهذا ايضا لم يمنع الشيخ تجان سي من ربط علاقات جيدة مع هؤلاء الكبار أمثال الشيخ محمد فاضل امباك والشيخ سعيد النور تال وغيرهما؛ تعرف لماذا لأنهم أحرار في تدبير أمور دنياهم، ومساندة سياسة من يرون بأنه هو الأصلح للبلد وإن كان مجوسيا أو يهوديا؛ فقد أجاب الشيخ محمد الفاضل امباك على ذلك، فقال للذي سأله عن مساندته للرئيس سنغور المسيحي وهو مسلم وخليفة للمريدية: “نشاوره في أمور دنيانا وليس في امور ديننَا” [الفيديو موجود في اليوتيوب].

وقبل ان اواصل في السرد اطرح على الهواء _وعلى هواء إلى الكاتب البارع السماوي. _ هذه التساؤلات:

١- لمَ لا تذكرون مجهودات مام شيخ انتا امباك الكبيرة، ومجهودات شيخ الإسلام الحاج إبراهيم نياس، وكذلك مقاومات الشيخ احمد امباك “غيدي فاطمَ” وأخيرا مجهودات حزب التضامن السنغالي، التي قامَ بها جمهور من المسلمين والعلماء في البلد؟ إن كنتم مواطنين كما تقولون!

٢- لم لم تصف سنغور وغلامه “جاه بما تريد _ ظلما _ وَصفه للشيوخ العلماء رَحمة الله عليهم أجمعين عندما قاما بسجن زعيم حزب التضامن السنغالي، أو أن الزعيم هو من يخربش في لغة موليير وسكسبير؟ حسب مفهوم ورثة المستعمرين المغرورين.

ولا يخالفني كثير من الاخوة إذا قلتُ بأن بيت القصيد في منشور الكاتب الجريء، أنه يريد تثمين زعيمه السياسي فقط لا غيرَ. ثم محاولة تشبيه _ هو وامثاله _ مشروع سونكو السياسي _الذي لم أقف عليه بعد _ بمشروع سياسي خيَالي. وهذا نوع من الجنون السياسي؛ لأن الرئيس جاه وإن ألف كثيرا فكان مشروعه السياسي هو مشروع سنغور السياسي. وزعيمهم الشاب المقدس الملهم وصف مشروعات كل الحكومات السنغالية منذ الاستقلال بالفشل في بداية مشواره السياسي. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جهل الأديب الالمعي لبعض حقائق التاريخ في السنغال، زد على ذلك انه لو قرأ كتاب: [أعلام الهدى في غرب أفريقيا للاستاذ الباحث محمد جوف] لعرف بأن الرئيس جاه لم يكن يؤمن بالوساطة في الدين _ الخلافة _ حتى يضع ثقته في الشيوخ العلماء، فيخونه هؤلاء الكرماء حسب خربشات الكاتب. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: فكيف يخونه الشيوخ _ كما زعم _ وممدو جاه كان نسانا يكثر الصمت، ويعمل في الكواليس، فيفضل السكوت عن الثرثرة التي هي ديدن السياسيينَ. حتى قيلَ بأن الشيء الوحيد الذي جعله يزور سجن كيدغو هو صمته القاتل أثناء الأزمة الدستورية. وهذا عيب في السياسة، فسل عن النائب سونكو لم لم يسكت أثناء اندلاع قضية “سونكو أجي سار”.

والشيء الذي اسدل عنه الستار الأديب الألمعي هو، انه نسيَ أو تجاهلَ، أو لم يعرف الدور الفعال الذي لعبه الساسة، وخاصة اعضاء الجمعية الوطنية يومئذ لإسقاط حكومة الرئيس جاه. وبالأخص رئيس الجمعية الوطنية السيد لمين كرا غي، الذي حاربه الرئيس جاه اثناء أحداث “جكمبُو” في الأربعينات بدون خفاء. وإن كان لبعض الشيوخ درو في الأزمة _ كما زعم الكاتب _ فإن عددهم لا يجاوز اصابع يده اليمنى.

وأما ربط الاديب تلك القضية _ الأزمة الدستورية _ بقضايا الساعة في السنغال، وبالأخص قضية النائب السيد سونكو والسيدة أجي سار، فنوع من الثرثرة فقط في مجال البحث والتنقيب؛ لأن الرئيس جاه رحمة الله عليه، اعتقل، ثم سجن وهو يدافع عن الوَطن والشرف. وأما هذا الأخير، فالحق المر الذي لا يبوح به إلا ثلة قليلة من الناس هو ان السيد سونكو كانَ يتبع هواهُ حتى جرته إلى تلكَ الهاوية، فقد قامَ بزيارة المدلكات مرارا وتكرارا قبلَ أن يصل الامر إلى مسمع الكل. فلا تقدسوا زعيمكم أيها الأحباب، وتسبون الأموات علنا بلا حياء!

وقبل أن أفسح المجال لغيري أوصي نفسي والأحباب بالا نكتب لأن الناس يصفوننا بالجراءة وما شاكل ذلكَ. وخاصة في مجال التاريخ الذي لم ينجل _ بعض أحداثه _ لنا ليله بعد. والا يكون الكيل في المقالات كيل بمكيالينِ، لأن هناك شيوخ عارضوا سياسة سنغور ولا تسمعه في ألسن المثقفين، وهناك من عارضوا سياسة الرئيس أبدُ جوف، والرئيس عبد الله واد ولا ترى احد من المواطنين الحقيقيين يذكرونهم في صفحاتهم ومقالاتهم. كما عارض سياسة “إِبُو اندَفَ” شيوخ كرام وما قام احد منهم بتسطير حرف لتقدير تلك المجهودات وتشهيرها.

ابن الوطن الحاج الجلوفي.

Dakarnews.sn

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock