الدين و الترييةالسياسةالعمل والمستجدات

جاء رمضان على قدر أيها الإنسان . عبد الرحمن بشير

جاء رمضان على قدر أيها الإنسان . عبد الرحمن بشير
……………………. ………………………………………
يا رب ، نحن على مسافة قصيرة من رمضان ، ونحن نعيش فى زمن خاص ، كل شيئ يدل على أن الإنسان بدأ يفقد توازنه ، ويقترب من ( حيونة الإنسان ) ، وبهذا يبتعد عن ( إنسانية الإنسان ) ، فهل يمكن لنا أن نعيش فى رمضان هذا العام أجواء روحية تساعدنا فى استعادة ( الإنسانية ) من جديد ؟ أرجو ذلك .

أخى الإنسان ، نحن سنبدأ قريبا على ترك الطعام والشراب والجماع الحلال ، فالمسلم لا يمارس الجنس خارج الزواح ، وهذا يدل على أننا نملك ذواتنا ، فلا نفعل ما نشاء ، حين نشاء ، ولا نعمل ما نشاء ، كيفما نشاء ، لدينا برنامج اسمه ( العبادة ) وعندنا مشروع عنوانه ( الاستخلاف ) ونعمل فى إطار ( التعمير ) ولهذا فالصوم مدرسة لتذكير القيم العليا ، والتى تساعدنا فى محافظة القيم الربانية .

أخى الإنسان ، سنبدأ قريبا شهرا كاملا ، فيه عملان من العبادة ، فى النهار ، نمارس عبادة غالبها المنع ، وفى الليل نمارس عبادة غالبها قيام وتهجد وقراءة ، ومن خلال هذه الأعمال نقترب إلى الله ، ونكشف أنفسنا ، ونعرف النواقص الروحية والفكرية فى حياتنا ، وعن السلبيات التى نعيشها ، كما نعيش فى أجواء تسمح لنا رفع المعنويات ، فنطير بلا أجنحة نحو الآفاق البعيدة ، لنزداد معرفة ومحبة ، ونقترب أكثر إلى الله ، ونزداد اكتشافا للذوات .

أخى الإنسان ، نعيش فى رمضان لحظات نجود بها شيئا مما نملك بلا خوف ، فتمتد أيدينا إلى جيوبنا ، ونعطي الأموال للمستحقين ، فلا يشكو الفقير فينا جوعا ، وتجد في مساجدنا الإفطارات الجماعية ، والزيارات المتبادلة مع الرحم والأحبة بما لا يضر روح العبادة ، وذوق الصوم ، وبهذا نجد العلاقات التراحمية تزداد ترسخا فى المجتمع ، ويعلمنا هذا الشهر تلك العادة الإنسانية النبيلة .

أخى الإنسان ، ليس رمضان طقوسا غير مفهومة ، ولا محطة لترك الطعام لأجل الترك ، وليس رمضان لحظة التمرد على الشهوة فقط ، بل هو محطة للتزود ، والمعرفة ( وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ) .

أخى الإنسان ، نحن كمسلمين نعيش معك فى الخريطة الجغرافية ، نعيش معك فى الحياة ، ولكننا نختلف معك فى الرؤية والسلوك ، ولكننا نتفق معك فى الإنسانية ، ندعوك أن تتأمل فى طريقة حياتنا ، فلا تنظر إلى مظاهر التخلف فى بلادنا ، فهذا يعود إلى مشكلات مركبة ، ولكن عندما تتأمل طريقة حياتنا بشكل موضوعي ستعرف أننا نملك مخزونا من القيم ، ولكنها لم يتم بعد اكتشافها بشكل كامل .

أخى الإنسان ، الصوم عبادة ، وليس عادة ، وركن من أركان الدين ، وليس مسألة اجتماعية ، وقوة روحية ، وليس عملا بلا نتائج ، فالمسلم يعبد الله كما يريد الله ، وليس كما يخطط له بعض رجال الدين ، فلا وجود فى الإسلام لرجال يمارسون دور الوساطة بين الله وعباده ، فالجميع يصومون ، والجميع ينتظرون نتائج العبادة من رب العالمين .

بعد أيام ، سنعيش فى مناخ رائع ، وسوف تمتلئ المساجد عن بكرة أبيها ، والناس يعودون إلى بيوت الله بعد انقطاع دام عامين بسبب الوباء العالمي الذى أوقف الحياة ، وكان سببا لتوقف اللحظات الروحية الجميلة فى مساجدنا ، فتبدأ الأرواح تعشق من جديد تلك الاجتماعات ، والقلوب تهفو إلى تلك اللحظات ، فالمسجد ساحة تلتقي بها أرواح الأرض بجنود السماء ، وهنا يكون اللقاء نوعيا ورائعا ، والله من عليائه ينظر خلقه كيف يتسابقون فى محبته ورجاءه وخوفه ، إنه شهر يحمل فى طياته معاني الربانية والإنسانية معا .

يجب أن تستعد القلوب والعقول لاستقبال هذا الشهر الكريم ، وينبغي أن تستعد الأسر لهذا الشهر ، فالبيوت الرائعة تكون فى رمضان أروع ، والإنسان الكبير يصبح فى رمضان أكبر ، والحياة المتوازنة تصير فى رمضان أكثر توازنا ، إنه شهر يحمل فى داخله الرحمات والنفحات ، فالخاسر من أدرك رمضان ، ولم يغفر له ، ومن عاش فى هذا المناخ ، ولكنه حوّل الشهر إلى موسم اجتماعي للزيارات ، والمظاهر الفارغة ، والتسابق للأكلات الشرقية والغربية ، فهذا لم يدرك سر رمضان .

رمضان شهر يحمل للمسلمين معاني ضخمة ، فهو شهر نزول الكتاب العزيز ، وما أدراك ما هو الكتاب العزيز ؟ إنه كلام الله ، ورسالته الأخيرة للإنسان ، فهل يمكن لنا أن نقرأ من جديد كتاب الله بعيون مفتوحة ، وقلوب حية ، وعقول ذكية ، وأنفس زكية ؟ نرجو ذلك ، والسلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock