السياسةالعمل والمستجدات

معادلة ماركسية ، ورؤية نبوية . عبد الرحمن بشير

معادلة ماركسية ، ورؤية نبوية . عبد الرحمن بشير
………………………. …………. …………………
يقول كارل ماركس : الفقر لا يصنع الثورة ، وإنما وعي الفقير هو الذي يصنع الثورة ، الطاغية مهمته أن يجعلك فقيرا ، ومهمة رجل الدين التابع للطاغية ، أن يجعل وعيك غائبا ، هكذا كان يفكر المفكر الألماني الكبير كارل ماركس فى الزمن الماضي قبل أن تجتمع فى محاربته الكنيسة والمسجد ، الرأسمالية والطغاة فى العالم العربي، كان على وعي كامل بأن الخريطة الفكرية فى العالم مشوشة ، ومشوّهة ، لأن هناك مجموعات مختلفة تلعب أدوارًا متباينة ، وخطيرة ، والجميع متفقون فى صناعة الفقر ، وليس فقط فى قبول الفقر كحالة عامة فى العالم .

لدينا كما يقول كارل ماركس معادلة رياضية فى المجتمع ، هنا فقر ، وعندنا كذلك حكام ، ورجال دين ، فالشعب فقير ، ولكن هناك من يقنعه بأن الفقر عدل السماء ، وليس ظلم الأرض ، ولا أحد يقف أمام إرادة السماء ، وقدر الحق ، وهذا الدور له رجال ، ورجاله يتكلمون باسم السماء ، بل باسم الحق المطلق ، ولهم فى ذلك قدرات عالية ، ويلعبون فى تزييف العقل البشري ، ويجعلون الناس يلغون عقولهم ، ولا يتكلمون أمام رجال الدين ، ومن هنا يصبح العقل غائبا عن الوجود ، فلا يلعب دوره الأساسي فى الفهم ، ولا فى النقد ، ولهذا يجد الحاكم فرصته الغالية فى صناعة الفقر الممنهج .

إن رجل الدين يرى بآن الفقر مصيبة ، ومشكلة ، ولكنه قدر من السماء ، فيوجّه خطابه فى المعبد نحو الفقراء ، ويأمرهم بالصبر والصلاة ، ويذكرهم بالجنان فى الآخرة ، ولا يوجّه كلامه نحو الغني الا قليلا ، فيطلب منه الإحسان الفردي ، فيطلب منه الرحمة والرأفة ، وكفى ، ولكن من أين اكتسب الغني غناه ، ولماذا يزداد الفقير فقرا ؟ وما هي السياسيات التى صنعت الفقر وأوجدته ؟ كل ذلك لا محل له فى الإعراب ، ومن هنا ، خرج ماركس عن المسيحية وأعلن إلحاده ، وتمرّد على الكنيسة ، وقال قولته المشهورة ( الدين أفيون الشعوب ) .

لقد ظهر ماركس فى زمن الرأسمالية الطاغية المتجبرة ، والمتحالفة مع رجال الدين ، ولم يقرأ الفكر الإسلامي وعلاقة هذا الفكر بالمال ، ونظرة الدين الإسلامي إلى الفقر ، وكيف عالج الإسلام مسألة الفقر ؟
لقد واجهت البشرية ، ومنها المجتمعات المسلمة قوة الفقر وخطره على الفطرة ، والإيمان ، ولهذا وجدنا الشاعر وهو يقول :
كم عالم عالم أعيت مذاهبه. وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذى ترك الألباب حائرة وصيّر العالم النحرير زنديقا .
إن الفقر خطر كما يقول العلامة القرضاوي فى كتابه ( فقه الزكاة ) على الناس فى حياتهم الأسرية والمجتمعية ، وعلى العقيدة والأخلاق ، وعلى الفكر والعلم ، وعلى الحاضر والمستقبل ، ولهذا أعلن الإسلام حربه عليه ، ولم يقف منه موقف المتفرج كما صنعته الكنيسة ، ولم يقدس الفقر كذلك كما دعت إلى ذلك بعض الأديان والحركات المتصوفة ، بل رأى الإسلام على أن الفقر عدوّ أساسي ، وضرر بالغ الخطورة ، وقد رُوي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بأنه قال : ( لو كان الفقر رحلا لقتلته) .

إن الماركسية ترى الفقر مشكلة مصطنعة ، وكذلك الفقه الإسلامي يرى بأن الفقر صناعة بشرية ، ولهذا يقرر الفقه بأنه ما جاع فقير إلا بمنع الأغنياء من حقوق الفقراء فى أموالهم ( والذين فى أموالهم حق معلوم ) فى أموال الأغنياء حق معلوم للفقراء والمساكين ، وليس من حقهم المنع ، بل الدولة أن تأخذ منهم بقوة القانون ( خذ من أموالهم صدقة ) ، وفى تلك الأموال حق وواجب ، حق للناس الذين هم الأساس فى الدولة ، وواجب على الاغنياء الذين حصلوا تلك الأموال من جيوب الفقراء ، ولم تنزل عليهم من السماء ، فالمال فى الفكر الإسلامي لا يجب ان يكنز عند طبقة معينة ، ولا يجب أن يحتكر عند مجموعة معينة ، بل يجب أن يتحرك ويعمل ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) .

إن المال فى الإسلام خادم ، وليس مخدوما، ووسيلة وليس هدفا ، وعاملا لصناعة الحياة ، وليس عاملا لخلق الطبقية فى المجتمع ، فالفكر الإسلامي لا يحارب الطبقة الغنية كما فعلت الشيوعية التى أوقفت الحراك المالي ، ولا يعمل كما تعمل الرأسمالية حيث تمنح الاولوية للطبعة الغنية ، ولكنها لا تهمل الطبقات الفقيرة ، وإنما لا تعمل فى إزالة الفقر ، بخلاف الإسلام الذى يجعل الفقر جريمة إنسانية ، ومشكلة دينية ، ولهذا فهو يضع المشروع المتكامل فى محاربة الفقر من تسهيل للعمل ، وصناعة البيئة الداعمة لعدم تعطيل المواهب والطاقات ، وخلق الفرص أمام القادرين ، وجعل الزكاة نظاما عاما فى تحرير الناس من الفقر ، ولهذا رأينا كتاب الله يقسم الناس إلى نوعين ، نوع يحتاج إلى تحريره من الفقر ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم ) هذا النوع من البشر يجب تمليكهم للمال تمليكا يحررهم من الفقر والعوز ، أما النوع الثانى فهم الذين يجعلهم النظام المتعلق بالزكاة أحرارا من سطوة الحاجة بحيث يخرجهم من التبعية ، أو الذل ولهذا جاءت الآية فى حقهم ( وفى الرقاب والغارمين ، وفى سبيل الله وابن السبيل ) ، فهؤلاء لا يملكون شيئا من الزكاة ، وإنما يجدون من الزكاة حلا لمشكلاتهم الإقتصادية والاجتماعية ، ومن هنا نعرف قيمة الزكاة كشعيرة دينية ، وفريضة اجتماعية ، وكحل أخير للفقر .

فى هذه الكلمة ، أردت أن نعرف أن ماركس وجد فى بيئته ما نلاحظ اليوم من بعض الوعاظ عندنا ، فهم قد يصدون عن سبيل الله بسوء فعلتهم ، وكلامهم غير العلمي ، والموضوعي ، وعدم معرفتهم للواقع البشري ، وأن بعض الدول بسبب توزيعهم غير العادل للثروة الوطنية يخلقون الفقر ، ويزدادون هم ومن كان معهم غني ، ومع هذا فالخطيب ، او الداعية لا يوجه كلامه نحو الجميع ، ولا يتصرف تصرفا بليغا ، ومتوازنا ، ومن هنا نجد اليوم من بعض المتعلمين هروبا من المساجد ، والسبب هو أن رجال الدين عندنا يتصرفون بلا علم وحكمة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock