الثقافةالدين و الترييةالسياسةالصفحة الرئيسية

سؤال الاصلاح بين الدين والوطن: جامع مسالك الجنان أنموذجا

تم تدشين أكبر جامع في غرب أفريقيا في قلب العاصمة السنغالية دكار، جامع مسالك الجنان الفريد من نوعه بقاعاته ومآذنه وملحقاته بالإضافة الى زخارفه ونقوشه. وبحسب المصادر المطلعة بلغت تكلفة الجامع الإجمالية الى ثلاثين مليون يورو أي ما يقارب 20 مليارد فرنك سيفا. ويكفي الجامع لآلاف المصلين، كما استغرقت بناؤه آكثر من سبع سنوات وبني على مساحة 6 هكتاىات. ويرجع اسم الجامع نسبة لعنوان كتاب من مؤلفات مؤسس الطريق المريدية في السنغال الشيخ أحمد بمباامباكي رضي الله عنه ، وجاء تدشين هذا الجامع الشامخ في قلب دكار في ظل وجود أراض استراتيجية وضعها الاستعماروخصصها من أجل بناية مؤسسات تعليمية راقية تضاهي تلك التي تتواجد في الغرب لتغري شباب وشابات السنغاليين من أجل الالتحاق بها، وذلك خدمة وتكملة لمشارعهم التي شرعوها أيام الاستعمار لتغريب البلدان المستعمَرة بأي ثمن، فلذا يعد هذا الجامع ثورةً وانتصاراً جديدا في العمل الاسلامي الصّوفي في السنغال، حيث حارب أمجاد هذه الدولة المستعمِر الفرنسي بالفكر والحكمة، فما ادّخروا الغالي ولا النّفيس من اجل إقامة شرع الله وتعاليمه السامية على الأرض، وذلك لبناء وطن مزدهر.

إن بناء المساجد وعماراتها على الأرض، تعد من أعظم القربات والطاعات، ولا يقوم به إلا من أقرّ قلبه بالإيمان ورجى الثواب والقبول من ربّ العباد كما جاءت في الآية الكريمةإنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش الا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين.” ١٨ سورة التوبة.

فجزى الله شيوخ الصّوفية في السنغال عنا وعن الإسلام خير الجزاء، لقد علموا أن بناية الوطن يرتكز بشكل أساسي في بناية الانسان أولا من خلال ثلاثة أمور أساسية من أجل النهوض والركوب الى السفينة الدول المتقدّمة، وهي المئذنة والمدرسة والمزرعة، بعبارة أخرى العبادة والتعليم والعمل. ذي ثلاثة أمور مهمة لتحقيق  تنمية مستدامة، لقد فهمها شيوخ الأمة وحرصوا على إقامتها ونشرها في شتى المدن والقرى التي يقيمون بها.

فهنيئا لسماحة الخليفة المريدية وسوالفه على وجهالخصوص وأتباع الطريقة المريدية وجميع أطياف الشعب السنغالي المسالم على وجه العموم على هذا الإنجاز الخالد بإذن الله، داعين لسماحة الخليفة العامة التوفيق التمكين في مسيرته خدمة الخادمية.

ولا شك لهذا المشروع الضخم تداعيات ودروس مهمّة يتوجب التوقف عليها وتشخيص حالتها اجتماعيا اقتصاديا سياسيا وسياحيا.

الدروس المستفادة وراء مشروع مسالك الجنان.

اجتماعيا: أثبت هذا المشروع قدرة التصوف المؤسساتي في التأثير على رأي العام بشكل مباشر، فنلاحظ التلاحم الوطني منذ أن وضع الشيخ منتقى بشير امباكي حفظه الله قدميه في دكار قبل أيام من تدشين الجامع رسميا، حيث استقبل عدد من الزوار بما فيه الشخصيات الدينية بمختلف اطيافها فضلا عن زيارات ساسة فاعلة في الساحة، مهنئين له وللطريقة المريدية على هذا الإنجاز الرائع، مما يعني انفتاح الشيخ على كافة مكونات الشعبالسنغالي.

لقد مرّبنا اسبوعان الحافلان بالأحداث الساخنة ناتجة عن قضية كتاب التاريخ العام للسنغال، وقضية التلميذات المسلمات في مدرسة كاثوليكية بدكار، مما أثار الجدل في أوساط المجتمع، وقامت بتغطيتها وسائط الإعلامالمحلية بشكل كبير، الامرالذي كاد أن يهدد بل أن يهدم التلاحم الوطني والتعايش السلمي بين الجموع  والاستقرار الاجتماعي الذي نألفها منذ فجر التاريخ.

إذ يأتي هذا الجامع في وقت حرج، لتوحيد صفوف المسلمين ولفتح آفاق الحوار وتقريب وجهات النظر، ونزع مفاهيم الجمود الفكري والتّطرّف الطائفي، فضلا عن نشر تعاليم الإسلام وشريعته بصورته السليمة الصحيحة.

سياسيالاشك ان تدشين هذا الصرحالشامخ، اعقبه أمورا عديدة لم يكن يخطر في بال أحد ربما، وبوتيرة متسارعة، على سبيل المثال، تصالح الرئيس السابق السيدعبد الله واد والرئيس الحالي السيد ماكي صال عن طريق الخليفة العامة للمريدية، بعد سبع سنوات من التقاطع، لقد حاوله قبله كبار الشخصيات، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، فشاء الله أن يكون التصالح خلال تدشين جامع مسالك الجنان من خلال وساطته المنتقاوية لتقارب المتخاصمين في أفضل وقت وأطهر مكان، مما يعني مدى تأثيرالتصوف المؤسساتي في المجتمع في كافة المجالات. ولم ينته الامر عند هذا الحد، بعد يومين فقط من التصالح بين السيد واد وصال على أيدي سماحته، بل تم إطلاق سراح السجين عمدة العاصمة دكارسابقا خليفة صال، إذ يرى المراقبون أن إطلاق سراح الأخير بعد سنتين وراء القضبان امتدادا لوساطة المنتقاوية من أجل ترطيب وتهدئة جو العام السياسي والاجتماعي في السنغال.

اعتبارا على ما سبق، فإنه آن الأوان لساستنا أن يقدّروا زعامة المشيخة الدينية في الشؤون العامة من خلال النصح والإرشاد ب حتى المشاركة في تسيير شؤون العامة.

لقد برز النجم رجل الأعمال السنغالي السيد امباكيو فاي مندوب الخلافة العامة المردية في دكار في مشروع مسالك الجنان، الذي تولى المتابعة والتنسيق لهذا المشروع الكبيرلقد أدار السيد فاي المشروع بكل شفافية، حيث كان يقدم التقارير بشكل دوري عن مجريات المشروع. وأعلن في وقت سابق عن تاريخ التدشين وأوفى بوعده، واكتمل المشروع بتوفيق الله بكل تفاصيله، فأصبح الجامع جاهزا للاستقبال الزوار والمصلين.

يا ليت يتعلم ساستنا من هذا الرجل حول كيفية إدارة مشاريع العامة، والوفاء بالعهد المعلن، مع الأسف مشاريع العامة السنغالية بما فيها الجسور والسكك الحديدية والاشغال العامة الأخرى تُدشَّن اعتمادا على التاريخ الانتخابي في السنغال من أجل ذر الرماد في العيون وإغراء المواطنين من خلال تدشين المشاريع الغير المكتملة أصلا للحصول على الأصوات في الانتخابات.

اقتصاديا: يعلمنا مشروع جامع مسالك الجنان أنه بإمكاننا الاعتماد على أنفسنا، والقيام بالتمويل الذاتي لمشاريعنا العامة إذا تكاتفنا الجهود دون الاعتماد على التمويلات الخارجية المضِرّة وقروض المؤسسات البنكية العالمية السامة، التي غالبا ما تحدد نيتها عن مصير تلك الاموال، وتضع شروطا معينة لها، بالتالي الأجيال القادمة هي تتضرر في دفع هذه القروض مهما طال الزمن. وبإمكاننا كذلك وطنية المشاريع العامة اي تشييد مشاريع العامة من قبل الشركات المحلية في وقت محدد دون الاعتماد بشكل كلي على الشركات الأجنبية. تشير التقارير الى ان المشروع أُنجز بنسبة كبير من قبل آيادي عاملة سنغالية، والشركات المحلية كما تم الاستفادة من خبرات الشركات التي شاركت في تشييد جامع مسالك الجنان.

سياحيا: إن وجود هذا الجامع الكبير الجميل في قلب العاصمة دكار التي امتلأت بمعالم بعضها تتضمن شعارات ماسونية، وملاهي للهو واللعب، ستضفي هذاالجامع الكبير للعاصمة وجها آخر يتضمن شعار الإسلام ويرتفع من مآذنها ويعلو صوت ندائها ليعم الآفاق. ليعلمالسياح أن ليس في دكار معلم النهضة الإفريقية والمسرح الكبير وجزيرة غوري وبحيرة وردية وما الى ذلك من معالم سياحية أخرى، ولكن من الآن فصاعدا، ثمة جامع كبير يتسع لآلاف المصلين وأن السنغاليين لا يهتمون ببناء التماثيل والملاعب والمسارح بقدر ما يهتمون ببناءالمساجد، وأن السنغال وإن كانت بلدا علمانيا حسب الدستور فهي بلد إسلامي يسكنها مسلمون مهتمون بدينهم، ومتمسكين به.

وتعد الجوامع والمعابد من اهم العوامل السياحية التي تجذب السُيّاح في مختلف أنحاء العالم كتركيا مثلا، تهتم السلطات بل وتعتني بها بشكل كبير في جذب السياح، حتى وظّفوا مواطنين أكفاء للقيام بواجب دعوي للزّوار وتعليمهم مبادئ الديانة الإسلامية.

وفي الختام، نجدد تهانينا الحارة الى سماحة الشيخ المنتقى امباكي وإلى الأمة الإسلامية على الإنجاز الرائع، متنين له دوام الصحة والعافية ليواصل مسيرة الخادمية بإن الله، ان الله ولي على ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وسلم.

زين العابدين أحمد

اعلامي كاتب، وباحث في علم الاتصال،،،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock