الثقافةالسياسةالعمل والمستجدات

رحلت شيرين أبو عاقلة ، ولكن الكلمة لم ترحل . عبد الرحمن بشير

رحلت شيرين أبو عاقلة ، ولكن الكلمة لم ترحل . عبد الرحمن بشير
……………………. ………………………. ……………………………
شيرين أبو عاقلة ، الصحفية الفلسطينية ، والإنسانة الشريفة ، رحلت فى زمن الرصاص والقوة ، وذهبت من الدنيا فى لحظة الصمت العربي ، والموت السريري للجامعة العربية ، ولكنها أيقظت الضمير الإنساني من السبات ، وصار موتها لعنة على الظالمين ، وأهل الطغيان .

رحلت شيرين من العالم بعد أن ناضلت فى فلسطين لرفع صوتها فقط ، لتقول للعالم اليوم ، أن الزمن ليس لصالح الطغيان دوما ، بل هناك صرخة للحق ، ولكن هذه المرة بلغة أنثوية ، وهناك صيحة للوطن ، ولكن هذه المرة من إنسان لا يملك سوى الكلمة ، فالكلمة لا تموت ، ولا ترحل ، ولا تفنى ، بل هي وراء كل مشروع تحرري ، ووراء كل مشروع إنساني ، فلا حرية لمن صمت وسكن ، ولا تحرير لمن خاف واستسلم ، فالحياة تبتسم للأحرار ، وتضحك على العبيد ، والمسافة بين الحر والعبد طويلة ، والرحلة من عالم العبودية إلى عالم الحرية عميقة وطويلة ، لأن الرحلة تبدأ من العمق ، من الداخل ، ولا تبدأ من السطح ، ولا من المفاوضات فقط ، بل لا بد من وجود إنسان يرفض العبودية وشروطها ، حينها فقط يبدأ الإنسان رحلة الإقلاع من عالم العبودية .

هناك من يتحدث عن مصيرها بعد الموت ، ويترك الحقائق الموجودة أمامه ، فيصمت عن الظلم ، ويرفض مواجهة الباطل ولو بكلمة ، ولكنه يتحدث عن أنها من أهل الجنة أو النار ، ويلوى أعناق النصوص القرآنية والنبوية لتتفق مع أفكاره ، فهذا النوع من البشر يقوم بتمييع الدين ، وهناك من يلعن سيدة فاضلة حاربت لأجل القضية ، وعاشت كذلك لأجل الكلمة ، وصدعت بالحق فى زمن الصمت والهرولة نحو بيع القضية باسم التطبيع ، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم .

ذهبت المرأة الحديدية ( ابو عاقلة ) فى فلسطين ، ورحلت عن عالم الصراخ ، وذهبت إلى عالم السكون ، وصمتت ، ولكنها فى هذه المرة لم تختر الصمت ، بل كانت تحارب حتى الرمق الأخير ، تتكلم عن عناد ، وتصرخ عن قناعة ، وتعلن رأيها الصحفي بمهنية ، وتقف أمام الرصاص بقوة ، وتلعب دورا حضاريا لأجل القضية ، فكانت خير النساء فى هذا الدور الحيوي ، وكانت خير المناضلات فى عالم الكلام ، فكانت فلسطينية حتى النخاع ، وعربية بلا نفاق ، وإنسانة بلا حدود ، وعاشت لأجل ذلك زمنا طويلا حتى صارت أيقونة القضية فى زمن الصمت ، وفى زمن الهرولة العربية نحو العدم السياسي .

هذه السيدة هي التى علمت الإنسانية أن العيش بلا قضية موت ، وأن الإنسان بلا قضية عدم ، وأن فلسطين ليست وطنا بلا شعب ، وأن الشعب الفلسطيني ليس أرقاما فقط ، وقضيته ليست خياما تبنى له فى بقاع الأرض ، فهو شعب له أرض ، وتاريخ ، وجغرافيا ، ولكن تصنع كل ذلك بشكل حضاري ، فهي تصرخ من أخطر قناة إعلامية عربية فى الزمن الحالى ( الجزيرة ) ، وتعمل بلا كلل لأجل أن يرى الناس ، ويسمع العالم ، ماذا يريد الإنسان الفلسطيني البسيط من العالم ؟ ومن العرب ؟ ومن المسلمين ؟

علمت البشرية أن فلسطين قضية للمسلم والمسيحي معا ، في هذا المكان المقدس ولد نبي الله عيسى عليه السلام ، ومن هناك انطلقت دعوته للعالم ، ومن هذه البقاع كانت رحلة رسول الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام إلى السماء ، ومنها انطلقت دعوات الانبياء عليهم السلام ، ولهذا نعتبر فلسطين أرضا فيها حضارة ، ونبوة ، وتاريخ ، وإنسان ، وليست فقط أحجارا ، ووديانا، إنها أرض الرسالات الإلهية ، ومن هنا فالصحفية ( شيرين أبو عاقلة ) ارتبطت بالقضية كلمة وصورة ، وارتفع صوتها إلى عنان السماء ، وارتقت نحو المجد ، فتبقي أيقونة فلسطين ، ورمز الصحافة الحرة ، والكلمة الأبية .

إن الإنسان ليس فقط جسدا يحتاج إلى الغذاء ، وليس فقط كائنا بيولوجيا يتطلب إلى رعاية مادية ، فالإنسان فى حقيقته مشروع رباني ، يرفض الطغيان ، ويحب العدل ، ويعمل لأجل الكرامة ، ولكن كل ذلك يتطلب إلى إعداد بيئة ، فكانت قناة الجزيرة بلا مجاملة بيئة الإنسان ، والرأي المغيب ، والصوت الخافت ، وأصبحت منبرا لمن لا منبر له ، فكانت شيرين أبو عاقلة نجمة من نجومها ، وستكون شمسا لا تغرب ، وكوكبا مضيئًا غير قابل للأفول .

لقد عشت معها فى هذه اللحظات ، وعشت مع كل الأصوات المنحازة لها فى الشرق والغرب ، وعشت مع الذين رفعوا قضيتها فى كل مكان ، فقضيتها إنسانية ، وفلسطينية ، ولهذا كنت منحازا لها ، وسأبقى منحازا لها ، لأنها تجاوزت الزمان والمكان ، ولأنها عاشت لأجل الكلمة الحرة ، ولأجل القضية ، وسنبقى معها ما دمنا أحياء .

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock