السياسةالعمل والمستجدات

1 – الشيخ الصالح توري وجهوده في خدمة الطريقة المريدية:

1 – الشيخ الصالح توري وجهوده في خدمة الطريقة المريدية:

فهو سليل أسرة علمية معروفة بالتدين والورع والصلاح وخدمة القرآن وعلومه، فوالده الشيخ مدو كمب توري كان من كبار مصادر الشيخ الخديم رضي الله عنه من أهل مباكول ، وكان الشيخ مدو كمب توري صديقا مقربا جدا للشيخ أبي بكر جخاتي ابن القاضي مجخاتي كل ، وقد كتب بعض الأشعار والوصايا في حقه.

وأما أمه فهي السيدة الطاهرة (سخن أنت خوما) من أسرة الولي الشهير في العصر القديم مام غانة برام خوما في منطقة كجور، وهو الذي هاجر من منطقة الشرق (لعله من منطقة تمبكتو في مالي حاليا ) مع وعدد كبير من أقربائه أتباعه ومريديه، واستقر في منطقة كجور في قصة معروفة مشهورة عند الناس ، وقد أظهر كثيرا من الكرامات في تلك الرحلة الطويلة في خدمة الإسلام ونشر الدين من مالي إلى منطقة كجور.

صحبته مع الشيخ الصالح:
وأما الشيخ صالح توري ، فقد صحب الشيخ الصالح رضي الله عنه منذ طفولته المبكرة ، فقد حضر الشيخ الصالح عقيقته ، وتولّى تسميته بنفسه، وأعطاه اسمه المبارك الصالح. وقد بقي يدرس القرآن الكريم في حجر والده في كر ماجوب بمنطقة مباكول، ثم لما بلغ سورة ق سلّمه والده إلى سميه الشيخ الصالح مباكي، فمن ذلك الوقت إلى الآن بقي في تربيته وخدمته.

البعد الفقهي والعلمي في شخصيته:
اهتم الشيخ الصالح بتكوينه العلمي والروحي والخلقي ، فسلّمه إلى كبار العلماء والمدرّسين في جربل ، فدرس القرآن الكريم على يد الشيخ مور مبي سيسه حتى حفظه وأتقنه حفظا وتلاوة وتجويدا ورسما ، ثم أرسله إلى مجلس العالمين الجليلين الشيخ محمد دم ، والشيخ محمد الأمين جوب الدغاني، فدرس عليهما جميع المتون والفنون في علوم الشريعة والفقه واللغة والآداب العربية، وكان في الدراسة زميلا لعدد كبير من العلماء وكبار الشخصيات في الطريقة المريدية منهم: الشيخ محمد المنتقى الخليفة الحالي، والشيخ مصطفى عبد الرحمن لوح، والشيخ أحمد دام توري مؤلف زاد المسلم في الفقه الاسلامي باللغة الولفية.

وبعد أن نهل من معين هؤلاء العلماء المرموقين في الحضرة المريدية أصبح الشيخ الصالح توري من أكابر الشخصيات العلمية المحترمة في الساحة السنغالية، فهو فقيه وباحث كبير له إنتاجات وإسهامات علمية متميزة في الشريعة الإسلامية ، منها رسالة متوسطة الحجم في بيان حكم تقبيل اليد في الإسلام، وقد دافع فيها بقوة عن شرعية ذلك في الإسلام، وأتى بأدلة وبراهين قوية من القرآن والسنة وفقه الصحابة والتابعين.

وبالرغم من تولي زعامة المريدين في تياس، إلا أن منصبه وعمله الاجتماعي في خدمة المريدين لم يمنعه عن مواصلة البحث العلمي لتوسيع آفاقه المعرفية بالقرآءة والمطالعة، فكان مدمنا على كثرة القراءة والبحث والتنقيب في المراجع والمصادر العلميةفي جميع العلوم الإسلامية الأخرى، فما زال محافظا على عاداته التي تعوّد عليه منذ صغره في البحث والقراءة والمطالعة إلى آخر هذه السنوات. فكانت له مكتبة ثرية تجد فيها الموسوعات الفقهية والعلمية في جميع المعارف الإسلامية من التوحيد والفقه والتصوف إلى النوازل والفتاوى وكتب الحديث والطبقات والمعاجم وكتب البلاغة والأدب والشعر، فهو بحق مكتبة حية متنقلة.

وللشيخ الصالح توري جانب ثقافي آخر في شخصيته ، فهو شاعر مطبوع يمتاز بموهبة شعرية فنية عجيبة وباهرة، وله مجموعة كبيرة متناثرة من الأشعار والقصائد الرائعة في مختلف المواضيع والأغراض الشعرية : منها المدح والحكمة والنصيحة الخ .

مدرسته القرآنية والعلمية:
ومع مساهماته العلمية المتميزة، حرص الشيخ الصالح توري على مواصلة مهام أجداده في خدمة القرآن الكريم ونشر العلوم الشرعية، فأقام مدرسة قرآنية متميزة في جانب المسجد الذي يؤم فيه العيدين بمدينة تياس، وقد بلغ عدد التلاميذ فيها 250 شخصا، يتكفل الشيخ بجميع نفقاتهم ولوازمهم الصحية والمعيشية، كما يتولى رعايتهم وتربيتهم الدينية والفقهية، وفي كل سنة يتخرج فيها عدد كبير من الحفاظ لا يقل عن عشرة كل عام.

وإلى جانب المدرسة القرآنية حرص على تربية أبنائه وعياله تربية صوفية صارمة، فقد أرسلهم جميعا إلى مدارس الشيخ الصالح يتعلمون الدين وأصول الشريعة والأخلاق الفاضلة، وبعد عودتهم إلى حجره أمرهم بالتدريس والتحفيظ وإقامة مجلس علمي لتدريس التوحيد والفقه والتصوف واللغة والبلاغة والأداب والأصول، وقد صار هذا المجلس أكبر محظرة علمية في منطقة تياس لتخريج العلماء والفقهاء والباحثين ، ومن أشهر من يتولون مهمة التدريس من أبنائه هنالك :مرتضى توري ، ومصطفى توري، وباي دام توري، وصالح توري الصغير ، وشيخ خدي وشيخ توري كبيرهم وأبو توري ، وغيرهم .

البعد الصوفي الرباني في شخصيته:
بقي أن نتحدث عن جانب آخر من شخصية الشيخ الصالح توري المتعددة الجوانب ، فبالرغم من البعد الفقهي والعلمي والثقافي في شخصيته، إلا أنه كان عارفا ربانيا، مريدا صادقا، وصوفيا فانيا في محبة الشيخ الخديم وخدمته ، فقد بقي في صحبة الشيخ الصالح وخدمته ومساعدته في إدارة شئون مدارسه التربوية مدة طويلة ، فبعد إتمام دراسته في جربل أرسله إلى مدرسته في غوت مع بعض المريدين للإشراف على التعليم القرآني هناك، ثم بقي ينتقل بين مدارس الشيخ حسب إرشاداته وتوجيهاته، فقد عاش في جميع المدارس التي أسسها الشيخ الصالح، وكان من القادة والمساعدين للشيخ عند تأسيس كل مدرسة، وبعد أن تستتب الأوضاع في هذه المدرسة الجديدة كان الشيخ ينقله إلى مدرسة أخرى لثقته الكبيرة فيه ولزهده وورعه وإخلاصه وتفانيه في خدمته رضي الله عنه. فكان حضوره في كل مكان يبعث الثقة والاطمئنان في قلب الشيخ رضي الله عنه
وكان طيلة سيره وسلوكه مجذوبا سالكا فانيا في محبة الشيخ وخدمته، وقد صدر منه خوارق وكرامات وكشوفات عجيبة ومتعددة أثناء صحبة الشيخ وخدمته في مدارسه التربوية، وكان له شرف القدرة على رؤية النبي صلى الله عليه وسلم والشيخ الخديم؛ كرامة لشيخه الصالح رضي الله عنه. وقد عاش كل حياته في صحبة الشيخ الصالح وخدمته ومساعدته في تدبير أمور المدارس والخلافة ، ولم يزل يرافقه ويؤازره في جميع الأمور إلى أن لحق الشيخ رضي الله عنه برحمة ربه عام 2007 م ، فكان من بين من تولوا تجهيزه، وكفاه ذلك شرفا وعزة في الدنيا والآخرة.

جهوده في خدمة المريدية:
وإلى جانب مهامه في خدمة الشيخ الصالح رضي الله عنه ، تولّى مشيخة وإمامة المسجد الجامع في تياس بإذن من الشيخ عبد الأحد مباكي عام 1980 م ، وقد روى الشيخ توري نفسه تفاصيل تنصيبه هناك في تسجيلاته على اليوتوب، وقد استطاع طيلة وجوده في هذا المنصب أن يعزّز الوجود المريدي في منطقة تياس وما حولها ، حيث كانت من أهم المناطق حيوية وحساسية في السنغال، حيث يوجد فيها جميع مكونات الشعب السنغالي من عرقيات وديانات واعتقادات وحركات وطرق صوفية ، وقد استطاع خدمة الشيخ الخديم خدمات جليلة في هذه الأماكن ، فكان بيته مأوى الأرامل والعفاة والمرملين وأبناء السبيل والسائلين وكذلك كبار الأعيان من أصحاب المناصب من الوزراء والعلماء والمشايخ المورتانيين، وهو ينفق كل ما لديه من الأموال في خدمة حاجات الملسلمين ، ويقضي أوقاته كلها في إصلاح ذات البين ومساعدة الضعفاء والمساكين، وتسوية المشاكل بين الناس والسعي في قضاء حوائجهم.
ومنذ ما يقرب من أربعين سنة، لم يزل الشيخ الصالح توري في هذه الخدمة إلى أن أقعده المرض وكبر السن ، ونسأل الله له أن يمدّ في عمره ويبارك فيه ، وأن يجازيه عن الاسلام والمسلمين خير ما يجزي عبدا أحسن .

مقتطف من كتاب
مربي الأجيال الشيخ صالح مباكي رضي الله عنه

نقلا من صفحة سرين شعيب كبه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock