دورة التاريخ بين يقظة المغفلين من الشعوب و رقاد المخدرين من رجال الدين
“تنويريات”
دورة التاريخ بين يقظة المغفلين من الشعوب و رقاد المخدرين من رجال الدين
عرفت السنغال رجال دين شعروا بمسئوليتهم تجاه الدين و الوطن، و أدوا واجبهم في الدفاع عن الإسلام و خدمة الشعب، فلم يستغلوا مكانتهم الاجتماعية لخدمة مصالحهم الشخصية و الطائفية، كما هو الحال مع الكثير من المشائخ التقليديين في السنغال. بل كانوا أصوات مدوية تجاوزت الأنانية الضيقة و الطائفية المقيتة لتعبر عن قضايا الأمة و هموم الشعب، و تندد بتهميش الدين و محاربته تحت نظام العلمانية، و الظلم السياسي و الفساد الإداري: فوجد الدين عندهم حصنه الحصين كما وجد الشعب فيهم ملاذه الآمن.
أذكر منهم من رحل عن الدنيا و خلد في التاريخ فلا يزال صدى أصواتهم يتردد في القلوب تخاطب الأمة عن بعد، و توقظ الضمائر كلما حلت بالدين نكبة، او نال الشعب ظلم من الغول السياسي.. من أمثال: الشيخ أحمد امباكي غايندي فاطم، الشيخ عبد العزيز سي دباغ، الشيخ صمب جالو، الأستاذ سيدي الأمين انياس…
و هم من الأحياء من تعرفون و تعرفهم المنابر في حمل قضايا الأمة و هموم الشعب، و في العقول ذكرهم و في القلوب حبهم: ﴿مِنَ المُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَما بَدَّلوا تَبديلًا﴾ الأحزاب: 23.
و بين هؤلاء و أؤلئك عاش و يعيش جم غفير من رجال الدين عاشوا لأنفسهم فماتوا في صمت و ذهبوا أو سيذهبون إلى قبورهم طي النسيان. و هكذا التاريخ يكافئ المناضلين الشرفاء بالخلود فيكون عمرهم هو عمر الفضيلة و العدل و الحرية في خلودها. و يعاقب الأنانيين و المتخاذلين بالنسيان منذ أن دار دورته: فإذا الشعوب التي طال رقادها بفعل الدجل الديني و الاستخفاف السياسي تستيقظ و تثور للتحرر من القيود و الأغلال كلها مهما أضفيت عليها القداسة. و أصبح الذين لم يدركوا هذه الثورة العقلية للشعوب من الساسة و رجال الدين في سبات عميق. لقد تغير الحال فأصبح الساسة و رجال الدين التقليديين هم الذين يرزحون تحت أغلال الأوهام بعد ان تحررت منها الشعوب و تجاوزتهم كثيرا.
إنه في سبات عميق من يعتقد من الساسة أن الاستخفاف السياسي للشعوب و التلاعب بدساتيرها و النهب لثرواتها و القمع لمناضليها يمكن أن تمر بلا معاقبة و تأديب.
و إنه في سبات عميق من يعتقد من رجال الدين أن تعطيل عقول الشعب عن التفكير، و كبح أجنحتهم عن التحليق في أجواء الحرية، و الاختيار لهم رغم أنوفهم لمن يصوتون له، و لمن يدفعون له أموالهم و وقتهم بل و مهجهم قد يجد آذانا صاغية. فهذا العصر قد أصبح في ذمة التاريخ، و الذين يعيشون فيه إنما يعيشون في الأوهام.
فلا مكان في هذا العصر، عصر العولمة و الثورة التكنولوجية و العقلية و الديمقراطية العلمية و حرية الكلمة لمن لا يأخذ سيادة الشعب بعين الاعتبار، و لا يعير اهتماما لهمومه مهما كان اللقب الذي يحمله، او النسب الذي ينتمي إليه. بل لا مكان فيه إلا لمن جعل هموم الشعب في قلب اهتماماته و كان صوتا معبرا لآماله و آلامه. فهو الذي يحظى بثقة و احترام الشعب إن تكلم استمع إليه و إن أذن أطاعه و إن احتاج أنفق عليه و إن ظلم ذاد عنه بالمهج.
عبد القادر عبد الرزاق انجاي