السياسةالعمل والمستجدات

ماذا وراء تزايد شركات الأمن الصينية الخاصة في إفريقيا؟

كان النشر الأول للقوات الصينية في إفريقيا عام 1989 عندما استقلت ناميبيا عن جنوب إفريقيا، حيث شاركت الصين في هذا الاحتفال مع الأمم المتحدة. ومنذ ذلك الوقت وسعت الصين مشاركتها في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في القارة(1). وكانت الحصيلة أن كان معظم الجنود الصينيين الذين شاركوا في 24 عملية انتشار تابعة للأمم المتحدة والبالغ عددهم 40 ألف جندي صيني قد خدموا في إفريقيا(2). وفي عام 2015، وسَّع قانون جديد لمكافحة الإرهاب نطاقَ العمليات العسكرية الصينية خارج الصين(3)، واقترن تمرير هذا القانون مع دعوة ورقة سياسة الصين تجاه إفريقيا إلى زيادة التفاعل العسكري مع الحكومات الإفريقية فيما يتعلق ببناء القدرات ونقل التكنولوجيا الأمنية.

وإذا كان الوجود الصيني في إفريقيا قبل السنوات الخمس الماضية مرتبطًا بشكل أساسي بتعزيز التنمية الاقتصادية والتجارة والمشاركة في البعثات الأممية؛ فقد كانت الخطوات الصينية عام 2017 نقلة جديدة حيث أنشأت الصين في جيبوتي بشرق إفريقيا أول قواعدها العسكرية خارج الصين(4)، ما عزز وقتذاك الشعور بأن الصين أدركت تغيرات البيئة الأمنية وضرورة مواجهة الوضع الراهن الذي تهيمن عليه القواعد العسكرية الأميركية والفرنسية وحتى اليابانية، خاصة أن بيجين تناولت علنًا، عام 2018، ضرورة تعزيز العلاقات العسكرية بين الصين وإفريقيا في منتدى الدفاع والأمن الصيني-الإفريقي(5). ومنذ عام 2017، أجرت القوات المسلحة الصينية تدريبات عسكرية ومناورات إجلاء طائرات الهليكوبتر من سفينة صينية قبالة سواحل جيبوتي، كما أجرت تدريبات في الكاميرون والغابون وغانا ونيجيريا، بالإضافة إلى عمل الوحدات الطبية التابعة للجيش الصيني في إثيوبيا وسيراليون والسودان وزامبيا.

ويمكن القول: إن مشاركة بيجين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي والسودان وكذلك مشاركتها في مهمات دولية لمكافحة القرصنة في القرن الإفريقي وخليج غينيا دفعت الحكومة الصينية إلى مراجعة خطة عملها في إفريقيا وتبني منهج جديد حول أمن إفريقيا وعلاقته بالنمو الاقتصادي الإفريقي. وقد أدى هذا النهج إلى ظهور نمط جديد مماثل لما شهدته إفريقيا من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وذلك باستخدام الشركات العسكرية والأمنية الخاصة للقيام بالمهام الأمنية والعسكرية نيابة عن الحكومة الصينية لتحقيق مصالحها وحماية مشاريعها في القارة.

وفي حين لا تزال طبيعة عمل العديد من الشركات الأمنية الصينية الخاصة غامضة في إفريقيا، وبالرغم من أن الشركات الأمنية الخاصة في الصين لا تزال تبحث عن طرق الانتقال من شركات أمنية محلية تعمل في بيئة منخفضة المخاطر في البر الرئيسي الصيني إلى شركات متعددة الجنسيات قادرة على العمل في مواقع عالية الخطورة في الخارج؛ إلا أن تقارير ودراسات منذ عام 2020 قد أكدت تزايد مثل هذه الشركات الصينية الخاصة(6). وقد أشارت وزارة الدفاع الأميركية في أحدث تقييمها للجيش الصيني إلى احتمال إنشاء قواعد عسكرية صينية في 13 دولة تشمل أنغولا وكينيا وسيشل وتنزانيا(7).

شركات الأمن الخاصة في إفريقيا

تشهد إفريقيا في السنوات الأخيرة عودة منظمة لشركات الأمن الخاصة لخدمة الزعماء والحكومات الإفريقية والمصالح الأجنبية. ووفقًا لجمعية صناعة الأمن الخاصة في جنوب إفريقيا؛ كان هناك ارتفاع في استخدام الشركات الأمنية الخاصة لمعالجة الثغرات الأمنية التي لا تستطيع الحكومات الضعيفة سدها، ويوجد حوالي 2000 شركة مسجلة في جنوب إفريقيا وحدها لأغراض متخصصة تتعلق بالحماية الشخصية(7).

وتتصدر شركات الأمن الخاصة الغربية قائمة الشركات الأمنية الخاصة في إفريقيا. ومن بينها شركة “كاسي” الأميركية الخاصة(8) التي تنشط في مختلف القواعد العسكرية التابعة لـ”القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا” (أفريكوم)، وهناك “بلاك ووتر” الأميركية سيئة السمعة التي أدت المواجهات القانونية والانتقادات الإعلامية إلى تغيير علامتها التجارية لتعمل الآن تحت اسم “أكاديمي”. وتعمل في إفريقيا أيضًا شركة “سيكوبكس” الفرنسية والشركتان البريطانيتان “Aegis Defense Services” (9) و G4S والشركة الكندية “GardaWorld”، إضافة إلى مجموعة “أوميغا” الاستشارية الأوكرانية ومجموعة “Dyck”، و”إكسليس” الألمانية، وشركة “فاغنر” الروسية التي تنشط في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي(10).

الشركات العسكرية الصينية الخاصة وعلاقتها بمبادرة الحزام والطريق

توجد علاقة بين تزايد شركات الأمن الصينية الخاصة في إفريقيا ومبادرة الحزام والطريق التي تبنتها الصين في عام 2013 وتتوافق مع ما وصفه الرئيس “جين بينغ” في عام 2012 بشأن صعود الصين العالمي دون عوائق. وتعد مبادرة الحزام والطريق إستراتيجية لتطوير البني التحتية العالمية من خلال الاستثمار فيما يقرب من 150 دولة ومنظمة دولية. ومنذ عام 2012، هاجر أكثر من 200 ألف موظف صيني إلى إفريقيا للعمل في مشاريع مختلفة لتحقيق المبادرة. وتوجد اليوم في إفريقيا حوالي 10.000 شركة صينية، بما في ذلك ما لا يقل عن 2000 شركة مملوكة للدولة الصينية التي تشارك في مشاريع البنى التحتية الإفريقية المختلفة وتدر أكثر من 40 مليار دولار من الدخل كل عام(11).

ومما يزيد من الاعتبارات الأمنية والعسكرية للحكومات الصينية أن 84 في المئة من استثمارات الحزام والطريق في دول متوسطة المخاطر وأماكن عالية المخاطر. ومنذ عام 2015، يواجه العمال الصينيون والشركات الصينية عوائق أمنية تصعِّب أداء أعمالهم. وكشفت وزارة أمن الدولة الصينية أنه بين عامي 2015 و2017 فقط واجهت الشركات الصينية 350 حدثًا أمنيًّا خطيرًا شمل عمليات الخطف والهجمات الإرهابية والعنف ضد العمال الصينيين(12). وقد كانت معظم الشركات الصينية الخاصة ومجموعات الأعمال الصينية الصغيرة العاملة في إفريقيا، قبل مبادرة الحزام والطريق، تعتمد على إستراتيجية التعاقد مع الميليشيات المحلية أو تسليح نفسها لحماية مصالحها ومشاريعها من الهجمات الإجرامية أو العنف السياسي في مناطق استخراج الموارد الطبيعية وعمل هذه الشركات.

ورغم التأكيد المتكرر من قبل الحكومات الصينية على أهمية علاقاتها مع إفريقيا واستمرارها في الاستثمار وتقديم القروض سواء لتحقيق أهدافها العالمية أو لتلبية مطالبها الوطنية الصينية؛ إلا أن المسؤولين في بيجين يشكُّون في قدرة قوات الأمن الإفريقية على حماية شركاتها ومواطنيها الصينيين العاملين فيها؛ الأمر الذي أدى إلى توظيف شركات الأمن الخاصة للقيام بهذه الأدوار الأمنية.

مجالات شركات الأمن الصينية الخاصة

يمكن القول: إن القارة الإفريقية بمنزلة اختبار أساسي لشركات الأمن الصينية الخاصة، وتتراوح أهدافها من حماية الموظفين العاملين في السفارات والشركات الصينية وأمن الأصول التعدينية وحقول النفط من أعمال الشغب أو السرقة أو الأنشطة الإرهابية إلى مهام مكافحة القرصنة البحرية. ومن بين 5.000 شركة أمنية مسجلة في الصين تملك 20 شركة منها تراخيص عمل دولية. وفي 50 دولة إفريقية وجنوب آسيا والشرق الأوسط والصين توظِّف شركتا “Beijing DeWe Security Service” و “Huaxin Zhong An Security Group” 35.000 مقاول أمني. وتوظف شركة DeWe أكثر من 2.000 مقاول أمني في كينيا وحدها لتأمين خط سكة حديد مومباسا ونيروبي القياسي والذي يبلغ قيمته 3.6 مليارات دولار(13).

فمن حيث حماية المسؤولين التنفيذيين الصينيين؛ استهدفت التفجيرات العنيفة والتوسع الإرهابي في منطقة الساحل والصومال العمالة والشركات الصينية، وزادت الهجمات الإجرامية ضد المواطنين الصينيين والبنية التحتية خارج الصين(14)؛ مما أجبر المسؤولين التنفيذيين والعمالة الصينيين على طلب خدمات شركات الأمن الصينية لتوفير مراقبة عالية التقنية.

وقد أظهرت الاضطرابات السياسية المستمرة في دول مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان أن الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية الكبيرة في إفريقيا وفي قطاع التعدين معرضة للخطر، وأن نهج اعتماد الشركات الصينية على الأمن المحلي الخاص غالبًا ما ينتهي بمأساة، مثل قضية إطلاق النار على عمال المناجم غير القانونيين في منجم مملوك للصين في زامبيا(15)، واختطاف ثلاثة عمال مناجم صينيين بجنوب غرب نيجيريا(16)، إضافة إلى قضايا أخرى عززت البحث عن الشركات الأمنية ذات المعايير الدولية للقيام بحماية هذه المشاريع البنائية والتعدينية.

ويعني تأمين الأصول الصينية من أعمال الشغب والأنشطة الإرهابية أن الشركات الأمنية الخاصة في الصين وجدت سوقًا متخصصة مربحة في تقديم خدمات الحراسة لكبار الشخصيات الصينيين الخائفين من الاختطاف، ومرافقتهم على متن السفن التجارية الصينية. وبالمقارنة مع الشركات الأجنبية الأخرى لا يزال عدد قليل فقط من سوق الأمن الخاصة في البر الرئيسي الصيني تتمتع بقدرات متخصصة للعمل داخل إفريقيا.

ويُعد المجال البحري جزءًا مهمًّا من مبادرة الحزام والطريق الصينية، كما كثفت بيجين مؤخرًا استثماراتها في منطقة القرن الإفريقي. وقد أفادت تقارير بانتشار الشركات الأمنية الصينية الخاصة لتقديم حراس مسلحين للدفاع عن صناعة الشحن من القراصنة والتدريب على سفر كبار الشخصيات وتقديم خدمات الاستجابة للاختطاف والفدية، لاسيما قبالة شواطئ شرق وغرب إفريقيا التي ازدادت فيها أعمال القرصنة منذ بداية عام 2018. وكانت شركة “Hua Xin Zhong An” (HXZA) أولى الشركات الخاصة التي سمحت لها الحكومة الصينية بتقديم حراسة بحرية مسلحة للسفن التجارية الصينية في تلك الممرات البحرية(17).

ومن بين شركات الأمن الصينية الخاصة التي تقدم خدمات الحماية للأصول الصينية في إفريقيا: شركة “Beijing DeWe Security Service” التي توفر حماية لمشروع غاز طبيعي في إثيوبيا لصالح شركة “Poly-GCL Petroleum Group Holdings” الصينية، وشركة “Shandong Huawei Security Group” في جنوب إفريقيا التي توفر حماية للمناجم المملوكة للصين. وتقدم مجموعة “China Overseas Security Group” خدمات الحماية لمشاريع الحزام والطريق الصينية في مناطق الصراع في القارة، بينما تؤمِّن مجموعة “الصين للأمن والتكنولوجيا” طرق النقل البري والبحري التي تضم خليج غينيا وعدن وممر LAPSSET” (ممر النقل عبر ميناء “لامو” الكيني-جنوب السودان-إثيوبيا)(18).

جدير بالذكر أن الصحف الأميركية كشفت في أواخر عام 2021 استياء المسؤولين الأميركيين من القاعدة العسكرية البحرية التي تبنيها الصين في ميناء “باتا” بغينيا الاستوائية لمرقبة سفنها وحماية مصالحها في منطقة خليج غينيا. ويعتبر المسؤولون الأميركيون هذه القاعدة محاولة صينية لـ”تطويق” الولايات المتحدة من أجل السماح لها بالتنافس مع المصالح التجارية والعسكرية الأميركية إفريقيا وعالميًّا(19).

أي وجه للمقارنة بين شركات الأمن الصينية الخاصة وغيرها؟

لقد كان تقييم معظم الأنشطة الصينية بإفريقيا منذ عام 2013 من خلال منظور العلاقات الاقتصادية والثقافية، وقلَّل تركيز الإعلام على المرتزقة الروس من تناول تطورات المشهد الأمني من حيث الشركات الأمنية الخاصة. وفي حين تتجه الأنظار نحو أهداف الوجود العسكري الصيني وتزايد عدد الشركات الأمنية الخاصة في الدول الإفريقية؛ فإن حوادث السنوات الأخيرة المتعلقة بمشاريع الصين ببعض الدول الإفريقية ترجح احتمال ظهور مقارنات بين الأنشطة الأمنية الصينية والأنشطة العسكرية الروسية داخل إفريقيا.

وفي حين تشترك كل من الشركات الأمنية الصينية الخاصة والشركات العسكرية الروسية الخاصة في حماية الأصول من العنف؛ إلا الشركات الأمنية الصينية الخاصة تختلف عن الشركات العسكرية الروسية الخاصة في أنها تهدف في الوقت الراهن إلى حماية المصالح الاقتصادية الصينية وتلبية حاجة أمنية لحماية الاستثمارات الصينية في إفريقيا، بينما الأخيرة تشارك بنشاط في تطوير القدرات القتالية للحكومات التي تعتبرها روسيا ضرورية لأهدافها الجيوسياسية في القارة الإفريقية حتى وإن كانت الحكومة الروسية تنكر وجود منفعة عامة أو علاقة بينها وهذه الشركات العسكرية الروسية الخاصة.

ويضاف إلى ما سبق أن اللوائح المحلية والقانون الصيني يحظران على الصينيين حمل الأسلحة النارية داخل الصين وخارجها، مما يمنع الشركات الأمنية الصينية الخاصة من أن تصبح قوة عسكرية خاصة ذات نفوذ. وهذه القيود أيضًا تجعل الخدمات الأمنية المطلوبة من قبل الشركات الصينية المملوكة للدولة والشركات الخاصة في الدول الإفريقية بسيطة وسهلة متمثلة في توفير خدمات الحراسة، بخلاف الشركات العسكرية الروسية الخاصة التي تتصدرها مجموعة “فاغنر” التي تقدم الدعم العسكري لشركاء روسيا من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

ويصعب تجاهل أوجه التشابه بين هذه الشركات الأمنية الخاصة ودوافعها في إفريقيا؛ لأن الشركات الأمنية ​​الصينية تحمل العديد من المخاطر نفسها التي تحملها جل الشركات الأمنية الأخرى، مثل الافتقار إلى الشفافية وضعف الرقابة الوطنية والتأثير المفرط على النخب السياسية والأنظمة الحاكمة، وتأجيج الصراعات المجتمعية. بل بالتعمق في أنشطة شركات الأمن الصينية، يمكن القول: إن هذه الشركات الأمنية الصينية ليست خاصة؛ إذ تتحكم الدولة الصينية فيها وتخدم مصالحها، خاصة أن الشركات المملوكة للدولة الصينية تنفق حوالي 10 مليارات دولار سنويًّا على الأمن في جميع أنحاء العالم وفقًا لتقديرات حديثة(20).

توقعات واستنتاجات

إن تطورات المشهد الأمني وتزايد المنافسة في القطاع الأمني في إفريقيا تعطي انطباعًا بأن طبيعة أعمال الشركات الأمنية الصينية في إفريقيا قد تنتقل قريبًا من الحراسة البسيطة إلى الأنشطة العسكرية المعقدة، خاصة في المناطق أو البلدان التي تعاني من الصراع وعدم الاستقرار حيث تكون الخدمات الأمنية المطلوبة أكثر تطورًا وتكلفة من حيث المطالب الأمنية الإضافية ومتطلبات الموارد البشرية.

وتؤكد على ما سبق حقيقة أن المؤسسات الأمنية الصينية أصبحت تُكيف نماذج أعمالها بحسب البيئات التنظيمية المتنوعة ولتجاوز القيود والقونين المحلية في الصين والدول الإفريقية؛ ففي جنوب إفريقيا، تعمل شركات الأمن الصينية بالتشارك والتعاون مع الشركات المحلية لتفادي قواعد العمل والتنظيمات الصارمة. وفي كينيا التي تتساهل فيما يتعلق بقواعد وتنظيم الشركات الأمنية الخاصة الأجنبية؛ يتعامل مقاولو الأمن الصينيون المدربون بشكل مباشر مع قوات الأمن المحلية ويقدمون لها رواتب إضافية وتدريبات وتقنيات واستخبارات ومعدات.

ومن أجل الخبرات الاحترافية والتغلب على بعض المعوقات القانونية والميدانية؛ تجند بعض الشركات الأمنية الصينية قدامى المحاربين من الجيوش الغربية لتشكيل مجموعات صينية بإدارة الغرب وملكية الصين. ومن قبيل هذه المجموعات: “Frontier Services Group” التي تتخذ “هونغ كونغ” مقرًّا لها وتملكها بالكامل شركة “CITIC Group” الصينية ويديرها “إريك برنس” مؤسس “بلاك ووتر”. وقد تعرضت هذه الشركة لانتقادات بسبب أنشطتها في عدد من البلدان الإفريقية، بما في ذلك كينيا والصومال وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية(21).

يضاف إلى ما سبق أن تزايد الشركات الأمنية الخاصة الأجنبية في إفريقيا وتصاعد التعاون بينها في المشاريع الأمنية يوفران نظرة ثاقبة لما يمكن توقعه في صناعة الأمن الإفريقية، بدءًا من الاحتجاجات المحلية التي قد تقودها منظمات المجتمع المدني مرورًا بالإجراءات القانونية ضد الشركات الأمنية الصينية الخاصة، وذلك لسببين رئيسين؛ السبب الأول: أن هناك شكوكًا كبيرة بين مجموعات المجتمع المدني الإفريقي حول أهداف الخدمات الأمنية الأجنبية نتيجة لانخراط المرتزقة الأجانب في النزاعات والحروب “الأهلية” الأكثر دموية في إفريقيا.

والسبب الثاني: أن مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية واجهت غضبًا شعبيًّا في دول إفريقية مختلفة والضغوطات على الحكومات الإفريقية من قبل منظمات المجتمع المدني من أجل الانفتاح والرقابة على الشركات الصينية والأجنبية العاملة في إفريقيا، كما هي الحال في كينيا التي اعترضت فيها منظمة قانونية على شرعية صفقة سكة حديد قياسية للسكك بين البلاد وشركة الطرق والجسور الصينية، ونتج عن ذلك، في يونيو/حزيران 2020، إعلان محكمة الاستئناف الكينية أن المشروع غير قانوني(22). وفي زيمبابوي، في سبتمبر/أيلول 2020، حُظرت الشركات الصينية من جميع عمليات تعدين الفحم في حديقة “هوانج” الوطنية بعد الإجراء القانوني الذي اتخذته جمعية القانون البيئي الزيمبابوي.

وفي نيجيريا، وقعت ضجة كبيرة، عام 2020، بسبب مخاوف من القروض الصينية وخاصة قرض عام 2018 بقيمة 400 مليون دولار الذي قدمه “بنك الصين للاستيراد والتصدير” لبناء مشروع المرحلة الثانية من البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات النيجيرية(23). وكثيرًا ما تشهد زامبيا مظاهرات مناهضة للشركات الصينية وضد تعامل إدارة هذه الشركات الصينية مع الموظفين المحليين في قطاع التعدين(24). أما في زيمبابوي، فقد طالب أمر قضائي الحكومةَ بتزويد الجمهور بتقارير حالة محطة “Sengwa” للطاقة التي تبلغ تكلفتها 3 مليارات دولار وتبنيها شركة صينية(25)، بالإضافة إلى أحداث مماثلة في غانا وغينيا وغيرهما.

ويستنتج من العرض السابق أن لانتشار شركات الأمن الأجنبية عواقب أمنية وسياسية كبيرة على إفريقيا، لأنه يضعف موقف الحكومة كمزود الأمن الرئيسي داخل الدولة ويزيد من خطر انتهاكات حقوق الإنسان. وفي حين أن المؤسسات الأمنية الصينية أقل بروزًا في القارة مقارنة بالمؤسسات الأمنية الغربية والروسية، فإن الانتقادات المحلية والتحركات الوطنية الإفريقية ضد المؤسسات الأمنية الغربية والروسية ستؤثر على المؤسسات الأمنية الصينية.

وأخيرًا، يُظهر ما سبق أن شركات الأمن الصينية الخاصة في إفريقيا لا تزال في طور التطور والبحث عن تعاون إفريقي وغربي في مجال الأعمال الأمنية. وبالرغم من أن معظم الدول الإفريقية تملك أطُرَ رقابةٍ وترخيص لتنظيم الخدمات الأمنية؛ إلا أن هناك حاجة إلى إطار تنظيمي أكثر شمولًا بشكل محلي وإقليمي وقاري إفريقي لتحديد أولويات مصالح المواطنين الأفارقة والدفاع عنها، ولفرض قيود وضوابط وتوازنات لمنع أن تصبح الخدمات الأمنية الخاصة أدوات ضغط سياسي.

حكيم الأدي نجم الدين

باحث نيجيري مختص بالقضايا التعليمية ومهتم بالشؤون الإفريقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock