الثقافةالدين و الترييةالسياسةالعمل والمستجدات

السيد محمد المحمود انيانغ – حفظه الله تعالى –

السيد محمد المحمود انيانغ – حفظه الله تعالى –

ولد السيد محمد المحمود انيانغ – حفظه الله – في منتصف شهر ربيع الأول عام 1345 الهجري الموافق لشهر أكتوبر عام 1926 الميلادي بمدينة طوبى. وقد كفاه شرفا أن تولى مولانا الشيخ الخديم شخصيا تسميته محمد المحمود. وكتب هذا الاسم بيده الميمونة آمرا بلسانه المبارك أن لا يغير بحال من الأحوال، لأن خير الأسماء حسب الحديث النبوي الشريف {ما عبَد أو حمد} وهذا الاسم الموصوف قد حمد كل جزء منه.

تربى وترعرع الأخ في حجر والده العزيز سرين عافية أحمد انيانغ حواء ـ رحمه الله ـ ووالدته السيدة آمنة كَنِّ امباكي – رحمهما الله – .

تعلم القرآن الكريم علي يدي ابن خالته سرين بوسو فاط كن رحمهما الله ثم ارتحل بعد هذه الفترة إلى مدينة جوربيل حيث نزل عند الأستاذ الشيخ محمد ديم العالم الكبير وتعلم منه بعض مبادئ العلوم الدينية كالتوحيد والفقه والتصوف والنحو. إلخ وذلك في أوائل سنة 1947م. وفي سنتي 1951م ـ 1952م رجع إلى طوبى مزودا بقسط وافر من العلوم التي كانت تدرس في البلاد آنذاك.

وفي سنة 1945م غادر الأخ محمد المحمود السنغال رغبة في الالتحاق بالأزهر الشريف في مصر لمتابعة دراساته هناك. وفي صدد ذلك سلك طريق الصحراء كمغامر عبر بعض البلدان الأفريقية كمالي وساحل العاج وغانا ونيجيريا وتشاد والسودان. ومن بور سودان وجه رسالة إلي شيخ الأزهر الشيخ عبد الرحمان تاج ـ رحمه الله ـ طالبا منه منحة دراسية للالتحاق بجامعة الأزهر في سنة 1955م. ورد الشيخ عليه بالقبول.

غير أن القنصل الفرنسي بالخرطوم نصب أمامه عراقيل وصعوبات حالت دون تحقيق رغباته من تلك الناحية. ولكن يا له من فشل فظيع! فلقد استطاع أخونا المحبوب أن يجد من العلم داخل البلاد كل ما كان ينوي الحصول عليه خارجها. فلله الحمد والشكر علي ذلك إلا أن موقف ذلك المستعمر الهدام ومؤامراته الخبيثة أدت إلى خروجه من المستعمرات الإنجليزية إلى المستعمرات الفرنسية. فاضطر إلى امتثال أوامر القنصل ذاهبا إلى فور لامي عاصمة تشاد حيث أقام سنة كاملة بحثا عن الوسائل التي قد تساعده علي حل مشاكله.

وذلك في سنة 1956م وفي أواخر السنة التالية (1957م) استدعاه عمه وشيخه مولانا الحاج محمد الفاضل امباكي الخليفة العام للطريقة المريدية بواسطة الحاكم العام الفرنسي بدكار. وتم إرجاعه فورا إلى السنغال على متن طائرة من الخطوط الجوية الفرنسية. وكان وصوله إلى مطار دكار يوف نهار 27 يوليو 1957م وأمره عمه الخليفة العام بالبقاء بجانبة ليتولى مهام استقبال الضيوف الوافدين من البلدان العربية خصوصا.

وفي سنة 1958م سافر إلى البلاد المقدسة لأداء الحج والعمرة. وفي سنة 1963 شكل الخليفة العام وفدا رسميا إسلاميا برئاسة ابنه الأكبر الشيخ محمد المصطفى فاضل امباكي وكان الوفد السالف الذكر مكونا من محمد الأمين امباكي المشهور ب الحاج بار، ومحمد قبان امباكي، والمترجم له سكرتيرا باللغة العربية، ودام درامي سكرتيرا باللغة الفرنسية وسرين بوسو شفور، والدكتور فال بوصفه طبيبا لهم، وفي طريقهم إلى بيت الله الحرام نزلوا بالقاهرة حيث قابلهم الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة، والإمام الشيخ شلتوت شيخ الأزهر، ومحمد توفيق عويضة الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وكذلك نزلوا ببيروت حيث قابلهم رئيس الجمهورية اللبنانية. ثم واصلوا السير إلى مكة لأداء الحج والعمرة. زاروا المدينة المنورة ثم رجعوا إلى جدة حيث قابلهم الملك فيصل ابن عبد العزيز آل سعود.

في سنة 1964م توفي والد المترجم له المرحوم الشيخ عافية أحمد انيانغ وأصبحت مهمة تدبير شئون الأسرة معلقة على عاتق أخينا محمد المحمود. وفي سنة 1968م انتقل عمه وشيخه الحاج محمد الفاضل إلى جوار ربه – رضي الله عنه -. وفي نفس السنة تولى مولانا الشيخ عبد الأحد امباكي ـ رحمه الله ـ أمور الخلافة، فعينه أمينا خاصا له. وبذلك شرع في تدبير شئون الدوائر واستقبال ضيوف الخليفة ولاسيما الوافدين منهم من البلدان العربية. وذلك لمدة إحدى وعشرين (1968 ـ 1989م) هي فترة خلافته.

وفي غضون هذه المدة بذل الأخ جهودا كبيرة وحميدة لمساعدة الخليفة العام على تسيير الخلافة بصفة مرضية، مما أدى إلى تحسين العلاقات ليس بين مختلف المنتسبين إلى المريدية فحسب، ولكن بينهم وبين بقية الطوائف الدينية السنغالية أيضا، ثم بين المريدية والسلطات الحكومية. أضف إلى ذلك أن العلاقات بين المريدية والعالم الإسلامية أصبحت نموذجا في جو يسوده الثقة والتفاهم فنرى بانتظام سفراء البلدان المسلمة يزورون طوبى كلما سنحت لهم الفرصة، وفي خلال هذه المدة كلفه الخليفة العام بمهمات منها:
ـ إرساله إلي طرابلس في ليبيا لحضور مؤتمر الشباب المسلم العالمي المنعقد من 13 إلي 25 يوليو 1973م.
ـ إيفاده إلي باريس للاشتراك في الأسبوع الثقافي الإسلامي المريدي عن حياة الشيخ الخديم المنعقد في اليونسكو من 30 يونيو إلى 7 يوليو 1979م.
ـ حضور مؤتمر في العراق في عام 1981م بدعوة من وزير الأوقاف والشئون الإسلامية برفقة الحاج جِيلِي امبَيْ والحاج انجُوغَا كِيبِي وسرين مصطفى صالح وسرين شام امبَيْ والشيخ عبد الأحد فاضل وسرين صالح محمد المصطفى سفير السنغال آنذاك في العراق. وقد اغتنموا تلك الفرصة لزيارة بعض المدن والأماكن المقدسة والتاريخية مثل: بغداد والكوفة وكربلاء والنجف وبابل وبعض الأضرحة مثل ضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ محمد الكاظم والجنيد والسري السقطي ومعروف الكرخي والصحابي الجليل سلمان الفارسي بعد زيارة الإمام علي بن أبي طالب وابنه سيدنا الحسين والإمام أحمد بن حنبل وإبراهيم الخواص – رضي الله عنهم أجمعين -، كما شاهدوا مناظر فتانة من معارك القادسية وإيوان كسرى إلخ.
ـ ثلاث رحلات في ثلاث سنوات متتابعة إلى القاهرة (1981 ـ 1983م) لتجهيز المكتبة الخديمية بكميات ضخمة من الكتب الدينية والثقافية العامة.
ـ إرساله لحضور العيد الألفي للأزهر الشريف في القاهرة سنة 1983م.
ـ رحلة إلى الدار البيضاء بالمغرب أولا لطبع كتاب مسالك الجنان سنة 1983.
ورحلة أخرى عام 1989 إلى نفس المدينة لطبع ثلاث دواوين من مؤلفات مولانا الشيخ الخديم – رضي الله تعالي عنه – في الفقه وفي التوحيد والتصوف والأخلاق وفي الأمداح النبوية.

وبعد انتقال الخليفة العام الشيخ عبد الأحد إلى جوار ربه عينه الخليفة الجديد الشيخ عبد القادر – رضي الله عنهما – أميينا خاصا له ليتولى نفس المهام التي كان يشغلها في خلافة الشيخ عبد الأحد – رضي الله عنه -.

وبالإضافة إلى البعثات التي كلفه بها الخليفة العام فقد قام أخونا محمد المحمود في سنة 1980 برحلات إلى بعض البلدان الإسلامية لتفقد جامعاتها ومعاهدها مثل جامعة القرويين بفاس في المغرب وجامعة الزيتونة بتونس، ومعهد رقادة بالقيروان بتونس والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (العربية السعودية) ورابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة حيث استقبله الشيخ علي حركان. وجامع الأزهر الشريف بمصر.

إلا أن أخانا مؤلف الكتاب {النهج القويم} لم يكتف بزيارة المدن والأماكن الإسلامية المقدسة فحسب وإنما قام بالإضافة إلى ذلك برحلات سياحية في دول غربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا ورومانيا، وفي دول أفريقية مثل ساحل العاج والغابون وأثيوبيا.

وبعد هذه النظرة الخاطفة على المهام الدينية والثقافية والإدارية التي تولاها أخونا محمد المحمود خلال خلافة الشيخ عبد الأحد رضي الله عنه نستطيع أن ندرك مدى خبرته وقدرته على الكتابة في شتى الميادين ولاسيما فيما يتعلق بسيرة الشيخ الخديم وخلفائه الراشدين فلقد كان ولم يزل أخونا آية في العلم والحلم والجود والحفظ. ولنا يبراهين قاطعة على كل واحد من هذه العناصر ولكن خوفا من التطويل نكتفي بالعنصر الأول وهو العلم لسهولة البرهنة عليه. إذ كل من عاشر السيد محمد المحمود أو اقترب منه يعرف مدى تمكنه من العربية بصفة عامة ومن الشعر بصفة خاصة. فقد نظم الشعر في عدة مناسبات لمدح آل بيت الشيخ الخديم رجالا ونساء. وثقافته الواسعة وحديثه الممتع جعل الخليفة الحالي مولانا الشيخ صالح امباكي ـ أطال الله بقاءه فينا ـ يستأنس به ويطلب مرافقته في تنقلاته إلى البساتين وفي داره.

أما في مجال التأليف فنعرف أن المترجم له قد تجرد منذ عهد قديم لكتابة مقالات في الصحف والمجلات المحلية والعربية: كمجلة الأمة السنغالية. والمسيرة. والسنغال الجديد. والعهد الجديد. والأهرام المصرية. والشباب. والمستقبل… وقد ألف في نفس الوقت كتبا نذكر منها علي سبيل المثال {جَارْ جَارِ بُرُومْ طُوبَى} {والنهج القويم في سيرة الشيخ الخديم} هذا الكتاب القيم الذي لا أعرف له مثيلا في موضوعه. فمؤلفه علاوة على ثقافته العالمية. قد عاش وحفظ وسجل معظم الحوادث التي يسردها في كتابه ويمكن كذلك اعتبار هذا الكتاب من أصح ما كتب عن المريدية حتى الآن.

جزى الله عنا المؤلف خير الجزاء بجاه مخدومه الشيخ الخديم ـ رضي الله عنه ـ آمين.

بقلم/ علي اندَوْ أمين المكتبة الخديمية سابقا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock