الدين و الترييةالسياسةالعمل والمستجدات

خطاب الشيخ عبد الأحد امباكي، وزير ومستشار لدى رئاسة الجمهورية السنغالية.

منتدى أبو ظبي للسلام

المؤتمر الأفريقي الثاني من أجل السلام

نواكشوط: من 8 إلى 10 فبراير 2022

موضوع: تعزيز السلام في العالم

خطاب الشيخ عبد الأحد امباكي، وزير ومستشار لدى رئاسة الجمهورية السنغالية.

فخامة رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية محمد ولد الشيخ الغزواني؛

سيادة رئيس منتدى السلام الشيخ عبد الله بن بيه؛

السيدات والسادة الوزراء؛

أصحاب السعادة السيدات والسادة السفراء؛

سماحة المشايخ والعلماء الشرفاء؛

أيها الضيوف الكرام؛

يُشرفني أن ألتقي بكم لمناقشة موضوع تعزيز السلام في العالم.

إنه موضوع ساخن وحديث الساعة في الوقت الراهن، لأن الوضع الحالي في العالم لا يزال يتّسم بالصراعات المسلّحة في عدة مجالات على الرغم من جهود المنظمات الدولية والدُّول.  بعد سبعة وسبعين عاما من نهاية الحرب العالمية الثانية، فما زلنا ندفع ثمنا باهظا للحرب.

وفقا للأمم المتحدة، يعيش 160 مليون شخص في مناطق شديدة الخطورة، و79 مليون نازح و99 مليون يعيشون في انعدام الأمن الغذائي في 23 دولة.

ففي أفريقيا، مات 5 ملايين طفل خلال 20 عامًا في مناطق الصراع.وحدث 266000 حالة انتهاك لحقوق الأطفال في عام 2020 وحده.

في جميع أنحاء العالم، ¼ من الضحايا هم من الأطفال، بينما 88٪ منهم مدنيون.

هذه أرقام غير مكتملة ولكنها مثيرة للقلق كما تظهر مدى دراماتيكية الوضع.

وتُعد منطقة إفريقيا جنوب الصحراء هي المنطقة الأكثر تضررًا، وفقًا لدراسة أجراها باحثون من جامعة هامبورغ الألمانية: فمن بين 29 صراعًا في العالم في عام 2020، فالعشر حدثت في إفريقيا السوداء، أي أكثر من 1/3.

فإن الأسباب كثيرة ومتنوعة؛ ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

o أولا، عدم الاستقرار السياسي والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي لا تُشجع إلى وجود مناخ مناسب للسلام.  وغالبًا ما يُؤدي القمع واستحالة التعبير الحر عن الحقوق والحريات إلى ثورات وانتفاضات تشكل مصادرَ عنف وصراعات دائمة.
o ثم إن ضُعف بعض الدول وسوء الحكم والفقر يشكلان قنبلة متفجرة غالبا ما تكون كابحة لجماح السلام في بعض البلدان.
o تفكّك بعض الدول أدّى إلى انتشار الأسلحة الخفيفة وأسلحة الحرب، وهذا أيضًا عامل آخر في العنف الذي، على سبيل المثال، مسؤول إلى حد كبير عن زعزعة الاستقرار في منطقة الساحل. كما تمكنت العصابات المسلحة، والوحدويون، والإرهابيون من الوصول إلى ترسانة عسكرية هائلة لبث الرعب في جميع أنحاء المنطقة.
o وأخيرا، الإرهاب الذي وجد أرضا خصبة في إفريقيا في السنوات الأخيرة.  فإن الصعوبات المذكورة أعلاه، بالإضافة إلى الايمان القوي لدى السكان الأفارقة الذين ينصاعون للاستغلال والتطرف الديني جعلت الهجمات والتهديدات المنتشرة والمتعددة الأوجه شائعة في بيئة تتسم بنقص الموارد وضعف الدول وفشل الآليات التنظيمية وغياب أدوات استخباراتية فعالة.

سيادة رئيس الجمهورية،

وتعمل دولُنا على توظيف الكثير من الطاقة للتعامل مع هذه الصراعات.  فالسنغال، التي ليست استثناء ، تلعبُ دورها بمهارة وحيوية ونجاح تحت قيادة الرئيس ماكي سال، كما تولت الحكومة السنغالية دائمًا مسؤولياتها لدعم استعادة السلام والحفاظ عليه واستدامته أينما كان مهدّدًا، فتعزيز السلام هو محور أساسي من سياسته.

وتشهد على ذلك إن احتاج الأمر العلاقاتُ الممتازة مع الجمهورية الإسلامية الموريتانية. تقع السنغال وموريتانيا على جانبي النهر الذي همزة وصل بين شعب واحد يجمعُهم التاريخ والثقافة، وتقدمان مثالًا رائعا جدًا لحسن الجوار.

فخامة السيد رئيس الجمهورية،

مع أخيكم الرئيس ماكي سال استطعتُم رفع مستوى التعاون بين البلدين الشقيقين إلى مستوى غير مسبوق.  كلاكما مدفوع بروح التضامن والمشاركة التي لا مثيل لها.  وبالتالي فإن اكتشاف الموارد الطبيعية قد عزّز العلاقات الممتازة بين البلدين.

سيادة الرئيس،

فإن العلاقات السنغالية الموريتانية تستندُ إلى قاعدة ثقافية ودينية متينة إلى حد بعيد. تاريخيًا، يشترك البلدان في نفس الثقافة والمعتقدات. وكان الدين بوصلة مهمة. ولقد لعبت الشخصيات الإسلامية العظيمة في البلديْن دورًا حاسمًا في تاريخهما المتشابك. فالأتباع ينتمون إلى نفس الطرق الصوفية، كما تردّد العلماء على نفس المدارس منذ فجر التاريخ ويتبنون نفس النظريات الفكرية،وتشكل التبادلات الرسائلية والأدبية برهانا صادقا.

أنتم ونظيركم السنغالي لديكم ميزة، سيدي الرئيس، في الحفاظ على كل هذه المكاسب بالرغم من المخاطر المالية الهائلة التي ينطوي عليها اكتشاف الغاز والنفط. وهكذا تقدم موريتانيا والسنغال درسا جميلا جدا للعالم كله، درسا من السلام والتضامن والمشاركة.

فالتعاون بين البلدين مثاليّ على المستويات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية مع عقد اجتماعات رئاسية ووزارية تؤدي في كثير من الأحيان إلى اتفاقيات مُربحة لجميع الأطراف وتنفيذ مشاريع واسعة النطاق، وآخرها تشييد جسر رُوسُو الذي سيزيد من تعزيز الروابط وتسهيل حركة الأشخاص والممتلكات وتبسيطها.

ولا تتوانى السنغال وموريتانيا عن مواءمة مواقفهما في المحافلالدولية والعمل معا بشكل وثيق في مكافحة الإرهاب الذي يهدّد دول الساحل بشكل متزايد.

سيدي الرئيس، إن حضورَنا في هذا المنتدى يتماشى مع العلاقات السنغالية الموريتانية الممتازة التي وصفناها للتو.

منتدى السلام هو منبر للتبادل من أجل تعزيز السلام في العالم. بالنسبة لنا – نحن السنغاليين لا يوجد مكان أفضل من الجمهورية الإسلامية الموريتانية الشقيقة لإيوائه. وهذا السبب هوالذي يجعلنا نشعر بارتياح كبير للمشاركة فيه لمناقشة مواضيع لا تقل أهمية عن تلك التي اختارها منتدى السلام في أبو ظبي في إطار المؤتمر الأفريقي للسلام.

هذا المؤتمر له أهمية قصوى بالنسبة لنا. إنه ظرف رائع للعلماء والمثقفين لمناقشة سبُل ووسائل توطيد السلام في العالم. لم يكن الاتحاد الأفريقي مخطئا في اعتماده إعلانَ نواكشوط المنبثق عن النسخة الأولى في قمته الثالثة والثلاثين. ما زلنا مقتنعين بأن الشخصيات البارزة التي حضرتْ في هذه النسخة ستنتج تقريرًا سيُحظى بنفس النجاح في الوقت الذي يتولى الرئيس سال زمام مقاليد الاتحاد الأفريقي. في الواقع، يضع الرئيس السنغالي رئاسته تحت علامة السلام من خلال جعله – كما يقول –: “سلاحًا صامتًا وبنّاء لثقافة الحوار والتشاور في إطار حل النزاع” (خطاب القمة الخامسة والثلاثين للاتحاد الأفريقي). وبالتالي تتداخل رؤيتُه مع أهداف هذا المنتدى، ونأمل منكم مرافقته لإنجاح مهمته على رأس الاتحاد الأفريقي.

سيادة الرئيس، يعود الفضل في نجاح منتدى السلام أولاً وقبل كل شيء إلى المبادرين الذين نجحوا في جمع العديد من الشخصيات البارزة الحكومية والعلمية والدينية حول طاولة واحدة.

فضيلةَ الشيخ عبد الله بن بيه، تفضلْ بقبول أطيب تهانينا. إن خلفيتك الحكومية والعلمية الثرية وصفاتك الروحية والأخلاقية المعترف بها من قبل الأمة الإسلامية بأسرها والعالم أجمع هي التي دفعتك لتأسيس منظمة تحقق مثل هذا النجاح. إن استراتيجيتك في إشراك الجهات الفاعلة غير الحكومية هي مبادرة جيدة لتعزيز السلام في العالم. لقد فهمتَ أن النهج الشامل من المرجح أن ينجح في حل النزاعات. ويتمتع القادة الدينيون الحاضرون هنا بكل الشرعية والمهارات المطلوبة لإحداث تغيير في العقليات واعتماد السلوكيات التي تؤدي إلى إحلال السلام في العالم وفي إفريقيا على وجه الخصوص.

إن الشرعيات الدينية مسلّحة، بالفعل، لكبح التطرف الذي ناتج، في الواقع، عن سوء فهم للدين الإسلامي الذي هو دين السلام والتسامح.

نحن نفكر، سيدي الرئيس، بشكل خاص في التجربة السنغالية مع الطرق الصوفية المتسامحة المنفتحة، الراسخة في السنة النبوية والمتميزة بالوسطية.  تُشرف [الطرق الصوفية] على الأتباع وترافقهم وتثقفهم.  فإن شخصيات عظيمة مثل الشيخ أحمد بمبا خادم الرسول، والشيخ عمر الفوتي تال، والحاج مالك سي، والشيخ عبد الله انياس ، والشيخ بوكونتا ، وسيدينا ليمامو لاي ، والشيخ سعد أبيه، والشيخ سيديا بابا والعديد من الأشخاص الآخرين كانوا في الأساس نماذج للسلام والتعايش السلمي.  

فضيلةَ الشيخ عبد الله بن بيه أشكركم على تفهمكم هذا وشكراً لكم مجدداً على إشراك ذريتهم في هذا المنتدى.  إن وجودهم سيعزز بلا شك جودة المناقشات كما يضمن ترويجا أفضل.

فضيلةَ الشيخ بن بيه، نسأل الله تعالى أن يمد في عمرك ويجزي عليك بأضعاف مضاعفة على أفعالك العديدة للأمة الإسلامية والإنسانية بشكل عام.

حضرة الرئيس، الضيوف الكرام،

اسمحوا لي في نهاية كلمتي أن أكرر تشكراتي لكم ولحكومتكم ولكل شعب موريتانيا على أفعالكم اليومية من أجل الوئام والعيش المشترك في العالم.

كما أننا نبقى مقتنعين بأن الاجتماعات التي تجمعنا ستسمح بإحراز تقدم كبير في تعزيز السلام في العالم بشكل عام وفي إفريقيا بشكل خاص.

لا يسعني أن أنهي، سيدي الرئيس، دون أن أشكر نيابة عن الشعب السنغالي جميع أشقائنا الأفارقة الذين أشادوا بفوز السنغال التاريخي في كأس الأمم الأفريقية كما نشجع المنتخب المصري الباسل الذي لم يحالفه الحظ في هذه المرة.

وشكرا لكم على حسن انتباهكم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الشيخ عبد الأحد امباكي

وزير، مستشار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock