السياسةالعمل والمستجدات

مَن هُم أهل السُّنة والجَماعة؟

مَن هُم أهل السُّنة والجَماعة؟

مفهُوم أهل السنة والجَماعة:

أهل السنة والجماعة هي أكبر طائفة إسلامية وينتمي إليها الغالبية العظمى من المسلمين. من مصادر التشريع الإسلامي السني القرآن وسنة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – المتمثلة في الأحاديث النبوية المنسوبة إليه والصحيحة منها، ويأخذون الفقه عن الأئمة الأربعة، ويعتقدون بصحَّة خلافة الخلفاء الأربعة الأوائل: أبو بكر وعُمر وعثمان وعلي، ويؤمنون بعدالة كل الصَّحابة.

لقد ظل مفهوم أهل السنة والجماعة – تاريخيا – عنوانا لرفض الفرقة والفتنة، السياسية والفتنة المذهبية. ويشمل المصطلح طؤائف ثلاثا تتفق على المبادئ الأساسية… وهذه الطوائف هي الأثرية، والأشعرية، والماتريدية. [يُنظر: “عقيدة أهل السنة والجماعة عند الشيخ أحمد بامبا فكرا وممارسة” اعداد/ روض الرياحين محاضرة مغال 1431ه‍]‍.

أهل السُّنة والجَماعة ثلاث فرق : الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل – رضي الله عنه وأرضاهُ -، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري – رضي الله عنه -، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي – رضي الله عنه -، وأما فرق الضلال فكثيرة جدا. [ينظر كتاب “لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية”، لمؤلفه محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي، مؤسسة دار الخافقين، دمشق، ط 2 ، 1982، ج1، ص: 73]

وقال عبد الباقي المواهب الحنبلي الدمشقي بن عبد القادر في كتابه “العين والأثر”: “إنَّ طوائف أهل السنة ثلاثة: أشاعرة، وحنابلة، وماتريدية . [يُنظر كتاب “العين والأثر في عقائد أهل الأثر”، ص: 53 ط. دار المأمون للتراث/ دمشق، ط1، ص: 53 ]

وقال الإمام الزبيدي: “إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمُراد هُم: الأشاعرة والماتريدية”. [يُنظر كتاب “إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين”، للزبيدي، ج 2، ص: 8، ط القاهرة]

وقال طاش كوبري زاده مصنف كتاب “مفتاح السعادة”: “… ثم اعلم أنّ رئيس أهل السنة والجماعة في علم الكلام رجلان: أحدهما حنفي، والآخر شافعي، أما الحنفي فهو أبو منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي إمام الهدى، وأما الآخر الشافعي، فهو شيخ السنة ورئيس الجماعة، إمام المتكلمين، وناصر سنة سيد المرسلين، والذاب عن الدين، والساعي في حفظ عقائد المُسلمين أبو الحسن الأشعري البصري”.

تنبيه:

نجد هذا الكلام المستعرض هنا في مقدمة كتاب التوحيد، لأبي منصور الماتريدي، للدكتور فتح الله خليف، ص: 7]

وهذا المذهب أعني الماتريدي لم ينتشر بقدر انتشار المذهب الأشعري، ونكتفي بهذا المقدار، لبيان أنّ المذهب الأشعري أحد المذاهب المحسوبة على السنة.

وكان الإمام أبو المواهب الشّعراني – قدّس الله تعالی سرّه – يرى أن عقيدة الأشاعرة والماتريدية هي عقيدة السواد الأعظم من هذه الأمة وهي العقيدة التي تبناها ودافع عنها في كتبه العقدية فها هو ذا : “ثم لا يخفى عليك يا أخي أن مَدار جميع عقائد أهل السنة والجماعة يدور على كلام قطبين: أحدُهما الشيخ الإمام أبو منصور الماتردي، والثاني الشيخ الإمام أبو الحسن الأشعري، فكل من تبعهما او أحدهما اهتدى، وسلم من الزيغ والفساد في عقيدته، وقد ظهر أتباع الماتريدي فيما وراء نهر سيحون، وظهر أتباع الشيخ أبي الحسن في أكثر البلاد كخراسان والعراق والشام ومصر والمغرب، وغير ذلك من البلاد الإسلامية، فلذلك صار غالب الناس إذا يقولون إذا مدحوا عالما: فلان عقيدته أشعرية صحيحة، وليس مُرادهم نفي صحة عقيدة غير الأشعري من الماتريدية وغيرهم من أئمة الكلام السابقين على الإمام الأشعري”. [يُنظر كتاب “القواعد الكشفية”، ص : (90 ـ 91)].

مؤسّسُ الأشاعرة

ومؤسس المذهب الأشعري هو الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري الذي ينتهي نسبه إلى أبي موسى الأشعري. [ينظر: سير أعلام النبلاء ج15، ص: 85 رقم 51]

قال فيه السبكي – رحمه الله تعالى -: “شيخ طريقة أهل السنة والجماعة، وإمام المتكلمين، وناصر سنة سيد المرسلين، والذاب عن الدين، والساعي في حفظ عقائد المسلمين سعيا يبقَى أثره إلى أنْ يقُوم الناس لرب العالمين، إمام، حبرٌ، وتقي بر، حمى جناب الشرع من الحديث المفترى، وقام في نصرة ملة الإسلام فنصرها نصرًا مؤزرًا …”. [يراجع : “طبقات الشافعية الكبرى”، ج3 ص: 347 رقم 222، طبعة دار إحياء الكتب العربية / القاهرة].

وقال الإمام القاضي عِياض المالكي الحافظ: “وصَنَّف لأهل السنة التصانيف، وأقام الحُجج على إثبات السنة وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى، ورؤيته، وقدم كلامه، وقدرته، وأمور السمع الواردة؛ من الصراط والميزان والشفاعة والحوض وفتنة القبر التي نفت المعتزلة، وغير ذلك من مذاهب أهل السنة والحديث، فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة والدلائل الواضحة العقلية، ودَفَعَ شُبَهَ المبتدعة ومَنْ بَعْدَهُم من الملحدة والرافضة، وصَنَّف في ذلك التصانيف المبسوطة التي نفع الله بها الأمة، وناظر المعتزلة، وكان يقصدهم بنفسه للمناظرة … فلما كثرت تواليفه وانتفع بقوله وظهر لأهل الحديث والفقه ذَبُّهُ عن السنن والدين، تعلق بكتبه أهل السنة، وأخذوا عنه، ودرسوا عليه، وتفقهوا في طريقه، وكثر طلبته وأتباعه؛ لتَعَلُّم تلك الطرق في الذب عن السنة، وبَسْط الحُجَج والأدلة في نصر المِلّة، فسُمُّوا باسمه، وتلاهم أتباعهم وطلبتهم، فعُرِفوا بذلك – يعني الأشاعرة -، وإنما كانوا يُعرَفون قبل ذلك بالمُثْبِتة، سِمةٌ عَرَّفتهم بها المبتدعة؛ إذ أثبتوا من السنة والشرع ما نَفَوه … فأهل السنة من أهل المشرق والمغرب بحُججه يحتجون، وعلى منهاجِه يذهبون، وقد أثنى عليه غير واحد منهم، وأثنَوا على مذهبه وطريقته” اهـ. [يراجع كتاب ” ترتيب المدارك ” 5/ 24، 25، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب]

وقال الإمام الحافظ الحُجَّة أبو بكر البيهقي: “إلى أن بلغت النوبة إلى شيخنا أبي الحسن الأشعري – رحمه الله -، فلم يحدث في دين الله حَدَثًا، ولم يأت فيه ببدعة، بَل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين فنصرها بزيادة شرح وتبيين، وأن ما قالُوا في الأصول وجاء به الشرع صحيح في العقول، خِلاف ما زعم أهل الأهواء من أن بعضه لا يستقيم في الآراء، فكان في بيانه تقوية ما لم يدل عليه من أهل السنة والجَماعة ونصره أقاويل من مضى من الأئمة؛ كأبي حَنيفة وسفيان الثوري من أهل الكوفة، والأوزاعي وغيره من أهل الشام، ومالك والشافعي من أهل الحرمين، ومن نحا نحوهما من الحجاز وغيرها من سائر البلاد، وكأحمد بن حنبل وغيره من أهل الحديث، والليث بن سعد وغيره، وأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحسن مسلم بن الحجاج النيسابوري إمامي أهل الآثار وحفاظ السنن التي عليها مدار الشرع – رضي الله عنهم أجمعين -” اهـ [نقلا عن: تبيين كذب المفتري للحافظ ابن عساكر، ص: 103، ط، دار الكتاب العربي].

وقال قال الشيخ الإمام العلامة الحافظ تاج الدين السبكي: “اعلم أنّ أبا الحسن لم يُبدِع رأيًا، ولم يُنشِ مذهبًا، وإنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسُول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عَقَد على طريق السلف نطاقًا، وتمسك به، وأقام الحُجج والبراهين عليه، فصار المقتَدي به في ذلك، السالك سبيله في الدلائل يُسمى أشعريًّا” اهـ. [يُراجع “طبقات الشافعية الكبرى” 3/ 365، طبعة هجر]

وقال الشيخ الإمام الجليل والعالم العلامة الحافظ تاج الدين السبكي – رحمه الله تعالى -: “وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة – ولله الحمد – في العقائد يد واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجماعة، يدينون لله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى، لا يحيد عنها إلا رَعاع من الحَنفية والشافعية؛ لحقوا بأهل الاعتزال، ورَعاع من الحنابلة؛ لحقوا بأهل التجسيم، وبرأ الله المالكية؛ فلم نر مالكيًّا إلا أشعريًّا عقيدة، وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها عُلماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة ” اهـ. [يُراجع: كتابهُ ” معيد النعم ومبيد النقم ” ص: (75)، طبعة الخانجي]

ومهما يكن من أمر فيمكننا أن نقُول أنَّ عددًا كبيرا من عُلماء السنةو الفقه والحديث، قد تبع أبا الحسن الأشعري – رضي الله عنه – وقد اعتبر أتباعه مذهبه هو المنهج الصَّحيح للمذهب السني، ومن أبرزهم: القاضي أبو بكر الباقلاني، وجلال الدين السيوطي، وأبو حامد الغزالي، وإمام الحرمين الجويني، والسيف الآمدي، والشيخ محيي الدين زكرياء النَّووي، والعلامة الإمام السبكي، وشيخ الإسلام ابن حَجر العسقلاني، والعلامة أبو بَكر بن العربي المعافري، وفضيلة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وغيرهم.

ومَن أراد التَّفاصيل بشكل أوسع في هذا الباب فعليه بمراجعة مقدمة تحقيق دائرة روض الرياحين لِمنظومة “مواهب القدوس” للشيخ الخديم – رضي الله عنه – من الصفحة : 15 وما بعدها تحت عُنوان “أهمّ الفرق والمدارس العقدية”.

خصائصُ المذهب الأشعريّ

يتميز المذهب الأشعري بخَصائص من أهمِّها:
1- الوسطية عقيدة ومنهجا
2- الاعتدالُ في الأحكام
3- العقلانية والمنطقية
4- السُّنية
5- المرونة في التعامل مع الواقعِ .

ومَن أراد التَّفاصيل بشكل أوسع في هذا الباب فعليه بمراجعة مقدمة تحقيق دائرة روض الرياحين لِمنظومة “مواهب القدوس” للشيخ الخديم – رضي الله عنه – من الصفحة (27 -30) تحت عُنوان “أهمّ الفرق والمدارس العقدية”.

إسهاماتُ العُلماء السنغاليين في نشر العقيدة الأشعرية

ولا يشكُّ كلّ من لهُ أدنى مسكة من علم وبصيرة أنَّ السواد الأعظم من الشعب السنغالي يعتمدون في العقيدة على مَذهب الإمام أبي الحسن الأشعري – رضي الله عنه -، وفي الفقه على مَذهب الإمام الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة – رحمه الله -، وفي التصوف على طريقة الإمام الجُنيد السَّالك – رحمه الله – كما قال ابن عاشر في منظومته” المرشد المعين على الضروري من علوم الدين” من بحر الرجز:
فِي عَقد الأشعَري وفقه مَالكِ = وفِي طريقة الجُنيد السَّالكِ

وفي هذا المضمار يقول الباحثون : “فلم يبرح الشَّعب السنغالي – إلا من شذَّ – متمسكين بعقيدة أهل السنة والجماعة العقيدة الأشعريّ، وبالفقه المالكيّ، وبالتصوف الجنيديّ، ولم يظلُّوا يعضُّون على ذلك بالنواجذ، حريصين عليه متشبتين به، لكونه إسلاما وسطا، وجُزءا من هويتهم، ومن الثوابت التي تجمع شملهم وتؤلف قلوبهم وتضمن لهم الوحدة والاستقرار.

وقد كان أسلافُنا – رحمهم الله تعالى – على ذلك النهج القويم، أشعريين عقيدة، ومالكيين فقها، مع اتخاذ التصوف منهجًا في التربية والتزكية، فضلاً عن بَذلهم النفس والنفيس من أجل حِماية وحدة هذا الشعب المسلم، والحفاظ على تلك الثوابت، وصَونها عن كل ما من شأنه أن يفضي إلى زَعزعتها أو القضاء عليها.

فكتبوا وألفوا في ذلك من الكتب ما يكلُّ اللسان عَن إحصائه، ويني القلم عن استقصائه.

نقلا عن مقدمة كتاب “منظومتان في العقيدة والفقه والتصوف (تزود الصغار إلى جنان الله ذي الأنهار، وتزود الشبان إلى اتباع الملك الديان)، للعالم العلامة الشيخ أحمد بن حبيب الله خديم رسُول الله – صلى الله عليه وسلم -، بِعناية وتعليق دائرة فتح الغفار بالمغرب، ص: (5).

قال الشيخ الخديم – رضي الله عنه – في قصيدة موجودة فِي ديوان “مَراقي الأمن والسَّعادة”:
أحمدُه مُذ جادَ بالعقائدِ = والفقهِ والتَّصوُّف المُساعدِ

وكان الشَّيخُ الخَديم – رضي الله عنه – يعتبر عَقيدة الأشعرية دِينا يَدين بها فها هو ذا يقولُ في قصيدته التي مطلعها:
يقُول أحمَدُ الفَقيرُ جِدَا = الطُّوبوي القَادرِي وِردَا
هَذا، وإنِّي اليَوم ذُو رِضَاء = باللهِ ربًّا حُقَّ بالثناءِ
وبهُدَى الإسلامِ دِينًا وسَبيلْ = وبِمحمَّد نبيًّا ورسُولْ
وبكتابِهِ وَبالبيتِ دَليلْ = وَقِبلةً لغَيرهَا لَستُ أميلْ
وبعقائدِ السَّنوسِيِّ الشَّريفْ = عَقائدًا فِي حَقّ ربِّنا الَّلطيفْ
وبِطريقَة الشَّريفِ الجِيلي = طَريقة تَمنعُ من تَضليلِ
وبتَفقه الإمامِ مالكِ = تفقُّها يَمنعُ مِن مَهالكِ

[يراجع كتاب “منن الباقي القديم في سيرة الشيخ الخديم”، للشيخ محمد البشير امباكي، بتحقيق الدكتور محمد شقرون، ص: (161)]

وفي قولِه: “وبعقائد السَّنوسي” إشارة إلى الإمام السَّنوسي الذي كان من زمرة الأشاعرة صاحب “أم البراهين” الذي قام الشيخُ الخَديم – رضي الله عنه – بنظمه الذائع الصِّيت بـِ”مواهب القُدوس في نظم نثرِ شيخنا السَّنُوسيّ” الذي يُعتبَرُ مِن بَواكير انتاجاتِه العِلمية. فقَد ألفه وهُو في العقد الثالث من عُمره وفِي حَياة والده الذي استحسَنه وتلقَّاه بالقبُول، وصار عمدتَه في التدريس بدلا من ورقات السَّنوسي أعني أمَّ البراهين، فَدرَّسَهُ بعض تلامذتِه كالشيخِ محمَّد الخليفة المَعروف بشيخ تْتُورُو Cheikh Thioro، وسَرين عَافية واسمه أحمد المُختار، من إخوانِ العَبد الخَديم سُيوطيّ زمانِه، وهُما من أبناء الشيخ محمد بن حبيب الله امباكّي المشهور بـِ ممَّر أنت سل mamar Anta s Saly Mbacké المتوفى سَنة 1881م 1300ه‍ فِي مدينة امباكي كجُور مهد الطريقة المُريدية ودُفن فِي مقَابر دقله Dkhele وهي قرية كان أهلها من قديم الزمان بررة صالحين – رضي الله عنهم ورحم الجميع – .

والقمين بالذِّكر هُنا أنَّ هَذا الكتابَ متقدم عَلى نَظيريه مَسالك الجِنان وتزود الصِّغار فِي التأليفِ. [يُراجع كتاب “إرواء النَّديم”، بتحقيق الدكتور محمد شقرون، مؤسسة الأزهر الإسلامي بالسنغال، 2006 م، ص: 63، ومنظومة “مواهب القدوس” طبعة محقّقة نشرته دائرة روض الرياحين، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 1437ه‍ / 2016م، ص: 40 -41)

وفضلا عن ذلك كان الشَّيخُ الخديم – رضي الله عنه – يُوصي جميع المُريدين ويأمُرهم بتعلم العقيدة الصَّحيحة في بداية تعلُّمهم، حيث قال في منظومتهِ “مَغالق النيران ومفتاحِ الجِنان”:
وليَعلمنْ كلُّ ذكيٍّ وبليدْ = أنَّ الذي يُخالفُ الحَقَّ طريدْ
والحقُّ بَدء العَبد بالتَّوحيدِ = والفقهِ عن تَصوُّف مُجيدِ
مُنتهجا مذهبَ أهل السُّنه = مع الجماعَة وتلك الجُنه

والمعنى أن الاعتصام بالتوحيد وأخويه الفقه والتصوف هو سبيل الوحيد لِلنجاة من نار الجَحيم، وسببُ الفوز بجنة النَّعيم.

وقال في منظومته “تزود الشبان”:
يا مَعشَرَ الشُّبان إنْ خِفتُم خَجلْ = فقدِّموا تَعلُّما علي عَمل
فقدِّموا العَقائدَ السُّنيةْ = مُجرَّداتٍ عَن فِرًى ومِريةْ

ثم يأمُرنا بِأن نكُون مؤمنين مسلمين مُحسنين مُواظبين على العقائد السُّنية، والعباداتِ المَرضية دون الالتفات إلى غير الله تَعالى الكريم، ثم يأمرنا بالدُّخول فِي عصمة الإيمان للنَّجاة من الكفر، وفي حماية الإسلام للخَلاص مِن الفسق، وفي أمان الإحسان للسَّلامة من الرِّياء.

وقال:
كُنْ مُؤْمِنًا وَمُسْلِمًا وَمُحْسِنَا = إِنْ رُمْتَ سَيْرًا لِلْإِلَهِ تُحْسِنَا
لَا تَتْرُكِ الْعَقَائِدَ السُّنِّيَّهْ = وَلَازِمِ الْعِبَادَةَ الْمَرْضِيَّهْ
وَلَا تَكُنْ مُلْتَفِتًا لِغَيْرِ مَنْ = لَهُ الْعِبَادُ وَالْفِعَالُ وَالزَّمَنْ
يَعْصِمُكَ التَّوْحِيدُ مِنْ كُفْرٍ قَبُحْ = وَالْفِسْقَ تَكْفِيكَ الْعِبَادَةَ فَبُحْ
وَمِنْ رِيَاءٍ يَعْصِمُ الْإِحْسَانُ = قَلْبَكَ هَذِهِ هِيَ الْحِسَانُ
[مجموعة وصايا وأجوبة الشيخ الخديم، ص: (15)]

وقال – رضي الله عنه – في منظومته “تزود الشُّبان”:
ومن يَّحِد عَنِ السَّوادِ الأعْظمِ = بلا دليلٍ واضِح لم يَسلمِ
إذ فِي بُنيَّاتِ الطريقِ يخشَى = سارٍ ضَلالا أو هَلاكا يَغشَى [1]

وفي هذين البيتَين رد مفحم على هذيان المنحرفين الذين يزعمون أن الأشاعرة ليست من أهل السنة والجماعة إعمادا على نظرهم القاصر ولاحتِكارهم النَّجاح لأنفسهم دُون غيرهِم.

ومما يُؤكد عنايته بالتوحيد هَذه الرِّسالة الوَاردة فِي الإرواء للدغاني وهَاكم النصّ تبركا به حَيث يقُول فِيها: “إِنَّهُ مِنِّي إِلَى جَمِيعِ الْمُرِيدِينَ وَالْمُرِيدَاتِ سَلَامٌ طَيِّبٌ يَعْصِمُ الْجَمِيعَ مِنَ الْمَرِيدِينَ وَالْمَرِيدَاتِ وَيُدْخِلُ الْجَمِيعَ فِي السَّلَامَةِ وَالْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِجَاه رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَمَرْتُ كُلَّ مَنْ تَعَلَقَّ بِي لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى الْكَرِيمِ بِتَعَلُّمِ الْعَقَائِدِ وَالْتَّوْحِيدِ وَأَحْكَامِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاة وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ مَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ، وَإِنِّي تَكَفَّلْتُ لَكُمْ وَلَكُنَّ بِتَوَالِيفِ يَكُونُ فِيهَا جَمِيعُ ذَلِكَ لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى الْكَرِيمِ، والسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُه”. [إرواء النديم المحقق، ص: (72) ].

وقد جعلَ تعلُّم ما يجبُ على المكلَّف من العقائد وأحكام الشَّريعة والطهارة والصلاة وما وما جرى مَجراها شَرطا من شُروط الورد المأخوذ.

وللهِ در القائل:
ومِن نَحوِكَ المنْحُوِّ نَحوُ ابن مالكٍ = ومِن عَقدِكَ المعقُودِ عَقدُ الأشَاعرِ
[ينظر: دواوين شعراء المُوريتانين، ص: 110]

وقال الشَّيخُ مختار بنت لوح في مدح الشيخ الخديم:
على زَمن فيه العَقائد كلّها = تكادُ على الإشراك بالله في العَزم
ورامت سَرايا الروم أيَّ شنيعةٍ = وطاوعَهم شم الأنوف عَلى رغم
فجاء بآياتٍ تلألأ فوقها = تباشير نَصر الله للعمي والصم
فسَلَّ من التَّوحيد سَيفا تزلزلتْ = دَعائم جيشِ الشِّرك منه على هَزم

وقد أحسَن وأجاد من قال:
الأشعريُّ ما له شَبيهُ = حَبْرُ إمام عَالمٌ فَقيهُ
مَذهبُه التوحيدُ والتنزيهُ = وما عَداهُ النفيُ والتَّشبيهُ
وليسَ فيمَا قاله تَمويهُ = وصَحبه كلُّهمُ نَبيهُ
مَا فِيهمُ إلا امرؤٌ وَجيهُ = فِي قَوله علَى الهُدى تنبيهُ
فَمن قلَى أصحابَه سَفيهُ = وَمن رَأى تَضليلَهم معتُوهُ
[ينظر: “مواهب القدوس في نظم شيخنا السَّنوسي، للشيخ الخديم – رضي الله عنه -، دراسة وتحقيق: دائرة روض الرياحين، ص: (33 وما بعدها)]

مِن إسهَام الشَّيخ الخديم – رضي الله عنه – في العقيدة الأشعرية

وللشيخ الخديم – رضي الله عنه – مُؤلفات عديدة في العقيدة الأشعرية السَّائدة في السِّنغال بَعضها يَكون كتابًا مُستقلاً وبعضها يُوجد في كتبه التي تعالج أقسام الإسلام الثلاثة: الإيمان والإسلام والإحسان، ويُوجد بعضها في مواضع مُنتشرة من رسَائله وفتَاويه.
وهَا أنا أذكر لكَ ما حَضرني من أسماء تواليفهِ فِي هذا الفنِّ:
مَواهبُ القُدوس فِي نظم نثر شَيخنا السَّنوسي فِي العقيدة الأشعرية، للشيخ أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي. تبلغ عدد أبياتها 650 بيتًا. (مطبُوع بتحقيق دائرة روض الرياحِين طوبى).
وجَذبة الصغار عَن لعب لخِدمة المختار : وهو نظم يحتوي على التوحيد، صَغير الجِرم وجَليل الفَائدة يقع فِي 154 بيتا.
والخِدمة المطهرة.
وفَتح الفتاح العليم الخَبير في بث علم يؤدي إلى الأجر الكبير.
ومنظومة فَيضُ الغني المُغني فِي نَظم ما عن السُّلوك يُغني، أرجوزة قيّمة عقد بها مقدمة رسَالة ابن أبي زيد القَيرواني. فقَد أبدع فيها وأجَاد يَبلغ عدد أبياتها 210 بيتًا.
وجَالبة السَّعادة.
وجمع المقامات التي فَر إليها القَوم فِي شَرح قَصيدة “لا تأخُذه سنة ولا نوم”.
وفيضُ العَليم الخَبير الوحِيد فيما لا يستغنى عنه من التوحيد.
وفتح الظاهر البَاطن، فِي نصيحة الرّاحل والقَاطن.
ومَواهب القُدوس فِي نَظم ما نَثره السَّنوسي الذي يتضمن الصفات الواجبة والمستحيلة والجَائزة في حقِّ اللَّه وفي حَق الرسل، كما أودعَ في ثنايا منظومتي تزود الصِّغار وتزود الشبان ما يتعلق بالتَّوحيد عَلى المذهب الأشعريّ في القسم الأول، هذه وغَيرها من الكتابات المُبعثرة هُنا وهناكَ [2].

ولابن خَاله العلامة ومفتي البلد الشيخ سرين امباكّي بوسو – رضي الله عنه – كتاب في العقيدة الأشعرية تحت عُنوان “أمان البليد من خطر التقليد”، وكما ألف الشيخ سرين أحمد سُوكون دم – رحمه الله تعالى – كتاب “إفادة المستفيد في عقائِد التوحيد”، و ألّف الشيخ الحاج مالك سه في هَذا الفنّ كتابهُ “هِداية الوِلدان فِي فَنِّ التوحيدِ”.

ولله درّ الباحث الأديب والأخ اللبيب أبي مدين شعيب تياو – حفظه الله تعالى ورعاه -: “كان الشّعبُ السِّنغاليّ مَعصومًا من الفتن التي نشبت في كثير من البلاد الإسلامية، ومكلوءًا من الحُروب التي مردُّها الاختلاف في المنحى الكلامي أو المذهب الفقهي، فقد اجتمعت كلمتهم ورُصَّ بُنيانُهم بفضل العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف الجنيديّ؛ فهذا الثالوث ظل السوادُ الأعظمُ من السِّنغاليين ـ إلَّا من شذَّ ـ عاضين عليه بالنواجذ، متشبِّثين به لكونه من الثّوابت التي تجمعُ شملهم وتؤلّف قلوبهم وتضمن لهم الوحدة والأمن والاستقرار.

وقد بدأت السنغال تصطلي بنيران الاختلاف المذهبيّ، وتسربت إليها الشيعة والفرقة الوهابية؛ فهاتان الفرقتان طفقوا ينشرون أفكارهم في النّشء، وأخذوا يستعملون مختلف الوسائل لتأييد مذهبهم؛ فلهمْ أريحية في الإنفاق على كل ما يخدم مصالحهم، وعلى كل من يساعدهم في تأييد مذهبهم، ولاسيما إذا كان على مستوًى عالٍ من العلم والمعرفة، أو ذا سمعة واسعةٍ وذِكر نابهٍ، فضلا عن الأعمال الخيرية التي يقومون بها صباحَ مساءَ !”. [ينظر: مقالته المعنونة بـ “لمن الملك يومئذ !؟!]

الخاتمة

ومن خلال مَا أسلفنا في السُّطور المتقدّمة يُمكن أن نستنتج أن العقيدة الأشعرية هي عَقيدة السَّواد الأعظم منذ العُصُور الغابرة إلى وقتِنا الرَّاهن، وقد خدم لها العُلماء الأجلاء بنَشرها عَن طريق كتابة كُتب فيهَا وكانُوا يدرسُونها في المَجالس العِلمية التقليدية وما زال النَّاس على اختلافِ مُستوياتهم يعكفون على تعلّمها ويَستفيدُون منهَا استفادة تامة؛ الأمر الذي يَدل عَلى عِنايتهم الفائقة بها، وحِرصهم الشّديد عليها، وعَلى الخَلفِ أن يصُون آثار السَّلفِ خوفا مِن الضَّياع والاندِثارِ.

بقلم الأخ الباحث سَرين امباكي جوب خضر الطُّوباوي خريج معهد الدُّروس الإسلامية ومدرس اللغة العربية والشريعة الإسلامية في معهد الخليل الإسلاميّ

حرر في شهر شعبان 1439ه‍ – أفريل 2018م

الهوامشُ:

1- وهذا البيت الأخير من “إضاءة الدجنة” للمقري، بلفظ: “وفي بُنيّات إلخ” يراجع منظومتان في العقيدة والفقه والتّصوف، عناية وتعليق: دائرة فتح الغفار بالمغرب.

2- يُنظر: كتابات الشيخ الخديم في التَّوحيد، دراسَة وتحليل: إعداد شيخنا خديم امباكي، وبحثنا المعنون بـ “عِنايةُ الشيخِ الخَديمِ الهَجيد – رضي الله عنه – بِتَوحيدِ ربّ العبادِ والبلادِ”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock